تُعد الروائية والكاتبة الإماراتية نادية النجار من أبرز الأصوات النسائية في الأدب الإماراتي، حيث سطرت مسيرة أدبية حافلة بالإنجازات الإبداعية، وحصدت العديد من الجوائز بفضل إبداعاتها السردية المتنوعة، وها هي اليوم تصل في مسيرتها الأدبية ولأول مرة إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025، إحدى أهم الجوائز الأدبية في العالم العربي.

قالت عن رواية "ملمس الضوء" الموجودة بالقائمة القصيرة للجائزة بأنها تجسيد للتحول الإماراتي، سواء على مستوى الهوية أو السرد؛ إذْ تستند إلى معرفة تاريخية موثقة، مدعومة برؤية موسوعية للمدونة الأنثروبولوجية الاجتماعية، وتحمل بين طياتها الكثير من الإثارة والتشويق، حيث تروي قصة شابة كفيفة تخوض رحلة استكشاف حواسها الأربع.
النجار حاصلة على شهادة البكالوريوس في علوم الحاسب الآلي من جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، وهي عضو استشاري في المجلس الإماراتي لكتب اليافعين. ولها عدد كبير من الإصدارات في الرواية، والقصة القصيرة، وأدب الطفل. صدر لها في الرواية: "منفى الذاكرة"، و"مدائن اللهفة"، و"ثلاثية الدال". ولها في القصة القصيرة مجموعة "لعبة البازل"، ولها حتى الآن عشرة إصدارات مصورة للأطفال. وحصلت على عدة جوائز، منها: "جائزة معرض الشارقة للكتاب لأفضل كتاب إماراتي"، و"جائزة الإمارات للرواية العربية"، و"جائزة العويس"، و"جائزة الدكتور عبدالعزيز المنصور". ووصل عدد من كتبها إلى القائمتين القصيرة والطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب. وقد كان لنا معها الحوار الآتي:
⊙ في البداية، كيف تصفين علاقتك بالقلم والكتابة؟ وهل كانت الكتابة خيارًا أم قدرًا؟
رغم حبي للقراءة والكتابة منذ طفولتي، إلا أنه لم يخطر لي أنني سأصبح كاتبة في يوم ما. وكان تخصصي الجامعي في مجال علمي، وهو علوم الحاسب الآلي. ولكن لم أتخل عن شغفي بالقراءة والكتابة، إلى أن نشرتُ روايتي الأولى بعد تخرجي بأعوامٍ كثيرة، وكانت رواية قصيرة عنوانها "منفى الذاكرة" عن دار كُتَّاب الإماراتية للنشر، فكانت تلك الرواية هي البداية.
⊙ ما التحديات التي واجهتك في بداياتك ككاتبة وروائية؟
تحديات كثيرة، ولعل أبرزها إيجاد دار النشر المناسبة لنشر عملي الأول.

⊙ كيف تلقيت وصول روايتك الأخيرة "ملمس الضوء" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، وكيف تنظرين إلى دور الجوائز في التحفيز على الكتابة؟
تلقيتُ الخبر بسعادة، فكل روائي يطمح أن تترشح أعماله لجوائز مهمة مثل الجائزة العالمية للرواية العربية، حيث إن الجوائز تساهم في انتشار الأعمال الفائزة، وفي ترجمة الأعمال الفائزة إلى لغات مختلفة. بالإضافة إلى أنَّ التقدير المعنوي يشجع الكاتب على الاستمرار في الكتابة.
⊙ ما الذي تعتقدين أنه يميز "ملمس الضوء" عن الأعمال الأخرى المرشحة؟
كل عمل من الأعمال المرشحة للقائمة القصيرة مميز وفريدٌ، وأترك المجال للقارئ ليجد في "ملمس الضوء" ما يميزه.
⊙ حديثنا عن رواية "ملمس الضوء"؟ وعن ظروف كتابتها؟
كنتُ أريد أن أفهم عالم المكفوفين، وماهية العمى، وكيف يعيش الأعمى في عالم المُبصرين، وماذا تعني له الألوان، والأشياء المرئية حوله؟ كانت نتيجة رحلة بحثي الطويلة هي هذه الرواية، وحكاية البطلة نورة؛ الشابة الكفيفة، وسردها لما حولها في غياب حاسة البصر، وانتقالها إلى الماضي عبر صور جدها القديمة، باستخدام تطبيق خاص بالمكفوفين، يشرح لها محتوى الصور.
⊙ نورة شخصية الرواية الأساسية لماذا جاءت عمياء؟ وكم اقتربت الشخصيات مثل جدها سالم بن ناصر وأمها، وخادمتها الفليبينية، وابنُ عمها سيف من الواقع؟
لستُ متأكدة لماذا اخترتُ شخصية تُعاني من فقدان البصر. عندما أكتب هنالك أشياء أريد أن أحكيها، وأخرى أريد أن أفهمها، وفي رواية "ملمس الضوء" ربما كنتُ أريد أن أعرف أكثر عن ماهية العمى. أما شخصيات رواياتي كلها من محض الخيال، ولكن الخيال أحياناً يكون قريباً من الواقع إلى درجةٍ يشعر معها القارئ بأنها شخصيات واقعية.
⊙ برأيك ما الحد الفاصل بين الواقع والمتخيل في" ملمس الضوء" شخوصاً وأحداثاً؟ ومن ثم إلى أي مدى يستطيع الكاتب أن يكون حيادياً في تسيير شخصيات روايته؟
الأحداث التاريخية التي وردت في الرواية مثل الغارة الإيطالية، وحادثة الحريق، وغيرها قد حدثت بالفعل في تلك الفترة الزمنية، أما شخصيات الرواية مثل شخصية الجد عليّ، وناصر بن سالم، والمصور جوزيف، فهي شخصيات خيالية.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال فهو يختلف من كاتب إلى آخر. أظن بأن الروائي إذا رسم شخصياته بشكل متقن، سيساعده بأن يكون أكثر حيادية مع شخصياته.
⊙ ما الهدف من رؤية تاريخ الخليج العربي عامة، وتاريخ دبي قبل اكتشاف النفط، والبحرين خلال المرحلة الأولى لاكتشافه بصفة خاصة، بعيون عمياء؟
في الرواية تسعى نورة الكفيفة للتعرف على ماضي عائلتها وللمفارقة من خلال الصور الفوتوغرافية، ربما لتتعرف على ذاتها بشكل أفضل، وقد يكون التعرف على الماضي وسيلة لفهم الحاضر والاستعداد للمستقبل.
⊙ وهل تعتبر الرواية التاريخية وثيقة لقراءة التاريخ؟
الرواية التاريخية بنظري ليست مصدراً للمادة التاريخية، ولكنها تفتح بابًا للبحث وطرح الأسئلة. بالنسبة لي عندما أقرأ رواية تاريخية ماتعة؛ فإنها تشجعني على البحث وقراءة التاريخ من زوايا متعددة، والمقارنة بين الرواية والمصادر التاريخية المختلفة.
⊙ هل يمكن لبعض الأعمال الروائية أن تؤرخ لأحداث معينة أكثر من الكتب التاريخية؟
الأعمال الروائية لا تؤرخ الأحداث التاريخية بقدر ما تجعلنا نرى تلك الأحداث بأعين ومشاعر شخصيات عادية، ونشعر بتأثير تلك الأحداث على تلك الشخصيات، فالرواية عمل تخيّلي يعتمد على الخيال.
بالنسبة لي أحب أن أستكشف التاريخ بأعين ومشاعر شخصيات عادية، وبتفاصيل ذلك الزمن، من أشكال البيوت والأزقة العتيقة والأسواق القديمة، وتلك أشياء لن نجدها دومًا في المصادر التاريخية المدونة. أذكر مثالا في روايتي "ثلاثية الدال"، كانت عن حادثة غرق سفينة "دارا" على مشارف خور دبي في بداية ستينيات القرن الماضي. قرأت مقالا في صحيفة محلية عنها، ودفعني الفضول إلى البحث أكثر عن الحادثة، ثم تخيلتُ الحادثة بأعين شخصيات متخيلة كانوا على متنها؛ المسافرون، التجار، الباعة المتجولون، وغيرهم، وكيف تغيرت حياتهم بعد الحادثة. كنتُ أريد إعادة رواية الحادثة من وجهة نظرهم، وإضافة مشاعرهم وعواطفهم، والتي غفلت عنها الروايات الرسمية.
⊙ نُقاد العالم حتى هذه اللحظة يرفضون الرواية التاريخية، متعللين أن التاريخ ثابت بلا خيال.. بل إن الواقعة قد انتهت، فما الذي يمكن إضافته في الرواية كحدث منته ما رأيك؟
يقال دائماً بأن التاريخ يعيد نفسه، وأظنني أتفق مع هذي المقولة. سنفهم أنفسنا أكثر إن عرفنا وفهمنا ماضينا وتاريخنا. كتابتنا للتاريخ اليوم هو فهمنا للتاريخ اليوم، والأحداث التاريخية يصبح لها معنى آخر مع مرور الزمن، وتتغير نظرتنا للحدث بعد مرور سنوات على حدوثه.

⊙ كم استغرقت كتابة روايتك؟
استغرقتْ مدة العمل على رواية "ملمس الضوء" ما يقارب الأربع سنوات، من حيث البحث والكتابة والمراجعة والتحرير.
⊙ ثمة تعدد للأمكنة في رواياتك، وفيها تجري الأحداث وتتحرك الشخصيات، وهذا يقودني للحديث عن الأمكنة والفضاءات التي تتحرك فيها قصصك ورواياتك، وهل أن هذا الحضور المكثف للمكان في أعمالك هو حقل من حقول البحث عن بنية جديدة للشكل الروائي؟ ماذا يعني المكان بالنسبة لنادية النجار؟
تعدد الأمكنة والفضاءات في الرواية ليس بجديد على الأدب، ولكن من الضروري أن يكون التنقل بين الأمكنة سلساً بحيث لا يُربك القارئ، وهذا يشكل تحدياً للروائي.
للمكان أهمية كبيرة في العمل الروائي فهو أحد عناصرها الفنية، ولكن عند البدء لا أُشغل نفسي بالمكان، بل بفكرة العمل وسير الرواية، ثم بعد ذلك يأتي المكان وتفاصيله.
⊙ في رصيدك الإبداعي مسارات متنوعة: من الرواية والقصة القصيرة وأدب الطفل، أين تلتقي هذه المسارات برأيك؟ وأين تجدين نفسك أكثر؟
أجد نفسي فيها بشكل متساوٍ، ولكن أعترف بأن الكتابة للأطفال تُفرحني كثيراً، وخاصة عندما أرى نصّي في يد الأطفال، وقد تحول إلى كتاب مصور برسومات زاهية.
⊙ كيف يمكن للكاتب لفت أنظار الناشئة نحو القراءة وتشجيعهم عليها في ظل هيمنة وسائل التكنولوجيا الحديثة؟
بأن نوفر لهم الكتب الجيدة التي تُدهشهم وتشجعهم على القراءة. الكتاب الجيد يحتاج إلى نص جيد ورسومات جيدة وإخراج جيد. على الكاتب أن يكتُب نصوصًا مبتكرة، وغير مباشرة، وماتعة، وبلغة سهلة، فطفل اليوم يمتلك الكثير من الأشياء التي تُلهيه، وكتاب عادي كُتب بطريقةٍ تقليدية لن يلفت نظره.
⊙ هل تعتبرين الكتابة للطفل فناً قائماً بذاته له أدواته الخاصة، أم أنه اجتهاد خاص من الكاتب يبحر فيه متى يشاء؟ وبماذا يجب أن يمتاز أديب الأطفال عن غيره من الكتاب؟
الكتابة للطفل مختلفة عن الكتابة للكبار، ولها خصوصيتها. على كاتب أدب الطفل أن يقترب من الأطفال، وخاصة الأطفال من الفئة العمرية التي يود أن يكتب لهم، وأن يسمع حواراتهم، وأسئلتهم المدهشة، وتساؤلاتهم لما يدور حولهم.
⊙ ما دور الرسم في أدب الأطفال؟
كل كتاب مصور هو نتاج عمل مبدعَيْن اثنين؛ الكاتب والرسام، كل منهم يُقدم إبداعه ورؤيته بالكلمة أو بالصورة. كل كتاب من كتبي المصورة رسمها فنان مختلف وغالباً ما يتم اختياره من دار النشر، وأترقب الرسومات، وأتأمل في التفاصيل التي أضافها الرسام إلى النص. المفترض أن تعمل الرسومات والنصوص معًا لسرد القصة، وأحياناً يضيف الرسام المبدع بعداً مختلفاً تماماً للنص.
⊙ ما جديدك في عالم الكتابة؟
ما زلتُ في مرحلة البحث عن فكرة رواية جديدة. أحتاج إلى مدةٍ من الزمن حتى تكتمل الفكرة وأبدأ في الكتابة.