عندما تعجز كل الوسائل عن التعبير.. يأتي الشعر!

حوار مع عبد الناصر الجوهري

حاورته: سماح هاشم


عبد الناصر الجوهري شاعر مصري صدر له حتى الآن 17 ديواناً شعرياً، منها "صرخة لا تجف"، و"موءودة لا تُجيد الصُّراخ"، و"مومياء لشخص يشبهني". وحصل على عدة جوائز عن أعماله الإبداعية منها: جائزة شعر الفصحى من اتحاد كتاب مصر، والجائزة الأدبية عن هيئة قصور الثقافة، وجائزة نادي تراث الإمارات، وتم اختياره من بين أفضل 35 شاعراً بالوطن العربي في مسابقة أمير الشعراء عام 2008، تبنت أعماله الشعرية قضايا عديدة منها استلهام الموروث وقضايا الشعر العربي، والشعر المقاوم، وكذلك الرومانسي والعشق.. وقد كان لنا معه الحوار الآتي:


 ماذا عن دواوينكَ الشِّعْرية؟

صدر لي سبعة عشر ديوانًا فصيحًا أغلبها أصدرته من دور نشر خاصة؛ لأن سلاسل المؤسسات الثقافية وضعتني في طوابير الانتظار، وحرمت من النشر لديهم، والجميل أن مشروعي استمر بعيدًا عن تلك السلاسل المحتكرة، أول مجموعة شعرية صدرت لي كانت بعنوان "الشجو يغتال الربيع" عام 1999م، ومؤخرًا صدرت مجموعة شعرية لي بعنوان "من وريقات الحنين" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2022م.

 ما مصدر الوحْي في شِعْركَ؟

أولا: يجب تفسير مصطلح مصدر الوحي، فالوحي منه: وحي إرسال "التشريع" ثُمَّ وحي رؤيا، وهما للأنبياء، ثم وحي إلهام.. للخواص من الأولياء وأهل الكرامات، وهناك رأي يذهب إلى أن الوحي نوعان: وحي فعل: وتجده مع "الأنبياء" يأتي على هيئة مَلكٍ أو رؤيا أو استنطاق للجماد، وحي قول: وتجده مع "الشعراء" ويختص بالشِّعْر، والتشابه بينهما يكون في الأعراض، حيث يكون الشاعر حين الوحي أشبه ما يكون بكائن آخر أو غائب عن مظاهر الحياة من حوله.

ومصادر الإلهام في شعري متعددة منها الحزن، فهو أكبر مصدر، فالفرح ليس مهنتي كما قال الشاعر السوري محمد الماغوط، يليه المرأة فهي ملهمة قصائدي، يليها الحرمان العاطفي، يليه الشعر العربي وقضاياه، ثم الطبيعة الساحرة، ثم اليتم والفقر... ويسبقهم جميعاً الوطن والتحرر الوطني، وأخيراً استلهام التراث العالمي.

 هل خلف كل ديوان مصدر إلهام؟

أولا المعاني والأفكار مطروحة على الطريق كما قال الجاحظ، ثانياً الشاعر المبدع هو الذي يلتقط الفكرة المبتكرة، ثالثاً خلف كل قصيدة مصدر إلهام، وليس كل ديوان. وعلى سبيل المثال في ديوان "لا عليكِ"، نجد فيه "هل مات الجاحظُ" و"الكلابُ تنبح" وهما يتناولان هموم اللغة العربية وعلومها بجوار قصيدة "وطنٌ يفرش حلمًا"، وهي تتحدث عن الحنين للأرض، كما نجد قضايا التحرر بجوار قصيدة "مرثية للعشق"، وهي تتناول الرومانسية وفراق الأحبة... فالديوان مجموعة قصائد قد تكون متفاوتة زمنيًا، وإذا اجتمع التجانس في غرض شعري معين أو قضية فرضت نفسها على وجدان الشاعر، يصبح الديوان في هذه الحالة يشكل همًا وخطابًا شعريًا مشتركًا في كل القصائد داخل الديوان الواحد، مثل ديوان "حديث البراءة" الذي تتبنى كل قصائده مُجتمعةً مواجع الشعب الفلسطيني، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

 ما أبرز إصداراتك الشعرية؟

الشجوُ يغتال الربيع - مايو 1999/ حبَّاتٌ من دموع القمر - يناير 2002 م/ لا عليكِ - مايو 2006 / المهرجُ لا يستطيع الضحك - ديسمبر 2006 / لمن تهدرين شجوني؟ - ديسمبر 2006م/ مكلومٌ هدَّه الشوق - يوليو 2007م/ ماذا الآن أُسمِّيكِ؟ - ديسمبر 2008م/ على باب المليحة – يناير 2016/ حديث البراءة – يناير 2016 / أعدكِ ألا أحبكِ - 2016 / برزخٌ يليقُ بالعشق - 2016/ مومياءٌ لشخصٍ يشبهني - 2021م/ دعوى لم ترفعْ بعدُ – يناير 2015 / موءودةٌ لا تُجيدُ الصُّراخ - 2017 / صرخة لا تجف - 2014/ من وريقات الحنين – يناير 2022.

 هل تكتب في أجناس أدبية أخرى غير الشعر؟

أكتب -أيضاً- بجوار المجموعات الشعرية.. النص المسرحي الطويل، وقد صدر لي:
الشمسُ تلملم أسمالها - مارس 2003 / في الواق واق - يوليو – 2009.

 ما القضايا التي تبنيتها في أعمالك الشعرية؟

تبنيت عدة أفكار من خلال نصوصي فالشعر بالنسبة لي، ليس كما زعمت العرب، يلهمهم به الجن في وادي عبقر، ولا كما زعمت الإغريق يلهمهم به ربّات الإلهام، بل هو تدفق عفوي للمشاعر، ومنحة من الله.. وكما يقول البلاغيون الإلهام هو ألف الشعر وياؤه، واللغة هي وعاء القصيدة، واللغة العربية تزيد عن اثنتي عشر مليون كلمة، وأنا مع الرأي القائل كل لفظ مات واندثر قابل للبعث لتدبّ فيه الحياة من جديد.

أنا ضد الفوضى في كل شيء حتى في كتابة القصيدة العربية فأنا أرى ضجيجًا ولا أجد طِحناً،

أنا أحبُّ أن يراني الناس كعصفورٍ يُنشد مواجعهم وأحلامهم، ولكنني في كتاباتي أنحاز للبسطاء. أنا شاعر بين شقي الرحى بين "شللية" أندية الأدب، و"منتديات العامية المصرية" من ناحية، وفرض الرواية فرضًا في دور النشر من ناحية أخرى.

 هل تخشى تحليل النقاد لشعرك؟

لا.. فهناك رأي يقول: "تحليل أي نص ينطلق من اللغة وينتهي بها"، وأنا أثق في لغتي.

يقولون: إن الشِّعْر العربي مرآةٌ يرى المجتمع نفسه فيها، ولكنهم يحاولون تحطيم وكسر هذه المرآة. كما أنني كأبي تمام مُبتلى بدوّامة التفكير لاصطياد المعاني المُخترعة والصور المبتكرة،

لا أزال أستمد الكثير من استعاراتي الشعرية من طيبة أبي وحسّه الفكاهي، كما أستمد من أمي الريفية صلابتها.

 متى يأتيك شيطان الشعر؟

"عندما تعجز كل الوسائل عن التعبير يأتي الشعر"، كما قال الباحث قاسم حول، والشعر لا يقبل التجزئة إما أنك شاعر أو لست بشاعر.

 في قصائدك تحاول أن تبتعد عن جمود اللغة أو غموضها أو انغلاقها أو ترهلها، كيف نجحت في ذلك؟

بالنسبة للابتعاد عن الجمود: الجمود هو فقدان القدرة على التأثير، والشاعر الحقيقي هو الذي يجعل من اللغة العربية كائنًا حياً يتطور على الدوام بتطور المجتمع، كما يقول الكاتب ساطع الحصري.

أما بالنسبة للابتعاد عن غموض اللغة: الغموض هو اختفاء المعنى وصعوبة إدراكه، والشاعر المستنير هو الذي يبتعد عن الإلغاز والصور المبهمة. أما الابتعاد عن الانغلاق: فإنّ الانفتاح في الخطاب الشعري على الماضي "الموروث"، والحاضر "الحداثي" هذا ما أقصده.

وهناك انغلاق إيجابي هو الحفاظ على التراث، وإشباعه بعوامل حداثية بشرط وجود حافز، فالانغلاق السلبي هو التقوقع على الذات والانغلاق على المُستهلك لبعض المعاني الفارغة.

 وضح لنا معنى الابتعاد عن الترهل اللغوي من وجهة نظرك؟

أعني الترهل اللغوي في المفردات التي يستخدمها الشاعر.. الترهل هذا عبارة عن حالة انتفاخ كاذبة في معزل عن التحديث وحركة التاريخ، فالباحث محمد وهبة ذهب إلى أن اللغة العربية تشتمل على ثمانين مفردة للسيف، ولا تحتوي مثلا على لفظة واحدة للهندسة التي اقترضتها العربية من الفارسية؛ فأنا أعمل جاهدًا على عدم تفككك لغتي داخل القصيدة، والاهتمام بوحدة النص حتى يصير النص أكثر تماسكًا، هذا ما أقصده.

 لمن تكتب للنخب أم للعوام؟

أخطر شيء أن تفقد النخب جسر التواصل مع العوام، فكيف تكون اللغة جسراً للتواصل الحضاري مع الآخر، ولا تكون جسراً للتواصل مع العوام.

 يقول ابن خلدون: "إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب" هل تؤمن بهذه المقولة؟

ابن خلدون لخّص الأزمة الثقافية التي نعيشها وتعيشها النخب العربية، وتحاول فرضها على العوام، وتبرر تقليدها "للغالب" صاحب الهيمنة بتلك الشماعة في انتحال جميع مذاهبه وثقافته. وبالرغم من هذه الهيمنة الثقافية والفكرية؛ فقد شاع اللسان العربي في كل قطر، وانتشر الشعر العربي الأصيل، فالقوة تكمن في اللغة بالأساس، واللغة العربية باقية بجميع علومها، من نحوٍ وصَرفٍ، وبلاغةٍ وعروضٍ، وقصائدَ ولغويات أمام كلّ تحدّ قد تواجهه.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها