لماذا من المهم قراءة القصص للأطفال؟

بقلم: فريدريك برنار

ترجمة: حافظ إدوخراز


للقراءة، حينما تُمارس على نحو منتظم، عدد من الفضائل على المستويين المعرفي والوجداني. ومن ثم، يحقق الكشف عن العوامل التي تشجع على هذا النشاط فائدة جمّة، خاصة من أجل تمكين صغار السن من الانتفاع من هذه الفوائد مبكراً وبصفة دائمة. ومن بين هذه العوامل، هناك عامل على وجه التحديد يمكنه أن يمارس تأثيراً مبكّراً على تحبيب القراءة، ألا وهو قراءة القصص للأطفال، أو ما نسميه أيضاً بالقراءة المشتركة.

 

اكتشاف "لغة الكتب"

وإن كان هذا النشاط يبدو سهلاً للوهلة الأولى؛ فإنه يستحث تجربة قوية. فلنطَّلع على كيف وصفت ماريان وولف (Maryanne Wolf)، الأستاذة المتخصصة في نمو الطفل والعلوم العصبية المعرفية بالولايات المتحدة، البعد الظاهراتي (phénoménologique) لهذا النشاط بحدة وحساسية، وذلك في كتابها "بروست والأخطبوط": "فلنتخيل المشهد التالي. طفل قابع في حضن أحد أقربائه ينصت باهتمام بالغ للكلمات التي تتدفّق مثل نهر صغير. كلمات تحكي قصصاً عن جنّيات وتنانين وعمالقة يسكنون أراضٍ بعيدة لم يسبق تخيّلها".

وفقاً لهذه الأستاذة؛ فإن دماغ الطفل الذي نقرأ له القصص يعِدّ نفسه للقراءة في عمر أكبر مما نعتقد. إن معالجة الدماغ لكلمات مثل "جنّي"، أو عبارات مثل "كان في قديم الزمان"، والتي نصادفها نادراً في المحادثات العادية، ستجعل الطفل يتعوّد على "لغة الكتب" في سن مبكرة.

وهكذا فإن النشاطيْن المتوازيين اللذان يلازمان القراءة المشتركة؛ أي الاستماع للغة المكتوبة والشعور بإحساس الحب، يمثلان "أفضل الأسس لهذا التعلم طويل الأمد الذي يعجز أي متخصص في العلوم المعرفية، أو في علوم التربية عن الاضطلاع به" كما تقول ماريان وولف.

تنمية اللغة الشفهية والمكتوبة

لقد أُنجزت العديد من الأبحاث خلال العقود الأخيرة من أجل تحديد آثار القراءة المشتركة على نمو الطفل. ولقد قامت كل من سوزان مول (Suzanne Mol) وأدريانا بوس (Adriana Bus) من جامعة ليدن بهولندا بتصنيف هذه الآثار في دراسة تحليلية، تم نشرها في المجلة العلمية "النشرة السيكولوجية" (Psychological Bulletin).

ويشير المقال منذ مقدمته، معزَّزاً بالمراجع، إلى أن القراءة المشتركة تمثل أحد أهم الأنشطة التي تمكّن من تنمية المعارف الضرورية للنجاح لاحقاً على مستوى القراءة. إن ممارسة عادة القراءة المشتركة مع الطفل قبل عمر السنتين، سيعرّضه لمجموعة متنوعة من المحفزات اللغوية التي من شأنها تحفيز تطور اللغة لديه ووضع الأساسات لممارسة منتظمة لفعل القراءة.

يلج الأطفال، الذين قُرئت على مسامعهم القصص كثيراً، إلى المدرسة مزوّدين بمعجم أكثر غنى، وبقدرات أفضل على الفهم. يمكن تفسير هذا الأثر بالغ الأهمية، على الأقل جزئياً، بكون الكتب الموجَّهة للأطفال تحوي ثلاث أضعاف الكلمات غير الدّارجة في الاستعمال اليومي، مقارنة بما تقدمه القنوات التلفزية أو ما تتضمنه المحادثات بين البالغين والأطفال، وهذا وفقاً لمقال منشور لكل من دونالد هيس (Donald Hayes) ومارغريت أرنس (Margaret Ahrens) في مجلة لغة الطفل (Journal of Child Language) عام 1988.

وتُظهر دراسة تحليلية أخرى نشرتها أدريانا بوس وزملاؤها عام 1995 في مجلة البحث التربوي (Review of Educational Research)، أن 64٪ من الأطفال الذين استفادوا من القراءة المشتركة كانوا من أفضل القراء في المدرسة، وينخفض هذا الرقم إلى 36٪ بالنسبة إلى الأطفال الذين لم يستفيدوا منها. وبالتالي فإن للقراءة المشتركة تأثيراً بالغاً على نمو الأطفال عبر تحفيز القدرات اللازمة لتعلم القراءة، ومن خلال إثارة موقف إيجابي تجاه فعل القراءة.

تنحو نتائج الدراسة التحليلية لعام 2011 في الاتجاه نفسه من خلال الإشارة إلى العلاقة الإحصائية الموجبة بين أنشطة القراءة المشتركة للأطفال البالغين من العمر ما بين سنتين وست سنوات من جهة، ومن جهة أخرى مستوى لغتهم الشفهية كما سعة معجمهم وقدرتهم على توظيفه، ثم أخيراً المستوى الذي يبلغونه لاحقاً في القراءة.

المهارات وحب القراءة

للعودة إلى العلاقة التي تربط بين القراءة المشتركة وحب القراءة، دعونا نلق نظرة على نتائج الدراسة التي أنجزتها إلج فان برخن (Elsje Van Bergen) وزملاؤها في هولندا، والتي نشرت عام 2017 في مجلة سيكولوجيا الأطفال والطب النفسي (Journal of Child Psychology and Psychiatry). لقد قام الباحثون باستكشاف العلاقة السببية بين القدرة على القراءة وحب القراءة، الذي تم قياسه حصراً من خلال القراءة بهدف المتعة في المنزل – وليس قراءة الكتب التي تطالب بها المدرسة التلاميذ– لدى أكثر من أحد عشرة ألف توأم يبلغون في المتوسط عمر سبع سنوات ونصف.

بعد أن عمد مؤلفو الدراسة في مرحلة أولى إلى إبراز العلاقة الإحصائية الموجبة (0.41) بين القدرة على القراءة وحب القراءة لدى الأطفال، قاموا بتحليل إحصائي إضافي مكّنهم من الاستنتاج بأن القدرة على القراءة، والتي تختلف من طفل إلى آخر، هي التي تحدد مدى حب القراءة وليس العكس.

وبالتالي، فوفقاً لنتائج هذه الدراسة، إن القدرة على القراءة بسهولة هي التي تجعل الأطفال من سبع إلى ثمان سنوات يقرؤون أكثر بغاية المتعة، وليس أن حب القراءة هو الذي يحدد مدى القدرة على القراءة.

إذا راجعنا الآن جميع النتائج التي توصّل إليها هذا المقال، نجد أنها تدعم كلها الفرضية التي اقترحتها كل من فلتشر (Fletcher) وريز (Reese) في مقالهما المنشور عام 2005 في المجلة التنموية (Developmental Review)، والتي مفادها أن القراءة المشتركة سوف تطلق العنان لدوّامة سببية: تحفز القراءة المشتركة على تنمية القدرة على القراءة، وبالمقابل فإن ذلك سوف يثير حب القراءة.

لا ينبغي بالطبع استبعاد إمكانية أن للقراءة المشتركة تأثيراً مباشراً على حب القراءة. غير أن الدراسات العلمية المنشورة إلى غاية اليوم تدفع بنا إلى عدم إغفال كون القدرة على القراءة بسهولة، تمثل عاملاً وسيطاً بين القراءة المشتركة وحب القراءة.
 


المصدر: لقراءة المقال الأصلي، قم بنقر الشعار
The Conversation
الكاتب: فريدريك برنار  ◅  أستاذ محاضر في علم النفس العصبي بجامعة ستراسبورغ (فرنسا)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها