الحديث عن العلاقة بين المشرق والمغرب يقتضي البحث عن عوامل التواصل الثقافي المغربي المشرقي، ومن ثمة البحث عن المؤثرات الثقافية الحضارية المشرقية، ومدى تفاعل الثقافة المحلية مع هذه المؤثرات؛ إذْ إن تفاعل هذه الثقافة مع ثقافة المشرق كان مطلباً ضرورياً وأمراً طبيعياً، وذلك يعود إلى "عوامـل البيئة المغربية التي كانت تنطبع بالطابع الـعربي وإلى الذوقين المتقاربين"1، ثم إلى الروابط المتينة التي وجدت بين منبع الإسلام والمغرب، ذلك أن المغاربة كانوا شديدي الإعجاب بالمشرق فهو مهد ثقافتهم العربية والمصدر الأول لأدبهم، فهم يتطلعون باستمرار إلى ما يعمل في ساحته الفكرية الأدبية وإلى كل ما يظهر من رجالاته، ومما يسـبقون إليه من مجالات الفكر والإبداع2.
ومن نافلة القول؛ ونحن نروم البحث عن عوامل التواصل، الوقوف عند أهمها:
عامل تاريخي.. الفتوحات:
ثمة عوامل تاريخية عملت على ترسيخ العلاقات بين المشرق والمغرب، وتتمثل في الفتوحات الإسلامية في بلاد المغرب، وتذكر كتب التاريخ أنه عندما تم فتح المغرب على مرحلتين سنة 62ه (الفتح الأول)، ثم سنة 86ه (الفتح الثاني)، انتدب القواد العرب وعلى رأسهم موسى بن نصير عدداً كبيراً من الفقهاء والعلماء والأدباء للذهاب إلى المغرب، قصد تعليم البرابرة اللغة العربية وتعاليم الإسلام الحنيف، فأسهم ذلك في انتشار اللغة العربية سريعاً، وتأثر البرابرة بالتقاليد العربية العريقة.
ترسخت العلاقة المشرقية المغربية زمن عبد الرحمن الداخل حينما لجأ إلى المغرب، حيث كان به أخواله وأخوال أبي جعفر المنصور، فمكث عبد الرحمن عندهم وتردد على طنجة كثيراً، واستقر بعد ذلك بالمزمة من الريف، حيث كان أخواله من نفزة كذلك، ومن هناك كان يجري الاتصالات بالأندلس. فلما سنحت له الفرصة تمكن من بسط سلطانه وإقامة عرش الدولة الأموية التي قدر لها أن تعيش بالأندلس. وازدادت لحمة التواصل أكثر مع مجيء المولى إدريس الأول المؤسس الأول للدولة الإدريسية الذي تلقاه البرابرة بحفاوة كبيرة وجعلوه خليفة عليهم. ثم استمرت أواصر العلاقات الثقافية والسياسية بين المشرق والمغرب زمن المرابطين، عندما كان الخليفة عبد المؤمن يعتبر نفسه امتداداً لخليفة المسلمين بالمشرق العباسي، وستستمر أواصر التواصل التاريخي بين القطرين زمن المرينيين؛ فقد مدوا "أيديهم إلى المشرق، فبعثوا برسلهم إلى ملوك مصر، وهم يرومون بذلك كسب المهابة والتقدير. فقد كان للشرق في نفوس المغاربة مكانة عظيمة، وهكذا نجدهم يتحفون بعض ملوك مصر من الممالك بالهدايا النفيسة، بل وجدناهم يبالغون في اختيار النفيس من كل شيء لإرساله إلى أولئك الملوك"3، ولعل أهم حدث تاريخي يسجله هذا العصر هو استقدام المغاربة إلى سجلماسة لأشهر شخصية مشرقية والمقصود بها هنا الحسن الداخل، الذي أسهم في تغيير مسار التاريخ السياسي المغربي.
رحلة الحسن الداخل نحو المغرب:
إن عوامل التواصل بين الثقافتين المشرقية والمغربية متعددة الجوانب ومترامية الأطراف، ولعل محاولة حصرها سيكون ضرباً من المحال لذلك وقفنا عند بعضها، غير أن ما يلفت النظر في التواصل الثقافي المغربي والمشرقي زمن المرينيين، هو حلول شخصية الحسن الداخل بالمغرب، فما هي أبعاد هذه الرحلة؟ وما مدى انعكاسها على الحركة الفكرية والأدبية والبلاغية والتجارية في هذه الفترة؟
أ- البعد السياسي:
قد تكون من هذه الأسباب أسباباً سياسيةً تتجه نحو تكوين دولة حسنية على غرار دولة الأدارسة، وذلك غير مستبعد بحكم الشعبية الكبيرة التي أضحت لآل البيت في المغرب، وطابع القدسية التي يتمتع بها الأشراف، مما يفسر هذا الطرح هو تقريب السلاطين لفئة الشرفاء، وتقديم يد المساعدة لهم وإغداقهم بالهدايا والتبرك بهم في المواسم والاحتفالات الدينية، كالاحتفال بالمولد النبوي، كل ذلك يدخل في إطار التوظيف الديني لأجل السياسي. وما يعضد هذا الطرح هو سياسة القمع والقتل والتعذيب والتهجير التي تعرض لها الأشراف العلويون والحسنيون من طرف السلطتين الأموية والعباسية، فضلاً عن الاضطرابات الداخلية التي عرفها الأشراف الحسنيون المتمثلة في الصراع بين الأسر الينبعية الحسنية، حيث كان الصراع على أشده بين أسر بني نُمي وبني قتادة، وإلى هذا الوضع المتأزم يشير مؤرخ أشراف الحجاز عاتق بن غيث البلادي:
"في التاسع عشر من ربيع الآخر سنة خمس وسبعين، يعني وستمائة، كانت وقعة بين أبي نُمي صاحب مكة وجماز بن شيحة صاحب المدينة، وإدريس ابن حسن بن قتادة، فظهر عليهما أبو نُمي، وأسر إدريس، وهرب جماز، وكانت الوقعة في مر الظهران، وكان عدة من مع أبي نُمي مائتي فارس، وثمانين راجلاً، ومع إدريس وجماز، مائتين وخمسة عشر فارساً، وستمائة راجل... وهذا الخبر يقتضي أن الذي حارب أبا نُمي في هذا التاريخ؛ أي 675 ﻫ، مع جماز، إدريس بن الحسن صاحب ينبع، والظاهر أنه غانم بن إدريس بن حسن...»4. فأمام هذه الاضطرابات التي عرفتها الحجاز في القرن السابع الهجري كانت الرغبة ملحة من طرف الأشراف الحسنيين في تكوين دولة خارج الجزيرة العربية، ولعل هذا الطرح يجد تفسيره في الظروف السياسية المشابهة التي خرج فيها المولى إدريس نحو المغرب هارباً من بطش العباسيين، وفرار أيضاً عبد الرحمان الداخل (113-172ه) هو الآخر بعدما حلت النكبة ببني أمية منتقلا إلى المغرب، وبعدها إلى الأندلس (137ه)، وجمع حوله أنصار بني أمية الشيء الذي ساعده على تكوين دولة في الأندلس بتعاطف أهلها مع أهل البيت. ونتساءل مع الأستاذ مولاي هاشم العلوي حول الأهداف التي دفعت الحسن التخلي عن موطنه وعشيرة وأسرته، والذهاب بعيداً عن موطنه نحو الغربة، هل كان ذلك لمقاصد دينية روحية (للتبرك والدعاء والخصب والنماء)؟ وهذا الذي يفهم من كثير المصادر التي أرخت للفترة (ابن خلدون الدرر البهية....)، قد تكون هذه المقصدية الشجرة التي تخفي الغابة والغاية التي تخفي غايات أخرى أعمق من البركة والتبرك، ولو كان الأمر كذلك لما طال المقام به إلى أن أدركته المنية، ولما كان أوصى بنيه بالمكوث في سجلماسة، وما كان اختياره لمصاهرة أشهر قبيلة (المنزارية أو أولاد المنزاري)، تتمتع بالشعبية والجاه والقوة والمروءة إلا دليلا يقوم على أن الشريف كانت له رؤية ثاقبة ونوايا سياسية.
إن رحلة أبي إبراهيم السجلماسي رئيس بعثة الحج إلى ينبع، وعقد لقاءات ومشاورات بينه وبين القاسم جد الحسن الداخل لم تكن بريئة فهي الأخرى تحمل أكثر من دلالة، "خاصة إذا نظرنا إلى دور الرحلات الحجية في التاريخ السياسي المغربي، ودورها في الدعوات السياسية وقيام الدول في بلاد المغرب عموماً"5، خصوصا وأن ثمة تجارب سابقة في هذا الإطار. ولم يغب عن نظر السجلماسي وهو الداهية الذي يترأس الحجيج، وقد اجتمع له من صفات الرئاسة ما تفرق في غيره، فقد قرأ وضع إمارة سجلماسة التاريخي والسياسي والصراعات التي يعرفها المغرب آنذاك بين بني مرين وبني عبد الوادي، وبينهم وبين بقايا الموحدين من جهة أخرى للسيطرة على الإمارة. فضلا عن الاضطرابات والانتفاضات والصراعات القبلية التي تعرفها الإمارة بين القبائل البربرية صنهاجة وزناتة. المستوطنة قديماً، والعناصر العربية الوافدة كقبائل بني معقل وبني هلال. وأمام هذا الاحتقان الاجتماعي والاختلاف القبلي الإيديولوجي فإن الرجل كان يبحث عن بديل سياسي تنصهر عنده هذه الأجناس في بوتقة واحدة. يكون منطلقه سجلماسة وليس صنهاجة أو زناتة، ولعل دهاء الرجل السياسي هو ما دفعه لأن يلعب دور المصالحة والوساطة بين القبائل المتناحرة التي كانت تسعى لاستغلال النفوذ والتفرد بالطرق التجارية، وقد استغل وضعه الاعتباري وانتماءه الشريف للظهور على مسرح الأحداث، مظهر الرجل المصلح الذي تتحاكم إليه القبائل وتنضبط لتشريعه، لاسيما وأن الرجل في سن يؤهله لهذا المقام، ولا شك أن الدور الذي لعبه في هذه الفترة سيمهد الطريق لأبنائه وحفدته فيما بعد لتوحيد القبائل والهيمنة على الحكم. ثم قرأ الوضع الثقافي والاقتصادي للإمارة فرأى في استقدام آل البيت عاملا مهما في تحريك عجلة الاقتصاد، بعدما أصبحت أنظار القوافل الإفريقية جنوب الصحراء تتجه صوب المشرق، وأصبحت سوق سجلماسة العامرة آيلة لفقدان الزعامة لصالح أسواق مشرقية بديلة، ثم قرأ الوضع الثقافي فرأى في مجيء الحسن الداخل - العالم والفقيه والبلاغي، استحضار معلمة تتجمع حوله العلماء والفقهاء والشعراء في سجلماسة عكاظ المغرب. وقد نجح أبو إبراهيم بهذا العمل في استقطاب العديد من العلماء من كل بلاد الغرب ومن المشرق الإسلاميين الذين أثروا فضاءات المجالس العلمية واللغوية والبلاغية بسجلماسة.
ومهما يكن من مقصدية للحسن الداخل؛ فإنه نجح في المشروع السياسي الذي خطط له على المدى البعيد؛ فالبركة التي استقدم من أجلها والغرس الذي وضعه في تربة سجلماسية سوف يؤتي حصاده بعد حين من الزمن مع تأسيس الدولة العلوية، ولعل هذه هي المقصدية العليا، توظيف الديني لأجل السياسي وتوظيف البركة لأجل الدنيا. وتلك رؤية ثاقبة خطط لها رئيس ركب الحاج إبراهيم السجلماسي، وعشيرة الحسن الداخل في سرية تامة، أثمرت فيما بعد بركة عمت سجلماسة وباقي مناطق المغرب.
ب- البعد العلمي:
عرفت الحياة العلمية نشاطاً منقطع النظير بسجلماسة في هذه الفترة، وأصبحت منارة وقبلة للمتعلمين وعكاظ العلماء والفقهاء والأدباء، وهذا ما يفسره كثير من المؤرخين في مقدمتهم صاحب الدرر الباهية الذي قدم صورة ناصعة عن الوضع العلمي للمدينة زمن الداخل بقوله "وقد حل مدينتها العظمى السيد الحسن القادم وهي في نهاية عمارتها، ودرس العلوم بمسجدها الأعظم إلى أن توفي بها على الصحيح سنة ست وسبعين بموحدة وستمائة، ولم تزل مشحونة بالعلماء والصالحين. منهم الدقاق والقطان، وأبو القاسم الغازي وشيخه أحمد بن عبد الله، وذلك قبل نزول الأشراف بها، وأما بعد حلولهم بها فلا تجد قصراً من قصورها ولا مدينة من مدنها ولا قرية من قراها إلا وفيه من العلماء والصلحاء وأهل الفضل وطلبة العلم والقراء ما لا يحصى كثرة، والغالب على أهلها التواضع والسكينة والوقار وطلب العلم والأدب، ولهم اليد الطولى في تجويد القرآن الكريم ومخارج الحروف، وقراءة الروايات السبع إلى ما بعده والتفنن في سائر العلوم، أما فقه وأحكام القضاء فلا يجاريهم أحد فيه ولا يباريهم، حتى كانت القضايا ترفع إليهم في سائر أقطار المغرب، وكانت ولا زالت بها بيوت عظيمة مشهورة بالولاية والعلم الديني"6.
هذا النص وغيره من النصوص توضح واقع الحياة العلمية قبل مجيء الفقيه والعالم والبلاغي الحسن الداخل، والدور الذي لعبه هذا الأخير في خلق منارة علمية من خلال المجالس العلمية التي كان يعقدها في مسجدها الجامع والدروس العلمية المختلفة على وجه الخصوص علم البيان، وقد اجتمع له من طلبة العلم وفقهاء وعلماء العصر، الوافدين عليه من مختلف البقاع، الشيء الذي مهد الطريق لسجلماسة وتافيلات؛ لأن تصبحا منطقتا جذب ثقافي وعلمي وصلة وصل بين مختلف التيارات الفكرية والمذهبية (شيعية وإباضية ومالكية وخارجية...). الداخلية والخارجية.
بل إن المغرب في هذه الفترة أصبح يزود المشرق بالعلماء والفقهاء والقضاة؛ وفي هذا الإطار يشير بركات7 إلى ظاهرة امتاز بها العصر المريني تتمثل في تزويده المشرق ولاسيما الشام بعدد كبير من القضاة والفقهاء المالكية، حيت استقروا هناك طلاباً أو أساتذة في البداية، وقد زودنا ابن العماد بأسماء عدد كبير من هؤلاء كبرهان الدين إبراهيم الصنهاجي 796ه، وبدر الدين الغماري وكلاهما قضى بدمشق، وأحمد بن يعقوب الغماري قاضي حماه796هـ، وهناك ظاهرة أخرى لعلها أكثر أهمية وهي أن عدداً كبيراً من هؤلاء القضاة والفقهاء ينتمون إلى غماره.
لقد وضع هذا العالم اللبنات الأولى لمدرسة بلاغية –إذا سلمنا بأنه أول من أدخل علم البيان إلى المغرب كما تذكر كتب التاريخ8، وهي المدرسة التي ستعرف إشعاعاً كبيراً مع الفقيه البلاغي أبو القاسم السجلماسي9. الذي يصرح في مقدمة كتابه "المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع" عن هذا التوجه بقوله: "فقصدنا في هذا الكتاب الملقب بكتاب المنزع البديع إحصاء قوانين أساليب النظوم التي تشمل عليه الصناعة الموضوعة لعلم البيان وأساليب البديع وتجنيسها في التصنيف، وترتيب أجزاء الصناعة في التأليف الكلية، وتجريدها من المواد الجزئية بقدر الطاقة وجهد الاستطاعة، والله تعالى ولي التسديد، والكفيل بالتأييد".
وبهذا يكون السجلماسي قد أسهم إلى جانب الحسن الداخل في تنشيط الدرس البلاغي بسجلماسة خاصة وبالمغرب عامة، إلى جانب صنيع كل من ابن البناء المراكشي في "الروض المريع"، وأبو القاسم الثعالبي "أنوار التجلي على ما تضمنته قصيدة الحلي" في تأصيل المصطلح البلاغي وتحديد الأجناس البلاغية زمن المرينيين. كما نشطت الحركة الأدبية والشعرية بسجلماسة في هذه الفترة بدخول مجموعة من الأدباء في طليعتهم عبد المهين الحضرمي أشهر شخصية أدبية بالمغرب المريني الذي استقر فترة من الزمن بسجلماسة.
ج- البعد الاقتصادي:
مما لا شك فيه أن سجلماسة بحكم موقعها الاستراتيجي لعبت دوراً اقتصادياً وتجارياً مهماً عبر التاريخ؛ إذْ أصبحت شبكة للقوافل التجارية القادمة من السودان، ومحطة تجارية للقوافل القادمة من شمال وشرق المغرب تجاه تيمبكتو، لذلك كانت ضمن أكبر الأسواق التجارية في الغرب الإسلامي، ولم تخمد جذوة القوافل التجارية إلا بعد نهاية القرن الثامن الهجري. وقد أسهم الحسن الداخل بحكم القوة الروحية والدينة التي كان يتمتع بها، وبحكم الوساطة التي كان يقوم بها بين القبائل والتي أعطت أكلها لاستتباب الأمن، في انتعاش الحركة التجارية التي كانت تعرف بين الفترة والأخرى توقف عجلتها بسبب الصراع بين المعقليين والقبائل الأخرى على التحكم في الطرق التجارية المؤدية من وإلى سجلماسة.
إن الانتعاش الذي عرفته التجارة صاحبه انتعاش مواز في الفلاحة بفضل كرامات الحسن الداخل؛ فجل المصادر التي أرخت لقدومه، وحددت المقاصد الكبرى لهذا المجيء كانت تشير إلى أن المنطقة أصابها الجفاف، وهو ما يفهم من قول الدرر البهية وهو بصدد ذكر الأسباب الرئيسة الباعثة لقدومه "وأيضاً فمن الأسباب الباعثة لأهل سجلماسة على ولوج هذا الباب، ورغبتهم في هذا الجانب هو أن بلادهم كانت غالباً لا تصلح بها الثمار، ولم يعلموا لذلك سراً من أسرار، ورأوا أن ذلك من خلو بلادهم من الأشراف الأحرار، فحقق الله رجاءهم ونور أرجاءهم، ولا تسل عما وقع لهذا السيد في وجهته من الكرامات والأسرار والعلامات، شهد بذلك جميع من سايره... دعا لها ولأهلها بالنجاح والصلاح، وقال اللهم أنجح ثمارها واجر أنهارها، وزدها من البركة أضعافاً، ومن الخيرات أصنافاً ولأهلها إذعاناً للحق وإنصافاً، فاستجاب المولى سبحانه له فيما نواه وأمله، ولم يزل ذلك كذلك بحول الله حتى يبلغ الكتاب أجله، فحلها حلول الغيث زمن المحل وقد تلقاه أهلها بالرحب والسهل، فصلحت أثمارها وتضاعفت بركاتها، وارتفعت عنها علتها..."10. إلى درجة أن ابن بطوطة -وهو شاهد عيان- انبهر لما شاهده وعاينه من خيرات وبركات، يقول في هذا الإطار: "ليس مدينة في الدنيا أفضل منها لما أعطيت من البركة في الثمار، والزرع، وأهلها يزرعون الزرع ويحصدونه ويتركون جذوره قائمة فإذا وسمه الماء نبت ثاني مرة وثالث مرة من غير بذر، قلت: ويشهد لهذا ما حدثنا به والدنا رحمه الله أنه زرع مدا من ذرة في بعض أنحائها، فحمل منه أربعة عشر وسقاً وهذا شيء غريب يصل واصفه إلى حد التكذيب؛ إذْ قلما يوجد هذا في أرض من معمور الدنيا، وقد حل مدينتها العظمى السيد الحسن القادم وهي في نهاية عمارتها"11.
وخلاصة القول؛ إن حلول شخصية الحسن الداخل بالمغرب قد شكل تحولا كبيراً في مسار العلاقة التواصلية بين المشرق والمغرب خلال القرن السابع الهجري، وحدثاً تاريخياً سيغير مجرى تاريخ المغرب من حيث كان يدري أو لا يدري، ومهما كانت طبيعة الدوافع التي حملت الحسن الداخل إلى المجيء إلى سجلماسة والاستقرار بها ومفارقة الأهل والعشيرة ومرابع الصبا؛ فقد تحققت نبوءة الأشراف الحسنيين في الإعداد لوضع اللبنات الأولى لتأسيس الدولة العلوية فيما بعد.
المصادر والمراجع:
◅ إبراهيم بركات، المغرب عبر التاريخ، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 1987.
◅ابن الأبار، المقتضب من تحفة القادم، تح: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري، القاهرة، 1982 ص: 184. إبراهيم بوتشيش، العلاقات الثقافية بين عمان وبلاد المغرب، مقال بالمجلة العربية للعلوم الإنسانية العدد 70، مجلس النشر العلمي جامعة الكويت 2000.
◅ ابن سلام، الإسلام وتاريخه من وجهة نظر إباضية، تحقيق شفارتز وسالم يعقوب، بيروت- دار إقرأ، 1985.
◅ د. أحمد العراقي، التأثير المشرقي في الشعر المغربي زمن العلويين من خلال فن المعارضات، شعر حمدون بن الحاج نموذجاً، مقال ضمن مجلة المناهل عدد 82 السنة 21 شتنبر 1994.
◅ أحمد المقري، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تح: إحسان عباس، دار صادر بيروت 1968.
◅ كودار، تاريخ المغرب، المصنف عام 1860م.
◅ د. إدريس بلمليح، المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب، منشورات كلية الآداب بالرباط، سلسلة أطروحات رقم: 22.
◅ الحسن الشاهدي، أدب الرحلة في العصر المريني، ط1، منشورات عكاظ، 1990.
◅ الدرجيني، طبقات المشايخ بالمغرب، تح: إبراهيم طلاي، قسنطينة، الجزائر ص: 110.
◅ رشدي فكار معجم موسوعي في علم الاجتماع وعلم النفس والأنتروبولوجيا الاجتماعية، النشر جنتيز، باريس 1980، المجلد1.
◅ محمد بن تاويت ومحمد الصادق عفيفي، الأدب المغربي، ط2، دار الكتاب اللبناني بيروت، 1969 ص: 65.
◅ عبد السلام شقور، الشعر المغربي في العصر المريني، منشورات كلية الآداب بتطوان، سلسلة أطروحات 1، ط1، 1996.
◅ د. عبد الهادي التازي، المغرب يكشف نفسه في المشرق. مقال ضمن مجلة دعوة الحق، عدد 10، مارس 1975.
◅ عبد الواحد المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب. تحقيق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي، دار الكتاب، البيضاء 1978.
◅ الدكتور هاشم العلوي القاسمي، مقدمات وأبحاث في تاريخ العلويين السجلماسيين.
◅ مولاي إدريس الفضيلي، الدرر البهية والجواهر النبوية، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1999.
المصادر بالفرنسية:
• Mucchielli Rogger; communication et reseau de communication 2ème édition E.S.E. 1978, p: 91
• Norbert sillamy. Dictionnaire de psychologie Larousse, Paris 1998. P: 61
• Pierre Voyer. Charles Roncin, l'intégration des enfants handicappés dans la classe. Paris E.S.F 1987. , p: 53
• Shannon et w.wever THEORIE MATHEMATIQUE DE LA COMMUNICATION -. c.e.l.1979 P 31
الهوامش: 1. محمد بن تاويت ومحمدالصادق عفيفي، الأدب المغربي، ط2، دار الكتاب اللبناني بيروت، 1969 ص: 65. ┃ 2. أحمد العراقي، التأثير المشرقي في الشعر المغربي زمن العلويين من خلال فن المعارضات، شعر حمدون بن الحاج نموذجا، مقال ضمن مجلة المناهل عدد 82 السنة 21 شتنبر 1994، ص: 5.┃3. عبد السلام شقور، الشعر المغربي في العصر المريني، منشورات كلية الآداب بتطوان، سلسلة أطروحات 1، ط1، 1996، ص 34.┃4. عاتق بن غيث البلادي، الإشراف على تاريخ الأشراف، دار النفائس، بيروت، ط. 1، 1423 ﻫ/ 2002 م، ج 1، ص: 141.┃5. الدكتور هاشم العلوي القاسمي، مقدمات وأبحاث في تاريخ العلويين السجلماسيين.┃6. مولاي ادريس الفضيلي، الدرر البهية والجواهر النبوية، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1999، 1/ 97-96.┃7. إبراهيم بركات، المغرب عبر التاريخ، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 1987، المجلد2 ص: 169-170.┃8. تشير بعض المؤلفات التاريخية إلى هذا المعطى، وهو في اعتقادي لا يحمل محمل الجد خصوصا وأن الدرس البلاغي عرف طفرة نوعية في القرن الرابع والخامس الهجريين مع كل من: القاضي عياض الأديب، في كتابه الشفا.. حديث أم زرع.. وكابن سبع السبتي في كتابه" شفاء الصدور" تحدث فيها عن الفنون البلاغية، خاصة الفصل المعنون بإعجاز القرآن وفصاحته...ثم العمل الذي قام به معاصره ابن سجلماسة أبو القاسم السجلماسي في "المنزع البديع" كلها إشارة تؤكد أسبقية المغاربة في التوسل بعلم البيان في مؤلفاتهم تلك..┃9. هو أبو محمد القاسم بن محمد بن عبد العزيز الأنصاري السجلماسي. ولد ونشأ بسجلماسة، ورحل إلى فاس لطلب العلم ودرس في القرويين. صنف كتاب «المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع»، أنجزه سنة 704 هـ وقد طبع الكتاب بتحقيق من علال الغازي، الرباط: مطبعة المعارف الجديدة، 1980م.┃10. الدرر البهية، ص: 83-84.┃11. المصدر نفسه، ص: 96-96.