التّناص والاستحضار في رواية "الكوردي سيبس.. سيرة خبات"

سوسن إسماعيل



بمثابةِ تلخيص:

"في لحظة مصادفة عجيبة اتخذ أحد الأبواغ الحائرة طريقه إلى نملة شقراء حائرة أيضاً فوق حصاة صغيرة، كانت نملة تبحث عن جهة تستقبلها، وتوشك على النزول صوب بقعة لم يعرفها البوغ الحائر، وحين لامسها البوغ أخيراً، تحددتْ الجهة .. تحدّدَ المصير الذي حلمت به خَبَاتْ طويلاً"1.

على غير العادة؛ يُنهي الروائي جان دوست -سارد الخواتيم الفنتازيّة بجدارة- خواتيم الدّهشة والمخيال الفلسفي، روايته الصادرة عن دار الفكر المعاصر، الطبعة الأولى: 2020، أو الأصح يختمها ولا ينهيها؛ بحقيقة أنَّ الآخر دائماً، هو من يحدّدُ مصائرنا، ويختارُ جهة أقدارنا، إذ يُفاجئُ قارئه، بخاتمة يفسحُ لها المجال لتكون حقلاً للمعاني، وتجتمع عندها سطوة عوالم الفلسفة والتراث والأسطورة.

وتدورُ أحداث الرواية القصيرة لجان دوست الموسومة بــ"الكوردي سيبس ــ سيرة خبات"، عن غابة شمالية عظيمة، تعيش فيها قبائل النمل، هذه القبائل لم تفكر يوماً أنْ تثورَ أو تكسر جمود حياتها، تعتبر الثورات على نمط حياتهم الرتيبة عملاً مبتذلاً، لذلك لا مشروع لديها في ثورات أو حروب، سوى صراع الغريزة من أجل البقاء، إلا أن أحد النملات وهي "خبات" أرادت أن تثور على حياة الرتابة في مستعمرة النمل، التي عاشتها طيلة السنوات الماضية، فقررت "خبات" أن تخوض مغامرة وتغير نمط حياتها بالثورة على المستعمرة، وذلك بالخروج منها إلى الأبد، والذي دفعها لهذه المغامرة، استماعها لحديث وحوار دار بين مجموعة غريبة من الخنافس مرت بمستعمرتهم.

رواية "الكوردي سيبس - سيرة حبات"، التي لا تتجاوز المائة صفحة، لكنها رواية إشكاليّة، إشكاليّة تتجلى بين سطورها، حيثُ مجموعة من الإسقاطات والعلامات، الزمكان والحدث والسرد العالي فيها، كلّها عبر تداخلات متنوعة -رغم الحجم الصغير- وتعدد تقنيات السّرد، الحوار، المونولوج الدّاخلي، وعمليتي التقديم والتأخير؛ إذ يبدأ الروائي بخاتمة الشخصية الرئيسة في الرواية، والحالة التي توصلت إليها البطلة/ النملة "خبات"، ومصيرها في أعلى شجرة الخروب، إلى أن يبدأ بعد ذلك، بسرد استرجاعي لما قبل الحدث الأخير، يبدأ بالمصير الذي آلت إليه النملة "خبات"، نتيجة اختيارها أو ربما قراراتها، التي لم تتمكن أن تجزمَ فيها، حتى شاء القدر، أنّ أحد الأبواغ نابَ عنها وأنهى ترددها.

تدور الرواية حولَ نملة تُسمى "خبات" تسردُ دورة حياتها، "خباتُ" هذا الاسم الكردي الصّرف، بدلالة الاسم الرافض، الاسم الذي يعني الكفاح والنضال، التي تسعى بكلّ جهدها لتغيّر من بعض الحقائق، فـ"خبات" النملة التي تغادر مستعمرتها وتشق لحياتها طريقاً آخرَ، النملة الشقراء ذات البطن الذهبي المائل للحمرة، أرادت أن تتحرر من حياة الروتين والعمل الدؤوب، أرادت أن تقرر وتمتلك مفاتيح حياتها دون أن يستعبدها أو يتحكم بقراراتها أحد، بعد أن أمضت ثلاث سنوات من عمرها في خدمة قبائل النمل، الواقعة إلى الجنوب الغربي "لحقل الكوردي سيبس"، الحقل الذي لا يمكن لمن يصله، أن يخرج منه بسهولة، وإن حالفه الحظ وخرج، فإنّهُ يجتاز محنته بتحولات جذريّة وعميقة تفقده ذاكرته، ليحوز بعدها بذاكرة مشوّبة بالخوف وشبيه الموت، لا صوت للضمير ولا أصل للقيمة فيها ولكنها ذاكرة على قيد الحياة.

وهكذا؛ بعد أن سمعت "خبات" الحوار الذي دار بين خنفستين عن حقل الكوردي سيبس، الحقل الذي من يطأه يتحول إلى فطر الكوردي سيبس "أية حشرة يتمكن الفطر من الوصول إليها تنقلبُ حياتها رأساً على عقب، إلى أن تصبح مسكناً للكوردي سيبس"2، وتتحدث النملة "خبات" لكثير من صديقاتها عما سمعت، وأفشت لهم عن رغبتها في مغادرة مستعمرتها، وهكذا تقرر النملة والتي تُجبرها قراراتها أن تُسجنَ، طالما هو قرار ضد حياة القطيع الذي تعيشُ معه، هو انسحاب غير اعتيادي ومقبول منه/ القطيع، هو تمثيل ضد آراء وبرامج القطيع الذي عملت معه طيلة سنوات، لتخرج من سجنها إلى سجن أكبر، ولكنه قدرها، أهو قدر النملة "خبات" أم قدر الفطر/ الكوردي سيبس، أيّهما اختار الآخر، بعد أن تمكنت النملة "خبات" من اجتياز محنتها في الحفرة التي أُجبرت بالإقامة فيها/ السجن "سأحفرُ ثقباً في هذه الزنزانة، سأحفرُ منفذاً إلى حريتي، سأستمرُ .. لا خطوة تالية في البحث عن الحرية، الحرية هي الخطوة الأولى والأخيرة لأي كائنٍ يعرفُ معنى الحياة"3.
 

خطاب التّناص في العنوان والمتن

 إنَّ الكوردي ـ سيبس، سيرة البطل الغائب/ الحاضر وراء الكواليس وخشبة المسرح، كمشاهد عظيم، ينتظر مآلات تلقيح أبواغ الفطر مع الحشرات القادمة إليها، حتى وإنْ كانت هذه الكائنات المتحركة، قد ضلّت طريقها، وما عادت تعرف أيّ مسلك هو الصحيح، فما أكثرَ الأخطاء التي تودي بأصحابها إلى الهلاك، دون أن يدركوا صواب أو حتف اختياراتهم، وبذلك تنقلب الأحوال بأكملها.

والكورديـسيبس/ الكوردي سيبس؛ أنَّ شكل التناص المباشر والتداخل الواضح؛ الذي اعتمده الروائي في العنوان، وتناص آخر يتبدّى في الكثير من الأفكار والمعاني والأساليب التي تتناص فيها مثلاً مستعمرة النمل، وكذلك الأسلوب الذي يتميّزُ به الفطر في حقل "الكوردي سيبس"، لا بُدّ أنَّ له وظيفته التي تخصه، سواء على مستوى الإيحاء أو الإشارة أو لبعض الإسقاطات، ثمّة عملية تناص لغويّ بين الاسم العلمي لهذا الكائن النباتي/الفطر المُتطفل والمتحرك وبين ذات الكردي وما بعده وقبله، هي علاقة دلاليّة، في رواية تحمل على غلافها عنوانين، الأول في الأعلى "الكوردي سيبس"، والثاني في الأسفل "سيرةُ خباتْ"، إذ هي سيرة الذات، في مآسيها التي لا تغيب، دون أن تغيبَ عنها الكثير من الإسقاطات السياسية، الدينيّة، والثقافية، سؤال يطرحه الكاتب؛ في بداية الرواية، يبدؤها في الصفحة الأولى بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، لتكون الإجابة في الصفحة الأخيرة –لا بُدّ من إجابات صحيحة للأسئلة الصارمة- التي أنهى بها الروائي "سيرة خبات"، حيثُ هي سيرتنا -سيرة الكلّ- سيرة خطوط لا يمكنها أن تبقى على مسافة واحدة طول الطريق، ثمّة ما هو أقسى، أرفع، أعلى، أكبر، يرسمُ لنا خطوط الكفّ "ما كانت تلك العاملات من النمل الحفّار الأسود لتفكر، أو تحلم بحياة أفضل لولا أن مجموعة غريبة من الخنافس وصلت ذات يوم إلى مستعمرة النمل المحفورة في جذع شجرة قيقب منخور في الغابة الكثيفة، كانت تبشر بثورة تحرّر النملات من العمل الدؤوب في المستعمرة السعيدة، وتجعلها سيدات أقدارها ومالكات مفاتيح حياتها"4.

إنّهُ الواقع وسحره المتناقض، سحر يأخذ بالقارئ مرّة ليتخيّل وأخرى يحيلُ به إلى أرض ثابتة، حيثُ الأزمنة والأمكنة وكائنات تتحرك أمام عينيه، حقيقة؛ -هي رواية- ربما للوهلة الأولى يستبعد القارئ النجاح والعمق في هذه الرواية، عندما يتصادف على مُنجز مُجنّس بالرواية وبعدد صفحات قد لا تتناسب -بحسب المألوف الأدبي- مع مقومات وتقنيات أيّة كتابة سرديّة، ليتفاجأ القارئ بتسعين صفحة وأكثر من زخم مكاني وزماني وأحداث رمزية متعالية فيه: "أرادت خبات أن تتحدث إلى كثيرات من صديقاتها، وتفشي لهنَّ عن رغبتها الملحّة في الانخراط بمغامرة الذهاب إلى حقل الكوردي سيبس، لكن لم يهتم بها أحد، كنَّ مشغولات كالعادة يتحركنَ في كلّ الاتجاهات، ويقمنَ بأعمال شتى، ولما ضاقت إحدى النملات ذرعاً بثرثرتها هددتها بشطر جسمها إلى قسمين"5.

تقولُ جوليا كريستيفا في أحد تعريفاتها للتناص بأنّهُ: "جملة من المعارف التي تجعل من الممكن للنصوص أن تكون ذات معنى"6، وعليه القراءة تستغور في متابعة جملة من المعاني، والروائي ينقلُ القارئ من نصٍّ مقروءٍ إلى نصوص أخرى أو شبكة من العلاقات النّصيّة الخارجة، أو يمكنُ أنْ نطلق عليه "النصّ الغائب"، ويمكنُ لأيّ قارئ متمكن؛ أن يمارسَ على هذا النصّ الروائي العميق "الكوردي سيبس - سيرة خبات" لعبة القراءة النقدية والتحليل، طالما هو نصٌّ مفتوحٌ على الاحتمالات والتأويلات، وعلى عدة حقول لفهم النصّ، سواء لغة، أسلوباً، أو قراءة ضمن المصطلح النقدي أو خارجه، أنّهُ نسيج روائي متكامل، قائم على التحوير والخلق الجديد، وتشكيل لنصٍّ آخر، إنّهُ "النصّ المُنتج"، حيثُ المكان، الزمان، ومجموعة الشخصيات/ الكائنات المتحركة -لا ثبات لديها- فكيف وهي عوالم مملكة النمل: "كذلك كانت النملة المقاتلة الشقراء تقوم بالمشاركة في الهجوم على بعض أنواع النمل لاسترقاق أفراده، وتدافع الكثيرات منهنّ عن المستعمرة ضد الحشرات المؤذيّة وسائر الأعداء، كما كانت تأتي بالأغذية المتنوعة، وتفتح الطرقات التي تسدّها حواجز تعيق تدفق سيل رفيقاتها العاملات دون تفكير، كما تقوم بحراسة باب المستعمرة"7، وكأننا أمام نصٍّ مقروء، أو ما يمكن تسميته بـ"التّناص المقروء"، يقول رولان بارت: "إنَّ النصّ هو جيولوجيا كتابات"، يتمكنُ القارئ فيه أن يمارسَ بنفسه عملية التناص سواء في سياق ثقافي، أو مصادر تاريخية وأسطورية، ومع الواقع نفسه، البعيد والقريب، وقد نجح الروائي جان دوست إلى درجة كبيرة -كميزة لأيّ كاتب مبدع- أن يشدّ قارئه/ ناقده، إلى مُنجزه، ولاسيّما بلغته السهلة وبساطتها المعهودة، كما في أغلب رواياته -والتي أعتبرها لغة تنحازُ إلى سردياته، وتلعب دوراً في تمتين بقيّة مقومات الكتابة الإبداعيّة- فاللغة الروائية لجان دوست، هي لغة مرنة، تتحاشى الاستعارات والبلاغة، مع الحفاظ على لغة رمزية عاليّة، لغة الحكمة/ حكمة اللغة الطاغيّة على جسد النصّ، حيث النمل، الفطر، وحقل الكوردي سيبس، هي سيرة الراوي، العالم والواعي لكلّ ما يسرده، دون أن يغفل عن جماليات السّرد، ودون أن يطمسَ بعض الشَّاعرية التي يتميّزُ بها الروائي في أغلب رواياته، إضافة إلى تفعيله لخيال القارئ، داعماً ذلك، بـ"ثيّمة المكان"، الذي تمكن من حصاره بالزمن والقوى الفاعلة معه، أبطال يتحركون ويسردون، لا كائنات بشرية، سوى ما يستحضره بين حين وآخر، والمسمى بـ"حقل الكردي سيبس، هذا الحقل الذي تُنهي به خبات سيرتها.

كأنّ العنوان يستأثر بسؤال عن مركزية التّناص، "فهل التناص يوجد في [أفق] الكاتب، أم في [أفق] القارئ، أم في النصّ نفسه، وهل يساعد التناص على ممارسة التأويل، أم أنّهُ يقاوم مفاهيم التأويل8؟ فاستعمال الروائي في عنوانه الموازي "الكوردي سيبس" هو جزء من المقروء الثقافي، واستدعاء للذاكرة السياسية، ولاسيما "إنَّ المقروء الثقافي جزء لا يتجزأ من تجليات النصّ"، فالروائي يأخذ باللغة إلى مسارات السيمياء، أي يُحيل العنوان إلى حقل السيمياء، إنّهُ (الكوردي سيبس) المتناص لغويّاً مع (الكورديسيبس)، التناص اللغوي ذات الأبعاد والإيحاءات الرمزيّة، وما تتضمنه من رسائل مُشفرة، حيثُ العملية الإجرائية التي أنجزها الروائي، بالفصل بين الياء والسين، ياء الكوردي وسيرورته التاريّخية، إنّها عمليّة دمج واستحضار واسترجاع وتناص مع سيرة (خبات)، كما أشارت القراءة مسبقاً؛ بأنَّ المخزون الثقافي والاطلاع التاريخي الذي يشهده الراوي والقارئ، كلها تمارس مصدراً للتناص وإيقاظ الوعي لديهما، وعليه يتمّ تأسيس كتابة وولادة جديدة لأيّ نصّ.

أجاد الروائي جان دوست "الغوص" في عوالم الفطر (الكوردسيبس) تزامناً مع حقائق (الكوردي سيبس)، هذا النوع من الفطر الذي غيّر من قدر "خبات"، و"خبات" التي غيّرت من قدرها الأوّل، ليغيّرَ فطر "الكوردي سيبس" قدرها الثاني، بعدما وقفت حائرة تنتظر أيّ جهة تختار: "بقيت خبات حائرة هكذا وهي فوق تلك الحصاة الصغيرة، تستديرُ مرّة لتعود إلى مستعمرتها، ثمّ تعكس وجهة الاستدارة لتذهب في طريقها الموصل إلى حقل الكوردي سيبس الذي أصبحت قريبة منه"9، ولكنها لم تخترْ ولم تسرْ إليها كما تشاء، فالتردد كان يجانبُ اختياراتها، ولكن ثمّة قدر في الأعلى وضعها في طريق، غيّر من سيرة حياتها بأكملها "مع سقوط تلك الورقات إلى هاويتها الأخيرة، هبطت من أعالي بعض الأشجار أبواغ كثيرة لفطر الكوردي سيبس؛ أبواغ صغيرة خفيفة تنافست في بلوغ الأرض، وإصابة أي جسم حيّ تحطُ عليه لتبدأ دورة حياة جديدة، تحمل رسالة الحياة والموت في آن واحد"10.

أجاد الروائي في عمليّة الجمع بين المخيال الأدبي والعلمي من جهة، ومن جهة أخرى الربط بين البيولوجيا والسياسة في طريق واحد، وأن يورطهما معاً في حدثٍ فنتازي، أهي الواقعية التي تغلبُ عليها ظلال من السوداويّة والعتمة، كيلا تخرجُ معانيها إلى العلن والنور، أم أنّهُ النور بذاته، ولكنه يخشى الإعلان عن لونه وخيوطه الجليّة، وربما خشية من سيرورة حياة غامضة أو قراءة خاطئة لتفاصيلها!

من جهة أخرى يُطلق أمبرتو إيكو على عملية التناص بـ"المشي الاستنباطي"؛ أي هي عملية بحث وكشف حول اللغة نفسها، التي اعتمدها الروائي. فالعنوان أنموذجاً - عنوان قائم على علامتين أو ربما إشارتين فالكوردي سيبس هنا؛ هو فطر الكورديسيبس، وحقل الكوردي فيه هذا الفطر، هذا الجناس التام في العنوان بين اسمين أو لقبين لكائن نباتي يمتلك القدرة في أن يزرع أو يرمي بأبواغه إلى كائنات أخرى فيسكنها، وبذلك يفتقد الكائن ذاكرته، على أنهُ كائن جديد بولادة مختلفة، ومن ثمّ يبقى في حالة من الثبات التام. فالنملة "خبات" بسيرة حياة وتنقل من حالة الخضوع والاستعباد إلى حالة من التمرد ثمّ السجن ومحاولتها في الهروب ونجاحها في اجتياز مستعمرة النمل -مستعمرة القطيع- ثمّ سقوطها تحت هيمنة البوغ؛ ما هي إلا مرجعيات لأبعاد سياسية ولأشكال أخرى من حالة الاستعباد التي يحياها الكثير من الكائنات البشرية، وليس ببعيد عن ذاكرتنا التاريخيّة والتحولات العميقة التي طالت الكثيرين، وعلى مستوى شعبي كبير، كما في قصص "كليلة ودمنة"، والشيفرات التي من ورائها ساسة وأحزاب وأنظمة. التي تستشفّها القراءة من خلال تقنيات السّرد، وما على القارئ إلا أن يستحضر هذا التناص بالمعنى والأسلوب الذي تسيرُ به الأحداث، ويأخذ بالإشارات التي وظّفها الروائي، ليبلور الأهداف والمبررات التي دفعته إلى هذا الإسقاط، ولكن بلسان النملة "خبات" وبتوصيفه لحقل "الكوردي سيبس".

بمثابة خاتمة:

في تناصٍ عنواني مُغاير، وغيري حاد، لربما لا يخطرُ ببال القارئ، وخاصة للوهلة الأولى، عندما يتصادم بالكلمة/ الاسم الأول من العنوان، الذي يتماهى مع صفة أو كينونة أمة بمقومات لغويّة وهوية تاريخيّة عميقة -ولا سيّما أنّ العنوان هويّة أيّ عمل أدبي- ويستبعد عن ذهنه بأنّ ثمّة فطراً باسم "الكوردسيبس"، ليلحقه بوسم فرعي، وسيرة نملة اسمها كردي خالص "خبات"، إلى أن يغوص القارئ في متون حكاية "خبات" ويبذلَ جهداً ليفصل جيداً في الإسقاطات التي وظفها الروائي في العنوان، إضافة إلى جملة العلامات والرموز التي استندَ عليها في متون الرواية.

نصٌّ يمكن توصيفه؛ إنّهُ نصّ يبتغي الروائي منه، الخروج عن المألوف وخرق قوانين الطاعة في الطبيعة البشرية وحتى الحيوانية، إذ يمكن فرز النّصّ؛ على أنّهُ نصّ عصيان، لا بُدّ منه، معارضة ومكابرة، عصيان يشبه الثورة، نصّ يمكنُ للقارئ أن يؤوّله كما يشاء؛ لجهة الحكمة أو الميتافيزيقيا، ومرة لجهة العلوم الطبيعية، وليس ببعيد عن السياسة ودهاليزها.


الهوامش: 1. جان دوست: الكوردي سيبس، الناشر: دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، الطبعة الأولى - 2020، ص: 96.┇2. الكوردي سيبس: مصدر مذكور، ص: 14.┇3. المصدر المذكور، ص: 76 – 81.┇4. جان دوست: الكوردي سيبس، ص: 8.┇5. مصدر مذكور، ص: 17.┇6. صبري حافظ: افق الخطاب النقدي، الناشر: دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة – مصر، الطبعة الأولى 1996، ص: 59.┇7. جان دوست: الكوردي سيبس، ص: 11- 12.┇8. جراهام ألان: نظرية التناص، ترجمة: باسل المسالمة، الناشر: دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق – سوريا، الطبعة الأولى 2011، ص: 87.┇9. الكوردي سيبس: مصدر مذكور، ص: 94.┇10. مصدر سابق: ص: 95.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها