بين الحُبّ والعِشق!

أسئلةٌ في فكرِ مُحِبٍّ حائرٍ

سعاد الحمودي

 

أسئلة عن معنى الحب

سألوا عن معنى الحب؟ فقلت: الحب شيءٌ في القلب مصدره النور، فقيل لي: لمن يبذل الحب، فأجبت: يبذل الحب لمن يستحقه لمن يقدر معناه الحقيقي، فسئلت: وهل الحب أنواع؟ فقلت: نعم؛ هناك الحب الذي لا يزول، ولا ينتهي لا في الحياة، ولا بعد الممات، وهو الحب المشروط بالنور، والبقاء، حب إذا أو جزناه بكلمات قلنا حب المسلم لخالقه ومن سواه، وكذا من أحبه الخالق محمد عليه الصلاة والسلام، فقيل لي: نعم نحن نعرف هذا الحب وندركه، ولكننا نتكلم عن النوع الآخر من الحب!

فقلت: نعم؛ هناك نوع آخر من الحب هو حب الأم لصغيرها، وحب الوالد لولده، وحب الأخ لأخيه الإنسان، فقيل لي: لا نتكلم عن هذا أبداً نحن نقصد الحب بين المرأة والرجل، حتى لا نضيع في خضم أنواع الحب الكثيرة فقلت: إنه حب يضعه الخالق في قلب الرجل والمرأة، لحاجة أودعها في الإنسان حتى يكتمل الشخص ويبدو كاملاً، فلا بُدّ أن يحب من يكمل معه مشوار الدرب، وهذا الحب مشروط بشرط، وموثوق بوثاق، وليست مجرد كلمات تودع هنا وهناك، فلإخلاص أهم صفة فيه، فإذا انعدمت حكم على ذلك الحب بالفناء والانتهاء. وأعود فأقول إن جميع أنواع الحب المعروفة والتقليدية لدى الناس، هي نابعة من حب الخالق، وهي فرع من ذلك المصدر.
 

أسئلة في فكر محب حائر

ترى هل يشعر بما أشعر به؟ هل يعاني ما أعانيه؟ هل؟ وهل؟ أسئلة قد يطرحها الحبيب على محبه البعيد عن عينه القريب من قلبه في آن واحد تظل تَرنّ في أذنيه أهازيجها، وتظل ترتسم على مخيلته آفاق كثيرة قد يضعها في طي الكتمان، وإن كانت مدوية في النفس، وقد يطول بها المدى وتكتمل، وتبعث كمولود آن له أن يخرج ليتنفس الصعداء، ويكبر، ويكبر بما يحويه من ملء مشاعر وأحاسيس؛ فإن استطاع المحب أن يخفي حبه عن جميع الناس، فلن يستطيع أن يخدع نفسه، أو أن ينكر شيئاً ولد في ذاته، وإن أنكره الكون؛ لأن ما في القلب سيظل ينبض بذكرى الحبيب شاء ذلك أم أبى.

إنه الحب يا سادة! حرفان ليس لهما حد، وإن انتهت كلمته بباء مطبقة، فهي مرتدة على روح الشخص تبوح عن نفسها في الداخل العميق، وتترنم أشعار وأحاسيس في الوجدان، إنها ديكتاتورية الطاقة المبهمة التي تدفعنا للحياة، وللأمل، والاقتراب أكثر وأكثر من السعادة، فإذا أصاب الشخص خيبة أمل في حبيبه؛ فإنه إما أن يلتمس له عذر ويكتم سهماً أصاب كبده، ويظل ينزف في داخله، وإما أن ينزع السهم بقوة ويموت بعنفوان في سبيل حبه المنشود، سواء ماتت النفس مادياً أم معنوياً، فهو يدرك أنه خطر أصابه فما السبيل إلى نجاته، فهل يموت الحب أم يتحول إلى شي آخر؟

ومع تحوله تتبدل أشياء جميلة في نفس المحب العاشق لا نستطيع أن نجزم بشيء في خضم هذا الفكر الحسي الممزوج بالأسرار، وإن ادعينا أننا سنبحر في خضم بحور الحب، ومزجناها بألوان سمائه البهيجة، وجعلنا في إشراقة الصباح لبحر الحب وأمواجه الزرقاء صفاء، ونقاء من نوع هادئ جميل يسدل الستار في يومه عن ليل مضيء بنجوم سماء الحب، وجعلنا تلكم النجوم تتلألأ بأبطال زعمنا أنهم هم المحبون، والعاشقون، ثم ما لبثنا أن جعلنا من الظروف المتقلبة أن تأتي بعاصفة تلعب بأمواج بحر الحب الهادئة، وتهزه يمنة ويسرى، ونرى بذلك أن الحب قد تزعزع في غيابة لجة مظلمة طمست معالمه إلى شيء آخر، فهل سندرك نهاية أم معنى للحب، وفحواه الحقيقي في تقلباته المفاجئة والمحيرة، والغريبة؟
 

حافز للبقاء

وهنا تكمن حسرت المحب الذي يتوهم في حبيبه المزعوم أنه حافز للبقاء، والعطاء في آن واحد، وما إن ينتهي الحب أو يموت، إلا ويظن المحب فجأةً أن الدنيا قد رحلت معه، ورغم كل ما يقاسيه سيظل قلبه ينبض نبضات عليلة سقيمة، تتوهم أن الحياة قد انتهت، دعوني إن كان هناك حبٌ صادقٌ يبقى ببقاء صدقه ونقائه فهو نادر، فأغلب الحب يكون فيه ظلمٌ واقعٌ على أحد شقيه، وقد تغلب فيه المصالح، فهل من الطبيعي أن ندع ذلك الحب هو الحافز للبقاء؟ رغم أن موقفاً في الحياة أحياناً نتعلم فيه درساً يكون حافزه أقوى للبقاء والاستمرار، وأننا حين نستمع لكلمات بسيطة تصيب كبد الحقيقة في لحظة صدق؛ فأنها ستقشع غمامة الغفلة، وقد يكون حافزها أقوى وأكبر للاستمرار.
 

الحب أنواع

الحب أنواع، وبحور أو جزها العلماء في أربعة:
محبة لله، ولا تكفي وحدها للنجاة من عذابه والفوز بثوابه، ومحبة ما يحب الله وهذه التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر، الحب لله وفيه، وهي لزوم محبة ما يحب، والمحبة مع الله وهي المحبة الشركية، ومحبة خامسة وهي المحبة الطبيعة، وهي ميل الإنسان لما يلائم طبعه، كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم، والزوجة، والولد، فتلك لا تذم إلا إذا ألهت عن ذكر الله، وشغلت عن محبته.
 

أغلق منافذ الحب

يا عين لا تنظري ويا أذن لا تسمعي، ففي هذان المدخلان سر للنجاة، وحفظ للبقاء، ورضاء لخالق الأرض والسماء، فالحب ليس عيباً، ولكنه يطرق باب العيب، والمحال إذا ما استحال، ويدخل المرء في دوامة مفرغة من التفكير الأهوج، فالنجاة هي في غض الطرف، وعدم الاستغراق في الفكر، فمن أطلق لحظاته دامت حسراته، وفي غض البصر رضاً للرب، وفراسة في الفكر تميز بين الحق والباطل، ونور يلبسه القلب فهو في فرح وأنس بمن خلقه وسواه، وهو في نجاة من أثر سهم مسموم، قد يكون فيه الهلاك فينسيه نفسه، فبين القلب والبصر صله وثيقة وعلاقة دائمة، فصلاح النظر صلاح للقلب.

فمن أسباب العشق ومدخله إلى النفس السمع والبصر أو أحدهما، أما النجاة منه فتكمن في اليأس منه، ولكن هذا قد لا يكون، فيكون النجاة من الطمع هو في عدم التفكير بما يطمع به، ولكن قد يحصل التفكير فيما يعشقه بذكر محاسنه، فعليه إذن أن يربط هذا بخوف ديني كالخوف من الله، وغضبه، وعقابه، أو خوف دنيوي كخوفه على نفسه، وماله، وذهاب هيبته، ومرتبته لدى الناس، وسقوطه من عين من يعزهم، أو خوفه من فقد محبوب هو أنفع له ممن يعشقه، وبعد ذلك يرى في ميزان قلبه أيهما ترجح كفته الطمع والفكر أم الخوف؛ فإما أن يخاف ويسلم فهو في جزيرة النجاة، وإما أن يهلك فيذهب قلبه وتفكيره وطمعه وينتفي خوفه، ويميل قلبه لما يعشقه فينسى كل ما سواه، فنرى ذلك العاشق رقيق الطبع يحمل نفسه على مكارم الأخلاق، والشجاعة والمروءة، ويكون لطيفاً رقيقاً لدى من يعشقه، فالعشق داء أفئدة الكرام، والمقصود بالعشق هنا هو العشق العفيف من الرجل الذي يأبى له دينه، وعفته، ومروءته أن يفسد ما بينه وبين الله، وما بينه وبين معشوقه بالحرام.
 

سرُّ الحب

الحب يأتي للمصاحبة والباء هنا مصاحبة لا نظير لها إن سمع سمع بمحبوبه، وإن أبصر أبصر بمحبوبه، وإن بطش بطش به، وإن مشى مشى به فهو في قلبه، ومعه، وأنيسه، وصاحبه كما قال الشاعر:

خَيَالُك فِي عَيْني وذِكرُك في فَمي ... ومَثْواكَ في قَلْبِي فَأينَ تَغيبُ

فالمحبة سر أو دعه الله في قلوب البشر، وهي دافعٌ للحركة والبقاء، وهي صفاء يسري في القب منبعه النور، وليس كمثله نور، فالقلوب تتقلب بين يدي الرحمن كيف يشاء وهي جنود مجندة، فسر الحب يبقى غامضاً، كفحوى النور الذي نشعر به يسري في قلوبنا نشعر ببصيصه يدفعنا، ويبقينا، ويجمل أيامنا وليالينا بسعادة غامرة، والحب صامت كهدوء الليل ينبض مع نبضات القلوب التي عرفت بوجوده، ولم ولنْ تدرك سره المدفون في أعماق النفس.

فسبحان من أودع المحبة والرحمة في قلوب البشر، فمنه نستمد المحبة وبه نُحب من أحبه.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها