تهدف الحماية القانونية للحقوق الرقمية إلى إيجاد نظام قانوني يكفل الحماية للمبتكرين على اختراعاتهم، وللمؤلفين على مصنفاتهم، وحماية المشروعات التنافسية من التقليد والسطو، وتتمثل أهمية الحماية في أنها تعطي الفرد الحق في حماية ما ابتكره، وتمكنه من التصرف فيه، وتعاقب من يتعدى عليه1.
ولكي تطبق الحماية على المصنفات الرقمية لا بُدّ أن تستوفي الركن الشكلي المتمثل في إفراغ المصنف في صورة مادية يبرز فيها إطار المصنف إلى الوجود فيكون قابلًا للطبع والنشر، لا مجرد فكرة في إطار نظرية، كذلك لا بُد أن تستوفي الركن الموضوعي المتمثل في ضرورة احتواء المصنف على الإبداع والابتكار لأنه أساس الحماية2.
والحماية الإجرائية وسيلة ناجحة لمواجهة الانتهاكات بشأن حقوق المؤلف لما تتميز به من البساطة والسرعة، وصون الحقوق، واستدراك ما قد يطالها من اعتداء للمحافظة عليها وضمان سلامتها، وقد تدخل المشرع الدولي والعربي بوضع الوسائل الكفيلة بحماية الحقوق الرقمية من خلال وسائل تبدأ بإجراء الإيداع القانوني، وإجراءات تحفظية من شأنها وقف الأضرار الواقعة على المصنفات الرقمية3.
ومن ذلك ما جاء في المادتين (11) و(14) من اتفاقية الويبو بشأن اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حق المؤلف بهدف السيطرة على عملية النشر، وعدم الاعتداء على حقوق المؤلف من خلال تجريم أعمال التحايل على التكنولوجيا4، وتتمثل الحماية الإجرائية في الآتي:
[1] الإيداع القانوني للمصنفات Legal Depositof Works
يقصد بالإيداع القانوني للمصنفات: إلزام أصحاب الحق على المصنف بتسليم نسخة أو أكثر إلى إحدى الجهات الرسمية5، وتنص معظم التشريعات المتعلقة بحقوق المؤلف على شرط إيداع المصنف لدى مركز أو جهة الإيداع التي يحددها المشرع، وهو في بعض التشريعات شرط شكلي يتوجب توفره لإسباغ الحماية على المصنف تقليديًّا كان أو رقميًّا6، حيث يتم إلزام الناشر بإيداع عدد من النسخ في المكان الذي يحدده القانون مدة بعينها من تاريخ النشر، لكن الأمر يختلف في البيئة الرقمية، فلا توجد جهة بعينها لإيداع الأعمال الرقمية لديها، كما أن المصنف الموجود في البيئة الإلكترونية يصدر في طبعات متجددة؛ مما يصعب إيداعه، ويعد توافر هذه الأعمال على شبكة الإنترنت إيداعًا، وإن وجدت بعض الأعمال الفكرية التي تحتاج إلى تسجيلها لضمان نسبتها إلى أصحابها7.
[2] الإجراءات الوقائية Preventive Measures
تتمثل في حجب الوصول إلى الأعمال الفكرية إلا من خلال تقنيات تساعد في تحديد هوية مستخدميها، وإتاحتها فقط للمشتركين، وأصحاب الحق في الانتفاع بها، واستخدام تكنولوجيا التشفير، ومنع استنساخ الأعمال محفوظة الحقوق، ومنع نقل التسجيلات بصورة غير قانونية، ومراقبة مزودي الخدمة للمواقع الإلكترونية، وحظر نشر المادة المقلدة8، فالإجراءات الوقائية تهدف إلى وقف الضرر الناتج عن الاعتداء على المصنفات الرقمية، ووقف الاعتداء على حقوق المؤلفين.
[3] الإجراءات التحفظية
يقصد بها: الإجراءات التي تهدف إلى مواجهة الاعتداءات التي وقعت؛ فيتم حصر الأضرار لاتخاذ التدابير لإزالتها، والمحافظة على حقوق المؤلف، والحد من الاعتداء على المصنف إلى حین فصل المحكمة المختصة في النزاع، وتوصف هذه الإجراءات بالوقتية، وتتمثل صورها في9:
◅ وقف الاعتداء على المصنف، وهو من الوسائل الفعَّالة في حفظ الحقوق، ولصاحب الحق أن يبادر بطلب الحماية؛ فلا ينتظر وقوع الاعتداء، بل يباشر الإجراءات للحيلولة دون حدوثه.
◅ حجز نسخ المصنفات، يكون باستصدار أمر من المحكمة المختصة بوقف نشر المصنف، ووضعه تحت ید القضاء لوقف الاعتداء عليه، ومنع التصرف في النسح المقلدة.
ويشترط للحجز التحفظي أن يتقدم المتضرر إلى الجهة القضائية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات تحفظیة إلى رئيس الجهة؛ فيتم الحجز على نسخ المصنف المقلد، والحجز على المواد المستخدمة في التقليد، والحجز على الإيرادات الناتجة عن الاستغلال غير المشروع للمصنفات الرقمية10.
وهناك عدة شروط لإسباغ الحماية القانونية على المصنفات الرقمية، تتمثل في11:
1. أصالة المصنف، يقصد بها: الإبداع والابتكار الذي يتحقق بالجهد الفكري أو الذهني، فهو الأسلوب التعبيري الذي يشكل المصنف بالتعبير عن شخصية صاحبه، وترك بصماته الواضحة عليه، وأصالة المصنف تبرز شخصية صاحب الإبداع، سواءً في جوهر الفكرة أو في أسلوبها أو في طريقة عرضها أو في ترتيبها أو في تبويبها، والقانون لا يحمي إلا المصنفات التي تتميز بالأصالة12.
وقد عرف المشرع المصري الابتكار في قانون حماية الملكية الفكرية رقم (82) لسنة 2002م في المادة (138/2) بأنه: "الطابع الإبداعي الذي يسبغ الأصالة على المصنف"، ومثله فعل المشرع الإماراتي والكويتي والعُماني، وأجمعت كافة القوانين على شرط أن يكون المصنف مبتكرًا كي يحظى بالحماية القانونية، "فشرط الابتكار يعد حجر الزاوية لحق المؤلف، ويشكل البصمة الوراثية DNA لحقه"13.
2. التجسيد المادي المحسوس، يقصد به: التعبير عن الفكرة الابتكارية من خلال قالب ملموس؛ وذلك بإفراغ المصنف في شكل مادي، ككتاب أو أسطوانة أو أي دعامة مادية أخرى، فالقانون يحمي الإبداعات لا الأفكار؛ لأن الأفكار لا تعد مصنفات، وهذا ما أكدت عليه الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية في الدول العربية14.
3. استقلالية الحماية عن قيمة المصنف، تنصب الحماية المقررة على المصنفات المبتكرة [الأدبية أو الصناعية]، وطريقة التعبير عنها [كتابية أو شفهية]، والغرض منها [تعليمية، أو ثقافية، أو نفعية، أو تجارية]، فلا تؤثر قيمة المصنف على تمتعه بالحماية القانونية، وقد قررت التشريعات الدولية والعربية وسائل قانونية لحمایة المصنفات الرقمية، ومنح المؤلف الحق في اللجوء إلى القضاء لطلب التعویض عن الأضرار المادية والمعنوية في حالة الاعتداء على حقوقه الفكرية، إضافة إلى بعض الإجراءات التحفظیة التي كفلتها قوانين حماية الملكية الفكرية.
ولقد بات لزامًا على المشرع ضرورة مكافحة جرائم القرصنة والجرائم المعلوماتية المرتبطة بإدارة الحقوق الرقمية، وزيادة الاهتمام بالنواحي القانونية المتعلقة بالمكتبات الرقمية ومصادر المعلومات الإلكترونية، كذلك ضرورة إيجاد وسائل فعَّالة للقضاء على القرصنة الإلكترونية، أو على أقل تقدير تقليص انتشارها، والحد من الاعتداء على المصنفات الرقمية.
الهوامش الإحالية:
1. ينظر: حقوق الملكية الفكرية بالمكتبات الرقمية، عفاف مصطفى، إقبال محمد، مجلة آداب النيلين، المجلد الثاني، العدد الثالث، السودان، يناير 2016م، ص: 15-16.
2. ينظر: الحماية القانونية للملكية الفكرية بدولة الإمارات العربية المتحدة، مجموعة التشريعات، سلسلة مطبوعات اتحاد الغرف، دولة الإمارات العربية المتحدة، 1996م، ص: 36.
3. ينظر: حماية الملكية الفكرية في البيئة الرقمية، سوفالو أمال، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2017م، ص: 174.
4. ينظر: مدى كفاية أحكام الحماية لحقوق المؤلف للمصنفات المنشورة على شبكة الإنترنت في القانون الأردني والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، د.عاطف سالم العواملة وآخرون، المؤتمر الدولي الأول بعنوان: المكتبات ومراكز المعلومات في بيئة رقمية متغيرة، جمعية المكتبات والمعلومات الأردنية وجامعة البلقاء التطبيقية، عمان، الأردن، 2014م، ص: 776.
5. ينظر: الحماية القانونية للملكية الفكرية، د.عصمت عبد المجيد، د.صبري حمد خاطر، د.صبري حمد خاطر، الناشر: بيت الحكمة، بغداد، العراق، 2001م، ص: 149.
6. ينظر: حقوق المؤلف في القانون دراسة مقارنة، د.محمد خليل يوسف، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1429هـ/ 2008م، ص: 279-280.
7. ينظر: مبادرات حماية حقوق الملكية الفكرية في البيئة الإلكترونية: حق المؤلف نموذجًا، د.مها مصطفى، مجلة بحوث العلاقات العامة الشرق الأوسط، العدد الثامن، الجمعية المصرية العامة للعلاقات العامة، القاهرة، سبتمبر، 2015م، ص: 193.
8. ينظر: الجرائم المعلوماتية، محمد علي العريان، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2004م، ص221، ومبادرات حماية حقوق الملكية الفكرية، د.مها مصطفى، ص: 192-193.
9. ينظر: حق المؤلف في العلاقات الخاصة الدولية، جمال محمود الكردي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2005م، ص: 59.
10. ينظر: الحمایة القانونیة لحقوق المؤلف في التشریع الجزائري، حسیبة شتیوي، رسالة ماجستير، كلیة الحقوق والعلوم السیاسیة، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، 2016م، ص: 30-31.
11. ينظر: النشر الرقمي للمصنفات وأثره على الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف، رامي إبراهيم الزواهرة، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2013م، ص:127-160.
12. ينظر: الحماية القانونية للمصنفات الرقمية، لمياء حيدوسي، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، 2017م، ص: 9-10.
13. حق المؤلف في القوانين العربية، د.بلال محمود، الطبعة الأولى، المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية، جامعة الدول العربية، بيروت، لبنان، 2018م، ص: 39، 46.
14. ينظر: الحماية القانونية للمصنفات الرقمية، لمياء حيدوسي، ص: 10-11.