عن سؤال الواقع والحياة؟!

إطلالة على مسرح الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي

سريعة سليم حديد

من بوابة المسرح، ندخل عالم التأليف الذي من خلاله تتثبَّت دعائم العروض المسرحية لتقول كلمتها، ليس على صعيد الذاكرة الجمعية فقط، بل على صعيد حركة التاريخ المتأصل عربياً وعالمياً، ومن خلاله تتوثَّق نتاجات الأمة الإبداعية لتصبح مرجعاً يحتذى به.
 

قام الأديب والناقد السوري "هيثم يحيى الخواجة" بدراسة نقدية تحليلية، فقدَّم بانوراما عن مسرح الأديب الإماراتي صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي (حفظه الله) ضمن كتابه الذي بعنوان: مسرح سلطان بن محمد القاسمي سؤال الواقع والحياة.

 

الكتاب مقسَّم إلى فصول عدة احتوت التجربة الفنية المسرحية التي عمل عليها الدكتور "القاسمي". وقدَّم الدكتور "الخواجة" له بلمحة موجزة عن المسرح الإماراتي، وتأسيس المسرح في مرحلة الخمسينيات، ومروره في مراحل متعددة على يد عدد من المؤسسين مثل: محمد صقر، وسعيد بوميان، وجمعة الحلاوي، وغيرهم.

أما في مرحلة السبعينيات فقد اتجه المسرح إلى التراث والحكايات الواقعية، لكنه ازدهر بشكل لافت في مرحلة التسعينيات ليثبت نفسه على الصعيد الخليجي، فبرز العديد من كتَّاب المسرح الذين نالوا جوائز على الصعيد المحلي والعربي، بالإضافة إلى المشاركات الإماراتية في مهرجانات مسرحية عربية.

كما عرَّج "الخواجة" على ذكر العديد من كتاب المسرح الإماراتي، منهم: الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وإسماعيل عبد الله، وأحمد راشد ثاني، وسالم الحتاوي وجمال مطر، وناجي الحاي ومرعي الحليان. وإبراهيم سالم وعبد الله صالح، وماجد بوشليبي وصالح كرامة، وعلي أبو الريش وعبد الله المناعي، ومحمد سعيد الضنحاني ود. حبيب غلوم العطار وجمال سالم.

كما أشار إلى تطور المسرح الإماراتي في الوقت الراهن، وخاصة فيما يتعلق بالمسرح المدرسي، وظهور مهرجان المسرح الجامعي، ومهرجان دبي لمسرح الشباب، وكذلك الدور الهام الذي تقوم به دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، والهيئة العربية للمسرح وما يصدرانه من كتب متخصصة في المسرح، إضافة إلى إقامة الملتقيات والمؤتمرات والدورات المسرحية، والمسابقات والعروض والمهرجانات المسرحية.

وقد أثبت الدكتور "القاسمي" حضوره المسرحي المميَّز من خلال العديد من المسرحيات التي قدمها، وبذلك استطاع أن يؤسس لنص مسرحي جماهيري مؤثر.

- مما يحتسب للدكتور "الخواجة" اهتمامه بتوثيق الحركة المسرحية الإماراتية بكل ما تحمل من تطورات، إضافة إلى بسط نظرته النقدية حول مسرح الدكتور "القاسمي" بشكل خاص، أضف إلى ذلك النزاهة التوثيقة التي يتصف بها "الخواجة" بعيداً عن المجاملة والمغالاة.

- الفصل الأول من الكتاب جاء بعنوان: البنية الفنية في مسرحيات د. سلطان بن محمد القاسمي.

تحت عنوان: المسرح فن التثاقف والعطاء، أبرز "الخواجة" وجهة نظره الخاصة في الموضوع، نقتطف:
"إن المسرح الوثائقي مسرح إشكالي من حيث النجاح وعدمه، لهذا لا بُدّ من أن نربط النجاح بمقدار فهم المخرج وقدرته الإبداعية، وقراءته الإخراجية الخلاقة" [ص: 26].

من خلال المسرح الوثائقي انطلق الدكتور "القاسمي" مستنداً إلى التاريخ بما يحمل من حكايات تركت أثراً كبيراً عبر الأجيال، من هنا جاء اختياره الصائب ليثبت نفسه في عالم المسرح الكبير، ويقدِّم نتاجات إبداعية جديرة بالمتابعة لأنها تنفتح على التاريخ من جهة، ومن جهة أخرى أغلبها يواكب الأحداث التي تعيشها الأمة العربية حالياً.. نقتطف من قول الدكتور "القاسمي" الذي بيَّن هدفه من قراءاته، فقال:
"من قراءاتي لتاريخ الأمة العربية، وجدت أن ما جرى للدولة العباسية قبل سقوطها مشابه لما يجري الآن على الساحة العربية؛ وكأنما التاريخ يعيد نفسه، فكتبت هذه المسرحية من منظور تاريخي لواقع مؤلم" [ص: 34].

عرض "الخواجة" العديد من المسرحيات التي كتبها د. "القاسمي" وذلك تحت عنوان: المضمون بين الماضي والحاضر واستلهام المستقبل. من تلك المسرحيات: النمرود، شمشون الجبار، ومسرحية عودة هولاكو، ومسرحية القضية، ومسرحية الواقع صورة طبق الأصل، ومسرحة الاسكندر الأكبر، ومسرحية الحجر الأسود. فأعطى لمحات عابرة عن كل مسرحية مبيناً أفكارها الرئيسة، وقدَّم بعض المقتطفات من كل مسرحية.

ويتابع المؤلف حديثه حول معمارية البناء الفني في المسرحيات متناولاً بعضها، منها مثلاً: "عودة هولاكو"، فاعتمد المؤلف المسرح التسجيلي التاريخي الوثائقي بطريقة محكمة وجمل حوارية رصينة، وتخلل الحوار طابع السخرية والألم.

إن شخصية هولاكو شخصية قديمة حديثة، وهذا إثبات للمرجعية وتأكيد البطولة والقدرة على النهوض من جديد، فالذين دافعوا عن وطنهم وردوا الغزاة هم في حد ذاتهم شباب الأمة وعلى عاتقهم تقع المسؤولية، فقد أتت النهاية الهادفة التي أخذت النداء طريقاً للتعبير عن هدف المسرحية بشكل واضح، فجاء النداء للعرب والمسلمين ليخرجوا العلقمي من ديارهم فهولاكو راجع. من هنا وجد "الخواجة" أن مسرح "القاسمي" مسرحاً نوعياً لانتهاجه أسلوباً جديداً، وعمله على توعية الجمهور والنهوض بالأمة، وكان له الدور الهام في انفتاح المسرح على التجريب والتراث بأحداثه ومواده مما ساهم في تقديم مسرح متميز.

تحت عنوان مسرحيات القاسمي بين أسلوبين: باسكاتور وبوشنر، فالقاسمي قد تجاوز البعد التوثيقي المحايد فأظهر رأيه بما يحدث للأمة دون أن يتخلى عن جماليات فن الكتابة المسرحية، آخذاً بعين الاعتبار جانب التأصيل المسرحي وتأثيراته، لذا جاءت بُنى النص مكثَّفة وذات دلالة وبلاغة.. وهذا يدل على فهم واع لروح المسرح وطبيعة الأحداث التاريخية، وقد حاول اللجوء إلى الخيال لتثبيت الوقائع وإقناع المتلقي بما يقدِّم عبر "السينوغرافيا" وفضاءات الأحداث، نقتطف:
"وهذا ما يذكِّرنا بــ"بسكاتور" الذي استخدم الوثيقة السياسية والتاريخية كوسيلة لربط الحدث المسرحي بالمسار السياسي" [ص: 43].

حاول "القاسمي" الموازنة بين المادة المعلوماتية وجمالية الدراما، وهذا ما جعله من المطورين للمسرح، وكان سبباً لنجاح مسرحياته في الإمارات.

ونتابع سرد ما ذكره "الخواجة" في الفصل الثاني الذي بعنوان: الاتجاهات الفكرية في مسرح د. سلطان القاسمي. صحيح أن "القاسمي اتكأ على التاريخ في سرد أحداث مسرحياته، لكنه انطلق باتجاه الواقع ليناقش القضايا الاجتماعية والإنسانية والقومية بطريقة غير مباشرة، معبراً عن حبه للعروبة والحياة الكريمة، ونبذ الظلم والعدوان والكذب والفساد..

الفصل الثالث كان بعنوان بناء الشخصية في مسرحيات د. سلطان بن محمد القاسمي، وتلاه الفصل الرابع ليقدم الحوار المسرحي في مسرح "القاسمي" ليقف المتابع عند الفصل الخامس الذي تحت عنوان النص المسرحي والحياة، فيكتشف خطة مؤلِّف الكتاب في عرضه لمسرح "القاسمي" معتمداً على أهم عناصر المسرح بما تحمل من مميزات وأفكار وملامح.

لم يكتف مؤلِّف الكتاب بالدراسة الأدبية والاستعراض لما كتبه القاسمي من مسرحيات، بل تجاوز ذلك لينقل رؤيته الخاصة فيما عُرض من مسرحيات للقاسمي على خشبات المسارح، آخذاً بعين الاعتبار النقلة النوعية التي من الممكن أن تشكلها تلك المسرحيات على صعيد المسرح الوثائقي التسجيلي الذي جاهد "القاسمي" في الحفاظ على هذا المنهج بشكل خاص. فقد أفرد المؤلِّف جانباً من الكتاب لتحليل مسرحية "الحجر الأسود" بين قطبي الفن والجمال. كما تناول مسرحية "عودة هولاكو" بين المأساة والملهاة في قراءة إخراجية لافتة، متسائلاً: ما الذي فعله المخرج الجزائري "لطفي بن سبع" في تصديه للمسرحية وإعادة قراءتها إخراجياً؟ فهو لم يكتف بإعادة القراءة الإخراجية بل تجاوز ذلك ليحول المسرحية من التراجيديا إلى الكوميديا، مع أن الموضوع لا يحتمل الكوميديا. علماً أن الكوميديا من الصعب تحويلها إلى التهريج، وهنا تكمن براعة المخرج في الحفاظ على مستوى النص أدبياً وإخراجياً، نقتطف من كلام "الخواجة":
"لقد استطاع المخرج عبر فضائه الإبداعي الكشف عن المركزية المنفتحة على الكوميديا، فيؤسس رؤيته الإخراجية الرافضة للتكلس والتقليدية الراغبة في تلوين سحر اللحظة ليفوز بإثارة المتلقي وشده إلى الخشبة، ولهذا تشكَّل فضاؤه المسرحي من خلال التركيز على الثنائية الضدية (طويل وقصير، جريء وجبان، نشيط وكسول..)، ومن خلال تناسق الألوان وتنوعاتها وتشظياتها الراعفة" [ص: 119].

ينهي "الخواجة" الكتاب بثلاثة ملاحق. ذكر في الأول كلمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في اليوم العالمي للمسرح (27 مارس 2007)، وفي الملحق الثاني يدرج فيه كل مؤلفات "القاسمي"، التي تناولت موضوعات عدة منها ما يتعلَّق بالمسرح والتراث، وأخرى بالتاريخ والجغرافيا وأدب السيرة. وقد بلغت تلك المؤلفات اثنين وثلاثين مؤلفاً كان منها: أسطورة القرصنة العربية في الخليج، والحقد الدفين في طبعات عدة، وبيان الكويت (سيرة حياة الشيخ مبارك الصباح) في طبعتين. وكتاب تحت راية الاحتلال 2014.

أما الملحق الثالث، فقد تضمَّن نماذج من صور لمسرحيات د. "القاسمي" من مسرحية (الاسكندر الأكبر)، و(النمرود)، و(شمشون الجبار).

من اللافت أن المؤلف استعرض العديد من مسرحيات "القاسمي" فلم يتناول مسرحية بحد ذاتها، فربما آثر الولوج في العديد منها ليظهر تنوعها من جانب، ومن جانب آخر ليعطي الفرصة للاطلاع على أكبر عدد منها.

ختاماً؛ نقول: إن هذا المؤلَّف لهو صفحة مضيئة تضاف إلى وثائق المسرح العربي، بما يحمل من عناصر رافعة بذل فيها "الخواجة" قصارى جهده ليخرج به إلى النور، ويقدِّم مسحة نقدية مبسَّطة حول ما وصل إليه الدكتور "القاسمي"، الذي عمل جاهداً على نقل هموم الأمة وطرحها أمام جمهور المسرح، الذي يحسب له ألف حساب.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها