موكبُ المومياوات المصرية

في الصورة السَمعبَصرية

تامر يحيى


لقد استطاعت مصر الاستحواذ على مكانتها الفنية عالمياً مرة أخرى، بعد تقديم عرض موكب المومياوات الذي أثار شجون كل من شاهده، نظراً لارتباطه بحقبةٍ تاريخيةٍ اتفقت جميع مجتمعات الأرض الحديثة على أنها كانت ضمن الحقب الإنسانية التاريخية المهمة. ورغم أن هناك احتفالاتٍ سنويةً تقيمها بعض المجتمعات لموتاهم، مثل المكسيك حيث يُخرجون جثث الموتى في احتفالية خاصة، الغرض منها تبجيل الأحياء لموتاهم، وتذكيرهم بالأحداث التي قام بها هؤلاء الموتى، بالإضافة إلى تقديم كل ما كان الموتى يحبونه من أكل وشرب لأهل الميت، في احتفالية بها غناء وموسيقى ورقص.
 

إلا أن هذه الاحتفالات غريبة لبعدها عن عاداتنا وتقاليدنا التي تربينا عليها؛ ولأنها أبعد ما تكون عن فكرنا الشعبي ومعتقداتنا الدينية. وهناك احتفالية أخرى تقام سنوياً في الصين لنفس السبب دون استخراج جثة الميت -على حد علمي حتى الآن- ولكن تُحرق فيها النقود الورقية القديمة، حيث يتخيل مقيميها أنها تصل لروح المتوفى في عالمه الآخر، فيستخدمها كيفما يشاء. وهناك بعض المجتمعات الصينية التي يعتقد أفرادها الأحياء أن أمواتهم ينتظرون هذه الأموال سنوياً؛ ليستطيعوا دفع ما تراكم عليهم من طلبات مؤجلة الدفع قد طلبوها من الآلهة طوال العام، ويجب على عائلة المتوفى إرسالها، الأمر الذي يجعل المتوفى يستحق التواجد الدائم في النعيم. وبالقدر والمكانة التي كان بها الميتُ في حياته تقام الاحتفالية، حيث تنحصر بين مجرد حرق أوراق مالية هي مجرد صور شبه الأصل للحقيقية تقوم بها الفئات الفقيرة، بينما تُحرق الأوراق المالية القديمة من الفئات الغنية، والجميع يغنون ويقيمون أشكالاً حركية توصف على أنها صلاةٌ يؤدونها فرادى، أو جماعات في معظم الأحياء الصينية الفقيرة منها والغنية على حد سواء، وتقام هذه الاحتفالات في الشوارع والمنازل والمعابد.

إن مجتمعات العالم مليئة بعادات وتقاليد غريبة إذا ما قارناها بفكرنا الجمعي، وعاداتنا وتقاليدنا الشعبية في مجتمعاتنا العربية، والعكس أيضاً صحيح، حيث ينظر أفراد المجتمعات الأخرى لعاداتنا وتقاليدنا ومعتقداتنا بنفس النظرة التي ننظر نحن لهم بها، وينتقدون مجتمعاتنا كما ننتقدهم أيضاً.

وبعد هذه المقدمة؛ أود مقارنة بين موكب المومياوات الذي أقيم في مصر، ولكن لتوضيح الفارق بين احتفالات تقام سنوياً، واحتفالية أقيمت فقط لنقل مومياوات قد أثر أصحابها يوماً ما في تاريخ مصر، كما أثروا العالم بعلوم وفنون ما زالت تؤثر حتى اليوم في بقاع الأرض.

بعد مرور فترة على عرض موكب المومياوات الذي أثار خلفه الكثير من الجدل، حول تقبل مكوناته من فنون حركية وموسيقية وغنائية وبصرية لمعظم فئات مجتمعنا، ورفض بعض منها على استحياء من بعض المتخصصين في هذه الفنون، الأمر الذي أثار داخلي فكرة تحليل أحد مكونات العرض، ألا وهو التشكيل الحركي التعبيري، نظراً لأنه قد استُخدِم فيه نوع جديد من التعبير الحركي، الذي يدعى اصطلاحاً "الرقص المعاصر – Contemporary dance"، وهو أسلوب حديث للرقص التعبيري الذي يجمع بين عناصر من عدة أنواع من الرقص، بما في ذلك الباليه الحديث والجاز، والرقص الغنائي والكلاسيكي. كما يسعى الراقصون المعاصرون فيه إلى ربط العقل والجسم من خلال حركات الرقص التعبيرية الحديثة. والرقص المعاصر بُني في الأصل على فكرة خطوات حركية تعبر عن مكنون ضمني متروك لترجمة المشاهد الحرة. كما أنه ليس من أساسياته أن يتفق المشاهدون جميعاً على فهم موحد للعرض مثل أشكال التعبير الحركي لأنواع الرقصات الأخرى، بمعنى أن كل مشاهد له الحق في الترجمة العقلية الخاصة به والتي يتخيلها سواء أثناء أو بُعيد مشاهدته للعرض. إن الرقص المعاصر له أسس وقواعد في تشكيل التعبير الحركي، وبناء خطواته ومسارات جمله الحركية التي لن نتطرق إليها في هذه المقالة، ولكن هناك نقطة رئيسة تكمن في سؤالين ربما ألحا على كثير ممّن رفض على استحياء هذا النوع من التعبير الحركي.

أما السؤالان فهما:
لماذا استخدم مصمم الرقصات هذا النوع من التعبير الحركي؟ ┊ ولماذا وافق مخرج العرض على هذا التعبير الحركي؟

إن الإجابة على هذين السؤالين تكمن في مدى فهم الفارق بين أشكال التعبير الحركي في عمومها، مع ارتباطها تاريخياً من جهة، وفهم التاريخ ذاته وارتباطه بالتصور الذهني لدى مشاهدي العرض من جهة أخرى.

إنّ كل أداء حركي يقوم به الإنسان له معنى معروف إما واضح أو ضمني، وهذا الأداء له شكل حركي بسيط أو مركب، وهو المشهور داخل فئته في المجتمع، أو يؤديه أفراد مجتمعه ككل، فينتقون منه أشكالاً من الخطوات التعبيرية هي الأقرب والأوضح لعاداتهم، والتي ستصبح في النهاية بصمة حركية تعبيرية حية لهذه الفئة أو تلك، أو حتى للمجتمع ككل، والتي ستندرج بعد ذلك تحت مصطلح الرقص الشعبي. وهذا الشكل من الأداء يتبلور من خلال صور ذهنية قد شوهدت ثم ترسبت في ذهن أفراد فئتها أو مجتمعها عبر فترة من الزمن. وكل ما ليس له صورة ذهنية فهو غير موجود في الحقيقة.

ومن جهةٍ أخرى نجد أن التاريخ ما هو إلا قصص لأحداث تُقرأ وتُحكى، وكلما كانت هذه القصص بعيدة تاريخياً وشديدة القدم، الأمر الذي يعطي الحق للقارئ والمستمع في إنشاء صور ذهنية، هي الأقرب له في ترجمة المعنى مما يقرأ ويسمع من التاريخ. فنحن لم نشاهد على سبيل المثال المعركة التي دارت بين الجيش المصري بقيادة سكنن رع ضد الهكسوس، ولكن قرأنا أحداثها، مما أعطى لنا حق التخيل في بناء هذه الأحداث حسب المعطيات المذكورة في القصة، هذا بالإضافة إلى وجود مومياء سكنن رع المثبت عليها آثار المعركة، وما حدث له أثناءها. وسواء تمت مشاهدة المومياء أو لم تتم، يبدأ الذهن البشري في تكوين وترتيب الأحداث بشكل صور، سواء ثابتة أو متحركة تصبح مرجعاً نهائياً داخل ذهن كل من يقرأ أو يسمع هذه الأحداث. وأما رؤية المومياء فتساعد على تثبيت الصور الذهنية التي قد تكونت داخل ذهن القارئ. وإذا ما قارنا بين الصور الذهنية التي تكونت داخل أذهان كل من قرأ أو سمع هذه الأحداث، سنجد اختلافات شتى، والتي مرجعها التخيل الذهني الأساس في بناء هذه الصور الذهنية. وهذا هو الفارق بين الصورة المرئية التي تنطبع بعد مشاهدتها داخل التصور الذهني، لتصبح واقعاً بلا جدال، والصورة المسموعة التي تتكون من التخيل الذهني وتكتمل بعد سماع الأحداث، وتسمى اصطلاحاً التصور "السمعبصري"

وقد يحدث تنافر لصورة ذهنية ما بين فردين أو أكثر في المجتمع، نتيجة عدة نقاط على سبيل المثال وليس الحصر، أحدهما لديه عن القصة معطيات أكثر من الآخر، أو ارتباطه فكرياً بصور ذهنية ربما قد شاهدها وتعايش معها من قبل، فربطها بالصورة المتخيلة، مما جعله يعتقد أنها أصح وأقرب للحقيقة. وهذا ربما يشير إلى ما قد حدث بالفعل عند مقارنة أداء التعبير الحركي في موكب المومياوات، مع ما قُدِّم من قبل في معظم عروض للرقص، سواء الشعبي أو المسرحي للحقب التاريخية القديمة، فأثار حفيظة بعض متخصصي الرقص، نتيجة تضارب الصور الذهنية المترسبة في أذهانهم.

كما أزعُم أنه كان من الذكاء استخدام الرقص المعاصر، للهروب من أشكال التعبير الحركي المعروفة؛ كي تعطي نوعاً من الإبهار للصورة السمعبصرية، بالإضافة إلى شحذ الفكر الجمعي، وترك حرية تكوين صور ذهنية جديدة لهذه الحقب الزمنية القديمة على المستوى المحلي، بالإضافة إلى مداعبة الفكر الجمعي العالمي، حسب جماعاته وبيئاته بالأسلوب العصري الذي يعيش فيه ويتفهمه جيداً. إن هذا الشكل الجديد من الأداء قد أثرى ما يطلق عليه مكتبات التعبير الحركي لأشكال خطوات الرقص المصري القديم، التي يستخدمها مصممو الرقص في الغرب بأفكار جديدة بعيدة عن النمط المبتذل المستخدم قديماً، مع الأخذ في الاعتبار أنها لم تبتعد عن الأنماط الحركية "Kinetic Patterns"، المدونة لأشكال الرقص المصري القديم. كما أنني لا أزعم أن التحليل الذي سيأتي تباعاً هو ما قد حدث بالفعل أثناء تكوين خطوات الرقص، أو لتصوير المشاهد داخل ذهني مصمم الرقصات ومخرج العرض، ولكن هو مجرد تحليل قائم على علم الكنسيولوجي، حيث "الكاينات - Kines" و"الكاينمورفات - Kinemorphes"، و"الروابط الحركية المفصلية – Kinetic joints" المرتبطة بالجسد، ومعانيها الضمنية المرتبطة بثقافات الشعوب. هذا بالإضافة إلى استخدام أسلوب السرد لسهولته على القارئ.
 

تحليل التعبير الحركي لرقصات الموكب

سوف نبدأ مع صوت الهارب الذي أعطى الإحساس بحركة الماء المشيرة إلى النيل، فلولا نهر النيل لما ظهرت مصر ولا ظهرت الحضارة المصرية، ثم تنتقل الكاميرا إلى مجموعة عازفات الهارب، وذلك لتحضير عقل المشاهدين لمشهد مجموعة الراقصات الأربع، والتصوير من أعلى حيث يتحركن في مسار بيضاوي مع عقارب الساعة، ومن المعروف أن أقدم مقابر الدفن التي اكتشفت في مصر بيضاوية الشكل، وتوضع بها جثة المتوفى مثل وضع الجنين في رحم الحامل، ثم يتغير المشهد والعودة لآلة الهارب تأكيداً على سريان ماء نهر النيل لتأكيد مرور الزمن، وذلك خلال مشهد المركب على صفحة النيل حاملاً بعض الأفراد تأكيداً لتطور الحضارة.

ثم ينتقل المشهد على عازفة الكمان "سلمى سرور"، وأدائها الرائع الذي يعطي مزيداً من حرية التخيل في ذهن المشاهدين، لبناء صور ذهنية عن قدماء المصريين، ويتخلل مشهد العزف بعض الراقصات في حركات مصرية، في مشهد لمدة خمس ثوان، يحفز ويؤكد ارتباط التصور الذهني للمشاهدين بالصور الذهنية المترسبة في أذهانهم لتلك الحقبة. "وهذا يفيد استخدام الكولاج الحركي لمن يؤكدون على عدم استخدامه، ويرفضون هذا العرض على استحياء". وتجدر الإشارة هنا إلى أن بداية اللحن بالكمان كانت بطيئة وناعمةً، ثم تدرجت في السرعة، ثم عادت لبطئها الأول، وهذا بالفعل هو شكل الحضارة المصرية في صعودها وهبوطها عبر التاريخ الزمني.

ثم تدخل السوبرانو "أميرة سليم" وتتحفنا بصوتها في ترنيمة أيزيس. ولن أحلل مدى تداخل آلتي الربابة والناي وتأثيرهما على المشهد، وكذا الصور الذهنية، والتي سأتركها لمتخصصي الميوزيكولوجي، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن صوت الناي الذي يتخذ الشجن والحزن أساساً للحن الموسيقي له، نظراً لأنه قد اقْتُطِع من نبات البوص ففقد الحياة، لذلك نشعر دائماً بالحزن أثناء سماع الصوت الناتج منه. وعلى أنغام الناي يبدأ مشهد حركي لمجموعة راقصات تتحركن في دهليز المعبد، فتخرج الواحدة تلو الأخرى في طابور وراء بعضهن البعض، ويتحركن أماماً مع حركة الكاميرا أمامهن، وينتهي المشهد لراقصتين متقابلتين ترفعان يديهما لأعلى بشكل دائري، ثم ننتقل لمشهد جديد داخل المتحف المصري الكبير على مجموعة مكونة من تسع راقصات، يسرن صفاً واحداً من اليسار إلى اليمين بحركة مصرية قديمة نادرة الاستخدام، وتصوير هذا الشكل من الأداء بهذه الطريقة يفيد الصورة الذهنية للمعنى الضمني المترسب داخل ذهن المخرج، من مشاهدته الصور المرسومة والمنحوتة على جدران المعابد المصرية. وعند الوصول لمنتصف مكان العرض تقريباً تبدأ الراقصات في تبديل وضع الجسد للخلف والنظر لنقطة دخولهن بحركة مصرية مشهورة، حيث تقمن بتحريك اليد اليمنى بأداء حركة دائرية من الداخل للخارج، أمام الرأس وصولاً للجانب الأيمن، مع ثني كف اليد والأصابع مشيرة لنقطة الدخول، وبطن كف اليد مشيرة لأعلى تنتهي بالسكون، ثم يقمن بأداء حركة انتقالية تبدأ من أول راقصة على اليسار، حيث تتحرك اليد اليمنى لأسفل مقابلة لليد اليسرى أمام الجسد، مع ميل الجزع للخلف وتنتهي بالسكون، وهكذا الراقصة تلو الأخرى لتنتهي الحركة مع آخر راقصة على اليمين، وتصبح جميع الراقصات في تشكيل السكون. والمعنى من هذا الشكل من الأداء هو انتقال الحركة التي بها الحياة، والراقصات هن مجرد ناقل لهذه الحركة، أي هن مجرد صور مرسومة على حائط المعبد. ثم يبدأن برفع اليدين أمام الجسد، ويليه الرجوع لوضع السكون مع استقامة الجسد والنظر أمامهن، ثم يرفعن الذراعين لأعلى وعمل شكل نصف دائري بفتح الذراعين على الجانبين، حتى وصول العضدين لجانبي الجسد والساعدين، في وضع مواز للأرض، ثم ثني الكفين لأسفل موازيين للجسد، بحيث يقابل داخل الكفين جانبي الجسد والأصابع مشيرة للأرض والوصول لوضع السكون. وهذا الشكل من الأداء يقابل أوضاع خطوات الرقص الجنائزية.

ثم ينتقل المشهد للدير البحري وخروج الراقصات الواحدة تلو الأخرى من وراء الأعمدة للدهليز، بالحركة المشهورة للمصريين القدماء ليصبحن صفاً واحداً مقابلاً للكاميرا، ثم يتحركن للأمام حتى يصلن خارج الأعمدة، فيقمن بتكوين كتلة واحدة مع رفع الذراع اليسرى لأعلى على اليسار، والساعد أعلى من الرأس قليلاً، والنظر لأعلى جهة اليد اليسرى، واليد اليمنى لأسفل خلف الجسد، ثم الوقوف في وضع السكون للحظة. وهذا الشكل من الأداء يفيد معنى اتحاد المصريين والمدن المصرية تحت راية دين واحد. ثم يتقدمن للأمام ككتلة واحدة مع تحريك اليد اليمنى بشكل حرف (X)، الذي يفيد معنى الحرب والقتال دفاعاً عن الوطن، ثم يقمن بأداء حركة الثعبان الذي له قدسية خاصة في الديانة القديمة، مع وضع كف اليد أمامهن، كما لو أنهن يقمن بصد شيء، والمعنى من ذلك هو بالفعل صد من يود اقتحام مصر. ثم يقمن بعمل دوران كامل باليد اليمنى تبدأ من الأسفل وللداخل وللأعلى ثم للأمام، وهذا الشكل من الأداء بمعنى إلقاء الثعبان لسمومه وصد هجوم المعتدي. وتنتهي الحركة بعمل دوران كامل بالجسد.

ثم تنتقل الكاميرا لمشهد سفح الهرم، ووجود ثلاث صفوف مضاءة على الأرض على شكل ثلاثة أذرع، ثم دخول الراقصات في ثلاث صفوف متقابلين لنقطة في المنتصف، كل صف مكون من سبع راقصات، وذلك بنفس شكل الأداء الحركي الذي استخدم في المتحف المصري الكبير مع عدم تحريك الذراعين، وتنتهي هذه الحركة عند نقطة الالتقاء، بحيث يتكون شكل نجمي ذو ثلاثة أذرع من الراقصات، وبينهم ثلاثة صفوف مضاءة على الأرض، وربما يكون المعنى من هذا الشكل ارتباطه في ذهن مصمم الرقصات بالنجم الشعرى المرتبط بالهرم الأكبر.

ثم يتحركن في تكوين يقال عنه تمفصل حركي حتى تأتي كل راقصة أمام أحد الأشكال المضيئة التي تلتقطها كل واحدة منهن، ثم يتحركن بشكل منظم يفيد معنى تطور الحضارة، التي بالفعل قد حدثت مراراً في التاريخ المصري القديم. ليصبحن في صف واحد في مواجهة الكاميرا، ثم ينحنين للأمام في مشهد يقابل شكل البحر، ثم يبدأن في الصعود من أسفل إلى أعلى، بدءاً من اليمين وحتى اليسار في بناء شكل حركي، كما لو أنه أمواج داخل البحر، وذلك على إيقاع الطبول الصاعد. وهذا الشكل من الأداء يفيد معنى غزو مصر بحرياً. ثم ينتقل المشهد لداخل المتحف المصري الكبير على مجموعة مكونة من ثمان راقصات يقمن بأداء أشكال حركية تعبدية، كما لو أن كل واحدة منهن لها معتقد مخالف للأخرى، وبينهن راقص يذهب للخلف كما لو أنه كاهن معبد يحاول توحيد الراقصات لكن دون جدوى، وبالرغم من ذلك يتم توحيد حركات الراقصات تحت تمثال رمسيس الثاني، وينتهي شكل الأداء بحركة التعبد. ثم ننتقل لمشهد هرم زوسر المدرج على مجموعة الراقصات في تشكيل دائري، ويقمن بأداء حركات في هذا المسار، وما يفيد معنى اتحاد الديانة وتقديس قوة حتحور في الجنوب.

ثم ننتقل إلى سفح الهرم في مشهد للأهرامات الثلاثة، مع مجموعات من الراقصين والراقصات وأداء خطوات خفيفة، بمعنى ازدياد عدد المصريين على رقعة أرض مصر. ثم ننتقل إلى مشهد الدير البحري ومجموعة راقصين وراقصات، الواضح منهم أربعة صفوف مواجهين للكاميرا فقط، بحيث الصف الأول مكون من ستة راقصين جالسين على ركبهم وأيديهم أمامهم على الأرض، يليهم الصف الثاني مكون من خمسة راقصين في وضع ثني الركبتين، مع ثني الجذع واليدين على ظهر الصف الأول، يليهم الصف الثالث مكون من أربعة راقصين مع ثني الجذع واليدين على ظهر الصف الثاني، يليهم الصف الرابع مكون من ثلاث راقصين في وضع ثني الجذع ووضع اليدين على ظهر الصف الثالث، وفي النهاية راقصة واحدة في وضع ثني الجذع ووضع اليدين على ظهر الصف الرابع، وفي هذا المشهد يتبادل الجميع في رفع رأسه والنظر للأمام، ثم العودة والنظر لأسفل عدة مرات، وهذا الشكل من الأداء يفيد معنى الفوضى المنظمة، والتي بالفعل قد حدثت في تاريخ مصر.

ثم يفترق الراقصون في عدة جهات مختلفة بحيث يفيد المشهد السابق للفوضى المنظمة، حتى تتكون عدة صفوف وراء بعضها مستخدمين المتمفصلات التعبيرية الحركية، ثم يؤدي الجميع حركة ثني الجذع للخلف، وهي حركة تعبيرية مصرية قديمة، ثم يقومون بعكس شكل الأداء حيث ثني الجذع للأمام، وهذا الشكل يفيد معنى توازن بصري حركي، ثم العودة إلى المتمفصلات التعبيرية الحركية، ثم ينضم الجميع لتكوين كتلة واحدة، ووجوههم جميعاً للداخل مع رفع اليدين لأعلى، والمعنى من هذا الشكل الأخير هو جعل ذهن المشاهد ينتظر ظهور حدث ما، فتظهر راقصة تُرفع لأعلى ويقوم باقي الراقصين برفع أيديهم لأعلى، كما لو أنها حركة تعبدية، وفي لحظة نزول الراقصة يبتعد باقي الراقصين عن بعضهم البعض، والقيام بأداء حركي، وما يفيد معنى دخول ثقافات جديدة مع محاولة احتوائها أو التخلص منها، وفي نفس الوقت تبدأ مجموعتان على شكل صفين بصعود المدرج لمقابلة باقي الراقصين أعلى المعبد "الذين يمثلون ثقافات الدول الغريبة عن المجتمع المصري"، ثم يبدأ الجميع بأداء أشكال تعبيرية حركية قريبة من الأشكال التعبيرية الحركية الحديثة، وهذا يفيد معنى التغير الحركي عبر التاريخ. ولن نغفل هنا التون الموسيقى الصاعد الذي يؤكد المعنى من التغير الحركي. وينتهي شكل الأداء بعودة تكتل مجموعة الراقصين أسفل المدرج في كتلة واحدة تنتهي بصف من الراقصين على الدرج يقومون جميعاً بأداء موحد، مع باقي الراقصين المتواجدين أعلى المعبد، وهذا الشكل من الأداء يفيد معنى امتزاج جميع الثقافات التي دخلت مصر في بوتقة واحدة مكونة لشعب مصر.


المراجع العربية
إيرينا لكسوفا، الرقص المصري القديم، ترجمة: محمد جمال الدين مختار، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، الإقليم الجنوبي، الإدارة العامة للثقافة. وإذا تعذر وجود الكتاب يمكن الرجوع لكتاب:
 

نفيسة الغمراوى، التعبير الحركي عند قدماء المصريين، الناشر محمد حسنين زهير بجمعية الشبان المسلمين.

المراجع الأجنبية
Ray L. Birdwhistell, Kinesics and Context, Essays Body Motion Communication, University of Pennsylvania, Press Philadelphia

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها