صعوبات الكتابة للأطفال

د. نفيسة الزكي



عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وضمن "المشروع الوطني للترجمة" صدر كتاب "مشكلات الأدب الطفلي"، للأديبة البرازيلية "سسيليا مِريلِز Cecília Meireles"، وهو عبارة عن ترجمة من الأصل البرتغالي (Problemas da literatura infantil)، قامت بها الناقدة السورية مها عرنوق، وقد جاء في 143 صفحة من القطع المتوسط، كان الهدف منه كما ورد في المقدمة هو: "فتح نافذة تطل على معوقات الكتابة للأطفال، وتشير بالأصبع إلى مكامن الخطأ فيها... والتنبيه لمن أراد أن يخوض في هذا العالم السحري البهيج، عالم الطفولة الواسع الذي تغلفه البراءة والعفوية، ويشع من داخله الغموض والوضوح، التنوع والتلون... إلى ضرورة الحذر والتأني، إلى أبعد الحدود، لكل من يلج إلى هذه المملكة السحرية حتى لا يؤذي حساسية وشاعرية الطفل، ولو بوخزة شوكة صغيرة، مهما كان جمال الوردة التي تحملها".



وفي بداية الكتاب ترى المؤلفة أن هناك عدة صعوبات تواجه أدب الطفولة، إلا أن أهمها هي التي تتمحور عند إشكالية اختلاط المفاهيم وغياب الرؤية المتكاملة للأهداف المرجوة من هذا الأدب، فميدان أدب الطفل من الميادين المتجددة، وهو ميدان فسيح يسع إسهامات التخصصات الأدبية والنقدية والنفسية، والتربوية والطبية وغيرها، لكن الأهم أن يعرف كل متخصص موقعه في الميدان، وبالتالي مدى إسهامه في هذا الحقل الفني؛ لأن الخلط يهدد المسيرة أو يعرقل خطواتها، لذا نحن بحاجة إلى مزيد من الجهود لفض الاشتباك بين المتخصصين وغيرهم، ووقف التنافس غير الهادف في هذا النوع من الأدب.

ومن الصعوبات أيضاً التي تواجه المتعرض لأدب الطفل صعوبة اختيار الموضوع وكيفية تقديمه؛ فالكتاب الموجه إلى الطفل لا بُدّ من أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط الأساسية، في مقدمتها سلامة اللغة وبساطة الأسلوب، وأن يكون السرد فيه جميلاً يثير في نفوس الأطفال السعادة، كما يجب الابتعاد عن بعض المواضيع وعدم إثارتها؛ كالتعصب العنصري والقسوة والعنف والجريمة والهدم، وغيرها من الصفات الممقوتة التي تؤثر في التكوين العقلي والخلقي للطفل، كما تؤثر في ذوقه وخياله ولغته، بل يجب التركيز على الموضوعات ذات الصفات النبيلة مثل الوطنية والتعاون والمروءة والشهامة والمحبة وغيرها، فأدب الطفل في محصلته يسعى إلى تنمية جوانب الخير والإحسان والتضحية، مع التأكيد على رفض الاستسلام، بل على العكس تنمية روح التحدي والاستكشاف، كما عليه أن يعزز القدرة على طرح السؤال وإثارة اهتمام الطفل نحو البحث والتقصي العلمي.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن أدب الطفل أدب سهل في المتناول، لكن في الحقيقة هو على درجة عالية من الحساسية والأهمية، لأن المبدع في "أدب الكبار" إن صح التعبير له كامل الحرية في صياغة عمله الأدبي بالكيفية التي يراها مناسبة، لكن الكتابة للطفل والتكلم معه بخطاب يلائم عقله هي في الواقع من أعسر المهام؛ إذ التعابير الأسلوبية في أدب الطفل تتغير تبعاً لتغير المرحلة العمرية من جهة، وللاعتبارات السيكولوجية والتربوية التي تحتم على كاتب هذا الأدب الالتزام بها من جهة ثانية.

وفي هذا المقام لا بُدّ أن نؤكد على أن الكاتب حينما يكتب للطفل يجب عليه ألا يكتب باهتمام أقل لمجرد أنه يكتب للصغار، أو أن يعتقد أنهم لن يكونوا على إدراك كامل بالأسلوب أو بأسرار اللغة، بل عليه أن يضع في حسبانه أن الأطفال يفكرون ويشعرون ويعجبون ويدهشون ويتألمون ويحلمون، وحياتهم مليئة بالحب أو الخوف، وما أكثر ما يعرفه الأطفال لكن القليل هو ما يعبرون عنه.

كتاب "مشكلات الأدب الطفلي" إذن؛ جاء كما أرادت له الكاتبة ليوضح العلاقة بين الأدب والطفولة سواء من ناحية تأثيره عليها، أو الصلة بين أدب الكبار بصفة عامة وأدب الأطفال بصفة خاصة، كما أنه يعرض الأسس التي يجب أن يقوم عليها اختيار الكتب، والجانب اللغوي والمضمون المناسب لهذا النوع من الأدب، وهو بذلك يحدد ما يلزم مراحل الطفولة المختلفة، ويبين كيف يؤصل أدب الأطفال المشاعر النبيلة والأخلاق الكريمة، ثم يعرض الكتاب للأجناس الأدبية التي تناسب مراحل الطفولة المختلفة من قصة وشعر وأسطورة وأناشيد وغيرها.

وعن أهمية أدب الطفل ترى الكاتبة إلى جانب كثير من المهتمين، أنه بمثابة العصا السحرية أو المفتاح السحري الذي يستطيع الكبار -أباء ومربيين- أن يدخلوا به إلى عقول الأطفال وإلى قلوبهم في وقت واحد، فيشكلون العقل والوجدان لدى كثير من الأطفال بالصورة التي يريدون؛ فبدخولهم إلى العقل يسهمون في بناء إطار معرفي وثقافي وفكري، وبدخولهم إلى القلب يشكلون الوجدان ويسهمون في بناء إطار قيمي وخلقي، وبذلك يتكامل الإطاران الثقافي والقيمي، ويتوجه الأطفال نحو الوجهة الصحيحة التي يرتضيها الكبار لهم.

كما تكمن أهمية هذا الأدب في كونه يصير وسيطاً تربوياً يتيح الفرصة أمام الطفل لمعرفة الإجابات عن الأسئلة والاستفسارات التي تثير قلقه، كما أنه يساعد الطفل على تحقيق الثقة بالنفس وينمي فيه روح المخاطرة ومواصلة البحث والكشف وحب الاستطلاع، من أجل مزيد من المعرفة لنفسه وبيئته، كما ينمي فيه القدرة على الإبداع من خلال عملية التفاعل والتمثيل والمحاكاة، يضاف إلى ذلك مساهمته في خلق الطفل المثابر المخلص والمتعاون مع مجتمعه، كما أنه يطلق العنان لأحلام الطفل وخياله وطاقته الإبداعية، ويزوده بالمعلومات العلمية والتقاليد الاجتماعية والعواطف الدينية والوطنية، ويوسع قاموسه اللغوي ويوصله بثقافة وحضارة من حوله، ويعوده على التفكير المنظم.

الكتاب إذن على مدار صفحاته يؤكد على أنه آن الأوان للاهتمام بأدب الطفل وتخطي مشكلاته ومعيقاته؛ لأنه كما أجمعت مختلف الدراسات في هذا الحقل يعتبر أقوى أساس يقوم عليه التكوين العقلي والنفسي والعاطفي لهؤلاء الأطفال، وخير طريق لتنمية الخيال والإحساس بالجمال لديهم، وأحسن أسلوب تتجذر به القيم الاجتماعية والسياسية، وتتقوى به العواطف الدينية والقومية عند الناشئة، كما أنه أوضح سبيل لترسيخ المثل العليا والأخلاق الحميدة الكريمة لأطفال اليوم وشباب الغد، وصانعي الأمة في المستقبل القريب.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها