مسرح الطفل.. من الإمتاع والمؤانسة إلى التربية والتعليم

د. محمد عماري

يعد مسرح الطفل أحد الوسائط التربوية التي تتيح الفرصة أمام هذه الشريحة المجتمعية لمعرفة الإجابات عن الأسئلة والاستفسارات التي تثير قلقها، كما أنه يساعد الأطفال على تحقيق الثقة بالنفس وينمي فيهم روح المخاطرة ومواصلة البحث والكشف وحب الاستطلاع، من أجل مزيد من المعرفة لأنفسهم وبيئتهم، كما ينمي فيهم القدرة على الإبداع من خلال عملية التفاعل والتمثيل والمحاكاة، يضاف إلى ذلك مساهمته في خلق الأطفال المثابرين المخلصين والمتعاونين مع مجتمعهم، كما أنه يطلق العنان لأحلام الأطفال وخيالهم وطاقاتهم الإبداعية، ويزودهم بالمعلومات العلمية والتقاليد الاجتماعية والعواطف الدينية والوطنية، ويوسع قاموسهم اللغوي ويوصلهم بثقافة وحضارة من حولهم، ويعودهم على التفكير المنظم.

ومسرح الطفل كما ذكر أحمد الزلط "هو عمل فني مادته الأولى النص التأليفي الموجه للأطفال، والذي يناسب مراحل أعمارهم المتدرجة. ومن ثم ينتقل فوق خشبة المسرح إلى عرض تمثيلي درامي مبسط يقدمه الممثلون وفقاً لتوزيع الأدوار التي يلعبونها، تعضدهم العناصر المسرحية الفنية من ديكور، وإضاءة، وأزياء، وأصوات وغيرها، بالإضافة إلى رؤية مخرج العرض، وتناغم فريق الأداء التمثيلي مع عناصره الفنية"1.

ولمسرح الطفل ميزة وأفضلية على غيره من وسائط أدب الأطفال، وذلك لأنه يستطيع أن يقدم الغايات، والأهداف المتنوعة، والقيم السامية في أحضان جو من البهجة والسرور، بالإضافة إلى أن معظم المسرحيات تقوم على تقديم القيم والمبادئ في صورة مشخصة مجسدة، وبطريقة تتناسب مع عمر الطفل وتفكيره، مما يحرك مشاعره وعقله، ويغذيه فنياً وأدبياً ووجدانياً، وبالتالي المساهمة في تربيته وضبط ميولاته2.
 

ومسرح الطفل لا يقتصر على المتعة فقط وإنما له أهداف أخرى يأتي في طليعتها الهدف التربوي التعليمي؛ فهو يمنح المادة العلمية التعليمية روحاً جديدة عند تقديمها للأطفال؛ وذلك عند إخراجها من صياغة القوالب الجامدة المباشرة، "وتقديمها في شكل فني جمالي بعيداً عن التلقين، بالإضافة إلى أنه يمنح الفرصة للأطفال والطلاب للمشاركة والتواصل، بما يزيد من قدرتهم على التحصيل المعرفي، فهو إذن ييسر على الأطفال عملية الفهم والاستيعاب نظراً لما يمتاز به من خاصية المزج بين المعلومة المسموعة والمتعة البصرية الجمالية، لذلك يرى الكاتب أن استخدام المسرح في التربية أصبح ضرورة ملحة، وذلك لما يتسم به من قدرة على غرس القيم التربوية في نفوس المشاهدين"3.

فالمسرح إذن في المجال التربوي يجعل المادة العلمية مستساغة سهلة الفهم والاستيعاب، كما أنه يحررها من القيود الجافة التي وضعت فيها، وبالتالي ما يتعلمه الطفل من معلومات ومعارف مقرونة بالمتعة خلال مشاهدته ومعايشته للعرض المسرحي يبقى أثره لمدة طويلة في نفسه وعقله، وقد يستمر معه مدى الحياة على عكس ما قد يتعلمه بالتلقين في قاعة الدرس.

إن كاتب مسرح الطفل هو مرب بالدرجة الأولى؛ لأنه يعمل على إشاعة القيم الأخلاقية والتربوية التي تضبط تصرفات الأطفال وتوجههم التوجيه الإيجابي، وبالتالي الارتقاء بهم إلى مستويات أفضل تجعل منهم رجالا للغد وصناعاً للقرار، ويتطلب هذا بالضرورة من الكاتب المسرحي أن يكون على وعي تام بمناهج التربية والنتائج التي انتهى إليها علم نفس الطفولة وعلم نفس النمو حتى يستطيع إدراك العلاقة بين ما يكتب وبين جمهوره، بل أكثر من ذلك عليه إدراك العلاقة بين ما يكتب وبين المرحلة العمرية التي يخاطبها في عمله، فكاتب أدب الطفل بصفة عامة لا يكتب لجمهور متجانس كما هو الشأن في الأدب العام؛ وإنما يكتب لمرحلة تنقسم إلى مراحل في النمو النفسي والثقافي والاجتماعي4.

ولتحقيق الأهداف السابقة يرى الناقد والمسرحي محمد عبد المعطي في كتابه (مسرح الطفل المعاصر بين التربوية والجمالية) أنه من الأنسب أن نقدم للطفل مسرحاً من سماته وخصائصه أن "يتأسس على بداية ووسط ونهاية، فهذا الترابط والتناسق قد يسهل عملية الاستيعاب والفهم لدى الطفل في مثل هذه المرحلة المتقدمة من عمره. ومن خصائصه أيضاً أن ترتبط أجزاؤه ارتباطاً منطقياً وفنياً واضحاً، فهذا الوضوح والمنطقية عاملان من عوامل إقناع الطفل بالحدث، وبالتالي يمكن استثارة فاعليته وتجاوبه معه. والأهم من هذا كله هو أن يقوم هذا المسرح على أساس شخصية محورية يدور حولها الحدث، وتتآزر الشخصيات الثانوية الأخرى في الكشف عن ملامح هذه الشخصية المحورية، فمن السهل هنا أن يرتبط الطفل بشخصية واحدة، لاسيما في مرحلة الطفولة المبكرة، أما تعدد الشخصيات وكثرتها واشتراكها في المحورية قد لا تتناسب إلا مع مرحلة الطفولة المتأخرة إذ يكون الطفل أكثر قدرة على الربط والاستيعاب والاستنتاج وتركيز ملاحظاته"5.

يضاف إلى كل ما سبق ضرورة اتصاف مسرح الطفل ببساطة اللغة ووضوح المفردات، فكل غموض في هذا الجانب يشوه المسرحية وقد يفسدها؛ لأن المسرحية تكون أكثر جمالا عندما يكون التعبير عنها بسيطاً ومعبراً ومؤثراً، فبساطة اللغة إذن ووضوح الأفكار وقصر الجمل كفيلة بصياغة مسرحية مليئة بالخبرات العلمية والتربوية، بل وتكون مناسبة للطفل الذي يبقى مهيئاً لاستقبالها، وتجعله على انتباه دائم وتركيز محكم، لهذا على المؤلفين أن يهتموا بهذا العنصر في صياغة مسرحياتهم حتى تؤدي أهدافها على الوجه الصحيح.

وقبل الختم لا بد أن ننبه على أن بين مسرح الطفل والمسرح المدرسي فروقاً كثيرة وجب ذكرها وبيانها؛ لأن الكثير من الباحثين يجعلهما واحداً ولا يفرق بينهما، "غير أننا لو أمعنا النظر في هذين المصطلحين سنجد أنهما يختلفان اختلافاً بيناً؛ إذ إنّ مسرح الطفل هو نشاط يقدمه المحترفون المتخصصون للأطفال، ويمثل فيه الصغار إلى جانب الكبار في بعض العروض، كما أنه يتجاوز فضاء المدرسة أو المؤسسة التربوية التعليمية إلى فضاءات خارجية أكثر اتساعاً لتقديم العروض الدرامية، وليس من الضروري أن يكون الساهرون على تدريب الأطفال من قطاع التربية الوطنية، وينطبق هذا أيضاً على الممثلين فقد يكون هؤلاء من المتمدرسين وغير المتمدرسين من داخل المؤسسة التربوية أو خارجها، على عكس المسرح المدرسي الذي يستوجب أن ينتمي كل أعضائه إلى المؤسسة ويتم توجيههم وفق مقاييس بيداغوجية ووفق شروط سيكولوجية ومبادئ سوسيولوجية وقواعد فنية"6.

في الأخير نؤكد أن مسرح الطفل له أهمية كبيرة في تربية فلذات أكبادنا، وتكوين طفلنا تكويناً سوياً يواجه به تحديات العصر، وبالتالي لا بد أن ندفع بهذا المسرح إلى أن يقوم بدوره الحضاري، فهو أعظم منجزات القرن العشرين؛ إذ ورث جل علومه وفنونه، كما أصبح له ومنذ نشأته تاريخه الخاص به وتجاربه التي لم يعلن بها فقط عن نفسه، بل وفرض بها إرادته ووجوده التربوي والتعليمي على المستوى العالمي، وأصبح له منظماته التي ترعاه ومهرجاناته التي تدفعه إلى التطور، واكتشافاته التي أصبحت من أهم سمات التجريب فيه.


الهوامش1. أحمد زلط: أدب الطفل العربي: معاصرة في التأصيل والتحليل، دار هبة النيل للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1998، ص: 174. / 2. انظر: حسن مرعي، المسرح المدرسي، دار الهلال للنشر، الطبعة الثانية، 2002، ص: 45. / 3. حفناوي بعلي: مسرح الطفل في الجزائر: مسيرة نصف قرن من الإبداع، دار اليازوري للنشر والتوزيع، عمان، ص: 12. / 4. فوزي عيسى: أدب الطفل: الشعر، مسرح الطفل، القصة، دار الوفاء، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 2007، ص: 56. / 5. محمد عبد المعطي: مسرح الطفل المعاصر بين التربوية والجمالية، الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة، الطبعة الأولى، 2017، ص: 63. / 6. نصر اليوسف، مسرح الأعماق: المسرح المدرسي، الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، سوريا، الطبعة الأولى، 2018، ص: 116.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها