تتزايد الحاجة إلى ممارسات نقدية واعية ومتعمقة؛ لأن تطور الإبداع كماً وكيفاً لا ينفصل عن تطور النقد كماً وكيفاً، والأخير قرين الصلة بإيجاد الناقد الأصيل الحصيف، والأمين الذي بوسعه جعل الضوء متوهجاً، وأيضًا تتعلق بدوره ورؤيته ومشاركته في الحركة الثقافية ومؤسساتها لأنها الرافد الأهم لتدفق نهر الإبداع، هذا ما يجعل هناك تشابكاً بين أزمة النقد وانحسار الإبداع وأدوار المؤسسات الثقافية ومشكلاتها.
يحدث ذلك وما زالت في الذاكرة العقود الذهبية للثقافة العربية، ومن هنا تأتي أهمية الإبحار مع نموذج مشرف من أجيال الوسط، لأنه الجيل الذي يتحمل جزءاً من المسؤولية، ويتحملها كاملة في القريب العاجل، مما يتطلب أن نستمع إليه بشكل أكثر دقة، خصوصاً وإن كان واحداً ممن لديهم هذا الانغماس في تيارات الإبداع الأدبي، مثلما هو حال انغماسه مع الأجيال الجديدة بشكل أكبر من غيره، وإدراكه لأبعاد الحركة الثقافية جيداً، لكونه يقف على مسافة قريبة ليست بالملتصقة أو المتباعدة بما يسمح له برؤية جيدة وواضحة.
تلك السطور تستدعي الدكتور محمود فرغلى، وهو أحد أشهر النقاد الجدد المشهود لهم، والذي نجح الرهان عليه خلال ربع قرن من ممارسته لفنون الإبداع نقداً وشعراً ومسرحاً، لكونه يمتلك فلسفة خاصة لا تنفصل عن ثقافته ومنهجيته العلمية، بجانب الركيزة الأخلاقية التي تجعله لا يتخلى عن صومعة الفن متنازلا في سبيلها عن الدخول إلى معارك الجدال أو مراعاة حسابات المكسب والخسارة، أو بناء علاقات شخصية على حساب مصداقيته الفنية، فهو ممن لا يمكن شراؤهم.
تأتي أهمية ذلك من منطلق الضرورة الأخلاقية الإلزامية لكل من يعتلي منصة النقد أو المشروعات والمؤسسات الثقافية بصفة عامة، وإلا تسبب بقتل آلاف المبدعين ووأد أنهار من الإبداعات وتجريف التربة، وهو يحسب أن لا شيء قد يحدث من القرارات أو المواقف أو الكلمات، وما أخطر الأخيرة.
هذا وتنطلق الممارسات الإبداعية لدى محمود فرغلي من قدرة تذوق عابرة لفضاءات النص وأبعاده، متجاوزة الحدود والقوالب، وهي الضرورة للإمساك بأهداب المستقبل ولكن دون التخلي عن الجذور المرتبطة بالأرض والتي تسمح باستيعاب الابتكار، ومن ثم الإبحار لفضاء أكثر رحابة بأحلام الإبداع الخلاق لتساير حركة التغيير والتطور في فنون الكتابة مع الحفاظ على خصوصية وتفرد الثقافة العربية.
أما الملمح الإنساني لشخصية فرغلي، فقد عرفه الجميع، شخصاً بسيطاً متواضعاً، زاهداً ولطيفاً، وصاحب ابتسامة ورقة تخدع من لا يعرفه، وتتكشف الحقيقة حين يتحدث مبدياً رؤيته النقدية المدعمة بالأدلة، فتنهار صورته الودودة، وتتشكل صورة الفارس الذي يعرف أن التردد أو عدم الوضوح فيه الهزيمة وخسارة الفرص المتاحة للتقدم المأمول في حركة الإبداع والثقافة ذات الصلة بالتنمية بشتى صورها، لعنايتها بالإنسان والحياة.
هكذا عرفت محمود فرغلي خلال مشاركته الجلسات الأسبوعية لأندية القصة والأدب، وندوات اتحاد الكتاب بسوهاج، وندوات معرض الكتاب الدولي بالقاهرة وغيرها.
وفي إطار ما سبق، ولأجل الآمال المرجوة كان لنا معه هذا الحوار:
✧ قضايا نقدية ✧
هناك اتهامات عديدة تجاه ممارسة النقد وكفاءته واستيعابه لحرية الإبداع وتطوره، فما رأيكم؟
لم يكن النقد الحقيقي حاجزاً دون الإبداع، إن دوره الحقيقي هو إلقاء الضوء على الأعمال الإبداعية الجادة، والكشف عن جمالياتها وفنياتها العالية، في الوقت ذاته إبراز نقاط الضعف التي تنال من قوة الفن وخصوصيته، وأحسب أن سيادة المناهج الوصفية وتراجع المنهج المعياري هو السبب في ظهور كثير من الأعمال الشعرية والسردية التي لا تستحق ما أخذته من الذيوع والانتشار.
ينتشر القول بأزمة رهن النقد العربي بممارسات وتعبيرات النقد الغربي، كأنها أسيرة له، فما تقييمك للأوضاع؟ وكيف يمكن علاجها؟
الحديث عن أزمة النقد العربي قديم، وتفاقم مع ترجمة النظريات النقدية الغربية، ومن ثم كان السؤال الملح هو البحث عن نظرية عربية هو ذاته سؤال النهضة أيام محمد عبده وقاسم أمين والأفغاني، ورغم ذلك أرى أن النقد العربي ليس مأزوما في ذاته بقدر ما هي أزمة ثقافة ومجتمع.
أما الفجوات فدعنا نتحدث عن أزمة النقد الكامنة في التبعية دون مراعاة الاختلاف والمغايرة، والوعي المستلب بتتبع خطأ النظرية دون مراعاة الاختلاف الثقافي.
هل يساير النقد العربي المعاصر النقد العالمي؟
فكرة المسايرة لا تؤخذ هكذا، فلا بُدّ أن يساير النقد حركة الأدب لدينا؛ لا أن يكون مجرد تابع لما يقدمه الغرب من نظريات متتابعة، دون أن يعني ذلك الانغلاق أو التوقف عن الترجمة، لكن في رأيي النص هو الذي يفرز أدوات قراءته.
رأيكم في ممارسة النقد الثقافي عربياً، ومدى استيعابه لتحديات تطور فنون الكتابة؟
النقد الثقافي جاء كرد فعل للنظريات النقدية المغلقة، سواء أكانت اجتماعية أو لغوية، والتي تقف أمام ثنائية الواقع واللغة فحسب، وأحسب أن حصاد النقد الثقافي في ثقافتنا العربية ما زال ضحلًا وقليلًا وهو في مجمله عالة على جهد الغذامي.
هناك الكثير من أنواع النقد الغائبة عن الممارسة في المشهد الأدبي، ترى لماذا يحدث ذلك؟
فيما يخص النقد الغائب يرتبط بمساحة الحرية وقدرة الناقد على التحرر من التبعية بكل أشكالها، والقدرة على معايشة النصوص، وبناء علاقة صحيحة معها دون فرض منهج بعينه.
كيف يمكنك التمييز بين الناقد القوي والناقد الضعيف؟
الناقد الضعيف في رأيي هو ضعيف معرفياً ومنهجياً وفكرياً، بمعنى عدم اكتمال عدته المعرفية ونقص في أدواته المنهجية، وخلل في بنائه الفكري، والناقد الفاعل عكس ذلك تماماً.
✧ النقد والقضايا الثقافية ✧
كشفت من خلال أطروحاتك للماجستير والدكتوراه عن ثراء التراث العربي الواجب استغلاله وترويجه بين الأجيال الجديدة، فهل تلبي المناهج النقدية الغربية تحقيق تلك الاستفادة؟
تتمة للسؤال السابق أرى أن أطروحتي للماجستير والدكتوراة تقفان في نقطة الارتكاز الرئيسة في نقدنا العربي المعاصر، وهو الجمع بين التراث والنظرية النقدية المعاصرة، وتأكيد لفكرة التراث والمعاصرة عبر قرن ونصف من الزمان.
وربما كان في استخدام المناهج النقدية الغربية بأدواتها ومناهجها كثير من الجدوى؛ لأن المشترك الإنساني موجود في الفكر والنقد ولكن بقدر، فكثير من النظريات لها خلفيات فلسفية وتراثية مغايرة، ومن ثم تؤخذ بكثير من الحذر.
وفي الأطروحتين -"الماجستير والدكتوراه"- كان تركيزي على السرد باعتباره فطرة بشرية وطريقة من طرق تمثل المعنى، فمن ثم كان طبيعياً أن تظهر معطيات السرد في كتاب الأغاني وفي كتب التوحيدي، وهو ما يلفت الانتباه إلى ثراء تراثنا من جهة، وإمكاناته الكبيرة لعمليات الاستقراء والاستلهام المستمرة من أجل حاضر أكثر ثراءً ومعرفةً.
نفتخر بفوزك بجوائز مسرح الكبار والطفل من الهيئة العربية للمسرح وغيرها، لكننا سنقصر الحديث عن مسرح الطفل، لنتساءل عن أسباب ضعف إنتاج المسرحيات التي تعالج قضايا الطفل؟
يواجه مسرح الطفل إشكالية الاجترار والتكرار من خلال نمط تاريخي متكرر وأنماط مسرحية مقولبة، في ظل عجز واضح عن مواكبة الثورة المعرفية والرقمية التي جعلت طفلنا المعاصر يختلف عن طفل الأمس، وهذا الأمر يجعل الكتابة للطفل أكثر صعوبة وخطورة في آن.
تحدثت في كتابك الأخير الصادر عن الشارقة عن مشكلات شعر الأطفال الذي لا يراعي عقلية الطفل وسماته، على من تقع المسؤولية، وكيف يمكن علاج ذلك؟
في كتابي تداولية الخطاب وبلاغة الأداء في شعر الطفل طرح أساسي يتعلق بدور الشعر في حياة الطفل في ظل تراجع معدلات القراءة، ومن ثم ركزت على الجانب التداولي الذي يضع الطفل طرفاً فاعلًا في عملية التلقي، وذلك بتحويل الشعر من النصية إلى الأدائية بطرائق متنوعة، كالغناء أو المسرحة، فالطفل ليس طرفاً سلبياً وهذا مكمن خطورة الكتابة للطفل عموماً.
منذ كتابات ما بعد الكولونيالية كأمثال الطيب صالح، ونحن لا نرى جديداً بنفس العمق والقوة، لماذا؟
بالنسبة للكولونيالية علينا أن نفرق بينها كمذهب نقدي، وبين تمظهراتها في الأعمال الأدبية، خاصة أن رواية الطيب صالح لم يكن لها السبق؛ وإنما كان لها التميز، ولدينا الآن عشرات الأعمال التي تتماس مع قضايا المستعمر والعلاقة مع الآخر من خلال رؤى ومداخل مختلفة، في ظل الانفتاح الحضاري غير المسبوق.
✧ إشكاليات المؤسسة الثقافية ✧
هناك علاقة أصيلة تتعلق بدور المبدع تجاه ثقافة المجتمع وأيضًا تطوير الممارسة الإبداعية، لكن هذا يتعلق بمدى إتاحة التنوع واختلاف الآراء والاتجاهات، وهنا تبرز أهمية المؤسسية في الهيئات الثقافية من أجل انطلاق حركة الإبداع والتجديد، لكننا نرى أن هذه المؤسسات تدار من خلال المثقفين أنفسهم، كما هو الحال في مصر -على سبيل المثال- كسلاسل النشر والمسرح والمؤتمرات وغيرها، فهل تتفق معي على انتشار الشللية، مما يحرم الفن من زهوره، ويفقد المجتمع مواهبه وقدارته؟
أتفق مع خطورة الشللية على الإبداع وخصوصية التجربة، وزاد من خطورتها الإمكانات الرقمية المتاحة التي جسرت المسافات وأتاحت مزيداً من التقوقع في أطر أدبية وتجمعات منغلقة، وهي تحسب أنها تنفتح ثقافياً على مختلف التيارات، في حين نجد أن الاختلاف الصحي الأساس السليم لبناء حياة ثقافية فاعلة تقوم على التلاقح والتلاقي لا التطابق والتماثل.
هنا أنا لا أقصد بالشللية التجمعات الأدبية والأندية، بقدر ما أعني المجاملات على حساب النص وجمالياته وقوته فنياً، فكثيراً ما أفرزت الشللية نصوصاً تم الترويج لها وهي لا تستحق، والعكس بالطبع صحيح.
كيف يمكن التغيير؟
أما بخصوص التغيير، فالأمر لا يرتبط بالمثقف فحسب، بل لا بُدّ من إرادة جمعية شعبية ورسمية، ووعي بخطورة مسألة الثقافة وخطورة الممالأة فيها، ولا شك أن دور المثقف تراجع بشكل واضح، وهو الأمر الذي ترك فراغاً كبيراً في حياتنا الفكرية، ولم يأت ذلك إلا بتراجع هذا الدور على خطورته.
نعاني من ضعف وغياب حقوق الملكية الفكرية، وانتشار سرقة الأفكار والإبداع، فكيف ترى ذلك مع نمو الذكاء الاصطناعي؟
أرى أن معدل السرقات سواء على مستوى الأعمال الإبداعية أو الفكرية في ازدياد، وأعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيسارع من ذلك، خاصة في مجال سرقة الأفكار وإعادة تدويرها، فيما سيظل التفرد الإبداعي محل شك في هذا الصدد، ولا تنسى أننا ما زلنا في طور البدايات في هذا المجال، والقادم المتسارع يصعب التنبؤ به.
ما أوجه القصور التي تراها منتشرة في القصة والرواية والشعر والنقد؟
العناصر المتوافرة كثيرة منها المواهب والمنابر الثقافية والمؤسسات خاصة في دول الخليج العربي، ما ينقصنا هو حركة ترجمة واسعة للمنتج الأدبي العالمي، التعاون الفعال بين المؤسسات الثقافية العربية، والتوسع في ترجمة الأدب العربي المعاصر إلى اللغات الحية.
✧ دور الخليج في الحياة الثقافية العربية ✧
يلاحظ الطفرات الكبيرة في الأدب العربي بدول الخليج وخصوصاً في مجال السرد، وفي نفس الوقت تراجع كبير في الأدب المصري، فما السبب؟
بالنسبة للخليج العربي؛ أرى أنه بدأ الحصاد الثقافي لدولة الرفاه والوفرة، فقد أولت تلك الدول الاهتمام بالثقافة والفنون والمهرجانات الأدبية مما ساعد على انتشارها، وبروز كثير من الأسماء سرداً وشعراً، ويمكننا من هذا أن ندرك أزمة الحياة الثقافية المصرية، فالمناخ السياسي والاقتصادي لا يبشر بخير فيما يخص المؤسسات الثقافية في مصر، وعليه فلا تنتظر نجاحاً لها في ظل مساحة الحرية المتاحة.
ساهمت الجوائز الخليجية النزيهة في الكشف عن مبدعين غائبين عن الإعلام ومنصات التكريم داخل دولهم ولا يعرفهم أحد، فما تقييمك لذلك؟
علينا أن نعترف بأهمية الجوائز في تحفيز الإبداع، ومن الصعوبة عزل عملية الإنتاج الأدبي عن السياق الرأسمالي والاقتصادي، ولا شك أن الجوائز توفر مقروئية كبيرة للأعمال الفائزة، وتبرز كثيراً من التجارب في مختلف ربوع الوطن العربي، دون أن ننكر أدلجة بعض الجوائز أو تراجع مصداقيتها.
✧ خلاصة تجارب بميدان الثقافة والأدب ✧
بما أنك عضو بلجان تحكيم لبعض الجوائز وأيضاً إجازة النشر للأعمال الأدبية، وفي الوقت ذاته راصد جيد لتطور المشهد الأدبي بعضوياتك الفاعلة في الأندية الأدبية واتحاد الكتاب والمؤتمرات، فمتى يمكننا القول بأن القادم أفضل؟
ليس بالضرورة أن تكون الأعمال المقدمة للتحكيم هي الأجود أدبياً لكن في المجمل، ومن خلال متابعة الإنتاج الشعري والقصصي؛ أرى أن ثمة نهضة شعرية وسردية واضحة، واهتمام كبير بالكتابة الأدبية، لكن الإشكالية تكمن في تداخل الغث والسمين في النتاج الأدبي، وظهور عمليات الاجترار والقولبة مما يضر بالمواهب الحقيقية، أما فيما يخص القادم فهو أفضل بشروط، خاصة بالمبدع ذاته، وقراءاته للواقع ومتغيراته، وأيضًا طبيعة الطفولة في عصرنا الرقمي.
معروفة جهودك تجاه التأهيل على ممارسة الكتابة الإبداعية كالورش وجلسات المناقشة، لكن هناك ندرة في المواهب قياساً لتعداد السكان، فما الأسباب؟ وهل هناك حلول مبتكرة؟
فكرة التأهيل والإعداد في الكتابة أمر مستبعد، فكل ما أقوم به ويقوم به غيري هو عملية بناء لوعي لا يتأتى إلا من خلال المبدع نفسه، واستعداده الفطري للكتابة والقراءة المعمقة، فكل ما نطرحه في الندوات والورش الأدبية قابل للنقاش والمراجعة، التي هي جوهر كل وعي سليم، وأعتقد أن المواهب ليست نادرة بقدر ما يتعلق الأمر بعقم المؤسسة الثقافية وضعف قدرتها على الجذب.
أما بخصوص الحلول المبتكرة، فيرتبط الأمر برغبة المؤسسات في حياة ثقافية سليمة وفاعلة، أضرب مثلا في انحسار مشروع القراءة للجميع، رغم خطورته في بناء جيل قارئ وفق إمكانات الشعب المادية، فبعث مشروع مماثل أو مشروعات رقمية كبيرة من شأنه أن يجلو الصدى عن كثير من المواهب التي تتفلت من المشاركة الفاعلة في بناء مجتمع مثقف.
✧ عناصر شخصية ✧
هل ترى أنك مدين لأساتذة ساهموا في تكوينك؟
أنا مدين لعدد كبير من الأساتذة سواء تتلمذت على أيديهم أو قرأت كتاباتهم، وأظن أن فوزي العنتيل كشاعر من قريتي له تأثير مباشر في حبي للشعر، ناهيك عن أساتذتي في جامعات أسيوط والمنيا، إضافة لأساتذتي في ثقافة أسيوط كدرويش الأسيوطي، وسعد عبد الرحمن وزكريا عبد الغني وغيرهم الكثير.
أتؤمن بطقوس الكتابة، وهل هناك أوليات بين فنون الإبداع التي تمارسها؟
ليس لدي طقوس بعينها، لكن ثمة أوقاتاً أفضل من غيرها كالصباح الباكر أو آخر الليل، فلا شك أن الهدوء متطلب أساسي للإبداع والكتابة، أما فنون الإبداع، فالشعر هو الفن الأول بالنسبة لي، وهو الذي قادني إلى المسرح، أما النقد فمرتبط بتخصصي وحبي للثقافة عموماً.
ما نقاط التحول في عوالمك الإبداعية شاعراً وكاتباً ومسرحياً وناقداً؟
أهم نقاط التحول في التجربة هو البحث عن التفرد والخصوصية فيما أكتب، سواء أكان أدباً أو نقداً، وكلها يدخل في محاولات التجريب المستمرة وعدم الركون للمكرر، فالاعتيادي هو الذي يقتل الإبداع.
هناك قلق لا يمكننا إخفاؤه يتزايد كلما طالعنا اختفاء الكثير من أسماء جيل الستينيات، ولعل بريق الأمل لا ينقطع، ويحتاج لعقد مقارنات وتأملات، ومن هنا، فهل يمكننا اعتبارك ضمن المنتمين لجيل التسعينيات إذا ما جاز التعبير؟
أعتقد أن فكرة المجايلة فيها كثير من الخطورة، وبعد جيل الستينيات فقدت تلك الفكرة كثيراً من رونقها، ربما لأن المخيلة ترتبط بجماعية ما كثيراً ما تضاد فردية الإبداع، ولذا لا أنسب نفسي لجيل ما، فأنا نشرت أول قصائدي منذ أواخر التسعينيات، ونشرت أول دواويني في أول الألفية الثالثة.