العشر ليالٍ التعيسة

"الحكاية التي لم يروها صاحبها"

فؤاد مرسي

في عام 1835م، صدر في باريس كتاب من ترجمة المستشرق الفرنسي "جوزيف مارسيل"، حمل غلافه الأول عنوان "حكايات عربية"، أما الغلاف الداخلي فجاء بعنوان "حكايات الشيخ المهدي".

يذكر المترجم في مقدمة الكتاب كيف أمكنه العثور على هذه الوثيقة، من خلال علاقته الوطيدة بالشيخ المهدي، وصداقته له، وكانت قد دارت بينهما محاورات طويلة عن الأدب العربي، تطرقت ذات مرة إلى حكايات ألف ليلة وليلة، وأوضح المهدي لصديقه ليلتها أن هذه الحكايات باتت قديمة جداً، وتناولتها الأيادي كثيراً، وأن النص الأصلي لم يعد موجوداً حتى يتمكن الباحث من تبين ما لحق بها من تغيرات، وأسر إليه أنه يمتلك مخطوطة من هذا النوع الذي تتشابك وتتداخل فيه الحكايات بطريقة عضوية، بحيث لا يستطيع أحد أن يفصل إحداها عن الأخرى.

وفي اليوم التالي جاء الشيخ المهدي وبحوزته المخطوطة التي تحدث عنها، وقدمها كتذكار لصديقه الفرنسي، تقديراً للأوقات الجميلة التي قضاها بصحبته. واستقر في يقين مارسيل أن الشيخ المهدي نفسه هو كاتب هذه الحكايات وليس ناسخها، وهو الاستنتاج الذي قابله المهدي بابتسامة خفية مع ذلك لم يعترف بأنه مؤلفها.

تتكون "حكايات الشيخ المهدي" من جزئين مختلفين، أعطى مارسيل لكل منهما عنواناً مستقلًا. الجزء الأول كان قد نشره في مكتبات "شوبرت وهايدلوف"عام 1828، بعنوان "العشر ليالٍ التعيسة لعبد الرحمن الأسكندراني". لم تكن هذه الطبعة سوى محاولة تحضيرية لنشر المجموعة كاملة، والذي يشكل هذا الجزء حوالي ثلثها. أما الجزء الثاني فهو يحتوي على "مقامات المارستان"، أو "الكشف عن مستشفى المجانين بالقاهرة"، والذي ضمه مارسيل إلى الجزء الأول ونشرهما كاملين عام 1835م.

في هذه الحكايات، نقابل بطلًا قرأ مئات الكتب، وخرج منها بعبر وحِكم أراد أن ينقلها للآخرين، لكنه في كل مرة يُفاجأ بأن مستمعيه قد غطّوا في نوم عميق، كما أنه عقب كل حكاية يجد نفسه بإزاء أزمة كبرى تستنفذ جهداً عظيماً حتى يخرج منها، وإن خرج فإنه يعاني من تبعاتها سواء المادية أو المعنوية. وهنا يثور السؤال عقب كل تجربة: هل الخطأ في شخص الحاكي أم أن الحكايات نفسها لم تكن مفهومة أو مثيرة أو مشوقة بالقدر الكافي. وتتجلى الأزمة في بحث الراوي عن جمهور مستيقظ لا ينام أثناء سرد الحكاية.

وتلك الحكايات تتضافر جزيئاتها الفنية لتشكل قوام رواية مكتملة تنهض على مجموعة من الأجزاء المنفصلة التي يتولى السارد الربط بينها فنياً، وهو سارد مولع بالتفاصيل وبارع في الوصف واستدعاء الخبرات والمعارف المتعلقة بالنفس البشرية وفلسفة الوجود، يستخدم تيار التداعي الحر والتنقل بين الضمائر، بما يتيح له التنقل بين عوالم متباينة تحفر عمق المفارقة، أو بالأحرى تكشف عن عمق الفجوة بين واقع الشخصية ورؤية العالم.

 

 طرفا الحكايات 

تتوزع سبل هذه الحكايات، إذنْ، بين شخصيتين مركزيتين، قامتا بأدوار بازغة في اليوميات المصرية زمن الحملة الفرنسية، والمقدمة التي كتبها "مارسيل" لهذه الحكايات، فضلًا عن أن أسلوب الحكايات نفسها وطريقة بنائها تثير أسئلة عديدة بشأن كاتبها الحقيقي بما يجعل الباحث يتقلب في حيرة بين طرفيها.

الطرف الأول هو الشيخ محمد المهدي (1150 - 1230 هـ) (1737 - 1815 م). اسمه الأصلي وفقاً للمؤرخ الجبرتي هو "هبة الله الحصاري". وُلد من والدين قبطيين، ثم انفصل عن أهله وتربى على يد الشيخ محمد الحفني وأسلم وحمل اسم أستاذه، وعُرف بالمهدي.

يصفه الجبرتي بجملة أوصاف يفهم منها أننا بإزاء شخصية مركبة، فهو: الأستاذ الفريد، واللوذعي المجيد، العلامة والنحرير الفهامة، الفقيه، النحوي الأصولي، الجدلي المنطقي. اجتهد في التحصيل ليلا ونهاراً، ولازم الشيخ "البربير" بعد وفاة الشيخ "الحفني" وتصدر للتدريس في سنة 1190هـ، ولما مات الشيخ محمد الهلباوي سنة 1192هـ جلس مكانه بالأزهر، ولازم الإلقاء وتقرير الدروس. وظل أمره ينمو وذكره يشتهر حتى مات ودفن إلى جوار أستاذه الشيخ الحنفي.

وكان الشيخ المهدي قد توطدت علاقته بقادة الحملة الفرنسية في مصر ورموزها، من خلال تعيينه سكرتيرا لمجلس العلماء الذي شكله نابليون بونابرت ليكون همزة الصلة بينه وبين الشعب المصري، وبذل أدواراً عديدة في هذا السياق، منها أنه حين كادت أن تقوم فتنة بين المسلمين والنصارى في حارة البرابرة في 16 صفر 1214، استعان قائم الفرنساوية بالشيخ المهدي ليتدخل في الأمر، وبالفعل هدأت الأمور بفضل تدخله الحصيف، لكن بعض هذه الأدوار كان مما أُخذ عليه وفتّ في عضده! فالجبرتي يلمح إلى دوره الكبير في عزل "عمر مكرم" وتجريده من مناصبه، إذ في مستهل شهر رجب سنة 1224 هـ، حضر الشيخ المهدي عند الباشا "محمد علي" وطلب أن تُسند إليه وظائف السيد عمر، فأنعم عليه الباشا بنظر أوقاف الإمام الشافعي ونظر وقف سنان باشا ببولاق!

وكان المهدي على مقربة من تولي مشيخة الأزهر، التي كانت قد خلت بعد وفاة الشيخ الشرقاوي الذي تولاها لمدة ستة أعوام (من 1227 ه‍. حتى عام وفاته 1333ه‍)، وتشاور العلماء فيمن يمكن أن يخلفه في المشيخة، فرشحوا الشيخ المهدي، الذي بات في فرح من أمره، حتى إنه بل الشربات ووزعه على الناس، لكن يبدو أن محمد علي كانت له وجهة نظر أخرى فقد خيَّب آمال الجميع وولى الشيخ محمد الشنواني بدلًا منه.

وبسبب هذه الحادثة يخلط البعض أحياناً بينه وبين الشيخ محمد العباسي المهدي الذي تولى مشيخة الأزهر بالفعل، في عهد الخديوي إسماعيل باشا في منتصف شهر شوال سنة ١٢٨٧ه.

ويبدو أن لعلاقة المهدي الوطيدة بالشيخ أحمد البربير (توفي 226 هـ/ 1811 م)، صاحب المقامات المشهورة باسمه، نصيباً كبيراً في اتجاه المهدي لكتابة المقامات، حتى إن الكاتب سامي فرج في كتابه "منابت القص في الأدب العربي الحديث" عده آخر حلقة في سلسلة كتاب المقامات التي بدأت على يد الحريري والهمذاني، وبلغت محطتها قبل الأخيرة عند الشيخ أحمد البربير.


أما الطرف الثاني فهو المستشرق الفرنسي "جوزيف مارسيل" تلميذ المستشرق الشهير "دي ساسي" (1190 ـ 1270هـ = 1776 ـ 1854م). تعلم "مارسيل" اللغة العربية وألم بالعديد من اللغات الشرقية، وعمل في الصحافة، واكتسب خبرة في فن الطباعة، مما جعل نابليون بونابارت يختاره ليرافقه في الحملة، حيث عينه مديرًا لمطبعة الحملة في مصر، كما كان عضواً في اللجنة العلمية التي شكلها بونابرت لمسح الحياة المصرية، وكان عمره وقتها لا يتجاوز الثانية والعشرين، وأظهر في عمله نشاطًا ومهارة فائقين.

وقام "مارسيل" بوضع القاموس الفرنسي العربي للغة العربية العامية، الذي سماه "كنز المصاحبة" (نشر عام 1837م)، ويضم هذا القاموس أكثر من أربعين ألف كلمة. لكنه لم يكن أول من أقدم على وضع قاموس ثنائي اللغة (فرنسي - عربي)، فقد سبقه فى هذا المضمار "إلياس بقطر" الذي وضع قاموسه ثنائي اللغة (فرنسي - عربي) وظهر عام 1829م، وإن كان يحسب لقاموس مارسيل أنه قاموس (فرنسي - عربي - عامي).

كما قام بجمع أكثر من ألفي مخطوط باللغة العربية والفارسية والتركية والقبطية، وبذل الكثير من المال والمشقة للحصول على هذه المجموعة، ويُروى أنه بينما كانت مدافع الفرنسيين تضرب ساحة الأزهر التي لجأ الثوار إليها، قفز مارسيل وسط اللهيب، لينقذ من النار بعض المخطوطات الثمينة التي كانت في المسجد.

و"من خلال خبرته بعالم الطباعة؛ كان لمارسيل دور تقني فى ترجمة نصوص حجر رشيد، فمنذ اكتشاف الحجر، راح أعضاء البعثة العلمية يحاولون قراءة النص الديموطيقى المكتوب عليه، ولما لم يتمكنوا من ذلك قام مارسيل وزميله جالان بنسخ الحجر تنفيذاً لأوامر نابليون، حيث قاما بتغطية سطح الحجر بحبر الطباعة ونسخا النص على ورق مقوى، وهو الأمر الذي سهل إرسال النص للمعاهد والجامعات الأوروبية، ومن بينها النسخة التي وصلت إلى "دو تاي" عضو المعهد القومي بباريس، الذي ترجم النص وأوضح إلى أن المكتوب هو خطاب شكر من كهنة الإسكندرية أو أحد الأماكن المجاورة لها، موجه إلى الملك بطليموس الخامس".

وبعد عودته إلى فرنسا شارك "مارسيل" في تأليف كتاب «وصف مصر»، وأشرف على طباعته بوصفه مديرًا للمطبعة الإمبراطورية عام 1804، وألف القسم الخاص بتاريخ مصر الإسلامية في مجموعة «لونيفر بيتورسك» الذائعة، وتوفي سنة 1854 وقد كف بصره أو كاد، وفقد سمعه.

 

✧ العشر ليالٍ التعيسة 

أما "حكايات الشيخ المهدي" الواقعة في حيرة بين الطرفين، فهي كما يقول "مارسيل" عبارة عن ترجمة مخطوط عربي إلى اللغة الفرنسية. ولو صحت نسبته إلى الشيخ المهدي كمؤلف لها لأصبحت أول رواية عربية تكتب في العصر الحديث، دون أن ندري عنها الشيء الوافي، بما يدفعنا إلى إعادة النظر في الجذور القريبة للسرد العربية وترتيب فصوله التاريخية. لقد وصل إلينا هذا العمل من خلال ترجمته الفرنسية، ولا توجد منه نسخة عربية في أي من مكتبات العالم حسب علمنا، بما يعني أنها، ربما، اختفت لأسباب لا نعلمها، كما أنها لم تُذكر ضمن مكتبته التي ظهرت كاملة بعد وفاته.

والحكايات هي عبارة عن مجموعة من النصوص المبنية على طريقة المقامات، التي تتكاتف ملامحها الفنية، من أجل الكشف عن إبداعية فذة وريادة مبكرة لكاتب واسع الاطلاع على الثقافات الإنسانية عامة والتراث العربي خاصة، يبدو هذا جلياً على سبيل المثال من استدعائه لحكايات عربية وفارسية شهيرة، وتوظيفها في سياق حكاياته. بل ويتعدى الأمر حدود الاستدعاء ليذهب إلى حد التناص البنائي، مع قصة عربية وردت في كتاب "قصص العربط الذي اشترك في وضعه الأساتذة: محمد أحمد جاد المولى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، وهي حكاية "حذاء أبي القاسم". وتدور حول رجل أراد أن يتخلص من حذائه القديم، لكن يبدو أن هذه الأمنية كانت مستحيلة، ففي كل مرة يحاول فيها التخلص من حذائه يعود إليه الحذاء، ومعه مشكلة كبيرة تستغرق جهداً كبيراً حتى تنحل إلى أن ذهب إلى قاضي المدينة، وطلب منه أن يكتب له كتابة شرعية تُبرئه من حذائه!

***

في الجزء الأول من حكايات الشيخ المهدي الذي حمل عنوان "العشر ليالٍ التعيسة لعبد الرحمن الأسكندراني" يقدم الراوي الأصلي نفسه بوصفه واحداً من أعيان القاهرة، في طريقه إلى بيت الله الحرام ليؤدي فريضة الحج، وبينما كان يأخذ قسطاً من الراحة في مدينة السويس إذ به يسمع جلبة خفيفة، ويطالع رجلًا تمكنت منه ملامح الفقر، وبعد أن قدم له الطعام سأله عن نفسه وعن تلك الهيئة الرثة التي يبدو عليها، فأجابه بأنها حكاية طويلة تتكون من عشر مغامرات تعيسة، وأنه يمكن أن يرويها له على مدار عشر ليال أيضاً.. يبدو أن الرجل كان يريد أن يضمن لنفسه قوت عشرة أيام فدفع بهذه المقدمة الشيقة، التي استجاب الراوي لها، لينقل زمام السرد إلى بطل الحكايات الحقيقي.

في الليلة الأولى نتعرف على حكاية "عبد الرحمن الأسكندراني"، الذي وُلد في "الأسكندرية"، لواحد من كبار تجارها، توفيت والدته وهي تضعه. وفي الخامسة والعشرين من عمره توفي والده وخلف له ثروة كبيرة، أراد أن يستثمرها فيما يفيد، وبناء على نصيحة من أحد الحكماء أقبل على شراء الكتب وعكف على قراءتها لمدة ثلاثة أعوام اكتسب من خلالها المعرفة، وعاش معها مختلف تفاصيل الحياة. لقد احتشدت رأسه بهذه الحكايت وقرر عدم الاستئثار بهذا الكنز وحده، وأن يشرك الآخرين المتعة التي حصل عليها وأن ينقل معارفه وما توصل إليه من حكمة إلى جمهور الناس.

بدأت أولى مغامرات "الإسكندراني" مع الخدم والعبيد العاملين بمنزله، بهدف الارتقاء بوعيهم، فجمعهم على سطح منزله، وبدأ أولى صولاته بحكاية عن الخليفة هارون الرشيد الذي جمع خلانه يوماً وطلب منهم أن يقولوا له ما يفيده ويسعده، ووعد من يحقق رغبته ويستوفي الشرطين بمكافأة مقدارها ألف دينار.

ومضى "الإسكندراني" في سرد ما جرى بين الرشيد وخدمه، وما إن أنهى حكايته حتى وجد جمهوره يغطون في نوم عميق. فتركهم في أماكنهم واستلقى بدوره على فراشه، وفي الصباح اكتشف أن باب بيته أُغلق عليهم من الخارج، وباستيضاح الأمر تبين أن الخدم في غمرة انهمارهم بتلبية طلب سيدهم نسوا أن يغلقوا الباب من الداخل، وفيما كان قائد الشرطة يمر ليلا بالحي وجد باب البيت مفتوحاً فأغلقه عليهم من الخارج.

لقد جعله هذا الموقف يعيد التفكير في نوعية جمهوره بعد أن اكتشف أنه أساء اختيار جمهوره اللاهين، الذين لم تكن تعنيهم تلك المفاهيم العميقة التي أراد أن يعلمهم إياها. وقرر ألا يلقي حكاياته إلا على أصحاب الفهم والنظر. فقرر أن يعود إلى أصدقائه القدامى الذين كان قد هجرهم ودعاهم لوليمة كبيرة في منزله وأذن لهم بأن يوجهوا الدعوة بدورهم لمن يحبون، وبعد أن ملأوا بطونهم بما لذ وطاب، قرر أن يملأ رؤوسهم بالمعاني الكبرى فحكى لهم حكاية تحمل عبرة مفادها ألا يفقد الإنسان ثقته في رحمة الله. وعندما انتهى من الحكاية، وتهيأ لاستقبال الإطراء المتوقع، فإذا به يجد ضيوفه قد غطوا في نوم عميق، إلا أربعة منهم، لم يكونوا من بين المدعويين، لقد تصور أنهم معجبون بالحكاية وخصوصاً الشِعر الذي أدخله في متنها، فانتهز فرصة تيقظهم وهرع إلى خزانة الكتب ليأتي بديوان الشعر الذي نقل عنه ويقرأه عليهم، وما إن عاد حتى وجدهم قد اختفوا ومعهم مقتنياته المنزلية الثمينة. إنهم لم يكونوا سوى مجموعة من اللصوص تمكنوا من التسلل بين المدعوين ونهبوا المنزل. وحين توجه إلى قائد الشرطة ليبلغ عن الحادث، عده، الأخير متواطئاً مع اللصوص وأمر بضربه خمسين عصا!

وهكذا تتوالى المغامرات عبر بنية متوالدة يؤدي بعضها إلى بعض، وتتمحور كلها في البحث الدائم عن مستمعين جيدين ينصتون باهتمام وتدبر. وفي كل مرة تنتهي المغامرة بدرس قاس يتلقاه الإسكندراني، حتى إنه قرر الزواج علّه يجد في زوجه ما لم يجده في السابقين من حسن إنصات واهتمام، من جانب، وأن ينقل إليها دروس الحياة من جانب ثان حتى تستقيم الحياة بينهما. لكن حتى زوجته غلبها النعاس وهي تستمع إليه وحركت، بدون قصد، المدفأة فانقلبت واشتعلت النيران بالمنزل وأجهزت عليه بالكامل، وعاقبته السلطة بغرامة كبيرة نظير إهماله! فتزوج بثانية وثالثة دون جدوى، وقرر أن يتزوج للمرة الرابعة، وكعادة من سبقنها استغرقت زوجه هي الأخرى في نوم طويل واعتقد الخدم أن نومها إن هو إلا بسبب حكاياته المخيفة التي امتلأت بالعفاريت والتعاويذ، وحكمت عليه السلطات بقطع أذنه، وأن يتوقف تماماً عن حكاياته التي تتسبب في كل مرة في حدوث مشكلة كبيرة. وبعد مرور خمسة عشر يوما على هذا الحادث اكتشف أن زوجته لم تكن نائمة كل هذه الأيام، بل كانت تدعي النوم حتى تتمكن من الهرب مع عشيق لها!

***

في خاتمة الحكايات العشر التي كان يستدعيها الراوي ويسردها على مسامع الرجل الذي قابله في رحلة الحج؛ نكتشف أن المسرود عليه كان ينام هو الآخر أثناء سماع الحكايات، لكنه قرر أن يحتفظ بالسارد "الإسكندراني" لنفسه ليظل يحكي له كل يوم حكاية حتى يتمكن من النوم بعمق. لكن السارد مات قبل أن يروي الجزء الثاني من الحكايات، وهي الخاصة بما تعرض له ورآه في الماريستان الذي أشار إليه في معرض حكاياته، ووُضع فيه بسبب مغامراته الفاشلة، لقد وجدوا هذه الحكايات، وهم يغسلونه، تحت عمامته مع عدد آخر من الأوراق تحتوي على الحكايات التي كان يرددها على مسامع الرجل، لتشكل هذه الحكايات التي لم يروها صاحبها الجزء الثاني من مجموعة مارسيل!

 


المصادر:
1. جاك تاجر، حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر، ط 2، مؤسسة هنداوي، 2017.
2. خير الدين الزركلي، الأعلام، ج2، دار العلم للملايين، ط 15، مايو 2002.
3. سامي فرج، منابت القص في الأدب العربي الحديث، دار المؤلف، ط 1، 2015.
4. عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار وتراجم الأخبار.
5. لويس شيخو، تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين.
6. يوسف جيرا، تاريخ دراسة اللغة العربية بأوروبا، ط 1 (1920)، ط2، مؤسسة هنداوي، 2019.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها