الصراع والحوار في المسرح

مسرحية الفوضى والعبقرية لجان بول سارتر أنموذجاً

د. تهاني سالم أبو صلاح

 

تعريف بالكاتب جان بول سارتر

هو "جين بول سارتر Jean-Paul Sartre كان كاتبًا مسرحيًا وفيلسوفًا وناشطًا سياسيًا فرنسيًا مشهورًا، أثر في بعض المجالات المعرفية مثل علم الاجتماع والدراسات الأدبية، كان شخصية بارزة في كل من الفلسفة الوجودية والفلسفة الظواهرية، وقد اعتبر واحدًا من أبرز الشخصيات الفرنسة في القرن العشرين، بالرغم من أنه حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1964 إلا أنه رفضها، حيث قال بهذا الشأن إن الكاتب لا يجب أن يصبح مؤسسة.
 ولد جان- بول تشارلز أيمارد سارتر في 21 حزيران/يونيو 1905 في باريس- فرنسا، وهو الابن الوحيد لوالده جان- بابتيست سارتر الذي كان يعمل ضابطًا في البحرية، والدته آن- ماري شوايتزر"1.

فكرة المسرحية

تقوم المسرحية على الممثل كين بطل مسرحيات شكسبير، كين الطفل المتشرد الذي اكتشف موهبته الأمير غال فصنع منه شخصية مشهورة، ولزمه سليمان ليوصله لمكانة مرموقة، إلا أن كين مع شهرته نسي ما فرطت يداه وتراكمت عليه الديون غير آبِه لذلك، فيستغل الأمير غال ديونه هذه ليبعده عن محبوبته إيلينا إلا أن كين يرفض سداد تلك الديوان لذاك الهدف، وتدور الأحداث حول تمثيل آنا في إحدى المسرحيات واعتراض إيلينا على ذلك.
ربما كانت هذه الأحداث سطحية عندما يجلس كين مع نفسه متحدثاً مع وحدته وانهياره أمام وجهه، الذي يقدره الجمهور كونه ممثلاً مشهوراً لا كونه كين الحقيقي، وإذا مارس كين موقفاً ما في إطار التمثيل كان في نظر الجمهور قمة الجمال، وإذا مارسه حقيقة كان وبالاً عليه، من هنا كان صراع كين مع نفسيته المحطمة أمام كذب التمثيل، حتى يصل لقرار اعتزال التمثيل من باب التمرد على الواقع التمثيلي المزيّف.

الصراع

يعرف بأنَّه "عقدة المسرحية، وإذا كان الحوار هو الجانب المحسوس في المسرحية فإن الصراع هو الجانب المعنوي لها، وإذا صح قول النقاد: لا مسرحية بغير حوار فيصح أن نضيف: ولا مسرحية بغير صراع؛ فالصراع عنصر قائم في الحياة بين الخير والشر، سواء أكان بين أشخاص حول مبدأ أم فكرة، ونزعة، أم هدف، أم بين الشخص نفسه.

والمسرحية هي أكثر الفنون الأدبية ارتباطًا بحياة الناس، وفي كل شخص جوانب ضعف وجوانب قوة وأعماله موزعة بين الخير والشر. ويظهر الصراع في المسرحية في أكثر من مستوى، ويوشك كل شخص فيها أن تكون له مشكلة خاصة، ولكن إلى جانب ذلك هناك صراع عام رئيس، ومحوري، يؤدي إلى تأزم الموقف، حتى يكون الحل نهاية لتلك العقدة، أما القصة فأساسها مشكلة تحتاج إلى حل"2.

و"الصراع هو قوام البناء الدرامي للمسرحية، ولهذا نجد مُنَظِّرا معروفًا من مُنَظِّري الفن المسرحي وهو ويليام آرجر يقول: إن جزءًا عظيمًا من سر العمارة الدرامية يكمن في كلمة واحدة هي "التوتر"، إن إيجاد حالة من التوتر وصيانتها ورفعها وتعميقها وحلها هو الهدف الرئيس لصنعة كاتب المسرحية، والمقصود بالتوتر كما هو واضح الصراع.

وللصراع لونان رئيسيان: صراع تبدو تجلياته في الحوار وفي الحركة والفعل، وصراع داخلي نفسي يكشف عنه الكاتب في لحظات التأزم والانفعال العميق.

وهناك -أيضًا- الصراع الساكن الذي لا يحسم ويظل معلقًا؛ لأن أطرافه لا تقوى على ذلك حيث ينتهي المشهد بما بدأ، والصراع الواثب، وهو الذي يتطور بشكل مفاجئ مثال الانقلاب من موقف إلى آخر، كأن تتقلب الصداقة إلى عداوة وهكذا، والتوتر حالة مصاحبة للصراع لذلك يجري الحديث عنها كثيرًا عند الحديث عن الصراع، فالعلاقات بين الأجزاء في المسرحية تقوم على التوتر، والوضع المتوتر ينجم عن الصراع، فالتوتر ينجم عن الوضع والفعل بمعنى أن تكون هناك حالة صراع معينة أي: وضعية تحتاج إلى حسم، هنا لا بد من بروز الفعل أو التصرف إزاء هذه الوضعية، وترقب حدوث الفعل هو الذي يحدث حالة التوتر.

قد يكون الصراع بين ما يمليه الواجب وتستدعيه الرغبة، فيظل التوتر قائمًا حتى تتحرك الشخصية للخروج من هذه الحالة القلقة المحيرة"3.

إنَّ "الصراع عنصر أساسي في العمل المسرحي، والمسرحية التي تخلو منه تعد مسرحية خالية من الحياة والحركة والتشويق، فهو الذي يبعث في المسرحية الحياة والحركة، والصراع يعني الصدام بين شخصيتين أو فكرتين أو قوتين أو أكثر من القوى التي يحتويها الموقف المسرحي.

والصراع نوعان: الصراع الخارجي والصراع الداخلي، والصراع الخارجي هو الصراع الذي يكون خارج النفس الإنسانية، كأن يكون بين قوتين ظاهرتين أو بين قوتين إحداهما ظاهرة والأخرى خفية، لكنها ظاهرة الأثر، وأما الصراع الثاني فهو الصراع الداخلي الذي يدور داخل النفس الإنسانية، أي بين الإنسان ونفسه، كأن يكون بين عقله وعاطفته أو بين عاطفتين متناقضتين أو بين المعاني المطلقة والأفكار التجريدية، ويركز الكاتب المسرحي في هذا اللون من الصراع على تصوير خلجات النفس وانفعالاتها المختلفة في مجابهة المواقف التي تواجهها، والأحداث التي تمر بها، والصراع هو أحد العناصر الأساسية التي تميز المسرحية عن غيرها من الفنون الأدبية"4.

ولقد تعددت مرافد الصراع في المسرحية تبعاً للتباين في القيم والأفكار في القضية الواحدة بين العديد من الشخصيات، فكان في مسرحية الفوضى والعبقرية الصراع على النحو الآتي:

الصراع النفسي (الداخلي)

وتمثل في نفسية كين وتمرده على واقعه المؤلم وتمثيله المضحك، فتمثيله بطلاً للمسرحيات لا يعبر عن ذاته ولا يختار دوره، ولا يتميز بإبداء رأيه عن ما يمثله جيد أم رديء، إيجابي أم سلبي، مظلوم أم ظالم، فهو يمثل مسرحيات شكسبير فقط.

وعندما أراد كين أن يتمرد على واقعه وإعجاب جمهوره، وأظهر في تمثيله شخصيته الحقيقية لا دوره التمثيلي لعطيل، فكانت النتيجة كما كان يتوقع فقد انقلب عليه المعجبون وعاقبته المحكمة.

"كين... ماذا يفعلون يأخذون طفلاً ويجعلون منه صورة خادعة صورة خادعة ظل وهمي، هذا ما جعلوا من كين، إنني أهز الممالك ضحكاً، ولست إلا أميراً مزيفاً، وزيراً مزيفاً، جنرالاً مزيفاً، في نظر تجار الجبن، وما غير ذلك، لا شيء آه بلى: مجد وطني، لكن بشرط ألا يخطر لي أن أوجد حقاً"5.

وقوله: "إن المرء لا يمثل ليكسب حياته إنه يمثل ليكذب، ليكذب على نفسه، ليكون ما لا يمكنه أن يكونه؛ ولأنه سئم من أن يكون ما هو كائن عليه، إنه يمثل كي لا يعرف نفسه ولأنه يعرف نفسه أكثر مما ينبغي، لأنه يمثل دور الأبطال.. لأنه جبان... إنه يمثل لأنه يحب الحقيقة ولأنه يكرهها؛ إنه يمثل لأنه سيسجن إذا لم يمثل"6.

إذن؛ العبقرية كانت تمتاز عند كين في التمثيل بمدى قدرة الممثل على إقناع الجمهور بالدور الذي يقوم به، والفوضى تتمثل في التأزم الفكري لكين في إعجاب الجمهور بدوره التمثيلي ونبذهم شخصيته الحقيقية، فكين يريدهم أن يعجبوا به حقيقةً لا تمثيلاً.

الصراع الاجتماعي

تمثل في إنكار كين الممثل الشهير لآنا ابنة بائعة الجبن أنها تستطيع التمثيل عندما طلبت منه أن يساعدها لتمثل، لكنه قلل من شأنها ومهاراتها بناءً على خلفيتها الاجتماعية.

وعلى العكس تماماً كانت نظرة الأمير غال لكين عندما كان متسولاً فجعل منه ممثلاً عالمياً مشهوراً، فهو قد لمس به بذرة موهبة فنمّاها دون أن يهينه بطبقته الاجتماعية.

"كين: مولاي منذ زمن طويل وصورتي ووجهي ملك لجميع الناس... لقد أصبحت، بفضل رعاية سموك شعبياً حتى في حياتي الخاصة"7.

الصراع الفكري

تمثل في تفكير سليمان الحريص على تنبيه كين بأن ديونه ازدادت، وسوف يقع تحت طائلة المحاكم ومطالب أصحاب الأموال وملاحقتهم إياه.

تفكير الأمير غال لإيجاد الحيل لاستغلال ضائقة كين المالية.

وبهذا كان تفكير وموقف كين الهزل من موقف سليمان الحريص على إنقاذه من عقاب المحكمة، وبين الجدة من موقف الأمير غال المستغل لديونه، والذي يريد منه أن يوقع عقداً يتنازل به عن حبه لإيلينا مقابل تسديد الأمير لديونه لكن كين يرفض ذلك.

ويتضح من خلال القضية التي تُشغل تفكير سليمان حرصه على إنقاذ كين من الإطاحة به سجيناً بأنه وفي صادق حكيم، بينما تفكير الأمير غال كان انتهازياً من الدرجة الأولى، وإن كان يريد أن يساعد كين فنهاية الأمر الاتفاق إن وقعه كين فإبرامه لصالح الأمير.

الحوار

إنَّ "المسرحية في أساسها فن حواري أي: يقوم على الحوار، فهي في بعدها الأدبي حوار أساسًا؛ لذا فإن عناية الكاتب لا بد أن تتركز حوله، وقبل الحديث عن وظائف الحوار ومهمته يحسن بنا أن نميز بين الحوار والمحادثة وفقًا لوظيفة كل منهما، فالمحادثة لها وظيفة نفعية، وأخرى غير نفعية أما النفعية فتتمثل في تصريف الأمور والمعاملات، وغير النفعية في الثرثرة والتسلية والتعبير عن الذات، وهي جميعًا أمور تختلف عن وظائف الحوار المسرحي الذي تكمن وظيفته الأساسية في تطوير الحدث والكشف عن أفكار الشخصيات وعواطفها وطبائعها الأساسية، وفيه جانب المتعة والشاعرية والفكاهة والتندر في بعض المواقف، فالحوار في المسرحية نفعيته تكمن في جمالياته وخدمته للبناء الفني"8.

إذن؛ "يعد الحوار المسرحي وسيلة للتخاطب والتفاهم بين الشخصيات، وهو يعد عنصراً هاماً في النص يستخدمه المؤلف في عرض الأحداث وتطوير الشخصيات وشرح الفكرة العامة للنص، وهو أداة البناء العام للشكل المسرحي، وقد لا يأخذ الأهمية ذاتها في الفنون الأدبية الأخرى كالقصة القصيرة أو الرواية واللتان تقومان على السرد العام للأحداث، ويبقى الهدف الرئيس للحار الدرامي الجيد هو أن يعرض بوضوح الحقائق التي تقدم الفعل في المسرحية.

إن مدى نجاح الكاتب المسرحي في بناء الحوار يسهم في تطور مستوى النص، فالحوار الجيد يحقق نوعين من الوظائف:
أ. وظائف نفعية: مثل: تطوير الحبكة والكشف عن أفكار الشخصيات وعواطفها وطبائعها الأساسية ووصف المناظر.
ب. وظائف غير نفعية: فهي في كونه يروق لنا لما فيه من سمو شاعري وخيال أو فكاهة أو تندر، وبذلك فهو يسهم في تغذية الصراع الذي يقوم بين الشخصيات وتقوية الحدث المسرحي، فلا يمكن أن نفهم ما يدور في دواخل الشخصيات ما لم ترد إلينا الحوارات الخاصة بها والتي تبين عواطفها وأفكارها واتجاهاتها، ومن خلال جريان الأحداث عبر الحوار المسرحي يتصاعد الصراع وصولاً إلى الحبكة المسرحية"9.

وبهذا "يرى النقاد أن الحوار يدل على قدرة الكاتب، ويشترطون لنجاحه أن تتحقق فيه المقومات الآتية:
أ. أن يكون حيًّا نابضًا مركزًا حتى لا يمله المشاهدون والقراء.
ب. أن يعبر دائمًا عن انفعالات الأشخاص في حالاتها المختلفة من الرضا والغضب، والذكاء والغباء، وغير ذلك. فليس الحوار مجرد سؤال وجواب، أو مجرد مناقشة عقلية يشترك فيها أكثر من شخص. وإذا كان كذلك رأيناه سقيمًا ومملًّا.
جـ. أن يكون ملائمًا لمستوى الشخصيات عقليًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا؛ ولذلك يتنوع أسلوب المسرحية تبعًا لتنوع شخصياتها، على الرغم من أن الكاتب هو المؤلف للحوار، بخلاف أسلوب القصة الذي يكون في مستوى واحد"10.

كانت لغة الحوار رصينة قوية مُحكمة في تغيير مسار الحديث وتبرير المواقف لصالح البطل كين، الذي غلب لغته الخيط الفاصل في تحويل اتجاهات الأحداث وانتقالها من موضوع لآخر وتغيير الإجابة المطلوبة منه، ويسمى هذا الأسلوب في البلاغة (الأسلوب الحكيم)، كما كثُر الانزياح في النصوص مثل قوله: "المأساة المضحكة"11، "يجب أن أرحل وأعيش أو أبقى وأموت"12.

وكذلك كانت الحكمة في الأقوال حاضرة، ومنها قوله: (إذا كان هناك شيء يجب أن يحترمه العاطلون فهو شغل الآخرين، إذا انسحبت فإن غيري سيأخذ مكاني...)، وكان هناك التناص الشعبي، مثل قوله: "بلغ السيل الزبى"13، وقوله: "تغادر الجرذان السفينة بعد الغرق"14.

ولقد تنوع الحوار بين المونولوج الداخلي والخارجي، وكان الداخلي بين كين ونفسه، والخارجي بين كين وباقي الشخصيات في المسرحية.

لقد غلب على الحوار الخارجي العديد من السمات ومنها، الآتي:

 الحوار الساخر
تمثل في رد كين على سليمان عندما يذكره بديونه وملاحقة أصحابها له.
ومما جاء في الرواية من هذا الحوار، قوله:
"سليمان: يا معلم! لكن الشريف والوكلاء في بيتك!
~ كين: وماذا يهمني ما دمت لست فيه؟
سليمان: يقولون إنهم سينظرون حتى تعود.
~ كين: رائع حسناً لن أعود"15.

يتضح من خلال هذا الحوار استهتار وعدم مبالاة كين بما يقوله سليمان بكل جدية.
وقوله: "الأمير: أنت تجلس، وأيم الحق.
~ كين (ضاحكاً بجهد): أجلس بحضرة سموك؟ أبداً إنني أتهالك على المقعد"16.

يتضح مدى انهيار كين النفسي حتى أمام الأمير فهو يعاني من أزمة نفسية حادة، تجعل من تصرفاته العفوية وأقواله المبررة لتصرفاته أمراً جميلاً بجعل مَن يحدثه يتقبل ما يفعله بمرح لم يُسبق، ومثال ذلك أيضاً قوله:
"كين بنفاد صبر: حسناً! مَن؟
سليمان: أمير غال.
~ كين: قل لسموه إنني لا أستطيع رؤيته.

الأمير داخلاً: لا تستطيع رؤيتي يا سيد كين؟
~ كين مستطرداً: لا أستطيع رؤيته بدون سرور عارم ومتجدد دوماً"17.

 الحوار الجدي

تمثل في رفض كين توقيع العقد مع الأمير غال مقابل التنازل له عن حبه لإيلينا.

وأيضاً تمثل في الكشف عن موهبة وعبقرية التمثيل يقول: "الأمير: إن ألواح المسرح ستنهار تحت وطأة أعوامكما، لا أعرف كيف يستطيع المتفرجون أن يتحملوا غرامياتكما العجوزة.

~ كين: أين الموهبة إذن إذا لم أجعلهم يعتقدون أنني في الثامنة عشرة؟
الأمير: أما أنت فيمكن قبولك... لكن "ماكليش"؟
~ كين: أين العبقرية إذن إذا لم أقنعهم بأنها في السادسة عشرة؟
الأمير: وكيف ستفعل؟
~ كين: أعمل بحيث لا ينظرون إلا إلي.. إنهم سيرونها بعينيّ"18.

وتتضح جدية كين في إنكار فعل اللورد ميفيل عندما جاءه متنكراً بقناع خافياً وجهه، يقول:
لورد ميفيل: يمكن أن توجد حالات يضطر فيها المرء إلى إخفاء وجهه.
~ كين: وهل وجهك قبيح إلى هذا الحد؟ (يريد اللورد ميفيل أن يمر فيمنعه كين وهو يقول) هل هو مشوه بالجدري؟ هل هو مصاب بقروح؟ هل أنفك متآكل؟ هل خدك مشوب ببقع حمراء خمرية؟ بثآليل كالقرع يغطيها الشعر؟ يندب؟ هل سبق لأحدهم أن قطع أذنيك وأنفك؟ سيكون هذا مؤسفاً: إذ لن يبقى لي ما أعمله"19.

 الحوار المتسلط

تمثل في اشتراط إيلينا على كين عدم تمثيله مع آنا، مقابل عدم لقائها مع الأمير غال في مقصورتها.
"إيلينا: حسناً ليكن لكن مثلي مثلك في العطاء.
~ كين: آه اطلبي مني ما شئت.
إيلينا: ستعيد الصغيرة إلى بيتها وستمثل مع العجوز "ماكليش"
~ كين (يائساً): إيلينا العجوز ماكليش تقطن خارج لندن ولا وقت لدي لأخبرها.
إيلينا: إيه ما يهمني أنا تدبر شأنك دع الملقن يمثل الدور.
~ كين: الملقن! سليمان في دور امرأة شابة؟ الجمهور..
إيلينا: إذا كنت عبقرياً، فستجعل الجمهور يظن أن الملقن هو أروع امرأة مثلت ديدمونة.
~ كين (يئن): لست ساحراً إنني ممثل.
إيلينا: ها أنت إذن، يا سيد كين إن مطالبك تتعاظم يوماً فيوماً، وحين أجرؤ، بالمقابل، أن أطلب منك شيئاً بسيطاً ومشروعاً للغاية، فإنك ترفض رفضاً قاطعاً حسناً سأقولها لك بدن زخرفة: إذا ظهرت تلك الفتاة بجانبك على خشبة المسرح، فسألتفت فوراً إلى الأمير وسأضحك في وجهه، آه سأجعلك تمتقع أيها السيد الغيور"20.

يتضح من الحوار السابق مدى تسلط إيلينا ومحاولة سيطرتها على الموقف، واضعة الشروط التعجيزية لمنع كين التمثيل مع آنا قبل بدء العرض بوقت قليل، والتي في نظرها أمر ممكن وهيّن ومسموح.

◅ الحوار الداخلي

تمثل في فوضى تفكير كين عن واقعه وما يأمل إليه من كسب تقدير الناس له حقيقةً لشخصه الحقيقي، لكن لشخصه التمثيلي، يقول مخاطباً نفسه باسم شخصية تمثيله لإحدى مسرحيات شكسبير وكان اسمه عطيل: "مَن يناديني عطيل؟ من يظن أنني أمثل عطيل؟ (مشيراً إلى نفسه) أهذا عطيل؟ هيا: لقد كان قاتلاً أما أنا فإنني لجلاج (فترة) يا إلهي اجعلني أكن عطيلاً، أعطني قوته وشراسته دقيقة واحدة، لقد مثلته كثيراً حتى إن ذلك ينبغي أن يكون ممكناً دقيقة: الوقت اللازم لأهز أعمدة المسرح وأسقط الثريا فوق هذه الرؤوس.. يبذل جهداً عنيفاً في مجاهدة نفسه وكأنه يريد أن يتحول إلى عطيل من الداخل. ليسقط كين ليسقط الممثل"21.

 


الهوامش: 1. ينظر: من هو جان بول سارتر، موقع أراجيك، السبت، 15- 12- 2018م، التوقيت 1 مساءً.2. حسين علي محمد، التحرير الأدبي، مكتبة العبيكان، ط.ب، ط5، 2004م، ص: 334- 335.3. محمد صالح الشنطي، فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه، دار الأندلس للنشر والتوزيع – السعودية، ط5، 2001م، ج1/ ص: 212- 213.4. سعود عبد الجابر، فن الكتابة والتعبير، دار المنهال، د. ب، د,ط، 2012م، ص: 63.5. جان بول سارتر، ترجمة: جورج طرابيشي، الفوضى والعبقرية، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت- لبنان، د.ط، د.ت، ص: 56.6. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 72.7. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 47.8. محمد صالح الشنطي، فن التحرير الأدبي العربي ضوابطه وأنماطه، م س، ج1/ ص: 210.9. يحيى سليم البشتاوي، منهجية الإخراج المسرحي، الأكاديميون للنشر والتوزيع، د.ب، د.ط، 2014م، ص: 49- 50.10. حسين علي محمد، التحرير الأدبي، م س، ص: 334.11. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 90.12. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 80.13. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 146.14. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 168.15. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 87.16. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 50.17. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 45- 46.18. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 48.19. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 97- 98.20. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 121- 122.21. الفوضى والعبقرية، جان بول سارتر، م س، ص: 152.

المصادر والمراجع: 1. جان بول سارتر، ترجمة: جورج طرابيشي، الفوضى والعبقرية، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت- لبنان، د.ط، د.ت، (الكتروني).2. حسين علي محمد، التحرير الأدبي، مكتبة العبيكان، ط.ب، ط5، 2004م، (الكتروني).3. سعود عبد الجابر، فن الكتابة والتعبير، دار المنهال، د. ب، د،ط، 2012م، (الكتروني).4. محمد صالح الشنطي، فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه، دار الأندلس للنشر والتوزيع – السعودية، ط5، 2001م.5. من هو جان بول سارتر، موقع أراجيك، السبت، 15- 12- 2018م، التوقيت 1 مساءً.6. يحيى سليم البشتاوي، منهجية الإخراج المسرحي، الأكاديميون للنشر والتوزيع، د.ب، د.ط، 2014م.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها