جهود الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في إرسـاء أسس التربية والتعليم بالشـارقة

الأسرة والمدرسة ركيزتا المشروع الثقافي للإمارة

خديجة حلفاوي

يقاس تقدم وازدهار المجتمعات بجودة نُظمها ومناهجها التعليمية، وأصالة تربية أبنائها وشبابها، واحترامهم للأخلاقيات الدينية والتراثية المحلية، وانخراطهم الفعَّال في بناء صرح الأمة. وإيماناً بهذه القاعدة الأخلاقية للتربية، جعل الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي من التربية والتعليم والأخلاق الركائز الأساس للمشروع الثقافي الشارقي، وتشبث بأهمية الدين الإسلامي الحنيف، واللغة العربية والتراث العربي، والتقاليد والأعراف الإماراتية والشارقية، كمرجعيات لا غنى عنها في أي خطة أو منهاج تربوي يروم بناء جيل قادر على مواكبة الحلم الثقافي بالشارقة وتفعيل الأخلاق والعلم والفن في المجتمع. ونتج عن هذا الوعي الاستباقي أن أضحت الشارقة والإمارات العربية المتحدة واحدة من أنجح النظم التعليمية في الوطن العربي وبين عموم الدول المتقدمة.

وفي إطار التحولات الثقافية والتربوية التي تعرفها الشارقة في السنوات الأخيرة، والإشعاع الكبير للنموذج التنموي الشارقي بالمنطقة العربية، أعلن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عن نيته في وضع خطة واستراتيجية عمل جديدة، تتماشى مع الأهمية التي توليها حكومة الشارقة للتربية والتعليم، والبحث العلمي في مشروعها الثقافي، وتنتصر للخصوصيات الثقافية المحلية وتحتضن روح العصر. ترتكز هذه الخطة على ضمان مزيد من الاهتمام المجتمعي والسياسي بالهُوِّية واللغة العربية والدين الإسلامي. وتستهدف الأطفال والشباب في الآن نفسه دون أن تنسى دور الأسرة والمدرسة والجامعة، كمؤسسات رئيسة في عملية التربية والتنشئة الاجتماعية، في تلقين النَّشء مبادئ الهُوِّية الإسلامية وحب الوطن، والفخر بالتراث والأصالة العربية، وتحمل مسؤولية قيادة المرحلة المقبلة.

"إننا نعمل على خطة تطويرية للتعليم تبدأ منذ مرحلة الحضانة، وتستمر مروراً برياض الأطفال ومن ثم طلبة المدارس، تقوم على تفعيل أكثر لـ"القرآن الكريم والسنة النبوية واللغة العربية". يعلق الشيخ سلطان بن محمد القاسمي في معرض حديثه على ضرورة تلقين الشَّبابِ مبادئ تربوية وتعليمية تتماشى مع الهوية العربية والإسلامية للأمة. تنطلق الخطة التربوية الجديدة مع مرحلة الحضانة والتعليم الأولي، حيث يتوجب غرس حب اللغة والدين في نفوس الأطفال ورد الاعتبار للعربية الفصحى في التواصل والتعامل اليومي. فبتعلم تحية الإسلام "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، تلاوة القرآن، احترام الكبار، والتَّواصلُ الفَعَّال مع الآخرين، يكسب الطفل الصغير في مراحل مبكرة ميكانيزمات دفاعية ضد طمس الهُوِّيَةِ والأصول الثَّقافِيَّةِ، ويتشرب القِيَّمَ الإسلامية والأخلاق العربِيَّة لتُنير له طريق المستقبل.

بالرغم من التطورات المتواترة للنظم والبرامج التعليمية والتربوية بالشارقة، إلا أن تطور العولمة والتقنيات التواصلية الحديثة قد أسهمت في انتشار العديد من الظواهر والعادات السيئة التي تسيء للفرد قبل أن تسيء للمجتمع. ولعل العنف أحد أشد وأخطر المشاكل التربوية التي تعيشها الإنسانية في العصر الحالي.

ترتكز خطة الشَّيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لمحاربة العنف المدرسي، ومختلف الظواهر الدخيلة على نُظمنا التربوية بالوطن العربي، على تربية الشَّباب وفق مبادئ الوحدة والعروبة وزرع قيم وأخلاقيات الدين الإسلامي الحنيف في نفوسهم، حتى تكون خير معين لهم لجعل مرحلة المراهقة فرصة للكد والاجتهاد والتحصيل الدراسي، الذي لا غنى عنه لتحقيق الطموحات والأحلام. فرد العنف بالعنف لا يزيد سوى من حدة انتشار الظاهرة. والتغاضي عنه يعيق الدور التربوي للمدارس. لذلك، يظل التواصل والاستماع لمشاكل شبابنا وتلقينهم تربية دينية تنتصر للوازع الديني والأخلاقي خير حل لمثل هذه الظواهر.

والواقع أن مختلف النظريات التربوية المعاصرة (خاصة تلك المرتبطة بالعلوم العصبية والبيداغوجيات العصبية)، أضحت تشدد على الطابع الأخلاقي والإنساني للتربية نفسها، وتنتصر للتصدي السلس للمشاكل التربوية القائم على تقوية الحس الأخلاقي للطفل أو المراهق، في حين أن المشروع التربوي للشارقة ومدارِسها النَّموذجية بُنيّ على هذا الأساس منذ عقود.

ينبع اهتمام الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بمجال التربية والتعليم من اقتران لا محيد عنه بين الثقافة والتعليم. فقد شكلت البدايات الأولى لإرساء أسس المشروع الثقافي للأمارة (منذ سنة 1971م) اهتماماً ملحوظاً بالتعليم والتربية، اتضحت بجلاء مع حرص الجهات الوصية بالإمارة على تجويد البرامج والمناهج التعليمية، وإقامة معارض الكتب لتشجيع النَّشء على حب القراءة، ودعم التكوين والتربية والتعليم المسرحي، والانفتاح على التَّجارِب الدولية والمبادرات العربية الناجحة. وترتب عن هذا الوعي المجتمعي والتعليم الجيد في بناء المواطن الصالح، أن تواصل البناء الحضاري للشارقة بتوالي أجيالها طوال الأربعين سنة الماضية، وتم الحفاظ على صلة الربط بين الهوية العربية الإسلامية والانفتاح على الآخر والالتزام بروح العصر.

منذ سنة 2008، أطلقت حكومة الشارقة مشروع "مكتبة لكل بيت" لتعزيز حضور اللغة العربية في البيوت الوطنية والرقي بالمستوى الفكري والثقافي للأطفال، وتقريبهم من أمهات الكتب والنصوص المؤسسة للمعرفة الإنسانية الشاملة، إيماناً بأهمية الكتاب والقراءة في تحقيق الرقي والازدهار للأمم.

"نتطلع لأن يكون لدينا القارئ الجيد الذي يتدبر الأفكار التي يقرأها، ويأخذ منها العبر ويستقي منها السلوك ويهذبها بتصرف"، يؤكد الشيخ الدكتور سلطان. وتصبح الثقافة خير معين للانفتاح على الآخر والتكيف مع روح العصر بمزيد من الحصانة والتشبع بالقيم الإسلامية.

"بدأ مشروعنا التنموي الثقافي بنواة بناء المجتمع والطفل والأم والأب، فأقمنا مراكز الأطفال والأمومة ومؤسسات التعليم، وأعددنا منظومة تربوية تعليمية متكاملة تعمل على تنشئة الطفل التنشئة السليمة، وترتقي به لتحقق له الاعتماد على نفسه". يشدد الدكتور سلطان بن محمد؛ على أن مهمة التربية شأن المجتمع قبل أن تكون شأن الأفراد. والسبيل الأوحد لتجسيد العلاقة بين المواطن والثقافة تنطلق من التربية وعبرها. ولا جدال في أن الشارقة قد نجحت في تحقيق هذا الرهان الحالم، مع إعلان الإمارة عاصمة دولية للكتاب في هذه السنة، حيث بينت إلى أي حد يمكن للاستثمار الجيد في الثقافة أن يبني المواطن، ويحول القراءة من هواية إلى ضرورة حياتية ووجودية للإنسان.

وجدير بالبيان أن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، قد رفع شعار العروبة والإسلام كأسس للمنظومة التعليمية والتربوية بالشارقة، تماشياً مع البعد الوحدوي الذي دافع عنه الشيخ زايد رحمه الله، ولم يتوقف عن إقامة البِنية التحتية التربوية وتنزيل البرامج والخطط التربوية والتعليمية، وإنما حرص شخصياً في مرات عديدة على متابعة عمل المؤسسات، والفعاليات والملتقيات والبرامج والنظم التعليمية، وقياس فعاليتها الواقعية، والأثر المباشر وغير المباشر الذي تخلقه في نفوس المواطنين ونسيج المجتمع، ولعلَّ تفكيره اليوم في تطوير خطط جديدة للتربية يَنُمُّ عن وعي ومتابعةٍ دائمةٍ لتطبيق الاستراتيجيات التربوية الكبرى، وبحث مستمر عن تجويدها وفق مواصفات عالية ومتميزة، تليق بتاريخ وعراقة الأمة الإماراتية والشارقية.

تحتضن الشارقة أهم الجامعات في الوطن العربي وأفضلها في التصنيف العالمي وفق أحدث البرامج والنظم التعليمية، وتعيش اللغة العربية داخلها أبهى عصورها، وتحتل الهوية العربية والتراث الإسلامي مكانة ريادية في النظرة المتبصرة لمستقبل التعليم والتربية بالشارقة. باستثمار الإمارة في الثقافة والقراءة فإنها استثمرت في بناء الإنسان –حلم الشيخ زايد رحمه الله وشعاره الخالد- وضمان تماسك المجتمع بكل مكوناته، وخدمة مطمح التنمية المستدامة والشاملة، التي ترتكز على الثقافة والتعليم للانخراط في مصاف المجتمعات والدول المتقدمة.

ستكون سنة 2019 "عام القراءة والتعليم" بإمارة الشارقة، وفرصة لتعريف المجتمع الدولي عن قرب على أصالة المشروع الثقافي للإمارة، وارتكازه على أسس متينة تنتصر للإنسان قبل البنيان، والفكر قبل الاقتصاد، وتستثمر في المستقبل من خلال حسن التعامل مع الحاضر وتثمين تراث السلف. وسيظهر أن مسار بناء مشروع مجتمعي متين ومستدام لا يتم إلا بالعزم والمثابرة، وتضافر إرادة القادة والمواطنين، وتشرب القيم الأخلاقية والإسلامية، وجعل التربية والتعليم الجيدين جسر التواصل بين الأجيال وبوصلة توجيه المشاريع الطويلة الأمد نحو الغايات المنشودة والمرجوة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها