الفن كوسيلة للتغيير!

حـوار مع الكاتبة والمخرجة منى عبد القادر آل علي

حاورتها: بسمة بهاء


في عالم السينما والأدب، تظهر أسماء تترك بصمتها بعمق وإبداع لا يُنسى "منى عبد القادر آل علي"، الكاتبة والمخرجة السينمائية، واحدة من تلك الشخصيات التي استحقت التقدير بفضل أعمالها التي حصدت العديد من الجوائز المرموقة. على سبيل المثال، فازت بجائزة أفضل قصة عن روايتها "أشباح الماضي"، كما حصلت على جائزة أفضل فيلم عن فيلمها المميز "ظل السنين"، وهو ما يبرز مكانتها كإحدى أبرز الأصوات في الساحة الفنية، بأعمالها التي تجمع بين الرؤية العميقة والأسلوب الجريء.
 

في هذا الحوار المميز، تسلط مجلة "الرافد" الضوء على رحلتها الإبداعية، ومحطات نجاحها، وكيف استطاعت المزج بين الكلمة والصورة لصياغة أعمال فنية. وكان لنا معها الحوار الآتي:

 

 ماذا لاحظتِ من خلال تجربتك المؤثرة، وخاصةً أن نجاحك كان متوازيًا في الكتابة والإخراج السينمائي؟

القراءة هي أهم الأمور التي يجب على الكاتب الالتزام بها مع التعلم والتجربة والاستمرارية، فكل تجربة تضيف لك ولأفكارك شيئاً جديداً، وبالتالي في مخرجات أعمالك، عندما يكون لديك وعي أكبر بنفسك وما حولك من الأشياء، ولديك مخزون من القراءات والأفكار والتجارِب المختلفة التي تصقل موهبتك، سيكون لديك شيء تقدمه سواء في الكتابة أو السينما، لذلك رغبت دائمًا ألا أكون مجرد رقم يضاف إلى عدد الكاتبات، بل قيمة أدبية تضيف إلى الساحة الأدبية والفنية التي أعمل على تطويرها دائمًا، لذلك تجدني دائمًا أستمع إلى النقد، إلى كل قامة فنية أو أدبية قد تعلمني شيئًا بسيطًا، سواء بشكل شخصي من خلال ملاحظاته أو قراءة النقد عن كتاباتي، سواء قبل النشر أو بعده، أو من خلال حضور البرامج والورش الكتابية وغيرها، وذلك حتى أستطيع تطوير أسلوبي والارتقاء بأفكاري وأعمالي. دائمًا أنافس نفسي في المقام الأول، ومن ثم أرغب في أن أرتقي وأصل إلى مقام أعمال تميزت ونجحت؛ ليخلق لدي هاجس أن تبقى أعمالي تُلهم الأجيال بإذن الله، مما يجعلني أراجع ما أقدمه دائمًا، وأعيد تقييمه ونقده ذاتيًا حتى بشكل قاسٍ في أغلب الأوقات؛ كي أخرج أعمالًا أفضل في كل مرة. فالقراءة والتعلم والتجربة، وتقبل النقد الصحيح البناء من ذوي الخبرة والاستمرارية هي من أهم الأشياء التي تؤدي إلى النجاح.

⊙ كيف استلهمتِ فكرة رواية "معزوفة صماء"؟

الأفكار هي التي تفرض نفسها على الكاتب لكتابتها حين تؤجج مضجع الكاتب وتلازمه في كل الأوقات، وهذا ما حدث معي في كتابة رواية "معزوفة صماء"، كنت أود كتابة حالة أرسمها بأسلوبي الخاص، أتعمق في تفاصيلها وأجعل القارئ يتفاعل معها ويعيشها. أيضًا، رغبت في أن أخلق فانتازيا في بيئة واقعية يتعايش معها القارئ بتفاصيلها، مع وجود بعض الغرائبية التي تضيف للرواية بعدًا مختلفًا خاصًا بها. وقد لازمتني الفكرة أكثر من خمس سنوات لكتابتها، إلى أن خرجت الرواية إلى النور بشكلها الحالي.

⊙ ما الذي يربط كتابة القصة بفن السينما؟ أم يختلف الإلهام كليًّا؟

الكتابة والسينما والفن بشكل عام تعتبر أدوات للتعبير الفكري والعاطفي، لذلك تعتبر من القوة الناعمة التي، باستخدامها في الوقت المناسب مع الفكرة العميقة وبالأسلوب الفني، تستطيع إيصال رسائل قوية ملهمة ومؤثرة. والكتابة هي البداية لكل الفنون؛ بكتابة الفكرة والسيناريو للأفلام السينمائية تنتقل الفكرة إلى صورة تفاعلية، فهناك ارتباط وثيق بين الكتابة والسينما، ولكن اختيار الأفكار يتفاوت بما يتناسب مع كل فن وقوة تأثيره. لذلك، عندما تأتيني الفكرة، أرسمها في مخيلتي وأختار الأداة والطريقة المثلى لإخراجها والتعبير عنها.

⊙ كيف أثرت موهبتك في الكتابة على أسلوبك أو رؤيتك في الإخراج السينمائي والعكس؟

أشعر بمشاهدتي للأفلام المستقلة وتعلمي الإخراج والتصوير؛ أنني تمكنت من تصوير الأفكار بصورة سينمائية مع وصف للمكان والمواقف. أما الكتابة فهي تساعدني في كتابة السيناريو لأفلامي والتدرج القصصي في الفيلم، لذلك فبينهما صلة وثيقة.

⊙ هل هناك أمثلة أو تجارب كان واضحًا فيها دور الأدب في معالجة قضايا ومشاكل اجتماعية، خاصة بعد ازدياد المشاكل المصاحبة للعولمة من عزلة وأمراض نفسية مرتبطة بالفترة الحالية؟

باستخدام الأدب في كتابة القضايا المختلفة، سواء العالمية أو المحلية التي تؤثر على الإنسان فكريًا وعاطفيًا، أتطرق إلى اختيار القضايا التي يستطيع القارئ الارتباط بها أو أرغب في تسليط الضوء عليها، سواء في القصص القصيرة أو الروايات، أحيانًا أرغب في وصف حالة معينة بما يشملها من أفكار وأحاسيس، وأحيانًا مواقف مختلفة وكيفية تصرف الشخصيات حولها. بالرغم من استخدامي أحيانًا للكتابة الرمزية، إلا أنها تعبر عن الواقع بطرق مختلفة، وأناقله بأسلوب أرغب بأن يلتقطه القارئ ويبحث عنها.

⊙ هل هناك أعمال أدبية أثرت فيك بشكل كبير ومَن كتّابك المفضلين الذين ساعدوا في تشكيل وعيك واكتشاف شغفك بالكتابة؟

بالطبع، شدتني كتابات العديد من الأدباء والكتّاب الذين شكلوا ذائقتي الكتابية وزادوني وعيًا بالأفكار وكيفية تشكيلها واستخدامها، وبالتالي أكون أقرب إلى الكتابات التي أحتاج أن أسبر أغوارها، وليست التي تكون واضحة، أرغب بأن أكون جزءًا من الرواية وأفك أسرارها، والتي تعطيني بعدًا مختلفًا للأفكار والكلمات، وأستطيع بها عيش حالة جديدة، واكتشاف عوالم وبيئات أخرى. لذلك، أعجبتني كتب الكاتب جمعة فيروز وأمين معلوف، وأمين صالح، والكاتب محمد شكري، وسلمى مطر سيف، وصادق هدايت، ونيكولاي غوغول، وباتريك زوسكيند، وغابرييل غارسيا ماركيز وغيرهم.

⊙ هل هناك مجالات أخرى تودين اكتشافها؟

أرغب في كتابة مواضيع مختلفة؛ لأنني أشعر بأن كل نوع سيجعلني أتعلم الكثير سواء عن نفسي أو عن المواضيع المختلفة التي سأتطرق إليها، وهذا بحد ذاته أعتبره اكتشافًا.

⊙ كيف ترين دور المرأة في الأدب الإماراتي؟

في الآونة الأخيرة، نجد المرأة الإماراتية نشيطة في المجال الأدبي بشكل خاص، وكل امرأة تنقل تجربتها وأفكارها التي تضيف إلى الساحة الأدبية، وهذا الدور يُعتبر مهماً جداً لإثراء الساحة بالأفكار، والاستمرارية والارتقاء.

⊙ ما التحديات التي واجهتك وكيف تمكنت من التغلب عليها؟

أعتقد أن إيجاد الكاتب لأسلوبه الخاص هو من أصعب التحديات، وصوته الخاص في عالم مليء بالكتّاب من أهم الأمور التي يجب على الكاتب تقويتها والعمل عليها من خلال القراءة النوعية، وأعتقد أن نوعية القراءات هي التي تساعد لاحقًا في التمكن من الأسلوب. وأيضًا، واجهتني في البدايات موضوع نشر الرواية والقصص، حيث كنت أواجه تحديًا في إيجاد دور النشر المناسبة، وخاصة لطباعة ونشر المجموعات القصصية، حيث إن أغلب دور النشر تتجه إلى الرواية. ولكن، أعتقد بشكل عام أن كل التحديات يستطيع الكاتب الجيد التصدي لها بكتابته الجيدة؛ لأن في النهاية، دور النشر الجيدة ترغب في أن يكون لديها كتب جيدة ضمن كتب الدار.

⊙ هل تذكرين أول كتاباتك؟ عندما تقرأينها الآن، هل ترينها مكتملة الأركان؟ أم كان هناك أشياء غائبة تعلمتيها ساعدت في صقل موهبتك؟

بدأت بكتابة القصص القصيرة، وكانت بدايتي مقارنة بما أكتبه الآن بالطبع بسيطة بأفكار بسيطة، ولكن لم أنشرها أبدًا؛ لأنني لم أشعر وقتها بأنها تضيف إلى ما نقرأه من كتب. ولكن، باختلاف نوعية قراءاتي، تغيرت كتاباتي، وأيضًا بتجاربي المختلفة سواء في السينما أو الفنون التشكيلية، أضاف الكثير لنوعية الكتابة وميزها.

لذلك، عندما قررت الكتابة من جديد، أخرجت مجموعة قصصية اسمها "المرآة"، والتي أفخر بكتابتها، وأجد أنه من الجيد أن كل مرحلة كتابية لديّ لها طبيعتها الخاصة التي توثق مرحلة كتابية معينة أتطور من خلالها.
 

⊙ ما نصائحك لمن يجد لديه الموهبة ويريد أن يطورها؟

أن يقرأ كتبًا جيدة، لها قيمة أدبية، وألا يتوقف عن القراءة أبدًا. ولا يبدأ بالكتابة إلا عندما يجد أن لديه شيئًا مميزًا يضيف إلى الساحة الأدبية عناصر جديدة. شارك في برامج الكتابة، ونوادي القراءة المختلفة إن أمكن، واستمع إلى النقد البناء، وحاول أن يكون لك أسلوب خاص بك تتميز به، وأعيد ما قلته في البداية هنا أيضًا، فالقراءة والتعلم والتجربة، وتقبل النقد الصحيح البناء من ذوي الخبرة، والاستمرارية من أهم الأشياء التي تؤدي إلى النجاح.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها