
عاصرت مدينة طرابلس الليبية كل الفترات والمراحل التاريخية التي مرت بها ليبيا، بل وتشهد على كل العصور ومختلف الأوضاع التي كانت عليها ليبيا، ومراحل ما قبل اكتشاف وظهور النفط الذي كان سبباً رئيساً في تغيير حياة الليبيين وفي نمط وشكل مدينة طرابلس وتطورها وامتداد مبانيها الحديثة.
وفي هذه السطور نمر ونقرأ تاريخ المدينة القديمة طرابلس، وكيف تأسست من خلال الشعوب والسكان الذين كانوا يقطنون هذه المدينة كأمثال ماعرف باليهود الليبيين الذين عاشوا وتجاوروا مع الليبيين، وبقية الجنسيات الأخرى.. في مشهد يُعبر عن اتساع المدينة القديمة وقدرتها على استيعاب كل الجنسيات، وما خلّفته من مآثر وحكايات ما زالت ظاهرة إلى اليوم عند الحديث عن تاريخ تأسيس مدينة طرابلس.
مدينة طرابلس المطلة على البحر المتوسط مقابل الرأس الجنوبي لجزيرة صقلية تعتبر عاصمة ليبيا قديماً وحديثاً. وقد عرفت طرابلس في القدم باسم "تريبولي" و"أويا" مما يشير إلى أن تأسيسها يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد على يد الفينيقيين الذين قدموا إلى المدينة، واتخذوا منها مركزاً تجارياً لعرض وتسويق بضاعتهم إلى الأسواق المجاورة.
الزائر لهذه المدينة خلال العصور التاريخية أو في العصر الحديث يلاحظ أن العاصمة طرابلس هي أكبر مدن البلاد، وأكثرها كثافة حيث يزيد تعداد سكانها حالياً عن 2 مليون نسمة. كما تتم ملاحظة الآن كما في السابق أن مركز المدينة يتوسطه ميدان أطلق عليه تسميات مختلفة في كل العصور التي عاصرتها ليبيا عموماً، وقلعة السرايا الحمراء التاريخية التي تم بناؤها في العهد العثماني.
يوجد عدد 8 أبواب للسور المحيط للمدينة القديمة، كما كان يوجد بطرابلس القديمة عدد 14 مسجداً قديماً ضمتها مباني المدينة التي شهدت تاريخ تأسيس طرابلس. وأيضاً يوجد بها أهم المعالم السياحية كأمثال السرايا الحمراء، وبرج الساعة، وزنقة الفرنسيس، وحوش القرمانلي، وقوس ماركوس أوريليوس، وفندق زميط.
أطلق على العاصمة التاريخية ليبيا منذ القدم اسم عروس البحر المتوسط لجمال بساتينها ومبانيها البيضاء. وتأسست المدينة القديمة في طرابلس على أيدي الفينيقيين في القرن السابع قبل الميلاد. وقد سادت فيها حضارات مثل (الرومانية، واليونانية، والعثمانية) تاركة بصماتها المعمارية. وظلت هذه المدينة محطة تجارية وسوقاً لتصريف المواد الأولية من أفريقيا السوداء، واستمر هذا الدور للمدينة في مجال التبادل بين الشمال والجنوب حتى غطى مجموعة أقطار أفريقية في الجنوب.

وقد اكتشف في طرابلس العديد من الآثار الفينيقية والبونيقية المهمة، التي ترجع إلى عصر نشأتها وعهدها الأول.
وفي العهد الروماني عندما استولى الرومان على ما سموه أويا أي طرابلس، في بداية العهد الميلادي، وشيدوا في المدينة بضع منشآت لم يبق منها حالياً سوى قوس النصر في المدينة القديمة، والذي عرف بقوس ماركوس أوريليوس نسبة إلى الأمبراطور الروماني.
وبقيت طرابلس على وضعها تابعة للأمبراطورية الرومانية حتى القرن الخامس للميلاد، عندما خضعت لحكم الوندال ومن ثم البيزنطيين في القرن السادس.
وفي العام 645 للميلاد فتح المسلمون طرابلس خلال حقبة خلافة عمر بن الخطاب، وبقيت المدينة تحت الحكم العربي بين العامين 1146 و1158 عندما استولى عليها النورمان الصقليون واحتلها الإسبان منذ العام 1510 حتى تسليمها إلى فرسان القديس يوحنا من مالطا حتى العام 1551 عندما استعان الطرابلسيون النازحون إلى شرق المدينة بالعثمانيين للتخلص من الاحتلال المسيحي للمدينة المتمثل في الإسبان وفرسان القديس يوحنا.
وتزعم القائد العثماني درغوت باشا الحملة المكونة من العثمانيين والمقاومة الطرابلسية، وبعد النصر على قوات القديس يوحنا اتخذ درغوت باشا من تاجوراء، الواقعة شرق المدينة القديمة مقراً للقيادة مؤقتاً، وبذلك أصبحت طرابلس رسمياً ولاية تابعة للدولة العثمانية تحت اسم "ولاية طرابلس".
وشهدت طرابلس ازدهاراً كبيراً في بداية العهد العثماني، حيث أنشأت الأسواق التي تركزت في الناحية الشرقية من المدينة القديمة، ولا تزال معالمها حتى اليوم. وترجع أسباب تمركز هذه الأسواق في هذه الناحية من طرابلس إلى قربها من البحر؛ إذ إنه منفذ تصريف الإنتاج واستقبال البضائع القدمة من الشمال الأوروبي، كما أن طرابلس كانت قريبة من مصدر السلطة بعد بناء قلعة السرايا التي ما تزال حتى اليوم في عداد أهمّ معالم طرابلس التاريخية.
وقد شهدت مدينة طرابلس الليبية ازدهاراً ونشاطاً مكثفاً عندما سيطرت الأسرة القرمانلية على مقاليد الأمور في ليبيا مطلع القرن السابع عشر عندما قاد الضابط التركي أحمد باشا القرمانلي ثورة على الوالي العثماني بمساندة شعبية.
في ظل هذا الحكم أصبحت طرابلس تضم 36 مسجداً و3 حمامات عامة ومدرستين ومستشفى كبيراً وكنيسة وعدداً كبيراً من المباني التاريخية، مثل قصر القرمانلي وقنصليات أوروبية عديدة، كالقنصلية الفرنسية، والهولندية والبريطانية وقنصلية جنوى.
لاحقاً وقعت طرابلس تحت الاستعمار الإيطالي عام 1911 حيث اعتبر الإيطاليون أن ليبيا هي الشاطئ الرابع لإيطاليا. وقد حدثت مواجهات عنيفة بين القوات الإيطالية والمقاومة الشعبية المحلية حتى انتهت باستقلال البلاد 1951 بقيادة الملك إدريس السنوسي.
تعتبر المدينة القديمة بالعاصمة الليبية طرابلس المركز العتيق للمدينة، ويحيط بها سور، وتحوي عدداً من المحال التجارية والمقاهي.
كما تحوي المدينة القديمة على عدد من المباني الأثرية والتاريخية، والتي يعود تاريخ إنشاء بعضها إلى ما يزيد على 500 عام.
وقد اكتسبت هذه المدينة أهمية كبيرة عندما أصبحت محطة تجارية تربط شمال أوروبا بالجنوب الإفريقي. وقد اكتشف في طرابلس العديد من الآثار الفينيقية والبونيقية المهمة التي ترجع إلى عصر نشأتها وعهدها الأول.
وتعود تسمية المدينة إلى أنها واحدة من مدن ثلاث بناها الفينيقيون وهي طرابلس ولبدة 120 ك.م شرق طرابلس، وصبراته 80 ك.م غرب طرابلس. كما يشهد وجود قوس النصر الأثري في البلدة القديمة، والمعروف بقوس ماركوس أوريليوس نسبة لذلك الإمبراطور الروماني، رغم أنه لم يتبق من منشآت رومانية سوى ذلك القوس.
عند الحديث عن مدينة طرابلس الليبية التاريخية لا بد من الإشارة إلى أسواقها القديمة التي كانت تعج بها المدينة، وهي الأسواق التجارية والحرفية التي كانت منتشرة داخل أسوار المدينة وصل عددها إلى أكثر من 29 سوقاً متعددة التخصصات. وتمثلت سلع هذه الأسواق القديمة في الأصواف، والمنسوجات، والملابس، والورق، والحرير، والكبريت، والذهب، والأخشاب، والقطران، والحناء، والشمع، والجلد، وريش النعام، والتمر، والعاج والملح إلى جانب الأحجار الكريمة.
وتشير المصادر إلى أن مصادر هذه السلع المعروضة بأسواق المدينة إما قادمة عبر الصحراء عن طريق القوافل المحملة بالبضائع من داخل إفريقيا، أو من السفن القادمة عبر البحر من دول العالم المختلفة.
وكانت هذه الأسواق تعج بالحركة وسط أصوات الباعة والعاملين فيها بألحانهم الشجية، وأغانيهم المتنوعة ذات العمق في المدلول، يتخلل ذلك طرقات الحرفيين على الصفائح النحاسية، أو أصوات صانعي النسيج. الصورة إذنْ تحمل مشاهد ورسومات للوحات معبرة عن النشاط والحيوية التي تعج بها هذه الأسواق المزدانة بألوان متعددة. ومن هذه الأسواق على سبيل المثال:

سوق المشير
هو أحد الأسواق الشهيرة والتاريخية في مدينة طرابلس القديمة. وهذا السوق ما يزال قائماً إلى يومنا هذا. وهو سوق لجميع الأشياء، من المواد الغذائية إلى الملابس والخردوات والأقمشة. الجميل أن هذا السوق ما زال محتفظاً بنفس التخصص السابق، وهو يعتبر من أنشط الأسواق في المدينة القديمة، وله عدة مداخل لأسواق متعددة كسوق الكتب، وسوق الأردية والمنسوجات المختلفة، وسوق للزهور ومستلزمات الحدائق وكذلك العطور.
ونُشير هنا إلى أن الأغلبية الساحقة من التجار في السابق كانوا من اليهود، مع وجود بعض التجار الليبيين الذين كانوا يبيعون الملابس في هذا السوق في العصر العثماني.
بالإضافة إلى سوق المشير والذي لا يزال فاعلاً إلى اليوم هناك أسواق أُخرى لم يعد لها من فاعلية اليوم، ومنها: سوق الترك، سوق الرباع القديم "سوق العرب"، سوق الكتب -سوق الحرير- سوق النجارة- سوق الصاغة- سوق العطارة- سوق الصناعات التقليدية.