أستيقظ على صوت أخواتي وأسمع صوت زقزقة مجموعة من الطيور، أقفزُ مسرعةً نحو والدي الذي كان يحمل قفصاً يحتوي على ستة عصافير من نوع البادجي أو ما يُسمى بطيور الحب.. باب قفصها يُفتح، ويطير كل واحد منها إلى عدة جهات؛ تغلقُ أختي باب الغرفة، فيصبح مَن فيها أنا وأختي والطيور.
أجنحةٌ تبدو من زاوية نظري كبيرة فأتخيلها تصفع وجنتي وهي تحلّقُ في هذه الغرفة، أرجلٌ يسكنها ما أُسمّيه بالمخالب لطولها، فأخاف أن أفقد جزءًا مني بسببها، فأخفض رأسي تحت ذراعيّ؛ وإذْ بإحدى تلك الطيور تقف على ظهري، فتسقط من عيني دمعة تلو الأخرى وأصرخ، أصرخ كمن يطلب النجدة، وأختي تهدئني بأن الطير قد ذهب وأنه بيدها، هدأتُ فجأةً حين سمعتُ ما قالته لي.
انتهى اليوم، أذهب إلى فراشي مصدومة من ردة فعلي المبالغة كما وصفتها أختي؛ وأخذتُ أبحث عن مصطلح يعبر عن ما جرى؛ وإذ به يُدعى بـ "الأورنيثوفوبيا ornithophobia".. فوبيا الطيور.
أترك هاتفي على هذه الصفحة وأفكّرُ كثيرًا بكيفية كسر هذه الكلمة، بحيث لا تكون موجودة في قاموسي، لأكسر حاجز الخوف لدي.
أستيقظ من نوم لم يستطع حبس تفكيري في مساجنه؛ أشعر نفسي كومة ريش فأرى يدي التي قد تحولت إلى جناح بلون وردي!
ألتفتُ إلى الخلف فأرى ذيلي الطويل بلونه الجميل وأنصدم، كيف تحولتُ إلى طير في ليلة قد ظننتُ بأني تجاوزت خوفي منها؟
أتساءل: متى سأعود إلى هيئتي البشرية؟ وأين أخوتي؟ ولماذا أنا خارج منزلي؟
أترك كل هذا وأحاول أن أستمتع بالوضع الذي أنا فيه، فلطالما كنت أتمنى أن يكون لدي جناحان وأحلق بهما بعيداً إلى ما لا نهاية.
أحاول الطيران فأتخبط بجناحيّ، وأنجح برفع نفسي مترًا واحدًا، وأحاول أن أحلّق عاليًا أكثر فأكثر. بعد عدة محاولات نجحتُ بأن أعتلي في الفضاء، وأرى الدنيا من فوق، فأرى ذلك الطفل الذي ينبهر بلون ريشي، فأقترب منه وألمسه، فيلمس هو الآخر جناحيّ ومخالبي، ويبتسم فرحًا! فأتعجبُ منه، وأتعجبُ أكثر كلّما عَلا صوتُ ضحكته؛ قضيتُ ما بقي من يومي معه، ومع العديد من الناس الذين كانوا معجبين بلوني وبحجمي الصغير، حتى كاد أن يصحبني أحدهم إلى منزله لولا أنّي هربت وأنا أبتسم.
حان موعد ذهابي إلى منزلي، وأنا في طريقي إليه ظللتُ أفكرُ بأنّ خوفي لا جدوى منه، وأنّ بإمكاني تجاوزه حتى يختفي فلا يبقى منه شيء.
حين وصلتُ إلى منزلي عدتُ إلى هيئتي البشرية، فأيقنتُ أنّ سبب تحولي هو لأُذهبَ ذلك المصطلح من قاموسي..