تغذّت رؤيتي البصرية بالتجريب والتشخيص

حوار مع الفنان التشكيلي بكري بلال

حاورته: عفاف أبوكشوة


 سيرة:

الفنان التشكيلي: الأستاذ بكري مصطفى بلال دياب، ينتمي إلى مدرسة الخرطوم بقيادة الصلحي وشبرين. تخرج من كلية الفنون الجميلة -جامعة السودان عام 1967، وعمل محاضراً في جامعة الأحفاد للبنات، وعدد من المدارس الثانوية بالسودان، والكويت السعودية.

 المعارض العالمية:

شارك في عدد من المعارض العالية في سان فرانسسكو- أمريكا، ومعرض قصر الأمم في جنيف، وهولندا، والقاهرة والكويت، والرياض وأبها.

 الجينات الإبداعية:

نشأ الفنان التشكيلي السوداني بكري بلال وشَبّ عن الطوق في أحضان أسرةٍ فنيةٍ وشاعرية مبدعة، ثلاثة من إخوانه (مبارك، يوسف، علي وميرغني بلال) وهو رابعهم، رسامين تخرجوا من كلية الفنون الجميلة، وخامسهم علي طبيب مارس التلوين والرسم، وأطلق عليهم الفنان إبراهيم الصلحي لقب "البلالينس آرت قروب" وأبناء خالاتهم، ويبدو أن الجينات الوراثية امتدت لتشمل (15) من أولادهم وأحفادهم الذين أصبحوا فنانين مبدعين مميزين.

وفي ذات السياق الإبداعي، نهل الفنان بكري بلال من معين نظم الشعراء الشعبيين الذين نظموا أغاني الحقيبة، فيما عرف عند عامة أهل السودان بـ(الحقبنجية) الراحلين منهم والأحياء، حيث إنهم اشتهروا بإجادة شعر الغزل، وعلى رأسهم خال الفنان بكري بلال، شاعر الحقيبة الراحل عبدالله العشوق، الذي أثرت جيناته في موهبة الفنان التشكيلي، فهو أيضاً يقرض الشعر، وله ديوان شعر تحت الإصدار.

 رحيق الأمكنة:

يري الفنان بكري بلال أن مسيرته الفنية بدأت من البيت في حي العرضة شمال - أم درمان، تلك المدينة الحالمة الجميلة والساحرة التي تطل على نيلين ونيل، نيلان في مشرقها (مقرن النيلين الأبيض والأزرق)، ونيل في غربها (النيل الأبيض).

 ملامح السيرة الفنية:

تغذت الرؤية البصرية للفنان بكري وتشبعت من إبداعات المنتوج الفكري، السياسي والأدبي، لكوكبة من القادة المفكرين السودانيين، في مختلف ضروب الإبداع الخلاق، من الذين تركوا بضماتهم مضيئة على جدار التراث وتاريخ السودان الحديث.

يرى الفنان التشكيلي السوداني بكري بلال أن مسيرته الفنية بدأت من البيت في أم درمان - حي العرضة شمال، حيث كانت البيئة الأسرية، فنية بحتة، وأن اثنين من إخوانه الكبار كانا يدرسان في معهد الفنون الجميلة والتشكيلية آنذاك (مبارك ويوسف بلال)، وحينها كانا في العشرينيات من العمر، بينما لا يتراوح عمره العشر سنوات. فكان يشاهد الرسم المباشر، بل ويشارك في العملية التشكيلية بتجهيز المرسم وتحضير الألوان وأدوات الرسم، وبعد فراغ أخويه من الرسم، يقوم الشبل بكري بجمع اللوحات والألوان وتنظيف (البليتات) والفرش، وحفظها في المكان المخصص لها.

 حكاية الألوان الجاذبة:

يشير الفنان بكري أن هذه المشاركة جعلته يحس بالألوان ويدرك قيمة اللون وكيفية التعامل معه مباشرة، وحكاية الألوان هي التي جذبته للتخصص في مجال الرسم والتلوين. ويستطرد الفنان بكري أنه عندما انتقل إلى المدرسة الوسطى توسعت مداركه الفنية، عبر المشاهدات، وحضور النقاشات والحوارات، بين أخويْه والأساتذة حسن الهاي، وإبراهيم الصلحي وآخرين الذين يزورونهم بالبيت، حول المدارس الفنية، وسبر أغوار سيّر الفنانين العالميين الكبار، الذين ساهموا في تأسيس التيارات الفكرية للفنون المختلفة.

 التأهيل الممنهج:

يضيف بلال: إنه كان محظوظاً، ضمن 200 طالب يمثلون أول دفعة لمدرسة الفنون الثانوية، التي تأسست بين أروقة المعهد الفني، وشُكّل لها طاقم التدريس من بين أساتذة المعهد أنفسهم، وخصص لهم يوم يذهبون فيه إلى حديقة الحيوانات التي لا تبعد عن المعهد كثيراً، ويقضون نصف اليوم في عمل دراسات وبحوث عن الحيوانات، الطيور والزواحف، وكذلك يخصص لهم يوم آخر للذهاب إلى الحديقة النباتية في (مقرن النيلين)، بالقرب من المعهد لرسم النباتات والأشجار والزهور النادرة من البيئة المحلية، وأخرى استجلبت من بعض دول العالم، في فضاء الطبيعة.

ويؤكد الفنان بكري أن تلك التجربة الثرة بمدرسة الفنون الثانوية، ساهمت في تأهيله للدخول إلى (كلية الفنون الجميلة)، فكان من الطلاب المتفوقين في دفعته.

ويعتبر الفنان بكري أن فترة الدراسة في الكلية صقلت تجربته، ومزجت بين النظريات والمدارس الفكرية والفنية العالمية، ومناهج التطبيق العملي، فأضافت له الكثير والمفيد من المعارف والخبرات.

ويضيف: أن من أبرز الأساتذة الذين نهل من معينهم المعرفي في المجال النظري والتطبيقي، الفنان العالمي محمد عمر خليل الذي يقيم في أمريكا حالياً، وإبراهيم الصلحي - يقيم في بريطانيا، والمرحومين النحات عربي والخزاف النجومي، والشايقي وشبرين وغيرهم.

يقول: لقد ظل جميع الأساتذة من مختلف التخصصات، يتابعون أنشطتنا الفنية بالتشجيع والدعم وإبداء الملاحظات والآراء، وتقديم النصائح، وما زالوا.. وسيظل هؤلاء الأساتذة الأجلاء محل احتفاء وتقدير واحترام.

 اتّكاءة في محراب مروي:

يوضح الفنان التشكيلي المخضرم بكري بلال الذي يقيم في الإمارات الآن: أنه بصدد التحضير لقيام معرض تشكيلي في غضون الأيام القادمة تحت عنوان: (اتّكاءة في محراب مروي). ويستطرد الفنان: وجاء اختيار عنوان المعرض المزمع قيامه بإمارة الشارقة، انطلاقاً من خلفية البحث الأخير الذي أعده في مجال التشكيل، وارتباطه بالحضارة المروية أو الكوشية القديمة في شمال السودان، ملمحاً إلى أن أهلها الفنانين السودانيين ساهموا في إهمالها، نتيجة لتأثرهم بالمنتوج الفني الأفريقي الذي تظهر ملامحه وآثاره في النحت الأفريقي الذي يبدو في لوحات معظم الفنانين السودانيين.

ومن ثم جاءت التنبيهات ولفت الأنظار من بعض العلماء والباحثين الدوليين، للفنانين الناشطين في المجال، بالرغم من وجود المراجع والمنحوتات والتماثيل الضخمة، والمكتشفات الخاصة بالتراث الكوشي المروي (الفريز كوز) - الأيقونات التي كانت مدفونة في الكنائس، والتي وجدت بها لوحات مسيحية قديمة رائعة، حيث قام المختصون في مجال الآثار بتحريكها وحفظها بطريقة مرتبة، في متحف السودان القومي.

ويعرب بلال عن أمله أن لا تكون قد حدثت لتلك اللوحات الأثرية الثمينة (انتهاكات)، أو أبيدت من جراء الحرب.

 خلاصة التجربة التشخيصيةالتجريدية:

يوضح الفنان بكري أنه ينتمي إلى المدرسة الفنية التشخيصية - التجريدية، وسابقاً كان يهمل الرمز التعبيري بالأيادي، لكنه انتقل أخيراً للتعبير بالأيادي والخطوط، وتدرج في الخطوط باللون الأسود. ويشير إلى أنه قد نال تدريباً في مراحل عمله الأولى في مكتب النشر التربوي - وزارة التربية والتعليم بالسودان، وتدرب على استخدام الخطوط والحبر الأسود، فكان بارعاً فيه، وظلت تلازمه هذه الخطوط، والتي أحدثت أثراً زخرفياً في رسمه للكتب التي صممها في السودان وليبيا والسعودية. والحكاية، الشخوص والتعبير بالأيادي في رسم لوحاته الأخيرة، والتي يظهر فيها أثر الخط الأسود.

 الاطّلاع وزيارة (القلري Gallery):

يدعو الفنان بكري بلال الأجيال الناهضة للاطلاع على ما تنتجه المراكز (القلري) - صالات العرض الخاصة بالفنون الجميلة، مثل مركز (راشد دياب)، ومركز (لينا حجار)، التي تعكس المشهد الثقافي الفني المحلي والإقليمي والعالمي.

وأما على الصعيد السوداني؛ فتوجد بيئة حضارية وأثرية وثقافية متنوعة في العاصمة الخرطوم، ستساهم قطعاً في تبصير وتأهيل الجيل الناهض من الفنانين الشباب، وتعمل على توسيع مداركهم، وتكسبهم ثقافة عالية لتطوير مهاراتهم وقدراتهم الإبداعية.

فضلًا عن أن المشاهدات في الشارع العام، والبرامج التي تبث عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والسوشيال ميديا عن التشكيل، ستشكل إضافة كبيرة لهم، وكذلك الإعلانات المرتبطة بالإبداع الفني.

 

 الصور: صفحة الفنان على موقع "فيسبوك" https://www.facebook.com/bakri.bilal.5 ©

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها