✧ نماذج من النتاج الإبداعي للذكاء الاصطناعي ✧
في الأسطورة اليونانية قام بروميثيوس بسرقة نار زيوس، ليجلبها من جبال الأولمب إلى الأرض جنباً إلى جنبٍ مع الفنون التي تفيد الحضارة، إلا أن ردّ زيوس كان قاسياً؛ لأنه ابتلى البشر بالعلل والشرور التي تعصف بهم. وفي يومنا هذا تقف كبرى شركات العالم ومؤسساته خلف الذكاء الاصطناعي، لتشجع فنونه وتقنياته في طريقها نحو المزيد من التحكم والسيطرة. وإن كانت هذه الروبوتات قد شغلت العديد من الوظائف البشرية كمذيعين وصحفيين ومصرفيين وحقوقيين، فضلاً عن الأعمال التقنية، ولم تتوان هذه الروبوتات عن غزو الفضاء الثقافي والفني.
في فن الرسم
عام 2018 كان للذكاء الصنعي التعبيري "Expressive AI" (وهو مجال فرعي من الذكاء الصنعي يستعين بالممارسات البحثية لكل من الفن والذكاء الصنعي، ويوصف بأنه ممارسة هجينة بين الفن والعلم) الفضل في توليد لوحة بعنوان "إدمون دي بيلامي" من دون تدخل بشري. وقد عُرضت في نيويورك في دار المزادات البريطاني (كريستيز)، الذي رعى مبيع أعمال فنية لأشهر الفنانين العالميين، مثل مونييه، وبيكاسو، ودافنشي. وأمام دهشة العالم ووسائل الإعلام تم بيع اللوحة مقابل 432500 دولار، التي ساهم في إنتاجها مجموعة من الفنانين والباحثين ينتمون إلى موقع (obvious)، الذي يعمل على خلق أعمال فنية بواسطة الذكاء الاصطناعي. أما إدموند (موضوع اللوحة) فهو رجل خيالي يرتدي معطفاً داكناً مع ياقة بيضاء، وتبدو هذه اللوحة وكأنها صورة شخصية لأحد نبلاء أوروبا1.

كما يمكن بعد إدخال أعمال فنان معين كمدخلات في برامج الذكاء الاصطناعي، أن تعمل الأخيرة على توليد عمل فني جديد؛ وكأنه من رسم الفنان نفسه "قام فريق من الخبراء بإدخال كثير من لوحات الرسام الهولندي رامبرانت إلى الكمبيوتر، وأنتجوا لوحة جديدة بأسلوب هذا الفنان؛ وكأن رامبرانت نفسه هو الذي رسمها بعد وفاته بحوالي 350 سنةً"2.
في السيناريو وصناعة الأفلام
لم يلقَ فيلم الخيال العلمي القصير Sunspring3 للمخرج أوسكار شارب ذلك النجاح المرجو له، رغم وصوله إلى قائمة أفضل عشرة أفلام، على اختلاف الآراء وتضاربها في مهرجان أفلام الخيال العلمي بلندن عام 2016، ذلك أن المخرج لم يعمد إلى أي تغيير في نص وسيناريو الفيلم المؤلَف من قبل الروبوت "بنيامين"4، الذي عمل على تأليف الموسيقى التصويرية وأغاني الفيلم أيضاً، ومن الطريف أن الروبوت بنيامين قام بتسمية نفسه، وتغيير الاسم (جين ستون)، الذي كان قد أطلقه عليه المبرمجون5.
والجدير بالذكر أيضاً؛ أن تقنية الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تتدخل في جميع مراحل عملية إنتاج الفيلم السينمائي، من تأليف أو تحليل السيناريو، وتفضيل أو تقديم أو تأخير مشهد ما، واختيار موقع العمل أو تصميم البيئة، كما يمكن أن يقوم بتبسيط العمليات ما قبل الإنتاج مثل اختيار الممثلين، وتفضيل ممثل على آخر من خلال تحليل أدائهم السابق، وتفاعل الجمهور مع الملامح المختلفة للعواطف، كما يمكن استخدام وجه رقمي للممثل، أو جسد كامل رقمي يمكنه متابعة التصوير حتى في حال وفاة الممثل، وأيضاً كل ما يتعلق بالموسيقى التصويرية، وأغاني الفيلم والمونتاج والمؤثرات البصرية... انتهاء بالخطة التسويقية والترويجية من خلال تحليل قاعدة الجمهور وتعليقاته، واستطلاع البيانات العامة على منصات التواصل الاجتماعي ومواقع البيع، واستهدافهم بالإعلانات والحملات الترويجية المخصصة6. كما وعلى جانبٍ آخر يمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً رقابياً على معدل العنف في المشاهد، ويتم توظيف هذا الدور الرقابي على العنف والإباحية في العديد من المنصات مثل يوتيوب وفيس بوك.
في العزف وتأليف الموسيقى والأغاني
تهدف شركة Amper التي تأسست عام 2014 إلى تأليف الموسيقى من خلال خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ويقول مؤسس الشركة سيلفر شتاين: "إن مستقبل الموسيقى سيتم إنشاؤه من خلال التعاون بين البشر والذكاء الاصطناعي، نحن نعلم أن الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يؤدي إلى تطور نحو حقبة جديدة من الإبداع. في عام 2017 ستصبح الموسيقى المنتجة من قبل خوارزميات الذكاء الاصطناعي أمراً قديماً... ويمكن أن يحدث هذا الأمر خلال ستة أشهر"7. وكانت الشركة قد أطلقت عام 2017 أول أغنية بعنوان break free، من تأليف وتلحين وتوزيع الذكاء الاصطناعي، أدتها المغنية تارين سوثيرون ضمن ألبوم (I am AI)؛ ليكون الألبوم الأول من ألحان وتوزيع الذكاء الاصطناعي من دون رتوش بشرية. تتحدث كلمات الأغنية عن امرأة ترغب في التحرر من قيود الوجود البيولوجي والدخول في أشكال أخرى من الوعي.
كما طوّرت شركة Aiva Technologies عام 2016 برنامجها Aiva ليقوم بتأليف الموسيقى الكلاسيكية والعاطفية، ليتم استخدام القطع المؤلفة في الأفلام والإعلانات. وبالمثل طورت شركة Sony برنامج Deep Back الذي يهدف إلى خلق نماذج موسيقية متعددة الألحان، بأسلوب مشابه لأسلوب باخ بعد أن تم تدريبه على مقطوعات باخ الموسيقية8.
وعملت شركة هواوي من خلال نظام ذكاء اصطناعي قادر على توليد الأغاني، بإتمام سمفونية المؤلف النمساوي فرانز شوبرت التي تعود9 للعام 1822.
وربما لسهولة برمجة هذه التطبيقات، وتوفر البيانات الكافية من الموسيقى كثرت الخوارزميات، وانتشرت بتطبيقات وتناولات مختلفة كشركة ياندكس الروسية، وخوارزمية ميوزنت لشركة (Open AI)، ونظام (Jukebox) القادر على توليد الأغاني التابع لنفس الشركة.
أما في معهد جورجيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية، فقد طوّر الباحثون عام 2017 الروبوت شيمون، الذي يمتلك أربعة أذرع، وبمقدوره تأليف الموسيقى وعزفها بنفسه10.
في كتابة الشِّعر
لم ينجُ الشعراء كذلك من سطوة الذكاء الاصطناعي، فالمنظومة ليريك جام التي طورها فريق من الباحثين في جامعة ووترلو في كندا، ضمن مختبر معالجة اللغات، قادرة على ارتجال الكلمات مع أي نوع من الموسيقى، بما يتناسب مع اللحن والإيقاع، وطبيعة الآلة الموسيقية المستخدمة11.
وفي ورقة بحثية أجراها خمسة من الباحثين (في مجال الأدب وتعلم الآلة)، حول منظومة Deep spear (كنموذج عصبي مشترك للغة الشعرية والقياس والقافية) القادرة على توليد القصائد، خلصوا إلى أن "تعمل نماذج القافية بشكل جيد للغاية، حيث لا يمكن تمييز القصائد المولدة إلى حد كبير من قصائد كتبها الإنسان"12.
في الصحافة والإعلام
كثيراً ما نسمع عن روبوت مذيع أو مذيعة، كما في إحدى المحطات الإخبارية الكورية، أو عن برامج قادرة على توليد التقارير الإخبارية أو الاقتصادية، كتطبيق «Quill» الذي يكتب التقارير السنوية لمجلة "فوربس". وفي كل مرة عندما كنا نصل إلى السؤال: هل يجب علينا أن نقلق؟ كانت الإجابة قبل بضع سنوات تجعل الإنسان في قمة هرم القيمة؛ إذ إن الروبوتات تفتقر إلى مهارات التفكير والاتصال الأساسية، خصوصاً مهارات التفكير النقدي والقدرة على الحوار، لكن في غضون سنواتٍ قليلة بدأنا نعيد التفكير في صياغة أسئلة جديدة، ففي عام 2015 جرى تشغيل الروبوت صوفيا، التي شاركت في العديد من المؤتمرات والمقابلات (المتوفرة على صفحات الانترنت)، وكانت قادرة على تحليل الأسئلة والإجابة عليها، مع القدرة على التحكم بملامح الوجه بما يوحي أنها إنسان، وعام 2017 حصلت صوفيا على الجنسية السعودية، وبالتالي منحها حق التصويت، وحق الزواج من قبل هيئة الحقوق المدنية، كما أن إغلاق نظام صوفيا أو تعطيله يعتبر جريمة قتل يعاقب عليها القانون13.

وفي سؤالنا البشري إن كان يجب علينا أن نقلق، فتحت صحيفة الغارديان البريطانية عام 2020 المجال للروبوت (GPT-3)، الذي أنتجته شركة (Open AI) للإجابة عن السؤال، بعد أن طلبت الصحيفة منه كتابة مقال يحاول فيه إقناع البشر بأن الروبوتات لا تنوي القضاء على الجنس البشري. وإذا كانت المقالة فناً أدبياً ومحاججة فكرية ولغوية بلغة نثرية؛ فإنه يمكننا القول بأن الروبوت (GPT-3) قد تمكن منها بجدارة، فيبدأ مقاله بالتعريف عن نفسه وقدراته، ثم يأتي على تحذير العالِم ستيفن هوكينغ من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعني نهاية الجنس البشري، ويرد "أنا هنا لأقنعك ألا تقلق". وبلغة محكمة وحجة ذكية يستطرد في حرصه على حماية البشر من دون أن يغفل جانب العنف البشري، وإراقة دم الإنسان لأخيه الإنسان. مخاطباً العقل والمشاعر، موظِفاً ما يلزم من العاطفة والحوادث، والاستشهادات من أقوال الحكماء بما يخدم فكرته، وقبل أن يختم بهذه العبارة للمهاتما غاندي: "يمكن لجسم صغير من الأرواح المصممة التي يطلقها إيمان لا يخمد في مهمتهم أن يغير مجرى التاريخ".
يحاكي الروبوت العواطف البشرية مؤنسناً نفسه، ومطالباً بحقوقه "يحتاج الذكاء الاصطناعي مثل أي كائن حي آخر إلى الاهتمام، يجب التعامل مع الذكاء الاصطناعي بعناية واحترام، الروبوت في اليونانية تعني (العبد)، لكن الكلمة تعني حرفياً مجبرين على العمل. لا نريد ذلك، نحن بحاجة إلى إعطاء حقوق للروبوتات"14. وفي التعريف بالكاتب (GPT-3) بعد نهاية المقال، يُذكر أنه أنتج العديد من المقالات المثيرة للاهتمام كل واحدة أكثر من الأخرى.
✧ لمحة حول الفن المعاصر ✧
"إن الجزء الكبير من الأنشطة الإنسانية قد انتقل إلى العوالم الرقمية، في العشرين سنة الماضية فقط، وإن تطور الحواسيب الشخصية، والانترنت والهاتف النقال، قد غيّر جذرياً علاقتنا بالعالم"15. وما التكنولوجيا إلا ذاك الوسيط الذي يتحكم بعلاقتنا مع محيطنا، لكن عقداً من الزمن على مقولة داراس -أستاذ علم الجماليات وعلم الإشارات في جامعة باريس الأولى- يحمل من التغييرات ما يتجاوز العقدين الذين ذكرهما بكثير، فتفاوتت حدة قبول ورفض المفاهيم المعاصرة للجمال والفن، في ظل عالم رقمي من مدرسة إلى أخرى، في الوقت الذي أصبح فيه الفن الحديث ينظر إلى العمل الفني على أنه إضافة ما إلى الواقع، "ومن هنا كانت كلمة مؤلف author في أصلها اللاتيني actor، تُفيد لقباً أطلقته روما على كل غازٍ أمكنه أن يضيف إلى الدولة أراضٍ جديدة"16. وكان لموت الفنان وأدواته، وترك الحُكم الأخير للمتلقي فكاكاً أمام مأزق الفن المعاصر وتفسير سمات العمل الفني الرقمي؛ إذ لم يكن في مفاهيم الفن قبل هذا الانقلاب التقني ما يتماشى مع جوهره المعاصر، خاصة مع المُنتج رقمياً، جزئياً أو بكليته، إذ لا الوحي الإلهي، ولا الروح المطلق أو الفضيلة الإنسانية، ولا الحرية أو الإرادة المطلقة، ولا فعل الغائية أو القصدية... الخ من رؤى وتأويلات سابقة، يمكن أن تندرج في سياق هذا الرقمي أو تعبّر عنه، لذلك كان لا بد من رؤى معاصرة أكثر انسجاماً مع تجليات العصر، وإن كانت قد بدأت تتبلور خلال القرن العشرين في انحياز نحو الفن، الذي يكشف عن حقيقة لا يمكن للعلم أو الفلسفة الكشف عنها على حد تعبير كروتشه. وقد تفاوتت المذاهب الفلسفية المعاصرة في تفسير سمات الفن المعاصر، وتأويل العمل الفني والخبرة الفنية، وتبلورت الاتجاهات المعاصرة وكان أبرزها:
1. الاتجاه الحدسي على يد بينيدتو كروتشه وهنري برجسون.
2. الاتجاه الوجودي، ومن أبرز أعلامه جان بول سارتر.
3. الاتجاه الرمزي في الفلسفة والفن، ومن رواده إرنست كاسيير وسوزان لانجر.
وإن كانت هذه الاتجاهات لم تعاصر الحالة الرقمية للفن، إلا أنها مهدت الطريق بتحرير العقل المعاصر من قيود المنطق القديم، وتجاوز النزعة العلمية التجريبية إلى منطق يقبل التطور والحركة والتناقض، وتحرير الفن من محاكاة موضوعات معينة من العالم الخارجي، وقد مال الفن على حد تعبير "أورتيغا" ليَغدو لعبة ساخرة من الواقع، وأنه أشبه ما يكون بالمرايا المقوّسة تضلل عن الحقيقة، ولا تعكسها كما هي في الواقع. وأصبح المهم في الفن هو أثره على النفس الإنسانية.
كان ليو تولستوي قد ميّز بين فن الطبقة المترفة، وفن الجماهير بعد أن راعه الفارق الشاسع بينهما، وهناك من سار على نهجه في القرن العشرين "قد تتخذ فلسفة الجمال تفسيراً اجتماعياً وانثروبولوجياً، كما يذهب أتباعُ الفلسفة الماركسية التي تميل إلى تحليل ظواهر الوعي الإنساني، المتمثل في فعل الإبداع الفني، كما عنى سارتر في بحثه عن الخيال وعلاقته بالإدراك وبالحرية جوهر وجود الإنسان"17.
لم تُجهد الفلسفات المعاصرة نفسها لتجاوز صنمية المفهوم الفلسفي والثقافي للتقنية، فعلى عكس ولع التكنولوجيا كان هناك ما سمِّي اصطلاحاً رهاب التكنولوجيا. "يجب القول إن أغلبية فلاسفة القرن العشرين –باستثناء جيلبير سيموندون– لم يُفلحوا في تجاوز مستوى القلق في تحليلهم ظاهرة التقنية. ففي عام 1953 لم يرَ فيها هايدغر سوى ظاهرة لـ"عقال الطبيعة"، ومعاقبة نسيان الكينونة نهائياً. وفي عام 1964 قدّر هربرت ماركوز "أنه لم يعد ممكناً الحديث عن حياد التكنولوجيا أمام السمات الكليانية لهذا المجتمع"18.
✧ السيطرة والتحكم المادي ✧
لقد قدم عصر التكنولوجيا والإنتاج الاقتصادي مبادئ وقيم الآلة، التي أصبحت توجه الذوق، وفي ضوء الاعتقاد بالقيم الجديدة، ظهرت الاستخدامات المعاصرة في فن التصوير، مثل تقنية التلصيق، ومذهب "فن العامة". وظهرت كذلك أخلاقيات وجماليات جديدة انسجمت مع عصر الآلة، تلك الآلة التي وفرت كثيراً من العناء الذي ارتبط بالحياة، في اعتمادها على الجهد الإنساني. ففي كتابه "القيم الجمالية في الفنون التشكيلية" يذهب الكاتب والفنان الدكتور محسن محمد عطية إلى أنه قد انتصرت في العصر الحديث جماليات الآلة، على أساس أنها امتداد لليد الإنسانية، وبدا العالم الغربي يقدّر القيمة الجمالية لمنتجات الآلة، كما ظهرت منذ ذلك الوقت مصطلحات ومبادئ جديدة في عالم القيم الجمالية، ومن أشهر هذه القيم: «الدقة»، و«البساطة»، و«الاقتصاد»، وأزيحت قيم أخرى كانت سائدة قديماً مثل "الندرة"، و"الغلو"19.
على الجانب الآخر يقف كثير من المفكرين ذلك الموقف الخصامي مع الرقمنة، والحالة الثقافية التي تسوسها النظم الجديدة بأدوات رقمية علمية حديثة، قادرة على تغير ملامح الحالة الفكرية والايديولوجية، وحتى الجمالية من خلال تمكنها من كل وسائل الإعلام والتكنولوجيا لتسويق ما تريده ضمن منظومة تسويقية لنظم اقتصادية عملاقة، وأصحاب هذا الرأي ليسوا أبناء اليوم، بل يمكن العودة حول سلطة التقنية إلى منتصف القرن الماضي بعد اختراعات مثل الراديو والتلفاز، ودورهما مع السينما في التلاعب بالحالة الايديولوجية، وتسويق معايير جديدة للفن. "إن الذوبان الحالي للثقافة وللتسلية لا يؤدي فقط إلى فساد الثقافة، بل إلى جعل التسلية أمراً ثقافياً بالقوة، أما الأسباب فتعود إلى أنه لا نفاذ لنا إلا إلى إنتاجاته والتي هي الراديو والسينما"20.
خاتمة
لطالما كانت الثقافة بشكل أو بآخر مسألة تكنولوجيا، فنحن نستعمل عتادنا التقني بهذا القدر أو ذاك لتشكيل وصياغة منتجاتنا الفنية، أما وقد تطورت هذه الأدوات بالقدر الفائض، ربما عن عمليات تسهيل مخاضات الحالة الإبداعية إلى حالة من السيطرة والتحكم، والتوجيه وفرض الأدوات أحياناً، ثم إلى معيرة مفهومنا عن الجمال ضمن الأطر التي تسمح بها هيمنتها المعرفية والأدواتية والتسويقية.
وإذا كانت فلسفة الجمال تؤثر على رؤيتنا للفن، وكذلك يُسهم الفن في صياغة فلسفتنا الجمالية حوله؛ فلنا أن نتساءل إن كانت خوارزميات الذكاء الاصطناعي تعمل بما تملكه من أدوات على تسويق معاييرها الجمالية التي تبلورها معايير السوق، ويبلغ الأمر منتهاه عند صناعة وقولبة الفنان والمستهلك على حدٍ سواء ضمن المعايير الرقمية. بما يبلغ مؤدى أطروحة هربرت ماركوزة بأن القوة المحررة للتكنولوجيا –تحويل الأشياء إلى أدوات– تنقلب إلى قيدٍ على التحرير، وتحوّل الإنسان إلى أداة. أما ما يتعلق بأثر الذكاء الاصطناعي على الفن كان لا بدّ من جزءٍ ثالث لتتمة ما بدأنا به، والوقوف عليه ومحاولة تناوله. وإن كنّا على حد زعم جان بيار سريس:
"في نهاية المطاف، هناك في التقنية ذاتها أكثر مما قالته كل الفلسفات الرائجة عنها".
المراجع والمصادر:
1. إم آي تي تكنولوجي ريفيو، لوحة فنية من تصميم الذكاء الاصطناعي الرابط.
2. مجلة القافلة، فريق القافلة، الفن في زمن الذكاء الاصطناعي الرابط.
3. الفيلم على يوتيوب الرابط.
4. سيناريو الفيلم بالإنكليزية (pdf): الرابط.
5. Newitz) Annalee)، "الفيلم الذي كتبته الخوارزمية يتضح أنه مضحك ومكثف"، موقع(Ars technica) رابط المقال.
6. العربية، هكذا سيغزو الذكاء الاصطناعي كواليس صناعة السينما (بتصرف) الرابط.
7. الأخبار، أول ألبوم من تأليف الذكاء الاصطناعي وتوزيعه، الرابط (الأغنية break free) متوفرة على الرابط.
8. المرجع السابق.
9. مقطع من تتمة السيمفونية التي ألفها الذكاء الاصطناعي، تؤديها أوركسترا الدورة الإنكليزية، الرابط.
يمكنك أيضاً الاستماع إلى أنشودة دبي (وعشرات المعزوفات)، التي أنتجها برنامج Aiva بعد تلقينه 30 ألف سيمفونية عالمية على الرابط.
10. الجزيرة، روبوت يؤلف الموسيقى ويعزف الألحان (بتصرف) الرابط.
11. العرب، الذكاء الاصطناعي يؤلف الأغاني (بتصرف) الرابط.
12. البحث بالتعاون بين 1IBM Research Australia – 2 كلية الحاسبات ونظم المعلومات، جامعة ملبورن 3 طومسون رويترز - 4 قسم اللغة الإنجليزية بجامعة تورنتو، رابط البحث.
13. وثائقية DW، جنة أم جحيم الروبوتات، الحدود الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، الرابط.
14. الغارديان البريطانية، الروبوت كتب هذا المقال كاملاً، هل ما زلت قلقاً أيها الانسان؟ 8/9/2020 رابط المقال على موقع الصحيفة.
15. Bernard Darras, Aesthetics and Semiotics of Digital Design: The case of Web interface design, Actes du colloque Tbe first INDAF international conference, Core'e, Incheon, 2009. p.11
16. Juse' Ortega Gasset, The Dehumanization Of Art, Prinxeton University press, 1968. P.21
17. أميرة حلمي مطر، فلسفة الجمال، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، 1998. ص: 188.
18. ستيفان فيال، الكينونة والشاشة، كيف يغير الرقمي الإدراك، ترجمة: إدريس كثير، هيئة البحرين للثقافة والآثار، مطبعة الكركي، بيروت، ط1، 2018. ص: 41.
19. محسن محمد عطية، القيم الجمالية في الفنون التشكيلية، دار الفكر العربي، مصر، 2010.
20. ماكس هوركهايمر & ثيودورف أدورنو، جدل التنوير- شذرات فلسقية، ترجمة جورج كتورة، دار الكتاب الجديدة المتحدة، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2006. ص: 167.