تتمتّع ولاية كشمير بطبيعة خلاّبة، وشعب طيب القلب، حيث يحتضن زائريه بكل ترحاب ومودة، ورغم ظروف وقوعها جغرافياً بين قوتين مثل الهند وباكستان وتنافسهما وحروبهما من أجل ضم هذه الولاية، إلا أن ذلك لم يمنع وجود العديد من المناظر الطبيعية والأماكن الساحرة الخلابة، التي جعلتها مزاراً للسائحين من شتّى بقاع الأرض، ورغم تعرضها للعديد من الحروب والفتن إلا أنها ما زالت تحتفظ برونقها وجمال طبيعتها الجبلية وزهورها المتنوعة.
وتتمتع كشمير بسلاسل جبلية شاهقة في معظمها من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، وأهم هذه السلاسل سلسلة "كراكورم"، و"الهيمالايا" الشاهقة، و"السند" وكل هذه السلاسل تقع في الشمال، بينما تشمل السلاسل الجبلية الشمالية الجنوبية أرض تخوم البنجاب وبيربنجال. ويقع وادي كشمير بين السلاسل الجبلية الشمالية والسلاسل الجبلية الجنوبية، وتحصر سلاسل جبال كشمير مجاري نهر السند، وتقع أغلب حدود كشمير ما بين الهند وباكستان، وموقعها الشمالي العالي جعلها موقعاً جميلاً وأرضاً خصبة؛ لأنه على علوه خصب جميل المناظر بهي الوديان أخضر الجبال كثير الزهور؛ فلذلك أسموه الجنة الصغيرة.
ونظراً لجبالها وعلوها وتغطية الثلوج لها أسموها قبة العالم(1)، ويعد وادي كشمير أحد المراكز السياحية بفضل الطبيعة، وليس في شبه القارة الهندية فقط بل في العالم لدرجة وصفها بعض الباحثين بجنة الهند، وجنة الشرق، وجنة الله على الأرض، حيث وصفها المفكر الإسلامي محمد إقبال بأنها: "بقعة الورود والزهور في أرض الله". بينما قال عنها الكاتب سعيد محمود: "كشمير من أجمل بلاد العالم قاطبة، وهي بلاد جبلية، ذات أنهار كثيرة جدّاً". ولخص الرحالة العبودي هذا بقوله: "إن السائح يجد فيها من المناظر غير المألوفة له، ويرى طبيعة الأرض الجميلة والحدائق والبرك والجبال الخضراء". ويكفي القول إنها خلال الحكم الإسلامي كانت منتجعاً للملوك المغول، وفترة الحكم البريطاني لشبة القارة الهندية كان القادة والموظفون والضباط البريطانيون، وكبار أثرياء الهند يقضون أجازتهم السنوية فيها(2).
ويبدو وقوع كشمير بين أعماق جبال الهيمالايا قد أعطاها مزيداً من الرونق والجمال.

معالم سياحية
ومنها على سبيل المثال مدينة سرينغر وهي العاصمة الصيفية لولاية كشمير، ويطلق عليها فينسيا الشرق أو فينسيا كشمير، وتشتهر بحدائقها المغولية، وتشمل النوافذ الملكية وقصر الجنيات، وحديقة الربيع وحدائق التيوليب التي تتميز بزهورها المتنوعة الألوان الفائقة الجمال، وتعد حديقة نهرو من أشهر الحدائق حيث أنشأت في منتصف القرن العشرين، وتقع تحت سلسلة جبال زاباراوان، وهي أكثر المناطق جمالاً، لأنها تطل على البحيرة بما فيها من منازل مائية وأسواق عائمة وقوارب محملة بالزهور. وفي الحديقة يمكن الاستمتاع بالمناظر الخريفية والصيفية الباهرة، أما منتزه زاوباروان فقد تم تشييده حديثاً، ويقع على ضفاف بحيرة دال.

وفي المتنزه يمكن مشاهدة الطبيعة الغناء من خلال ركوب المناطيد أو الجلوس في الهواء الطلق للاستمتاع بالمساحات الخضراء أمام سحر وجمال بحيرة دال بقواربها المحملة بالزهور، وفنادقها العائمة، وعن بحيرة دال فهي تقع في مدينة سرينغر بولاية كشمير، ويطلق عليها اسم جوهرة في تاج كشمير أو جوهرة سرينغر. وتعتبر مصدراً تجارياً هاماً في مجال صيد الأسماك، وحصاد النباتات المائية، وتطل البحيرة على مناظر خلاّبة بحيث يمكنك رؤية عدد من القرى المجاورة، والمراكب المبحرة على طول البحيرة في ألوانها الجذابة، وكذلك حدائق من عهد المغول(3). وخلف بحيرة دال جبال خضر تجلّل هاماتها غلائل من السحب الرقيقة، وإذا ذهبت إلى جهة اليمين من البحيرة وقعت في حدائق شالمان المغولية، وإذا ذهبت إلى جهة اليسار وصلت إلى حدائق نشاط، وبعض الناس يذهبون إلى تلك الحدائق على قارب يسير في مياه البحيرة، وعن الأشجار الإسطوانية فتجدها في الطرق الرئيسة أشجار وافقة عامودية القوام بشكل لافت للنظر قليلة الفروع، والأغصان المتدلية وتوجد بطريق قلمارج، وتسمّى هذه الأشجار بابولار وتعني أسطوانة أو عموداً، وهي جديرة بهذا الاسم؛ فهي كالعمد المستقيمة، وقد غرسوها منذ عهد طويل على جانبي الطرق الرئيسة؛ فنمت واقفة وذهبت في السماء ارتفاعاً من دون أن تحجب من يكونون عن يمين الطريق ويساره، وربما لا يوجد مثل هذه الأشجار خارج كشمير(4).
ويعدّ وادي ليبر أو ليبرفالي كما يسمونه بمياه نهره التي تُرى على بعد عجيبة وتحفة طبيعية رائعة، حيث يكون لون المياه شديد الزرقة كأنه لون مياه البحر الصافية بل إن أجزاءً منه ترى بيضاء اللون كأنها الثلوج المتحركة لشدة اندفاعها في بعض الأماكن، وذلك لكونها آتية من جبال صخرية ليس فيها طمي، ولا ما يكدر الماء، وليس هذا النهر الجميل بمياهه الصافية ولونه الفريد هو الماء الوحيد الذي تراه يجري في هذا الوادي على البعد وأنت تسير مع الطريق، وهذا الطريق يغلقه الثلج في الشتاء، وربما وقوع كشمير في موقع ممتاز من جبال الهيملايا الشاهقة، ولذلك تأتي الأمطار الغزيرة التي تنطلق من جبال الهيملايا ومن الثلوج العظيمة التي تجلل أكتافها وهاماتها؛ فتمر بكشمير أنهاراً تحمل الخصب والنماء، ومن كشمير تنطلق تلك الأنهار لتروي الهند وباكستان، وفي وسط كل هذا تقع قلمارج ذلك المكان المرتفع في الجبال، ومعنى قل مارج أي حديقة الزهور، وما يلفت الانتباه لها هو الاطلاع على طبيعة هذه البلاد الجبلية الباردة، حيث يمكن للزائر أن يذهب إلى الثلوج، وإلى الغابات الكثيفة ذات الأشجار العالية(5).

ويعتنق أغلب سكان كشمير الدين الإسلامي، ولذلك تمتعت تلك البلاد ببعض الآثار الإسلامية، ويمكن القول إنها السياحة الدينية مثل درغاي شريف وتعني القبر الشريف، وهو مكان شهير قتل بسببه عدد من الأشخاص في مظاهرات واضطرابات، ويقال إن فيه شعرة من شعر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصف الرحالة العبودي هذا الكان حيث أشار لرؤيته لقبة عربية الطراز كالأرابيسك أحيطت بزنار من الكتابة العربية الواضحة بخط الثلث، ووضع عليها حامل الهلال من الذهب، وبجانبها منارة عربية دقيقة عالية، وحول هذه القبة أربع منارات صغيرة في الأركان الأربعة، ويوجد بوابة خارجية منصوبة تشبه القوس ذات ثلاثة مداخل فوقها أربع قباب صغيرة، وتفضي إلى فناء خارجي مكشوف مفروش بقماش أخضر اللون، وبعد الفناء رواق مسقوف مع المدخل الرئيس للمسجد، وتعلوه القبة الرئيسة وهي عالية وفرش عادي، وإنما فوق محرابه على مستوى الطابق الثاني شرفة نصف مدورة، وقيل إن في داخلها شعرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي شعرة واحدة فقط، وقيل أحضرها الملك أورنزيب المغولي عام 1052هـ/1642م، وأول من بنى عليها بناء هو الملك المغولي شاهجهان(6). نلاحظ أن الرحالة العبودي يكرر كلمة يقال، وبصرف النظر عن صحة وجود شعرة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا القبر محط أنظار وزيارات السائحين الوافدين إلى كشمير.

وعن المسجد الكبير بكشمير؛ فهو مسجد غريب الطراز، وكبير المساحة وهو أقرب للمظهر الصيني، واسمه جامع مسجد كشمير، ويقع في حي يسمى أسكندر بوره، بُني في عام 976هـ/1568م واستغرق بناؤه خمس سنوات على يد السلطان اسكندر أحد ملوك كشمير، والذي بناه مهندس مسلم اسمه صدر الدين خراساني، ولا يبعد بناؤه كثيراً عن تاريخ دخول الإسلام كشمير، وله أربع منارات صينية الطراز.. وهو كبير المساحة ولذلك لا يمتلئ بالمصلين إلا يوم الجمعة، وسقفة من الخشب، وبعد احتراقه تم بناؤه مرة أخرى على يد الملك أورنزيب المغولي عام 1083هـ/1672م، وكان محرابه من الجرانيت الأسود التي تبدو كالمرمر الأسود، وقد كتبوا على المحراب سورة الجمعة، وفوقه أسماء الله الحسنى، ويبلغ مساحته 14700 م2، وقيل إنه بني ليتسع لثلاثة وثلاثين ألف وثلاث مائة مصلٍ (33333)، وقيل الحكمة في ذلك أنهم لو سجدوا جميعاً، وقالوا سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاث مرات كان مجموع ذلك مائة ألف(7)، فهو بكل المقاييس تحفة معمارية ومزار هام لكل سائح مسلم.

حاولنا أن نلقي نظرة على الجانب الآخر من كشمير بعيداً عن الصراعات والفتن. كشمير ذلك الركن الهادئ البعيد المحتمي في وديان جبال الهيملايا الشاهقة، خلف ستار من الشتاء القارس، وبلورات الثلج البارد إلى الوديان العميقة، والقمم المنيعة، كشمير ذات الحدائق الكثيرة والنافورات المنتشرة، لتحتضن كل زائر لها يرغب في الاستمتاع بالطبيعة وجمالها.
الهوامش: 1. رأفت الشيخ، محمد رفعت، آسيا في التاريخ الحديث والمعاصر، (دار عين، القاهرة، 2001م)، ص: 293؛ انظر محمد ناصر العبودي، سياحة في كشمير، (الرياض، 1991م)، ص: 17. ┋ 2. كاظم هيلان محسن، كشمير دراسة في التاريخ السياسي للصراع الهندي الباكستاني، (دار الفراهيدي، بغداد، 2012م)، ص: 62؛ سالم القحطاني، رحلتي إلى كشمير، (القاهرة، 2016م)، ص: 15، 115، 119. ┋ 3. الحسني عبد الحي، الهند في العهد الإسلامي، (دار المعارف الإسلامية، حيدر آباد، 1972م)، ص: 62؛ سالم القحطاني، المرجع السابق، ص: 128- 135. ┋ 4. العبودي، المرجع السابق، ص: 70، 129. ┋ 5. العبودي، المرجع السابق، ص: 16،79، 80، 144. ┋ 6. العبودي، المرجع السابق، ص: 66- 68. ┋ 7. العبودي، المرجع السابق، ص: 76- 78.