التشابك بين الفنون!

حوار مع الروائي التشكيلي عبدالعزيز السماحي

حاوره: الأمير كمال فرج

يحاول بعض المبدعين الجمع بين الفن التشكيلي والرواية، وقد كانت هذه الثنائية دائماً مصدر تساؤل عندي؛ فما دوافع الجمع بين الفنين، وماذا يفيد كل منهما الآخر؟ 
يرى الروائي والفنان التشكيلي عبد العزيز السماحي -الذي وقع في عشق الحبيبتين اللوحة والرواية- أن الروائي يستفيد من الفنان بتقديم رواية تزخر بمشاهد تشكيلية وصور فنية عديدة وخيال خصب، وعلى الطرف الآخر يستفيد الفنان من الروائي بثقافات وفلسفات وتفاصيل غنية تخدم العمل.
رواية السماحي تشبه أدب أمريكا اللاتينية كما قال الناقد يوسف القعيد، بينما تعبر لوحاته عن الواقع المصري بتفاصيله الدقيقة. 

 

يكشف السماحي في حوار مع "الرافد" عن العلاقة بين الرواية والتشكيل داخله، وأسرار ميله للواقعية الفنية سواء في الرسم أو الكتابة، وكيف عبرت أعماله سواء كانت لوحات أم رويات عن روح مصر، ويؤكد أن الإبداع يحتاج إلى جهد وصبر. 


 

⦿ في مجال الإبداع أنت تجمع بين الكتابة والفن التشكيلي، فماذا يفيد المبدع الجمع بين الفنين ومن أفاد الآخر الروائي أم الفنان؟

الجمع بين أكثر من فن من الفنون ليس قراراً يتخذه المبدع؛ إنما هو جزء من ذاته وتكوينه يدفعه إليه ما يمتلكه من مواهب منحه الله إياها، ومن خبرات وتجارب الحياة، ويدفعه لذلك رغبته في التعبير والبوح والتحقق، فالفكرة التي تعتمل في عقل المبدعين طويلا، ثم تضغط على الذهن لكي تخرج إلى العالم، ويكون الأمر في كثير من الأحيان حالة شاقة ومحيرة، كاللحظات التي تسبق الولادة، وعندما تولد الفكرة سواء عبر نص أو لوحة أو حتى موسيقى، يسود الهدوء ويصف الكون وتنتهي عذابات المبدع.
الروائي والفنان في داخلي صاحبان يسيران معاً، ويخوضان غمار الدنيا معاً، ويشهدان على الأحداث، ويشتركان في الأفكار والرؤى، وربما يتبارزان ويتنافسان في معركة حول الفكرة، ليفوز بها أحدهما في النهاية، وفي هذه المعركة الحامية الفائدة الكبرى، فبعد انتهاء المعركة وفوز أحد الطرفين يبدأ الطرف المنهزم بالخضوع لرغبات الفائز، فيمده بما يحتاج لإتمام الفكرة، في رواياتي -كما قال النقاد- مشاهد تشكيلية وصور فنية عديدة وخيال خصب، وهذا ما يستفيده الروائي من الفنان، وعلى الطرف الآخر يستفيد الفنان في لوحته من الروائي الذي يمده بما يحتاج من ثقافات وفلسفات تخدم العمل.

⦿ في لوحاتك توثيق لمصر بشوارعها وطقوسها الشعبية، مثل: المقاهي والنيل والبيوت القديمة... ما دوافع هذا الاتجاه؟

في كليات الفنون درست الفنون العظيمة التي كانت نتاج الحضارات التي عاشت فوق أرض هذا البلد (الحضارة المصرية القديمة والقبطية والإسلامية)، كما درست تاريخ الفن والتراث المصري الشعبي الذي هو بمثابة حضارة رابعة، وفي هذه المرحلة قررت أن يكون موضوعي الفني هو واقع هذا البلد العريق الذي أنا من عشاقه ومريديه، فمصر حالة مغايرة؛ قامت بتمصير الوافدين إليها عبر التاريخ فما بالك بأبنائها.

⦿ قدمت عام 2019 معرض لوحات "نساء مصر روح مصر" لماذا التركيز على المرأة بالذات؟

كان هذا عنوان معرضي الأخير الذي أقمته في دار الأوبرا المصرية عام 2019، وكان الهدف منه طرح فكرة النضال والكفاح اليومي للمرأة المصرية على امتداد التاريخ، وعلى امتداد القطر المصري كله ببيئاته المختلفة، وهذه الفكرة أركز عليها، وللمرأة في الحقيقة تأثير كبير على الشخصية المصرية، لذلك كان معرضي احتفاءً بهذا الدور، بالإضافة أيضاً لكونها جزءاً أصيلا من روح مصر قديماً وحديثاً.

⦿ تنتمي إلى المدرسة التعبيرية التشخيصية، لماذا هذه المدرسة؟

التعبيرية مدرسة فنية تهتم بالتشخيص وتحتفي دائماً بالإنسان، وبحضوره في صدارة المشهد كركن أساسي من العمل، تركز على الإنسان وما يدور داخله والبيئة المحيطة به والحلم الذي يصطخب بداخله من أمل وحزن ورغبة وفرح...
القضية الأساسية في لوحاتي هي الإنسان أعبر عنه بالواقعية، وبعض التجريد البسيط في الوجوه والأجسام وفي المساحات اللونية.

⦿ في روايتك "ميمي... زهرة أرمينيا البيضاء" تخليت عن رصد الواقع، وذهبت للتعبير عن بيئة بعيدة، فما السر ذلك؟

في هذه الرواية لم أذهب بعيداً، فقصة الرواية انطلقت من القاهرة وجابت الأرض، ثم عادت للقاهرة من جديد، وهي رواية إنسانية يسير التاريخ معها على الهامش في خلفية الحكاية وقد يلتصق بها لحظات ثم يفارقها طويلا، ويعاود فجأة الظهور طاغياً على المشهد كله قبل أن يتوارى مجدداً.
لم أتخل عن الواقع وقمت بربط الزمان بالمكان بالتاريخ وبالشخوص، فالحكاية الأرمينية حكاية مهولة امتدت وتمددت في عدة أقطار عربية وعالمية أيضاً، وما زالت صاخبة حتى هذه اللحظة.

⦿ كتبت روايتك الأولى "جريدة على ظهر قارب" في خمس سنوات، لماذا هذه الفترة الطويلة، وما سبب هذا المخاض الطويل؟

هذه التجرِبة ليست كغيرها من التجارِب، فهذه الرواية بكر رواياتي ولا غرو إن طال مخاضها، تأسياً بحوليات زهير والنابغة، ثم إن بحر الكاتبة هائج ويحتاج التأني مع الأدوات. وقد أُعجب الكاتب يوسف القعيد بهذا العمل حتى قال عنه: "لا أصدق أنها أول رواية للكاتب، فهي عمل روائي كبير يذكرني بأدب أمريكا اللاتينية... إنها رواية من داخل رواية لأنها تسافر في الزمن".
وبالفعل هي ليست رواية واحدة يسير فيها السرد متتابعاً ولكنها كانت تنتقل من زمن إلى زمن، ومن واقع إلى آخر، وفي كل منهما تغزل خيطاً روائياً مستقلًا، إلى أن يلتقي الخيطان في تناغم وثيق، ثم ينفصلان.

كنت أسير في الرواية كسائر في صحراء مترامية واسعة بلا دليل، فجغرافية الرواية -إن جاز التعبير- مليئة بالتضاريس وبالأماكن والبشر والأزمنة والتواريخ... لقد أعدت كتابة أجزاء كبيرة من الرواية أكثر من مرة، وقمت بحذف أجزاء أخرى لم أكن راضياً عنها، لذلك استمرت معي فترة طويلة لإنجازها، كما أنها تتجاوز 300 صفحة.

⦿ بتركيزك على الواقعية المصرية وبالتركيز على المرأة أشعر أنك تقتفي خطى محمود سعيد.. هل هذا صحيح! وما الفنان الذي شكل وجدانك؟

الواقعية المصرية مدرسة كبيرة جداً، وقد استوعبت العديد من الفنانين على مر الزمن، وخاض غمارها عمالقة كثيرون منذ ما يقرب من مائة عام وحتى اليوم، لكنها تطورت جداً وانتقلت من مرحلة إلى مراحل أخرى.

درست الفن المصري الحديث والمعاصر، وتعمقت في أعمال راغب عياد، ومحمود سعيد، وعبد الهادي الجزار، وإنجي أفلاطون، وجاذبية سري، وحامد عويس، وحامد ندا، وزرت مئات المعارض الفنية، والعديد من المتاحف، وتأثرت بكل الأجيال القديمة والحديثة؛ ولأني أنتمي لهذه الأرض وحضارتها وفنونها وتراثها، أعمالي الفنية شديدة التحيز لها، وإن اختلف الشكل وتغيرت التقنية وطريقة التنفيذ.


صـور الأعمال: صفحة الفنان على تطبيق فيسبوك  https://www.facebook.com/abdelaziz.alsamahy/photos_all©

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها