لُقّبَ بـ"حارس التراث الشعبي المصري"

حوار مع درويش الأسيوطي

حاوره: أشرف ياسين


لقبوه بحارس التراث الشعبي وابن الشفاهية، والأب الروحي لأدباء وشعراء الصعيد.. إنه درويش الأسيوطي.. الشاعر الكبير والكنز الأدبي الثمين الذي لا يقدر بمال؛ لذا عندما فاز بجائزة الدولة التشجيعية في الشعر، ووسام الفنون من الطبقة الأولى عام 1997 أضاف هو إليها وليس العكس، وكذلك الحال بالنسبة لباقي الجوائز خلال مشواره مع الشعر والأدب والتأليف المسرحي والحفاظ على التراث، حيث ألف عشرات الكتب والدواوين الشعرية، و51 مسرحية خلال سبعين عاماً من العطاء، عكف منها 18 عاماً لإصدار أول معجم للألفاظ الشعبية في الوطن العربي بأسره، وهو قيد النشر بمطبوعات (معهد التراث) بالشارقة، كما أن كتاباته عن المسرح والتراث تدرس في الجامعات المصرية، وهناك عشرات رسائل الدكتوراه التي أعدت عن كنوزه الأدبية. وقد كان لنا معه الحوار الآتي:
 

◆ لماذا لقبك الكثيرون بحارس التراث الشعبي؟

ربما لاهتمامي بالتراث الشعبي ودراسة وجمعاً.. ففي مجال الشعر يستطيع أي دارس لأشعاري أن يتبين عمق الرافد التراثي في قصائدي، أما في مجال المسرح فالتأثر أوضح. فقد وثقت في مقدمة كتابي (من فصول أبو عجور) أن المسرح الشعبي المصري لم ينقطع في أي مرحلة، وأن شخصية أبو عجور كانت تقدم بها فصول مسرحية في الأفراح. بل إني استخدمت شخصية أبو عجور التراثية في كثير من أعمالي المسرحية، ومن أهم مسرحياتي التي استخدمت فيها الشخصية التراثية (عرس كليب، وأبو عجور سلطان حاير، وكيد البسوس، ويا وزير وغيرها.. بل ومزجت بين (الباروديا المسرحية)، والتراث في كثير من تلك الأعمال.

أما الدراسات التراثية فأعتقد أنها إضافة ربما تكون هامة إلى عملية الجمع والتأويل.. وقد صدر لي (8) كتب، وهناك (8) كتب أخرى لم تطبع بعد. وقد أصدرت كتاباً دفاعاً عن "الأغاني الشعبية في صعيد مصر"، الذي تعرض للعدوان والسرقة والتأويل بجهل على يد بعض من يدعون الحفاظ على التراث الشعبي.

وما أعده الإنجاز المتفرد لي في هذا المجال، أنني عكفت 18 سنة على إعداد (معجم الأسيوطي للألفاظ الشعبية)، وهو أول معجم للألفاظ الشعبية ربما في الوطن العربي كله، وهو قيد النشر بمطبوعات (معهد التراث) بالشارقة المعطاء يحتوي على ما يقرب من أربعين ألف لفظ ودلالة، مستشهداً بالتراث الغنائي الشعبي والأمثال الشعبية.

◆ ما انطباعك عن تكريمك ضمن المشاركة المصرية في أسابيع التراث العالمي بالشارقة؟

أسعدني زيارة سمو الشيخ د. سلطان القاسمي حاكم الشارقة لأسبوع التراث المصري والتقاط الصور التذكارية معه، وتكريمي عام 2016.

◆ حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر ووسام الفنون من الطبقة الأولى عام 1997 هل ترى أن هذا تكريم لمشوارك الثقافي؟

أعتز بحصولي على جائزة الدولة التشجيعية.. بإجماع أصوات اللجنة، لكن هناك قامات شعرية لا أقل عنها قدراً حصلت على جوائز التفوق والجوائز التقديرية، لمجرد قربها المكاني من بعضهم في القاهرة، أو لانتمائها إلى جامعة أو جهة لها حق الترشيح، وهذا الغبن لم يقع علي أنا فقط، بل وعلى أسماء هامة في حقلنا الثقافي.

◆ لك مجموعة من الكتب والدراسات المهتمة بجمع ودراسة التراث الشعبي. ما أهمها وكيف جعلتها بهذا الثراء الثقافي؟

بدأت الإصدارات بـ(لعب العيال)، ثم (من أهازيج المهد)، ثم (أشكال العديد في صعيد مصر)، ثم من (أغاني الفلاحين)، ثم (الفرح الشعبي) في جزأين ثم أغيرا (جنيات الرواية والسطو والتأويل)، وتحت الطبع (طبيخ الصعايدة)، و(معجم الأسيوطي). وهناك مجموعة لم تنشر ما تزال مخطوطة: أشكال الموال الشعبي -المشايخ والقديسون في التراث الشعبي- قراءات في الحكاية الشعبية -ألعاب الصعيد الشعبية- الأمثال الشعبية، مقالات في التراث الشعبي. وأعد الطبعة الثانية المزيدة من (المعجم) في مجلدين أكثر من 1000 صفحة. وأنا أصلاً محب للتراث، ومن عشاقه، وتربيت عليه فهو ليس غريباً علي ولست غريباً عليه.

◆ إنتاجك الأدبي جسد تراث وثقافة المجتمع.. ما تعليقك؟

أنا ابن هذا الوطن، وصنيعة تراثه، فهل من المستغرب أن تأتي إبداعاتي متشربة بتلك الثقافة الوطنية. فكل إناء ينضح بما به.

◆ لا تتاجر بالشعر أبداً إنما تكتب الشعر منحوتاً من قلبك فيصل للناس؟

لا أكتب الشعر إلا مهموماً به، ولا أظنه ترفاً ولا مغنماً، حتى إني لا أحفظ إلا قصيدة أو اثنتين من أشعاري، والشعر أعلى قدراً من أن يتزلف به.
 

◆ لديك في أعمالك وعي كبير بقيمة الإنسان المصري وخاصة الفلاحين في القرى؟

أنا رغم ارتداء زي (الأفنديات) فلاح ابن فلاح، ولا أستطيع أن أكون غير ذلك.

◆ أنت ابن الشفاهية الشعبية لماذا وصفت نفسك بذلك؟

هذا لا أعده وصفاً، بل هو اعتراف بالحقيقة، فأنا لم أقرأ في المكتبات كما فعل الأصدقاء من الأدباء؛ لأنه ببساطة لم يكن في بيتنا ولا في قريتنا مكتبة. ولم أدخل مكتبة إلا في المرحلة الإعدادية، فالتأسيس الثقافي تلقيته على يد أخوالي وأعمامي أبناء القرية، وتعلمت القول من شعرائها وشحاذيها، وعرفت الحكي من نساء (البوابة الكبيرة)، وحفظت عنهن الكثير من الحكايا والأشعار. وحتى اليوم لا أستطيع حفظ الشعر إلا إذا سمعته من غيري.

◆ لماذا تمسكت في الحياة بأسيوط ولم تهاجر للقاهرة مثل أمل دنقل؟

لأني لست أمل دنقل.. هناك عدة عوامل منها الخاص ومنها العام دفعتني للإقامة في أسيوط. ورغم حصولي على المؤهلات الدراسية من القاهرة ومن جامعة عين شمس، ورغم تعييني بقليوب القريبة من القاهرة فضلت الانتقال إلى أسيوط. وأراد الله تعالى أن أشارك في صنع الحركة الثقافية الموازية التي أبعدتنا ولو قليلاً عن الهجرة إلى القاهرة، التي اضطر إليها أمل ومحمود حسن إسماعيل، وفوزي العنتيل وكيلاني سند، وغيرهم ممن عرفنا ومن لم نعرف.

◆ في قصائدك تبدو الهندسة البنائية جلية وبعيدة عن النثر؟

طبعني التراث الشعبي بطابع حدي، فالشعر شعر، والنثر نثر، ولا أفضل أحدهما على الآخر. لكني اعتقدتُ دائماً أن الشعر مادة والقصيدة قالب، فالشعر قد يوجد في قالب القصيدة وقد يوجد في قالب الرواية، واللوحة التشكيلية... لكن لا أستطيع هضم مسمى القصيد النثرية.. أنا أعشق الماغوط وشعره.. لكنه لا يكتب القصيدة رحمه الله.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها