حين يُكتب الخط ويُرسم الشعر!

في ضيافة الأديب والخطاط "شهاب الكعبي"

حاورته: د. أماني محمد ناصر


في زمنٍ تتنازع فيه الفنون حدود الاختصاص، ويُضرب الإبداع بسهم التكرار، يخرج لنا شهاب الكعبي من عباءة التقليد بمشروع أدبي وفني يمزج بين الشعر، والقصة، والرواية، والسيناريو، والخط العربي، والتصميم، ليعيد تشكيل العلاقة بين الكلمة والصورة، بين الفكرة وتجسيدها. من العراق إلى الإمارات، ومن السرد إلى السينما، ينسج الكعبي عوالمه بروح لا تكتفي بالكتابة، بل تؤمن أن كل نص هو كائن حي، يعيش، يتنفس، ويحدثنا. في هذا الحوار، نقترب من نبض تجربته، ونكشف الطبقات العميقة لجيولوجيا إبداعه، ونتأمل معه كيف يمكن للفن أن يمدّ جسورًا بين الذاكرة والحلم.

 

 أنت تكتب الرواية والشعر والقصة.. ما الذي يحدد شكل النص عندك: الفكرة أم المزاج أم نداء خفي من اللغة؟

شكل النص تحدده الفكرة ومداها وكبرها وتأثيرها وأتوقع أنّ كل من يريد أن يقدم على شيء يستحضره أولا بفكره ثم يبدأ، فإنْ كان البدء بكتابة رواية فقد اكتملت بالذاكرة خطوطها الرئيسة والاستعداد للخوض بها وفي البال أنّها ستكون من كم صفحة حتى يمهّد لها، وهكذا لو كان المزاج لكتابة القصّة يستحضر الكاتب بدايتها وعقدتها وضربة نهايتها، ويدخل بالكتابة وفي باله عدد كلماتها، وكذا الشعر تحضر الفكرة بخصوصها والاستعداد لها بنوع البحر وحرف القافية والمزاج العالي لاختيار المفردات المناسبة، وكل الكتابات حصيلتها أن لا تبقى الورقة البيضاء فارغة غير مسكونة من الحروف التي تعلو من شأنها.

◉ كتابك (حلو الكلام) هو كتاب قيد الطباعة، هل لك أنْ تحدّثنا عنه قبل أنْ يرى النور؟

كتاب {حلو الكلام - 50 مقالًا في الأدب والحكمة}، أودعت فيه خبرة السنين الطوال وفصّلته إلى حلقات وليس فصولًا وربما يكون برنامجًا على القنوات، من يقرأه لا يملّه ولا ينساه، ويرجع إليه بكل حين لينهل من حكمه الجميلة، راعيت فيه مزاج القارئ وجمال اللغة وروعة الحكمة وراحة النفس.. ولكم التفصيل:
1 – مزاج القارئ: فبعد أن كتبت خمس روايات علمت أنّ الرواية عندنا لا تقرأ لكثرة صفحاتها ولانشغال الناس إلّا أصحاب الاختصاص، أو الرواية التي تفوز ويطبّل لها هي التي تقرأ لا غيرها، فحاولت أنْ تكون المقالات في الكتاب قصيرة كل على حدة.
2 – جمال اللغة: نعم لقد علمت بأنّ الأدب سنام الكتابة، يقرأ ويحفّز على الاستمرارية بقراءته دون بعثرة الكلمات وسطحيتها، فحاولت بكتابي أنْ يكون أدبًا جمًا.
3 – روعة الحكمة: ولا غير الحكمة روعة بالكتابة أبدًا، حيث تطرق على السمع ويستوقف عندها وتحفظ وتنقل، فأحببت أن تكون كل حلقة بالكتاب فيها الحكم متتاليات متواصلة حتى ضمّت بالحلقة الواحدة حوالي أربعين حكمة قلّت أو كثرت في سواها، فكأن القارئ وسط بستان ينظر للثمار، ويحتار أن يقطف منها أي ثمرة حكمة وينال لذيذ معناها.
4 – راحة النفس: هي المبتغى فالكاتب إنْ لم يرضِ نفسه بحلاوة ما يكتب كيف سيرضى القارئ ويجعل نفسه هي المقياس على رضى القارئ، فالحقيقة أنا أكتب لنفسي أولًا حتى أتلذذ بحلاوة العبارات والحكم وأتماهى فيها وأصدق القارئ.

◉ وُصف فنّك السردي بـ"جيولوجيا الكتابة" ما الطبقة التي تجد نفسك تكتب منها حاليًا: العاطفة، الفلسفة، أم الذاكرة؟

الذاكرة تزخ علينا مطر الماضي ونختبئ منها عند حضن العاطفة، ونتوسل بحرارة الفلسفة لأجل التّدفئة عندها حتى حين، يا صاح هات ما عندك من موهبة واسكبه على ذاكرة الأيام وسيكتب قلمك ما تشتهيه، كل الكتابات تسيل من عمق اجتهاد كاتبها وذاكرته وخبرته وموهبته، كما تتدفق مياه الأنهار وتروي ما زرع الفلاح بأرضه. كل مناحي الكتابة تنحني في أروقة التجديد وعلو الهمة، وتلثم جبهة الأوراق أنْ لا تستقبل إلّا الإبداع وتمحي ما دونه وتكتفي.

◉ كيف تدمج بين البنية الشعرية والصورة السينمائية دون أنْ يفقد النص توازنه؟ وهل ترى في ذلك خطًا أسلوبيًا خاصًا بك؟

الشاعر عندما يكتب السرد تتفلّت من بين أصابعه مفردات الشعر وفجأة يرى وجوب تماثل القافية بعبارة ما، هذا إذا تأمّل بدون الانكفاء العميق بالسرد، ذلك لأنّ خيال الشاعر فيه موسيقى مرافقة لكلماته، وينسى مرّة عدم الوجوب وسيكون سجَعًا وليس شعرًا ولكن ما عساه ذلك مطلب وغاية الروح أنْ تتقافز بين الكلمات لتنال أحلاها وأجودها.

كتبت النص السينمائي ووجدته قريباً من ساحل الشعر حتى تتكحّل العبارة بأثمد يقوّيها أمام الآخر، فلا غنى للنص من حلاوة العبارة بين أبطاله، وإلّا سيكون كورق الخريف المتساقط ليس بحصاد ولا نفع لأحد. تبقى العبارة الجميلة مطلب كل حوار وكتابة، فالفكرة ستصل والحبكة ستنال قصدها ولكن لحظات المتابعة في دقائق الحدث وشدّ الانتباه وغاية الاستمرار بتكملة المشهد هي التي تنعش المشاهد من حيث المتعة.

◉ حين تكتب سيناريو لفيلم مثل تاج الوطن كيف تتعامل مع مسؤولية تجسيد تضحيات وطنية على الشاشة؟

كتبت ثمانية نصوص سينمائية متفرقة، أنتج منها واحدًا بالدراما وعرض في صالات السينما بالإمارات، وبقيت النصوص الأخرى، ومنها نص فيلم (تاج الوطن) وهو قصة الشهيد الذي ضحى بروحه في سبيل رفعة وطنه، وهي قصة تسقط على واقع الحال. تكفّل أحد المنتجين بإنتاجه بعد قراءة السيناريو وفرح به ليكون خير هدية لذوي الشهداء، ولكن لظروف مادية حالت دون تكملة المشروع، في الفيلم شوق وحنين لحب الوطن ومدى عشقه من قبل أبنائه، ذلك غاية الكاتب القصوى أنْ يمجّد الوطن، حبُّ الوطن عافية وحب لا يشبهه عظيم حب قلوب العذارى لو نبضت بحب حقيقي. الوطن انتماء وهو يعوّض كل أمهات الدنيا فياله من مستودع حنان، الوطن يسري بالدم بترابه وهواه وذكرياته، شهداء الوطن رسموا على الأرض عدد مرّات قربهم من الموت حتى نال بقضاء الله تعالى، وبكت عيوننا عليهم إنّهم مروا قربنا ولم نقبل أقدامهم فهم أكرمنا بالتضحية، الوطن هو سند أبنائه المخلصين ومن لا وطن له لا سند له.

◉ في ديوانك كل البحور الشعرية في مدح خير البرية استخدمت 27 بحرًا، فهل كان هذا تنوعًا فنيًا أم رسالة ضمنية عن حبّك لشخصية النبي صلى الله عليه وسلّم؟

الشاعر مرّات يكتب ويمدح بأعلى صوته، كيف وأنا بحضرة سيد الخلق محمد صلوات ربي وسلامه عليه، فكتبت بعد أربع قصائد بردة منها أنا سأمدحك -شعراً على كل البحور نظامه- وبعد تمعّن لما كتبت استحيت من نفسي أنْ أقول أمدحك على كل البحور ولا أفعل، وقد وفقني ربي ومدحت رسولي بـ27 بحراً (البحور الستة عشر ومعها المجزوء والمخلّع وغيره). وكمل الديوان وطبع على أجمل طبعة.

◉ برأيك هل يمكن استخدام ديوانك (كل البحور الشعرية) في المناهج التربوية لتعريف الأجيال بجماليات اللغة وقيم السيرة النبوية؟

في الديوان وجود كل البحور الشعرية مع ذكر تفعيلاتها، ممكن أنْ يؤخذ من كل قصيدة بضعة أبيات وذكر التفاعيل ويكون كتاباً للمنهج التربوي، وهو بنفس الوقت يتكلّم عن سيرة رسولنا الكريم، فتكون الأبيات مرتبة مع بعضها وتكون حصّة أدبية شعرية إيمانية مع مراعات اختيار الأبيات، فهناك قصيدة (بردة بني كعب) من 205 أبيات مطولة أعارض بها بردة البوصيري ونهج البردة لأحمد شوقي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها