موتسارت.. معجزة الموسيقى وعبقريتها

فاتن محمد ونوس


الموسيقى لغة الروح ودفء المشاعر، وهي تتغلغل إلى دواخلنا فتجعلنا نشعر بالراحة والسعادة، وتأخذنا إلى عالم الخيال حيث كل شيء مليء بالجمال والأمان. سنتعرف اليوم على موسيقي عالمي ترك بصمة كبيرة في عالم الموسيقى وبقي ذكره خالداً بين الأجيال، إنه الموسيقي الفنان فولفغانغ أماديوس موتسارت 1756-1791م W.A.Mozart.
 

هو موسيقار نمساوي بدأ التأليف الموسيقي في سن الخامسة من عمره، واستمر في هذا حتى رحيله المبكر وهو في الخامسة والثلاثين من العمر.

لقد كان إبداعه متدفقاً ولكن هذا التدفق الغزير لم يؤثر على نوعية هذا الإبداع، ولم يقلل من قيمته الإبداعية، ولم يجعل شعلة إلهامه تنطفئ، مما جعل مؤلفاته تثري عالم الموسيقى بروائع ما زالت تدهش المشتغلين في هذا المجال حتى وقتنا الحاضر، وبذلك استحق بجدارة لقب عبقرية الموسيقى والموهبة الاستثنائية، وعبقري الموسيقى بلا منازع، والعبقرية الموسيقية الأعظم في التاريخ؛ لأن أعماله في سن الطفولة كانت متميزة وباهرة وتدل على تفوق وتميز.

وبعد ذلك استطاع أن ينجز في سن النضج الكثير مما يبهر ويدل على التفوق.

وقد ألف الكاتب محمد حنانا كتاباً بعنوان (موتسارت) وضعه بلغة مبسطة وسلسة، ولكنها تكفي لوضعنا في الإطار العام لحياة وإبداعات هذا العبقري التي اتسمت بالصفاء والوضوح التام، وتجلى فيها التعبير بعمق والبناء الموسيقي المتكامل.

كان موتسارت كلاسيكي الأسلوب، ولكنه ارتفع بذلك الأسلوب إلى أعلى المستويات، وبذلك فقد مهد الطريق أمام المؤلفين الموسيقيين العظماء الذين جاؤوا بعده مثل بيتهوفن وشوبرت.

ولد موتسارت في سالزبورغ في النمسا، وتنقل بين فيينا وباريس ولندن، وهولندا وإيطاليا، وبولونيا وألمانيا.

ألف وهو في الثالثة عشرة من عمره أوبرا إيطالية هي الأولى في حياته الموسيقية حملت اسم (فرعية السذاجة)، وقد أثارت الكثير من الجدل بحيث شكك الموسيقيون الغيورون بأن يستطيع صبي في الثالثة عشرة من عمره كتابة أوبرا وحده، فهذا أمر مستغرب جداً ومذهل، ومع ذلك فقد تقبل البعض هذه الأوبرا وعدوها مأثرة بسبب صغر سن مؤلفها.

وقد قام بعدها بتأليف أوبريت صغير وسوناتات وسمفونية، ثم كتب أصناف الموسيقى كافة، ولكن الأوبرا كانت هدفه المفضل الذي يسعى إليه وشغفه الكبير طوال حياته.

كان موتسارت رجلاً صغيراً ونحيلاً جداً وشاحباً وطيب القلب، وكان ذا شعر أشقر كثيف، يحب الرقص وإسداء الخدمات إلى الناس، ولكنه متشدد جداً حين يعزف، فإن حدثت ضجة حوله ولو كانت صغيرة فإنه ينسحب على الفور ولا يعزف.

وكان سخياً في الثناء على من يستحق من الناس، ولكنه كان يزدري المتغطرسين؛ لأنه يحب أن يكون الناس كما هم على طبيعتهم، ولا يحب أن يتظاهروا بأنهم أذكياء أو أكثر أهمية مما هم في الواقع.

لقد عمل موتسارت بسرعة كبيرة في تأليف أوبرا بعنوان (زواج فيغارو)، وكان يومها في الثلاثين من العمر، وقد عرضت لأول مرة عام 1786م ونجحت بشكل كبير.

أما أول مدينة اعترفت بعبقرية موتسارت فقد كانت براغ، وليس عاصمة بلاده فيينا التي كان فيها مؤلفون موسيقيون آخرون عظام منهم غلوك وهايدن، وكان يُنظَر إلى موتسارت كواحد منهم ولكن في براغ كان يُنظَر إليه بصفته الأفضل على الإطلاق.

ومنذ اللحظة الأولى التي سمع فيها أهالي براغ أوبرا (اختطاف في السراي) عام 1783م لم يعد في آذانهم مكان لمؤلف آخر سوى موتسارت، فأحبوه وأعجبوا بفنه أشد الإعجاب، وحين قُدّمت أوبرا (زواج فيغارو) للمرة الأولى في براغ في يناير عام 1786م أحدثت ضجة لم يسبق أن أحدثتها أية أوبرا من قبل.

وفي ربيع عام 1787م في فيينا جاء شاب في السادسة عشرة من عمره أسمر اللون قصير القامة ممتلئ الجسم لزيارة موتسارت، وكان هذا الشاب هو لودفيغ فان بيتهوفن الذي أرسِل ليدرس على يد موتسارت العظيم، وقد أدرك موتسارت أن الشاب بيتهوفن يملك موهبة استثنائية في الموسيقى.

إن ما أنجزه موتسارت في حياته القصيرة مذهل، لقد مات صغيراً مخلفاً وراءه كنزاً من الأعمال في مختلف الصيغ الموسيقية، وكان إحساسه بالفن فطرياً وقد جمع بين الحرفية العالمية والحس الغريزي، ولم يعرض في أوبراته الإحساس الدرامي فقط بل وسع حدود مهارة المغنية والمغني من خلال احتكاكه ببعض الأصوات الغنائية العظيمة في زمنه، ومن خلال نفاذه إلى الطبيعة الإنسانية، فقد خلق على خشبة المسرح شخصيات تكاد تعادل في محيطها شخصيات شكسبير، وكانت موسيقاه فوق قومية تجمعها العناصر الإيطالية والفرنسية والنمساوية والألمانية، وكل هذا كان بالتفوق الفطري وليس بالتفكير الثوري.
 

لقد ألف موتسارت وغير مسار السمفونية والرباعي الوتري والسوناتا، كما أننا نلاحظ لمعاناً وفرحاً على سطح موسيقاه الخالدة، ولكن ثمة في العمق نظرة سوداوية طبعت أعماله بازدواجية فاتنة ومثيرة، ولهذا قال أحد النقاد عنه (موتسارت هو الموسيقى)، وقد أقر بذلك معظم المؤلفين الموسيقيين منذ عام 1791م.

يقول موتسارت: "أنا لا أستطيع أن أكتب الشعر فأنا لستُ شاعراً، ولا أستطيع أن أقسم عباراتي كتقسيم النور والظل، أنا لستُ رساماً ولا أستطيع حتى أن أعطي انطباعاً حول أفكاري ومشاعري بالإشارات والتمثيل، أنا لستُ راقصاً لكنني أستطيع أن أرقص مع النغمات، أنا موسيقي، أتمنى أن تعيشوا إلى حين لا يكون ثمة شيء يمكن أن يقال بعد في الموسيقى".

هذا هو موتسارت الموسيقي العظيم الذي عاش حياة قصيرة، ومرّ في الحياة كنسمة صيف، ولكن حياته القصيرة كانت كافية لتصنع له مجداً إبداعياً يفوق مجد الفنانين المعمّرين.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها