جمالية العمارة المغربية الشعبية

قصبة بولعـوان نموذجاً

أحمد التاري

أولا: الحاضرة الدكالية: شيء من التاريخ

سؤال التسمية

لم يرتبط اسم دكالة باسم القبائل التي كانت تسكن المنطقة بل كان يعني المنطقة ذاتها، حيث "يعتبر بعض الباحثين أن لفظة دكالة نطق مصمودي، وهي كلمة مركبة تجزأ كالتالي: "دو" بمعنى أسفل، و"كال" بمعنى أرض، وتجمع في عبارة الأرض المنخفضة " دكالة" وهذا التفسير يجد مبرره في الواقع"1.
كما تذكر روايات تاريخية أخرى أن اسم دكالة أطلقه المولى سليمان على القبائل التي جاء بها من الحجاز، وجعلها تستوطن هذه المنطقة للحد من الهجمات المتوالية القادمة من الصحراء خاصة وأنها عرفت بالبأس الشديد والبسالة.
 

المحدد الجغرافي

يحد المنطقة شمالاً واد أم الربيع وغرباً المحيط الأطلسي وشرقاً مرتفعات الرحامنة وجنوباً منطقة عبدة.

الخصائص المناخية

"تتوفر دكالة على كل خصائص المناخ المتوسطي: حرارة وجفاف في الصيف، حيث لا تنخفض درجة الحرارة في هذا الفصل عن 20 درجة، ورطوبة وبرودة في الشتاء.
أما فيما يخص الجانب التضاريسي للمنطقة فإنه ينقسم إلى ثلاث وحدات طبيعية: الساحل، ومنطقة التلال الرملية، وأخيراً المرتفعات الهامشية، وبتنوع هذه الوحدات يتنوع الغطاء النباتي للمنطقة كذلك"2.

 

ثانياً: العمارة المغربية بين الشرط التاريخي والإبداعية الفنية

في تحديد فنّ العمارة

فنّ العمارة هو أحدُ الفنون الهندسيّة القديمة التي عَرَفَها الإنسانُ منذُ حاجتِهِ لبناء مأوىً له، ويُعرفُ فن العمارة أيضاً بأنّه الفنُّ الذي يَهتمُّ بتطبيقِ مجموعةٍ من التصاميم الهندسيّة التي تعتمدُ على رسمِ الهيكل التخطيطِيّ لبناء المباني، والمعالم الحضاريّة الخاصة بمكانٍ أو بمدينةٍ ما وعادةً يهتمُّ فنّ العمارة بعكس طبيعة الثقافة العامّة، والتراث السائد في المنطقة، وقد يحتوي على مجموعةٍ من الرموز، أو المنحوتات الفنيّة التي تظلُّ من الشواهدِ على طبيعة فنّ العمارة في كُل حقبةٍ من الحقب الزمنية.

الفن المعماري المغربيّ

تنوّعت الحضارات في المغرب؛ إذ احتكت عبر الزمن بكلٍ من الحضارة الإسلاميّة، وحضارة أوروبا، وجنوب الصحراء، ممّا جعل منها لوحةً فنّيّةً متكاملة تمتاز بالعمق التاريخيّ، والشكل الحضاريّ، وتتميّز العمارة في المغرب باستخدام صفوف حجارة البناء في الحائط كما في العمارة الشامية مع زيادة السطوع لتلك الصفوف الحجرية، كما أنّها مليئة بالنّوافير داخل الأفنية، ولا تخلو الأبنية المغربية من الألوان المُتدرّجة من الفاتح وحتى الغامق دون انتظام ممّا يزيد من لفت الانتباه لها، كما يشتهر الطراز المغربيّ بوجود الجلسات الخارجيّة.

العمارة المغربيّة القديمة

تأثّرت العمارة المغربيّة في فترة ما بين 1056-1269م، بالعمارة الأندلسيّة دون إسراف وترف كما في الأندلس، ويرجع ذلك إلى وجود دولة الموحّدين في تلك الحقبة، فاكتسب الفن الجديد جمالاً مميّزاً أثّر على بساطة البناء ونبذه لمظاهر الترف تطبيقاً للزهد والورع، فتميّز البناء في وقتها بالجماليّات البسيطة المتقنة، فعلى سبيل المثال ظهر فنّ صفوف الأقواس الحاملة للسقف بشكلٍ عموديّ ونرى ذلك في جامع عقبة بن نافع في القيروان، وفي جامع قرطبة الكبير، ومن المظاهر الجماليّة نذكر الآتي: وجود القبّة فوق المحراب، والتي تتشكل من عدّة أقواس متقاطعة تحوي حشواتٍ جصّية مزخرفة، شكلها هرميّ، والقرميد يغطّيها من الخارج. شكل الأقواس يأخذ شكل حدوة الفرس الدائري والمُدبّب. كثرة استخدام الفسيفساء الخزفية في الزخرفة، وخاصةً في واجهات المباني والمآذن، وبلغ استخدام النقوش والزخارف أوجه في زمن دولة المرابطين. تنوّعت النقوش والزخارف بين استخدام الأشكال الهندسيّة، والعروق النباتيّة، وكتابة الجمل والكلمات على شكل شرائط تلفّ المباني والمساجد، ولقد اعتُمد في ذلك على الخط الكوفي بشكلٍ رئيس، أمّا خط الثلث فقد استعمل للمرة الأولى في جامع تلمسان.
 

العمارة المغربيّة الحديثة

 يعتبرُ مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء من أبرز مباني العمارة المغربيّة المعاصرة، حيث إنّ ارتفاع مئذنته ذات الطابع الأندلسي يبلغ 210م، وهي بذلك تعتبر أعلى مئذنةٍ في العالم، وفيه العديد من الساحات، إحداها للصلاة، وأخرى للوضوء، وفيه مدرسة قرآنية، ومكتبة ومتحف، أمّا أعمدته فملوّنة بالفسيفساء الخزفية. أمّا باقي الأبنية الحديثة في المغرب فتمتاز بالرسم بواسطة الخزف بأشكال هندسية وكتابات خشبية ورخامية، ومما استجدَّ في عمارة المغرب استعمال الليزر للدلالة على القبلة، مع بناء ركائز مضادة للهزّات الأرضية والأمواج البحريّة، كما أنَّ أغلب المساجد تتمتع بسقفٍ مُتحرّكٍ قابل للانفتاح والانغلاق، أما الألوان فهي مُستمدةٌ من البيئة الغنية بألوان التربة والصخور، والأشجار والزهور، أمّا الأبواب والنوافذ فتجدها مصنوعةً من الخشب أو المعدن.
 

ثالثاً: جمالية فن العمارة بمنطقة دكالة "العمارة العسكرية نموذجاً"

 لا تعد منطقة دكالة من المناطق ذات الصيت العالي في ميدان العمارة الإسلامية وذلك لأسباب متعددة، وهذا لا يمنع من وجود بعض المعالم المعمارية الغير قديمة جداً والتي تعود في أغلبها إلى الوجود البرتغالي بالمنطقة: الأسوار، كنيسة، مسقاة. وأخرى علوية: خاصة قصبة بولعوان بمنطقة أولاد أفرج، مع الإشارة إلى بعض الأضرحة نموذج ضريح مولاي عبد الله أمغار، الذي يمثل أقدم رباط بالمنطقة.
 

:: جمالية قصبة بولعوان ::

 تقع قصبة بولعوان أو أبي الأعوان على بعد حوالي 85 كلم شرق مدينة الجديدة على تراب جماعة بولعوان بأولاد أفرج، أسسها المولى إسماعيل سنة 1713/1714م الموافق لـ 1122هجرية3، على أضيق نقطة في منعطف مجرى نهر أم الربيع، لحراسة الطرق التي كانت تربط عاصمته مكناس"4.



بنايتها مستطيلة الشكل، محصنة بسبعة أبراج للمراقبة على شكل معقل5.
- احتلالها لموقع منيع ومحصن فوق هضبة صخرية على الضفة اليسرى لنهر أم الربيع
- "لها مدخل فخم مبني بالحجر المنحوت الجميل واجهته وعرضه (8،60م)، عليه زخرف مقروء بالخط العربي المغربي لا زال صامداً لحد الآن"6 (النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا إسماعيل المجاهد في سبيل رب العالمين، أيده الله ونصره على يد واصفه سعيد بالله الموفق السيد أبو عثمان إلياس سعيد بن الخياط وفقه الله عام 1122هـ)7.
- "بعد تجاوز المدخل تظهر في الجهة اليمنى أطلال دار السلطان المولى إسماعيل تفضي إلى غرف انهارت عن آخرها، ولم يتبق منها سوى آثار أعمدة وجدران ما نلبث أن نجد أنفسنا مدفوعين إلى التسليم بروعة الفن المعماري الإسلامي.
- يوجد في الزاوية الجنوبية –الشرقية برج مستطيل الشكل (7.40 على 7م)، يرجح أنه كان يستعمل للسكن والنزهة أيام الراحة، وللحراسة أيام الشدة"8.

أما من الجهة الجنوبية –الغربية نجد هناك مسجداً له صومعة عالية ذات التصميم المربع. بالإضافة إلى قبر صالح يعرف بسيدي منصور9.
- من الداخل أروقة مسقوفة وأقواس ذات الشكل المكسور.
- يحيط بالقصبة سور عال له شرفات واسعة للتمكن من نشر المدافع عليها. وقد بنيت بالحجر المتوسط الحجم، ولم يستعمل الحجر المنجور إلا في الزوايا وفي بعض الجهات الهامة كالباب الرئيس مثلا10.
 

الأسوار البرتغالية بالجديدة

يرتبط تاريخها بالاستعمار البرتغالي للمدينة؛ أثناء استيلائه على شواطئها، في بداية القرن السادس عشر الميلادي.

تعريفها

في لسان العرب هي: "حائط المدينة" و"الحائط: الجدار لأنه يحوط ما فيه، ولأنه يحفظ ما فيه".
ولتوضيح فكرة الحائط أردف ابن منظور قائلا: "حوط كرمه تحويطاً أي بنى حوله حائطاً" ومنه كذلك "الحائط أي البستان من النخيل إذا كان عليه الحائط وهو الجدار"11.
وهي موروث معماري وفني ومنتوج ثقافي أصيل لا يقل أهمية عن الموروثات الثقافية الأخرى.

 دورها

- الحد الفاصل بين المناطق التابعة لنفوذ السلطة الحاكمة والمناطق الخارجة عنها.
- الرفع من القدرة الدفاعية للمدينة ومظهر من مظاهر القوة والعظمة.
- أداة لحماية السلطة الناشئة ووسيلة لتمكينها من النمو والتطور12.

مواد البناء

الأحجار المنحوتة المقتلعة من المناطق المجاورة بالإضافة إلى الجير
 

المسقاة البرتغالية

أصلها برتغالي نصفها تحت الأرض، كانت تمثل إقامة لقائد الحامية ومستوصفاً للإسعافات. وبعد 1548م تحوَّل الحصن إلى مسقاة لتجميع المياه، تحسباً للضربات المغربية المتتالية، التي كانت وراء إخراج البرتغاليين، يحمل سقفها المحدودب خمسةً وعشرين عموداً بين مربع ودائري من حجر مصقول.


المصادر والمراجع
أحمد بو شراب: دكالة والاستعمار البرتغالي، إلى سنة إخلاء أسفي وأزمور، دار الثقافة، الدار البيضاء،1984.
معلمة المغرب: الجزء السادس، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا.
الحسن بن محمد الوزان الفاسي: وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، ج1، بيروت، لبنان، 1983.
ابن منظور: لسان العرب، دار لسان العرب، بيروت، بدون تاريخ.
مجلة كلية الآداب الجديدة: العدد الثاني، 1995.
ندوة أسوار المدن بتانسيفت: ط1، 2002.
الهوامش
1. أحمد بو شراب، دكالة والاستعمار البرتغالي، إلى سنة إخلاء أسفي وأزمور، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1984، ص: 52.
2. نفسه، ص: 54.
3. معلمة المغرب: الجزء السادس، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، ص: 1848.
4. الحسن بن محمد الوزان الفاسي: وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، ج1، بيروت_ لبنان، 1983، ص: 155.
5. معلمة المغرب: الجزء السادس، ص: 1848.
6. مجلة كلية الآداب الجديدة: العدد الثاني، 1995.
7. معلمة المغرب: الجزء السادس، ص: 1848.
8. معلمة المغرب: الجزء السادس، ص: 1848.
9. معلمة المغرب: الجزء السادس، ص: 1849.
10. معلمة المغرب: الجزء السادس، ص: 1849.
11. لسان العرب: العلامة ابن منظور، دار لسان العرب، بيروت، بدون تاريخ، مادة سور.
12. ندوة أسوار المدن بتانسيفت، ط1، 2002.
الصور: wikimedia.org / ©Google©

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها