
مدينة طرطوس عروس الساحل السوري الموغل في القدم، بما تتمتع به من موقع جغرافي متميز، مما جعلها ذات شهرة واسعة، تمتد على مسافة شاسعة من الجهة الغربية على البحر الأبيض المتوسط لدولة سورية، تقابلها الجبال المواجهة للساحل من الجهة الشرقية، وتعبرها الأنهار وتتمتع بمواقع أثرية خالدة، كل ذلك جعل منها عروس البحر وملكة الجمال.
لماذا سميت طرطوس بهذا الاسم؟
من يقف أمام بحر طرطوس، لا بد له أن يشاهد جزيرة "أرواد" تلك الجزيرة الصغيرة التي تبعد عن الساحل ثلاثة كيلومترات، وتعتبر مركز الدولة الفينيقية التي كانت قائمة على امتداد الساحل السوري آنذاك. فقد أجمع المؤرخون على أن سبب تسمية طرطوس بهذا الاسم يأتي من الأصل في تسميتها الأولى "انترادوس"، التي تعني باللغة الفينيقية: البر القريب من أرواد.
وأطلق على المدينة اسم "انترادوس" على مدى قرون، وصولاً إلى عهد الصليبيين، حيث أطلق عليها حينها اسم "طرطوسا" أولاً، ثم تغير بعد ذلك إلى طرطوس. واسم "انترادوس" الذي يعد أصل تسمية المدينة ظهر في كل الكتب التاريخية التي تحدثت عنها.

نظرة عامة على المواقع الأثرية في طرطوس:
تعد مدينة طرطوس الحالية مدينة مأهولة منذ أقدم العصور، فهي تضم مجموعة كبيرة ومهمة من القلاع والأبراج والمباني الأثرية معظمها لا يزال محافظاً على وجوده وجاذبيته حتى الآن.
أول مستوطنة بشرية مكتشفة حتى الآن في المحافظة هي "تبة الحمام" الواقعة جنوب مدينة طرطوس، وتعود إلى العصر الحجري القديم، ومن أهم المواقع الأثرية في المدينة:

● طرطوس القديمة: كانت تسمى مدينة طرطوس سابقاً بــ(كارنة)، وهي في الأساس مرفأ بحري يعود إلى أسطول جزيرة أرواد، وكان ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد. وبعدها أطلق عليها باللغة الإفرنجية تورتوزا، ومن ثم تحوَّل الاسم إلى طرطوس.
توالت على المدينة احتلالات عدة، فقد استولى عليها الإسكندر المقدوني ثم الرومان تلاهم البيزنطيون، واستعادها نور الدين الزنكي، ثم استولى عليها الملك بلدوين الثالث ومنحها للداوية، وبعد ذلك، وصل إليها صلاح الدين الأيوبي إثر حملته المتجهة إلى شمال سورية، وقد قام بتهديمها، بما فيها كنيسة القديسة ماريا. وفي عام 1276م احتلها المماليك وفر فرسان الداوية إلى قبرص مصطحبين معهم أيقونة السيدة العذراء التي قيل إن القديس لوقا خطها بريشته في كاتدرائية طرطوس.

● كاتدرائية طرطوس:
فُتح حالياً فيها متحف طرطوس، ويعود تاريخها إلى القرون الوسطى، وقد بنيت على الطراز القوطي على هيئة "بازليكا"، وأطلق عليها اسم كنيسة الحجاج وسيدة طرطوس.

● جزيرة أرواد: هي جزيرة قديمة، تعود إلى العهد الفينيقي، تقع في الجنوب الغربي مقابل ساحل طرطوس، وتبعد عنها ثلاثة كيلومترات، وهي مأهولة بالسكان منذ القدم، وكان اسمها القديم أرادوس (أرفاد) أو أرواد وتعني بالفينيقية الملجأ أو الملاذ. وحين سكنها الكنعانيون كان اسمها عمريت.
وقد تعاقب عليها عدد من المحتلين منهم الفراعنة والحثيين، كما خضعت لحكم ملوك الآشوريين والكلدانيين والفرس والإسكندر المقدوني، ومن ثم خضعت للحكم الروماني، ثم احتلها الصليبيون، تلاهم للحكم العثماني، وقد اتخذوها مقراً لأحد قادتهم العسكريين حتى الحرب العالمية الأولى، حيث أصبحت مركزاً للجيش الفرنسي ومعتقلاً للأحرار.

نافورة على نهر عمريت، جنوب طرطوس
● عمريت "ماراتوس": تقع عمريت جنوب طرطوس على بعد 7 كيلومترات، وهي من أبرز المدن الأثرية على الساحل السوري، تأسست في نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد، وقد كانت مركزاً لتوسع الإرواديين، حيث أقاموا فيها مساكنهم وقبورهم.
تمتد المواقع الأثرية فيها إلى حوالي ستة كيلومترات مربعة، كما تدل الهياكل الأثرية على دورها التجاري الهام في تلك المنطقة، وتعتبر صورة استثنائية عن تطور الحضارة الفينيقية.
عرفت عمريت في الكتابات اليونانية باسم "ماراثوس"، وكانت تابعة لمملكة أرواد، وقد خصصت لبناء المنشآت التجارية والمعمارية والمساكن والقبور، وكان لعمريت أهمية اقتصادية كبيرة وعلاقات تجارية مع كل دول البحر المتوسط وخاصة اليونان، حيث نقلت إليها الصناعة والزراعة والديانات، وقد أظهرت النقود البرونزية المكتشفة، التي نقش عليها اسم "ماراثوس" أهمية عمريت التجارية، وتعود الأطلال الحالية في عمريت إلى الفترتين السلوقية والفارسية. ومن أهم آثارها الباقية:

معبد عمريت
● المعبد: هو من أشهر المواقع الأثرية في عمريت، ويسمى معبد الينبوع أو معبد الهواء الطلق، ويُعتقد أنه كان مكرساً للإله الشفاء وتجدد الحياة عند الفينيقيين. ويتكون من حوض مركزي محفور في الصخر، يحيط به رواق محمول على دعامات ضخمة ما يزال بعضها قائماً حتى الآن. يصل الماء إلى الحوض من ينبوع داخل كهف في الضلع الجنوبي الشرقي للحوض، ومن المتعارف عليه أنه كان للنبع دور هام في الطقوس الدينية التي تقام في المعبد، أما الهيكل فقد نُحت في وسط الحوض، وإلى الشمال منه هناك بناء المذبح المحفور في الصخر أيضاً، لم يبق منه اليوم إلا الجزء السفلي.
● أما الملعب، فيعتبر أقدم منشأة رياضية في العالم، فهو منحوت في الصخر، وكان القدماء يقيمون ألعابهم الرياضية عليه من جري ومصارعة وسباق عربات وما إلى ذلك، وقد كان الفينيقيون يحتفلون بألعابهم الرياضية الدينية بالقرب من المعابد هذا مما يدل على وجود علاقة مهمة، ربطت بين الملعب والمعبد وتتعلق تحديداً بالطقوس الدينية، فكانت النشاطات الرياضية تنظم تكريماً للإله بعل.
من جماليات الملعب أنه يقع في تجويف طبيعي بين هضبتين، حيث تشير هندسة مدرجاته إلى شكله الذي على هيئة حدوة حصان، ويمتد بطول 220 متراً وعرض 30 متراً، وتحيط به عشر مدرجات ارتفاع كل منها بقياس 6 أمتار. وخصص الملعب للاحتفالات الرياضية الكبيرة منها: الركض والقفر والرمي والمصارعة، كما يوجد عند أطرافه بعض المنشآت والمباني التي كانت تقام فيها المسابقات والاحتفالات.
● أما المدافن فنحتت في الصخر بطرق جميلة، وكان الناس حينذاك يطلقون على هياكل المدافن اسم "المغازل"، ويلاحظ تأثر تصاميمها بالفنون الفرعونية واليونانية والفارسية، مما يظهر قوة دور الفينقيين الثقافي والاقتصادي مع الحضارات الأخرى المحيطة بهم. فقد أظهرت اللوحات التي نقشت على جدران المدافن من طواويس وأسماك وما إلى ذلك أهمية الطقوس الدينية التي عكست فلسفة الفينقيين، وقد شيدت فوقها نصب لأشكال مختلفة يعتقد أنها تخص ملوك أرواد وعمريت أو طبقة الأغنياء.

● أما حصن سليمان الذي يقع شرق طرطوس، فهو مبني في وهد جبلي محاط من جميع جهاته بالمرتفعات، ويستدل من النقوش والكتابات اليونانية واللاتينية على أنه معبد للإله زوس، وهو ذو ثلاثة أقسام رئيسة: قاعة العبادة وقاعة الدخول والدرج الخارجي أما السور فهو مبني من حجارة مستطيلة ضخمة يصل طولها إلى عشرة أمتار وارتفاعها يتراوح ما بين المترين إلى الستة أمتار وفي كل جانب من جوانب السور الأربعة بوابة يتم العبور من خلالها إلى حرم المعبد.
يُعد "حصن سليمان"، واحداً من أهم عشرة مواقع أثرية في الشرق الأوسط، باعتباره من أضخم المواقع التاريخية.
سبب التسمية وأسطورة بناء الحصن:
إن من ينظر إلى طبيعة بناء الحصن يتوقع أنه ليس من المعقول أن يكون قد بناه البشر، وخاصة ما يتعلق بضخامة حجارته التي تزن عشرات الأطنان، فمن يستطيع رفع تلك الحجارة أو حتى تحريكها قيد أنملة، من هنا ساد معتقد بين أبناء المنطقة، بأن من قام ببناء الحصن هم جان سليمان، فلن يستطيع بناء هذا الحصن الضخم إلا الجان، لذلك سموه باسم "حصن سليمان"، وخاصة أن النبي سليمان، قد اشتهر في القصص القديمة في تسخيره الجن لبناء القصور والأبنية الضخمة. فهذه التسمية لا تملك المرجعية التاريخية الدقيقة لإثبات صحة هذا الاعتقاد الديني.. ولكن ما يدلل على صحتها ضخامة الحجارة والتعجب من بناء الحصن.
من هنا تبرز أهمية الموقع الجغرافي والأثري الذي تتمتع به مدينة طرطوس، كما أن هناك العديد من المواقع المهمّة -إضافة إلى ما ذكرناه- مثل قلعة يحمور، وقلعة القدموس، وبرج الصبي، وبرج صافيتا، ودير مارا الياس الريح، وقلعة المرقب، وقلعة العريمة، وقلعة الكهف، وقلعة الخوابي وتل كزل، وقلعة العليقة وقلعة الشيخ ديب، إضافة إلى بناء البيوت القديمة في وسط مدينة طرطوس والقائمة تطول.