سمات خطيرة.. في شخصية الإنسان العربي!

د. عبد الله رمضاني

لست أدعي فيما أورده، في هذا المقال، من ملامح تتعلق بالإنسان أو الشاب العربي أن ذلك دراسةً علميةً ميدانية تجريبة دقيقة؛ ولكنها ملاحظات أملتها علي تجربتي المهنية الطويلة في ميدان التربية والتعليم، واحتكاكي الكبير بشرائح كبيرة من الشباب، بالإضافة إلى ما ضمته كتب ومؤلفات متخصصة في مجال علم النفس الاجتماعي. كما لا أدعي أن هذه السمات والملامح تنسحب تفصيلاً وتأكيداً على كل شخصية من شخصيات الشباب العربي. إلاّ أني أزعم أن هذه السمات سائدة وشائعة بين أوساط الشباب العربي، وقد أخذت منهم الشيء الكثير.
 

ولعل أول صفة نجدها تتسم بها شخصية الشباب العربي هي سمة القلق والتوتر. فالشاب العربي يبدو من خلال أنماط سلوكه لا يتمتع بالراحة الفكرية والطمأنينة النفسية التي يتمتع بها غيره من شباب العالم. ومن مظاهر القلق والتوتر الخارجية التي تدل عليه عند الشاب العربي: أن يحرك رجليه في حركات عصبية متلاحقة، وأن يُرى على وجهه آمارات الشحوب والكمد، وأن يُلاحظ من خلال أحاديثه علامات التبرم واليأس والثورة. إنها إشارات بينة وصريحة على ما يعتمل في النفس من هموم، وما يتلبسها من توتر وحيرة واضطراب.

ورب معترض يقول إن صفة القلق لا تقتصر على الشباب العربي فحسب، بل تطال كل شباب العالم. إنه اعتراض مقبول وسليم، بيد أني أقول إن الإنسان العربي أكثر قلقاً من غيره. وإذا قمنا بمقارنة بسيطة، مثلاً، بينه وبين بعض شباب العالم الإنجليزي والأمريكي والفرنسي مثلاً؛ فإننا نجد هذا الشاب ما زال يجد من راحة نفسه واستقرارها ما يجعله يلهو ويعبث، ويعمل وينتج، مما يحقق لشبابه بعض احتياجاته ومطالبه.

ولعل مرد قلق شبابنا، فيما أزعم، إلى أسباب محلية يمكن إجمالها في الآتي:
•  نظرة الشاب العربي إلى واقعه وإحساسه بعظم التقصير وكثرة الأخطاء في الوطن العربي الكبير.
•  مقارنته بين واقعه وواقع أعدائه، وشعوره بقلق مرير يتناول مصير أمته ومستقبل شعبه ووطنه.
•  عدم شعور الشاب العربي بالطمأنينة وراحة الفكر لكون أسباب الرزق في بلاده أصبحت غير مضمونة، والاستقرار غدا غير موفور، والصحة تكاد تنعدم، والجهل يدب على قدميه، وميزان العدالة الاجتماعية أصبح مختلاً، والمستقبل بات مجهولاً.
•  إدراك الشاب العربي أن بلاده تدور في حلقة مفرغة، وتقدمها يسير ببطء ومضطرب.
•  إحساس الشباب العربي أن ما يسمى بالربيع العربي لم يأت إلا بالهزات السياسية، والتطرف، وانشطار الذات، وفسح المجال لدول الاستكبار العالمي لتزداد نهمها وطمعها في البلاد العربية، لما تزخر به هذه البلدان من خيرات ظاهرة وباطنة.
•  شعور الشباب العربي بأن هناك هوة واسعة قائمة بين جيله والأجيال السابقة: فالأب أكثر اطمئناناً واستقراراً من الابن، والجد أكثر هدوءاً من الاثنين، وتعليل ذلك يرجع إلى ما ذكرناه آنفاً.

والصفة الثانية التي تميز شخصية بعض الشباب العربي هي الفردية، أي أن الشاب العربي فردي أناني، لا يؤمن بالغيرية، ولا يعرف التعاون. ويمكن اعتبار هذه السمة تكاد تنسحب على عامة أفراد الشعب العربي لا يستثنى فيها الشيوخ عن الشباب ولا الأجيال السابقة عن الأجيال اللاحقة.

إن الفردية أو التمركز حول الذات هي، عادة، سمة المجتمعات المتخلفة، والأنانية صفة الإنسان الابتدائي عكس التعاون والغيرية اللذين يميزان المجتمعات الراقية والمتحضرة والفرد المثقف الواعي.

وهذه الفردية المغالى فيها خطر على الإنسان العربي وعلى المجتمع سواء؛ لأنها تؤدي إلى نتائج سلبية، وتساهم بقدر كبير إلى تفكيك عرى المجتمع، وتحرمه من تحقيق كبير الأعمال وعظيم الغايات، وتشتت الجهود وتجعل منها عوامل لا قيمة ولا أهمية. كما تقوده إلى التباغض والتخاصم، وبالتالي تودي به إلى التناحر والتخريب والهدم بدل التراص والبناء والإعمار.

ولعل الصفة الثالثة من صفات شخصية بعض الشباب العربي هي سوء فهم الحرية. فكثير من هؤلاء الشباب فهموا الحرية بشكل خاطئ، فاعتبروها تعني فوضى وتحرراً من كل قيد، والتمادي الذي يصل حد الخروج على الأدب أحياناً. والدليل على ذلك موجود عند المربين آباءً وأمهاتٍ ومعلمين وأساتذة ورؤساء وإداريين، فهم الذين يستطيعون أن يحدثونا عما يعانونه في هذا الأمر. وهناك مئات الحوادث التي تؤكد أن عدداً كبيراً من شبابنا فهموا الحرية فهماً خاطئاً، وأنهم يأتون أعمالاً هي أقرب إلى الفوضى منها إلى أي شيء آخر، ولا تمت إلى الحرية والتحرر بصلة. وقد جرّهم هذا الفهم السلبي للحرية، إضافة إلى ما قلناه سابقاً، إلى الاتصاف باللامبالاة وفقدان الهيبة، وأصبحت المؤسسات والمنظمات والأوساط الاجتماعية غير محترمة، وفقدت منها الهيبة والوقار. وفي هذا خطر وخيم بادٍ لكل علماء الاجتماع والمهتمين بقضايا الشباب والإصلاح.

ولعل سوء فهم الحرية يرجع إلى القلق والاضطراب، وإلى حداثة عهد مجتمعاتنا بالحرية. إن الحرية إذا لم يقيدها فهم وحدّ صارت وقاحة، وانقلبت إلى فوضى. وما أحوج شباب أمتنا أن يفرق بين الحرية والفوضى والتمادي والتطاول على حقوق الآخرين.

وهناك صفة أخرى بادية للعيان يتميز بها شبابنا العربي هي صفة الكبت الجنسي، رغم ما للجنس من أهمية كبيرة في تكوين الشخصية البشرية لا ينكرها إلا جاهل أو مغرض. إن الذي يلاحظ شبابنا العربي، سواء كان رجلا أو امرأة، لا يفوته أن يلحظ لديهم هذا الكبت أو الجوع الجنسي الملفت للنظر. وهذا لا يعني أنه من غير المشروع أن يكون عند الشباب ميل جنسي؛ وإنما الخطر الماحق أن يهيمن هذا الميل على حياة الإنسان، وأن يُحِيده عن اتزانه واعتداله، ويجرّه إلى التعبير عنه بشكل غير مُرْضٍ ومرفوض في تقاليدنا وأخلاقنا وقيمنا الاجتماعية.

ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر بأن الميل الجنسي يصعّد، وأن التربية الجنسية أصبحت ضرورة يجب أن تراعى قواعدها ومبادئها، ويجب أن يلمّ بها كل مرب حسب موقعه ومركزه الاجتماعي.

ولعلّ الصفة الخامسة التي يتصف بها الإنسان العربي فتتمثل في حب المظاهر، أو المبالغة في الاعتناء بالمظاهر. وفي هذا الصدد أتذكر قول كاتب غربي زار إحدى العواصم العربية الكبرى مرة، فخيل إليه أن الشباب العربي في عيد دائم. في وقت كان يفترض أن يكونوا في ثياب أبسط وأنسب للظرف الذي يوجدون فيه. وهذه الصفة لا يمكن أن ينكرها أحد، ففتياتنا الجامعيات مثلاً يلبسن من الثياب ما لا يلبس إلا في حفلة، ويتعطرن في الحرم الجامعي أو المؤسسات التعليمية، ويتأنقن في المدرجات والأقسام بشكل لا نجده في أية جامعة أو مؤسسة أخرى.

 والشيء نفسه ينطبق على شبابنا الذين يتبخترون في الشوارع، وشعورهم مصففة، وثيابهم أنيقة، علماً بأنهم سائرون إلى العمل أو سبيلهم إلى قضاء حاجة.

والأدهى من هذا والأمر، أن بعض فتياتنا لا يقبلن الزواج إلا بعد أن يؤثث لهن بيتاً كاملاً ويجهز بجهاز فاخر، وينفق أهل عريسها في سبيل ذلك ما يملكون ولو أدى ذلك إلى الاقتراض والاستدانة. كما لا ننسى من جانب آخر، أن شبابنا اليوم هو الآخر يحرص على ابتياع النفيس والغالي من الأشياء ولو كان تافهاً ولا قيمة له، واقتناء الآلات الثمينة التي ترهق قدرتهم الشرائية، وكل ذلك من أجل زيد أو عمرو من الناس.

في الحقيقة، إن في هذا لدليلاً على الاهتمام بالقشور عن اللباب، والانصراف عن الجوهر إلى المظهر.

ومن الصفات السلبية التي تميز شخصية بعض شبابنا العربي، أيضاً، صفة الكلام الضخم الفارغ. فإننا لو استمعنا لأحاديثهم لسمعنا عجباً، فهم يستعملون من الكلمات التي لا تعني شيئاً بل قد تعني عكس المقصود أحياناً. فنراهم، مثلاً، يصفون الجمال بالفظاظة، والقتل بالعظمة، والسفالة بالأبهة والوجاهة وغير ذلك كثير.

وكذلك نجدهم أثناء حديثهم يُصرّون على حشو كلامهم بالكثير من الكلمات الأجنبية التي لا داعي إليها، مما يكشف عن شعور بالنقص تجاه أصحاب هذه اللغات.

ومن العبارات والكلمات الضخمة، أيضاً، التي يرددها بعض شبابنا العربي، وهي تدل دلالة واضحة على فراغ العقل، وعدم القدرة على التعبير، والنفاق أو الكذب أحياناً، قولهم: الطبيب الفلاني (متخرج من جامعات ومستشفيات فرنسا أو أمريكا أو غيرها). علماً أنه كم من جامعات موجودة في فرنسا وأمريكا! لعل صاحبنا لم يفعل أكثر من زيارته لواحدة منها. والأستاذ الفلاني (مرب كبير)، أو (معلم الأجيال). والمحامي الفلاني (قانوني ضليع)، وهكذا دواليك.

وأخيراً؛ فإنني حاولت أن أبرز، منتقداً، بعض الصفات السيئة التي لا يليق بشبابنا العربي الاتصاف بها.
وفي هذا السياق، ينبغي ألا أفهم خطأ فيما أوردته من سمات أني متحامل على هؤلاء الشباب لكوني عممت دون أن أخصص.

إن هذا المقال المتواضع لا يهدف أكثر من التنبيه إلى بعض الملامح المشينة، أملاً في تخليص شبابنا منها، علماً بأنهم هم عماد هذه الأمة، وعليهم آمالها معقودة. والله من وراء القصد.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها