إِبْ.. مَدينةُ المطرِ والضّبابْ!

سعاد الحمودي



تَلُوحُ كزبرجدٍ أخضرَ يتلألأ ببريقٍ يُداعبُ أشعة الشَّمسِ الذهبية.. مدينة حباها الخالِق بجمال أخّاذٍ يأسرُ زائريها بسحره الممتد على صفحات الأرض المكسوة بالعشب الأخضر.. مدينةٌ تدعوك للتأمل الصّامت في حضرة الجمال، الذي تراه العين متتابعاً في تضاريسها المنحوتة على جبالها.. وبمدرجاتها التي تدعوك لتنسجم مع سلمها الموسيقي، الذي يعزف لحن الطبيعة الهادئة الصاعدة في دروب الدهشة وإبداع الخالق.



من حرفين تكونت حروف المدينة الأبية مدينة "إبْ" من ألفٍ وباء؛ وكأنها أبجدية جديدة تترجم ما سنراه من رونق آسر نابض بالحياة، فهي بحق القلب النابض لليمن السعيد بموقعها الفريد متوسطةً محافظات اليمن، حيثُ تقع محافظة إبْ وسط الجمهورية اليمنية، تحدها من الشرق محافظتي البيضاء والضالع، ومن الغرب محافظة الحديدة، وصعوداً إلى الشمال تحدُّها محافظة ذمار، ونزولاً إلى الجنوب محافظة تعز وجزءاً من الضالع، فهي القلب، وفي وسط اليمن تكون، نعم؛ إنها إبْ التي سنحاول أن نسرد في عُجالةٍ من الزمن بعضاً من أبجديتها الماثلة على أرضها، التي تفصح عن جمالها ببلاغة وفصاحة لا مثيل لهما.

فمن على قمم جبال إب الجميلة يعانق الضباب المطر على مدار الفصول الأربعة، فيبدو للناظر أكثر من جمال يلوح في الأُفق، حيث الضباب الذي تتخلله قطرات المطر المنعشة تصافح الأرض بنشوة عجيبة، فتتزين بحلتها الخضراء الزاهية؛ فكأنما تلتقي قمم الجبال من جميع الاتجاهات منتظرة بلهفة قطرات المطر الندية فتزداد جمالاً على جمالٍ برونقها الأخضر البديع.

تضاريسٌ عجيبة لِلّواءِ الأخضر

اللّواءُ الأخضر هو ما اشتهرت به مدينة إب، وذلك لخضرتها الدائمة، وأجوائها الخرافية، وهبّات نسمات رياحها العليلة، فقد تضافرت في تلك المدينة أسباب الرخاء والسعادة، فتنوع التضاريس فيها أدى إلى تنوع المناخ، فتضاريس مدينة إب وإن كان يغلب عليها الطابع الجبلي الوعر، إلا أن تلك المرتفعات الجبلية تتخللها الوديان العميقة، فتنحدر في ممرات ضيقة تأخذ أغلبها طريقاً غربياً إلى سهل تهامة، والبعض الآخر شرقاً ليصب في خليج عدن، وبهذا نرى أن تضاريس مدينة إب تنقسم إلى نوعين من حيث السطح وهي: الأودية، والسهول التي تصب فيها قنوات تلك الأودية. وأشهر تلك الأودية وادي عنه، ووادي زبيد ووادي بنا، ووادي الدور. ولقد كان هناك نصيبٌ لتلك الودية في إبداعات أقلام الشعراء والكُتّاب.

والنوع الثاني: هي المرتفعات الجبلية الشمالية والجنوبية؛ المرتفعات الشمالية منها: جبال يريم، وجبال ظفار، وجبال شخب عمار وكحلان، وجبال مشورة، وجبال صهبان، وجبال العود، وجبال صباح، وجبال مريس. أما المرتفعات الجنوبية فمنها: جبال العدين، وجبال بني مليك، وجبال الشهاري، وجبال المديخره وحمير والأشعوب، وجبل قرعد.

ولعل ما يميز تلك المرتفعات بشمالها، وجنوبها، -رغم وعورة الطريق التي قد تسلكها وأنت تجوب طرقها الملتوية بين الجبال- هو دهشتك الماثلة في نسيان كل ما سوى ذلك الجمال الأخاذ، الذي يأخذك بعيداً عن التفكير بالخطر، فتدع نفسك لجمال الطبيعة الساحر يأخذك في خضمه المشرق الوضاء.
فلقد تزينت مرتفعات جبال إب بمدرجات زراعية خضراء تحيط بها الأشجار، وتهطل فيها الأمطار، ويلتف حواليها الضباب، فحين تتنفس هواءها المنعش البارد تشتم أريج أزهارها، وعبيرها، وتشعر بنعمة النقاء والصفاء والراحة والتأمل.
فما إن يهطل المطر في مدرجتها الزراعة حتى تزداد بريقاً ولمعاناً، وتعانق أشعة الشمس وديانها، وسهولها الممتدة، ويشرق قرصها الدافئ بهدوء بين السحاب. منظر رائع تحتار الأقلام عن وصفه، وتحتار ريشة الرسام في إبداع ألوانه المتباينة، ونقل رسمه.

تاج على جبل

اشتهرت مدينة إب بجبالها الخضراء العالية، وفي قمم تلكم الجبال توجد الحصون، والقِلاع التي خلفتها الحضارات القديمة، ولعل أشهرها قلعة سمارة في مديرية يريم في أعالي نقيل سمارة، وهو الجبل الذي تقع عليه القلعة، فمن فوق ذلك الشموخ والعلو والخضرة الندية تطل علينا قلعة سمارة، مائلة نحو الجبل الذي تعلوه بعزة وإباء بارتفاعها الشاهق المهيب، الذي يطل على مساحات واسعة من المرتفعات الجبلية، وفي ذلك العلو تكمن أهميتها، وأسباب منعتها، وكونها من أهم الحصون العسكرية، فكما ترسل القلعة من قمة ذلك الجبل لزائريها رسالة الترحاب بحفاوة عبق التاريخ التي بنيت في ماضيه الزاهر، فقد كانت القلعة قديماً ترسل رسالة القوة والمنعة التي تبث الخوف في قلوب أعدائها.

وللقلعة تخطيطٌ معماريٌّ يشبه النمط العسكري في أسلوب البناء، ولموقعها الاستراتيجي على قمة الجبل دوره الهام في تعزيز مراقبتها لما حولها من أخطار قد تداهمها، فهي تتوسط الطريق بين صنعاء وبقية المدن إب، وتعز، والحديدة وغيرها من المدن، وبهذا؛ فهي تسيطر على أهم الطرق المارة عبرها، وتصميمها المعماري والهندسي يتوافقُ تماماً مع مهامها الحربية، ويتكامل في أدائه، ومقوماته، فقد أحاط بالقلعة سور حصين مربع الشكل على كل ركن من أركانه برج اسطواني (برج حراسة) يرتفع أعلى السور، ويبرز قليلاً إلى الخارج، وله مدخل وحيد سري لا يمكن الوصول إليه إلا عبر طريق منحدرة، وضيقة تقع في الجهة الغربية للضلع الجنوبي للقلعة، وإلى الداخل نجد فيها مسجداً يقع أمام المدخل مباشرة بالإضافة إلى مبنى من طابقين يقع إلى الجهة الشرقية للمسجد، ومدخله من الجهة الغربية، وكذا خزانات الماء الموجودة في فناء القلعة، وهو من مقومات القلاع لحفظ المياه أثناء الحصار، أو أي ظرفٍ قد يطرأ.
 

العاصمة السياحية لليمن

أبْ مركز سياحي بجدارة، ولم لا وهي خصبة الأرض بجمالها الأخضر، بيضاء ببهاء الضباب والسحاب، فقد تداخل الضباب مع السحاب فصار كأنه غيمة ظليلة تلامس الأرض، فما عدت تدري أنك تمشي على الأرض أم تطير في سمائها محلقاً في سبحات الجمال والسحر، ففي شلالات المدينة تجد الألوان الذهبية والبنية والصفراء تتداخل في سحر غريب مع المياه الزرقاء المتدفقة فتنبهر بروعة المنظر..
فمدينة اللواء الأخضر مدينة الأمطار الباردة، ويقال إنها سميت بمدينة إبْ لأنها مشتقة من شهر آب، وهو شهر غزير الأمطار في المدينة، غير أن مدينة إب تحتفل بالأمطار طوال فصول السنة، ورياحها الباردة مشبعة بالمياه من جهاتها الشرقة الجنوبية، والجنوبية الغربية، وهذا هو سر هوائها المنعش، وجبالها المكسوة بالاخضرار، فقد تحلقت بالمدينة في كل الاتجاهات فصارت كلواء أخضر مهيب مكسو بجمال رباني ساحر، حاز إعجاب الناظرين، وحارت الأعين في صفه.. وكأنك في قطعة من جنة وضعت على الأرض، فيا مدينة إب هل أنت الجمال أم الجمال هو أنت!

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها