نُغنّي للطّبيعة والحياة!

حوار مع الشاعر المصري عبد النبي عبادي

حاوره: أحمد أبو دياب


عبدالنبي عبّادي شاعرٌ ومؤلّف مسرحي مصري من مواليد يناير 1987م بُمحافظة قِنا، سبق أن فازَ بأكثر من جائزة مصريّة وعربيّة في كِتابة الشّعر والمسرح منها (جائزة الهيئة العامّة لقصور الثقافة) في عام 2014م عن مجموعته الشعريّة "لا هي تشتهيك ولا هم يعرفونك"، و(جائزة المواهب بالمجلس الأعلى للثقافة) في عام 2016م عن مخطوط مجموعته الشعريّة "مِن حُزن الحظ"، و(جائزة الفُجيرة الدوليّة لنصوص المونودراما) في عام 2016م عن نص مسرحية "مليكة"، و(جائزة الهيئة العربية للمسرح) عام 2020م عن نص مسرحية "سيدة اليوتوبيا"، و(جائزة الشّارقة للإبداع العربي) عن نص مسرحية الأطفال "حتّى لا تنهار مملكة النّحل" عام 2021م. صَدرت مؤخّراً مجموعته الشعريّة "والرّيح تهتكُ حِكمة الأبواب" عن الهيئة العامة للكِتاب، ضمن إصدارات "سلسلة كتابات جديدة". تعد هذه المجموعة الشعريّة الرّابعة بعد "على بُعد فاطمة أو أقلّ"، و"لا هي تشتهيك ولا هُم يعرفونك" الصّادرتين عن الهيئة المركزيّة لقصور الثقافة، ثمّ "شيئاً فشيئاً" الصّادر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشّارقة ضمن سلسلة "إبداعات عربيّة" عام 2023م.
 

نصوص عبدالنّبي عبّادي في أغلبها من الشّعر العمودي مع عدد من قصائد التّفعيلة والقصائد القصيرة. ويتكئ كثيرًا على استخدام الكلمات والتعابير المألوفة لعامة الناس، والتي لا تهدف إلى إرهاق القارئ في البحث عن معاني الكلمات في المعاجم اللغوية المختلفة.. والمتأمل لقصائدهِ يجد أن مسار التعبير الذي اعتمد عليه الشاعر في بناء قصائده على وجه العموم وفي مستوياتها المختلفة: من حيث الإيقاع والأسلوب واختيار اللغة والمضمون كانت من منظور إنساني بوجدان تؤججه رومانسية صادقة. وقد كان لنا معه الحوار الآتي:
 

 كيف وجدتَ مُشاركتك في الموسم العَاشر لبرنامج أمير الشّعراء ووجودك ضمن قائمة الأربعين شاعرًا بعد إجازة نصّك بإجماع لجنة التّحكيم؟

في التّقرير المصوّر الذي بثّه برنامج "أمير الشّعراء" من قريتي الجالسة على ضفة النّيل ذكرتُ أنني اكتسبتُ خبرة هائلة من مُشاركتي -وهي المرّة الأولى التي أشارك فيها- أكثر من مائة شاعرٍ وشاعرة حُلم الوصول لمسرح شاطئ الرّاحــة. لقد تردّدتُ كثيرًا قبل أن أُرسل نصوصي للبرنامج خشيةَ ألا تكون على المُستوى المطلوب، لكنّ ما جرى في المراحل اللاحقة من إشادة لجنة التّحكيم أمدّني بطاقة متّقدة للإخلاص أكثر وأكثر لفنّ الشّعر، لاسيّما وأن البرنامج أتاحَ لي فُرصة لقاء عددٍ غير قليل من الشّعراء الشّباب من جميع أنحاء وطننا العربي، وبالتالي شكّلت تجاربهم مُحفّزًا لي لاستكمال ما بدأته والسّعي المتواصل لتجاوز قناعاتي المُتجددة في الشّعر.

 تشعّب تجربتك في الكِتابة بين الشّعر والمسرح وأدب الطّفل والنّقد يجعلنا نهتم بمعرفة بداياتك مع الكِتابة الشعريّة، متّى بدأت علاقتك بالقصيدة؟

لا أستطيعُ أن أحدّد بشكل دقيق أول لقاء لي مع القصيدة، لكن سبق ذلك محطّات مهمّة على بساطتها في تجربتي مع الكِتابة؛ منها مثلاً كِتابتي للقصّة القصيرة أثناء دراستي بالمرحلة الثانوية مُتأثّرا وقتها بما درسناه ليوسف إدريس. طبعًا لم تُكن كتابتي وقتها كِتابةً فنية بمعناها المعروف والمُستقرّ لدى الكُتّاب، بل كانت شرارات أولى تقول لك أنّي على علاقة جيّدة باللغة والتّصوير الفنّي البسيط الذي شكّل إرهاصات كتابة الشّعر لاحقاً. كتبتُ فترة دراستي الجامعيّة القصيدة العاميّة لكني سُرعان ما وجدتُ طريقي لقصيدة الفُصحى، ومن ثم صدرت مجموعتي الشعريّة الأولى "على بُعد فاطمة أو أقلّ" عام 2014م وبها القصائد التي كتبتها في الفترة بين عام 2010 وهو العام الذي أنهيتُ فيه دراستي الجامعيّة وعام 2013م.

  قلت إنّك بدأت بكِتابة القصيدة العاميّة، فما السّبب الذي دفعك للتّحول إلى الفُصحي وخاصة القصيدة العمودية؟

لقد أحسستُ أن اللهجة المحكيّة المصرية ربما لن تكون بنفس قوة العربية في الوصول إلى أكبر شريحة من القرّاء العرب أو غيرهم من النّاطقين بالعربية، خاصة وأنني كنتُ وما زلتُ ككثير من الشعراء من المفتونين بشعر المُتنبي وأحمد شوقي في شعره أو مسرحه الشّعري.

 صدرت مؤخّرا مجموعتك الشعريّة "شيئاً فشيئاً" عن دائرة الثقافة والإعلام بالشّارقة ضمن سلسلة "إبداعات عربيّة"، والمتأمّل لنصوصها يجد ملمحين دالين فيها هُما عدم ميلك للنّصوص الطويلة، وتمسكك بكتابة القصيدة العمودية لكن بلُغة بسيطة تستدرج القارئ لمُتابعة النص، ثم تُنهيه بشكل يبدو مُفاجئًا.. كيف ترى هذا الرأي؟

معك حق فيما ذهبتَ إليه، أنا أقول لك أني أعرف الشّاعر من بيتٍ واحدٍ، صحيح أن هذا البيت لا يُمكنك من إصدار حُكم على التّجربة لكنه يفتح لك بوابة على حديقة الشّاعر وعالمه، الإيقاع والصورة والزاوية التي ينظر منها الشاعر للأشياء في بيتٍ واحدٍ تجعلني متشوّقاً للبحث في مشروعه ومتابعة تجربته، وبالتالي فأنا لا أعتبر طول النصوص مقياساً للشاعرية، وطبعًا هذا لا يعني أنني لا أكتب النّصوص الطويلة أو لا أقرأها، لكنّني أجدُ أن سؤالا يتّقدُ في رأس المُتلقي جرّاء صفحةٍ واحدة يقرأها لي أفضل بكثير من كتابٍ كاملٍ لم ينل من القارئ غير موضعٍ مُهملٍ على رفّ منسيّ!

أما مسألة كتابة القصيدة العموديّة، ففيها كلامٌ كثير لأن ذلك يردّنا إلى قضيّة قديمة متجدّدة وهي قضيّة الشّكل في الشّعر العربي. قضيّة الشّكل في الشّعر لم تعُد قضيّة مركزيّة، هذا من ناحية، من ناحية أُخرى ليس هُناك وجه للمُقارنة بين الأشكال الشعريّة المُختلفة، فهي ليست في سلّة واحدة. المُقارنة قد تكون بين النصوص المُتباينة في الشّكل الشعري الواحد، بينما عندما تتحدّث عن اختلاف في الشكل، فأنت بصدد الحديث عن "جوهر الشعر" في "الشّكل" المطروح ليس من باب مُقارنته بالأشكال الأخُرى، بل من باب اتساقه مع روح الشّعر وطريقته في التّعاطي مع الحياة، ولا نستطيع أن نغفل شيئاً مهماً، وهو أن الذائقة العربية نفسها –كما ذكرتُ في كتابي الشعر والعولمة– في مرحلة تحوّل، وسيأخذ ذلك فترة من الزّمن حتّى تستطيع الذائقة الجديدة أن تركن لشكلٍ شعري دون غيره، أو تركن لفكرة تجاور الأشكال الشعرية جميعها جنباً إلى جنب.

لكن بشكل شخصي فأنا من المؤمنين بقُدرة القصيدة التقليدية العموديّة على النّظر للحياة وأسئلتها، نظرة متقدّمة تتجاوز البُكاء التقليدي على الطّلل أو الفخر المُفرط في الذّاتية.

 دائمًا ما نسمع شكوى الشّعراء من الجوائز الشّعريّة.. كيف ترى دور الجوائز الشعريّة في حياة الشعراء؟

بالنّظر لازدحام الحياة وإيغال النّاس في غاباتٍ من التّفاصيل اللحظيّة نستطيع أن نستنتج أن الشعراء الشّباب بحاجة إلى مجهودٍ جبّار لكي يحظى الواحد منهم بنافذة يُطلّ منها على المتلقّي أو القارئ المُحتَمَل؛ الجوائز الشعريّة تلعبُ دورًا مهمّا في ذلك، فهي تسلّط الضوء على التّجارب وتمنح أصحابها فرصة لقاء الجماهير وطباعة الدواوين، بل والسّفر من دولةٍ لأُخرى للاندماج مع شعراء آخرين كما في برنامج أمير الشعراء مثلاً، وتدعم ثقة الشاعر بتجربته وبمشروعه، وبأن هناك من يقرأه ويتعاطى مع ما يكتب.. كل ذلك لا يتحقّق في غياب الجوائز الشعريّة أو البرامج الضّخمة التي تهتم بالشّعر والشّعراء، الجوائز مهمّة في رأيي لكنّها لا يجب أن تكون مُبرراً وحيداً للكتابة الشعريّة الجادّة لاسيّما وأنّها في النّهاية هي مُحصّلة لذائقة عدد محدود من المُحكّمين.

وهُناك أمر آخر لا يجب أن نتناساه وهو أن العائد المادي من بعض جوائز الشّعر يُمكّن الشّاعر من التقاط أنفاسه لمواصلة مشروعه، ويمكّنه من طِباعة ديوانه بشكل لائق وتوزيعه لمساحة أوسع من الجمهور. أنا شخصياً أعرفُ شعراء كثيرين ما كان بإمكانهم الاستمرار في الكِتابة لولا الدّعم المادي الذي قدّمته لهم جوائز الشعر في مراحل مُختلفة خاصّة مع تزايد الضغوط الاقتصادية وتراجع فُرص العمل المُجزي.

 هل ترى أن مواقع التّواصل الاجتماعي قد خدمت الشّعر أم قد أضرّت به؟

أظنّ أن الفيسبوك مثلا قدّم فائدة كبيرة للشّعر، حيث فتح النوافذ أمام أجيالٍ جديدة من الشّعراء لم يجدوا فرص نشر مناسبة، في الوقت الذي وقع فيه غيرهم فريسةً لبعض دور النّشر التي لا تُجيد تولّي النّصوص والكتب بالعناية اللازمة، أو تطلب مبالغ كبيرة من الشّعراء الشّباب لأسباب متباينة. الفيسبوك صار منبرًا لكل صاحب كلمة ومنصّة للشّعر لا يُمكن تجاهلها.

لكن من زاويةٍ أخرى قد أضرّ بعض الشعراء أنفسهم بانسحاقهم أمام الجماهيريّ الوقتيّ الزائل من قضايا "الترند اليومي"، والكارثة الأخطر هي الظن أن مقدار التّفاعل مع الشعر عبر الفيسبوك مقياسٌ للشاعريّة، أو مؤشّرٌ على جودة ما يُنشر وهو ظنّ خائب؛ لأن اتّجاهات التّفاعل والانتشار عبر الفيسبوك يحكمها أمور مُتشابكة أو مُتعارضة أحياناً ليست من بينها الجودة بالضرورة، لا مفرّ هُنا من استعارة الجُملة الشّائعة "سلاحٌ ذو حدّين".

الفيسبوك يختلط فيه الحابل بالنّابل، لكن الرّهان دائماً على الوعي بالإبداع وكذلك حضور النّقد إلى ساحة التلقّي.

 مع انتشار ظواهر الغموض في الشّعر المُعاصر، نلاحظ في تجربتك مسافة منضبطة بين خصوصيّة الشّعر كفن مادته اللغة والصورة والإيقاع، وبين المتلقّي المُعاصر، هُناك بساطة تُغري القارئ لكن ليس على حِساب الشّعر.. كيف ترى وجهة النّظر هذه؟

الغموض -في رأيي- عيبٌ في الشّعر ولا أستطيع أن أكتُب قصيدة وأدّعي أن قارئها سيجيئ بعد مائة عام مثلاً؛ إذْ ما حاجته لقصيدتي وسيكون لديه ما يقرأه أو يُطالعه وقتها، طبعًا نحن ما نزال نقرأ أبي تمّام والمتنبّي والبحتري والمعرّي، لكن لاحظ معي أن ما راج من إبداعهم وغيرهم من الشّعراء هو الأقرب لوجدان النّاس وقضاياهم الوجدانية والاجتماعيّة والفلسفيّة، حتّى قول أبي تمّام "ولِمَ لا تفهم ما يُقال!" لم يكُن دعوة للإيغال في الغموض القسري بقدر ما هو دعوة لدورٍ حقيقي للقارئ المسؤول في مواجهة القارئ الكسول!

القصيدة لديّ هي كسرة خبز وكوب ماء وشجرة في وسط صحراء قاحلة، فما أيسر ذلك وما أصعبه!

 ما كتابُك المُنتظر ولأي فنون الكِتابة ينتمي؟

في الحقيقة لديّ أكثر من كِتاب في أكثر من جنس أدبي؛ أنتظر صدور كِتابي "ثقافة الشّعر المُعاصر"، وهو قراءات تطبيقيّة لعشرة شعراء شباب، ومجموعتي الشعريّة "شجرٌ لغصون الماء"، ولدي مجموعة شعريّة تحت الطّبع للطّفل بعنوان "نغنّي للطّبيعة والحياة".

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها