تُعد "الرزنامة" المعروفة بالدُّرور في الإمارات، بأنها حساب فلكي تقليدي ابتكره سُكَّان الإمارات وأهل الخليج القدامى لتنظيم الحياة اليومية، ولفهم كافة جوانب تغيُرات الطقس ومواسم الزراعة والحصاد والصيد، ويعرفون في هذا السياق بتوقيتات القيظ والشتاء، وحركة الغيوم، وتقلُبات البحر، والعلاقة المُترابطة بين هذه العوامل والمظاهر الفلكية. ويعتمد على ملاحظة الظواهر الفلكية والطبيعية لتنظيم الحياة اليومية وفهم الأحداث البيئية والزراعية. وتُعتبر "الرزنامة" موروثاً ثقافياً هاماً، يعكس تكامُل المعرفة التقليدية مع الظواهر الفلكية والبيئية، وقد تُمثل جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الشعبية في الإمارات ودول الخليج1.

أولاً: ما هي "الرزنامة" المعروفة بالدُّرور:
الدُّرور: هو حساب فلكي قديم في المنطقة، يعتمد على حساب أيام السنة في شكل عشري يُقسِّمها إلى (36) قِسماً، والقِسم الواحد يتكون من عشرة أيام، يُعرف بـ (بالدّر)، ويبدأ هذا الحساب بطلوع نجم سهيل عند الفجر في منتصف شهر أغسطس من كل عام؛ أي في 15 أغسطس، ويعرف كل دُّر بالمجموعة العشرية التي ينتمي إليها فيُقال: "العشر، والعشرون والثلاثون.. هكذا إلى المائة، ثم تبدأ المائة الثانية: العشر والعشرون والثلاثون.. إلخ"2.
والرزنامة: هي نظام تقليدي يستخدمه سُكَّان الإمارات وأهل الخليج القدامى لتنظيم حياتهم اليومية وفهم التغيرات الطبيعية، وتتضمن العديد من العناصر مثل توقيتات القيظ والشتاء، وحركة الغيوم، وتقلبات البحر. حيث يعود تاريخ "الرزنامة" إلى العصور القديمة؛ حيث استخدمها سُكَّان الإمارات وأهل الخليج القدامى لتحديد أوقات الزراعة والحصاد والصيد، ولفهم تغيرات الطقس والمواسم الزراعية والحيوانية. ويمكن أن تكون هذه الرزنامة مُعقدة ومعتمدة على الملاحظات الطبيعية للبيئة المحلية والظواهر الفلكية3.
ففي الإمارات، يمكن أن تتفاوت الرزنامات وفقاً للمنطقة وتقاليد السُكَّان المحليين. ومع ذلك، يشترك النظام الرزنامي في تحديد فترات السنة المختلفة، مثل بداية ونهاية مواسم الزراعة والحصاد والصيد، ويعتمد على ملاحظة الظواهر الطبيعية مثل حركة النجوم والقمر والغيوم ودرجات الحرارة. وفي العصر الحديث، يتم استخدام الرزنامة التقليدية بشكل أقل نسبيًا نظرًا لتطور التكنولوجيا والوسائل الحديثة للتوقيت والتنبؤ بالطقس، لكنها تظل جزءاً هاماً من التراث الثقافي والفلكي في المنطقة.
تعتمد "الرزنامة" على مجموعة من الملاحظات الفلكية والبيئية مثل تحرك النجوم والكواكب، وحركة الشمس والقمر، وتغيرات الغيوم والرياح، وحالة البحر. تُستخدم هذه الملاحظات لوضع توقعات تقليدية حول المواسم والأحداث البيئية المختلفة، مما يساعد في تنظيم الأنشطة الاقتصادية والحياتية في البيئة الصحراوية.
من الجوانب الرئيسية التي تشملها "الرزنامة" في الإمارات:
◂ توقيتات القيظ والشتاء: تحديد فترات الصيف الحار والشتاء البارد بناءً على ملاحظات حركة الشمس وتغير درجات الحرارة.
◂ حركة الغيوم والأمطار: توقع فصول الأمطار وتقلبات الطقس بناءً على ملاحظات حركة الغيوم والرياح.
◂ العلاقة بين الطقس والزراعة: تحديد مواعيد الزراعة والحصاد بناءً على التغيرات الفلكية والبيئية.
◂ العلاقة بين البحر والأنشطة البحرية: تحديد أوقات الصيد والإبحار بناءً على حالة البحر وتقلباته.
ثانيًا: التحديات التي تواجه الحفاظ على حساب الدُّرور في وجه التطور التكنولوجي:
زيادة التطور الحضري قد يؤدي إلى تغيرات جذرية في البيئة المحيطة بمناطق الحساب التقليدية، مما يؤثر على الرؤية الفلكية والقدرة على ملاحظة الظواهر الفلكية بوضوح.
زيادة إضاءة المدن والضوضاء الناتجة عن الحضر والتكنولوجيا قد تقلل من وضوح السماء الليلية، وتصعب رؤية النجوم والكواكب؛ مما يؤثر على القدرة على استخدام حساب الدُّرور بشكل فعَّال.
تطور التكنولوجيا وانتشار وسائل الإعلام الحديثة قد يقلل من اهتمام الأجيال الجديدة بالحفاظ على التقاليد القديمة مثل: حساب الدُّرور؛ حيث تتغلب التطبيقات والأجهزة التكنولوجية على الطرق التقليدية في تحديد الأوقات والمواسم.
قد يكون هناك نقص في الوعي والتعليم حول أهمية حساب الدُّرور وكيفية استخدامه، مما يؤدي إلى تراجع اهتمام الأجيال. تطور الأساليب الحديثة للعيش والتواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تراجع ممارسات حساب الدُّرور وتنوعها. التغيرات المناخية والتدهور البيئي قد تؤثر على ممارسات حساب الدُّرور، مثل تغيرات في الزراعة التقليدية، أو انخفاض موارد المياه التي كانت تستخدم في تلك الممارسات.
مع تقدم التكنولوجيا، قد ينخفض اهتمام الأجيال الشابة بالمعرفة الشعبية والرزنامات التقليدية، مما يزيد من خطر فقدانها ونسيانها4.
ثالثًا: دور الحكومة والمجتمع المدني في دعم وتعزيز استخدام حسابات الدُّرور والحفاظ عليها5:
الحكومة: إنشاء سياسات وتشريعات تعزز حفاظ واستخدام حسابات الدُّرور في الإمارات، مثل إنشاء صندوق خاص لدعم هذه الممارسات. تشجيع التعليم حول حسابات الدُّرور في المدارس والجامعات، وإقامة برامج توعية للمجتمع حول أهمية هذا التراث. توفير تمويل ودعم مالي للمشاريع والبرامج التي تهدف إلى تعزيز حسابات الدُّرور وحمايتها.
المجتمع المدني: دعم وتشجيع المشاركة المجتمعية في الحفاظ على حسابات الدُّرور، مثل تنظيم ورش عمل وأنشطة ثقافية تشجع على هذا النوع من التراث. تشجيع الباحثين والمؤرخين في المجتمع على توثيق ودراسة حسابات الدُّرور، ونشر النتائج للعموم.
الحكومة: التعاون مع المنظمات الدولية والدول الأخرى التي تمتلك تجارِب ناجحة في حفظ التراث الثقافي، لتبادل الخبرات والتقنيات والموارد. وضع القوانين واللوائح التي تحمي حقوق الملكية الفكرية لحسابات الدُّرور، وتضمن استخدامها المناسب والمشروع. تعزيز التعاون والشراكات بين المؤسسات والهيئات الحكومية والمجتمع المدني لضمان وصول الدعم والموارد اللازمة لحفظ واستخدام حسابات الدُّرور بشكل فعَّال.
رابعًا: كيفية الاستفادة من التقنيات الحديثة لتوثيق حسابات الدُّرور بشكل دقيق:
يمكن استخدام الأجهزة والتقنيات البصرية المتقدمة لتسجيل الحسابات بدقة عالية. على سبيل المثال، يمكن استخدام الكاميرات ذات الدقة العالية، وأجهزة الفحص بالأشعة تحت الحمراء لتسجيل التفاصيل الدقيقة للحسابات.
إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية تحتوي على معلومات مفصلة عن الحسابات الموثقة باستخدام التقنيات الحديثة. يمكن الوصول إلى هذه القاعدة من أي مكان باستخدام الإنترنت، مما يسهل مشاركة البيانات والتعامل معها بشكل مرن وفعَّال.
الاستفادة من خبرات المؤسسات البحثية والتقنية في تطوير أدوات وتقنيات جديدة لتوثيق حسابات الدُّرور بشكل دقيق وفعّال. بالإضافة إلى الصور، يمكن استخدام التقنيات لتسجيل البيانات الفيديوغرافية والصوتية للحسابات، مما يضيف طبقة إضافية من التفاصيل والمعلومات المفيدة. يجب تعزيز التوعية والتثقيف حول أهمية حسابات الدُّرور والتراث الثقافي بشكل عام، وذلك من خلال الحملات التوعوية والفعاليات التثقيفية والتواصل الاجتماعي.

الخلاصة:
يمكن التأكيد على أهمية الحفاظ على هذا الجزء الهام من التراث الإماراتي. على الرغم من التحديات التي قد تظهر مع تقدم التكنولوجيا، إلاَّ أنَّ الاستفادة منها، يمكن أن تكون فعّالة في الحفاظ على هذا التراث وتوثيقه بشكل دقيق وموثوق. وعلينا تشجيع البحث والدراسات العلمية في هذا المجال، وتطوير برامج تدريبية، وورش عمل للمحافظة على مهارات حسابات الدُّرور ونقلها إلى الأجيال القادمة. بالتعاون والتنسيق بين مُختلف الأطراف، يمكن تحقيق التوازن بين التقنيات الحديثة والمُحافظة على التراث الثقافي والتقليدي.
المراجع والهوامش: 1. الدُّورور والطوابع: إصدار مركز جامع الشيخ زايد الكبير، أبوظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة.┃2. "الدُّورور"،"الروزنامة". قاموس المعاني.┃3. "الدرور.. تقويم عربي قديم يحدد الأيام والمواسم". صحيفة الخليج.┃4. "حكومة الإمارات تدعم التراث الثقافي للبلاد، بما في ذلك حسابات الدُّرور التقليدية". وكالة أنباء الإمارات (وام).┃5. "جهود مؤسسات المجتمع المدني في دعم التراث الثقافي الإماراتي، بما في ذلك حسابات الدُّرور". مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة.┃6. "دور الجمعيات الثقافية والتراثية في الحفاظ على حسابات الدُّرور". جمعية الإمارات للحفاظ على التراث.