قضايا المرأة.. فـي الرواية الإماراتية

د. عثمان المودن


الناشر: دائرة الثقافة بالشارقة/ 2019. (عدد الصفحات: 250/ الحجم المتوسط.)

مع بداية سنة 2019 صدر عن دائرة الثقافة بالشارقة ضمن سلسلة رسائل جامعية كتاب للدكتورة هند المشموم تحت عنوان: "قضايا المرأة في الرواية الإماراتية"، وهو عمل يقع في مائتين وخمسين صفحةً من القطع المتوسط، تعرضت فيه الكاتبة إلى سبعة أعمال روائية محلية، كتبت ما بين أواخر السبعينيات حتى حدود 2013، وذلك بغرض مناقشة بعض من قضايا المرأة الإماراتية، ومناقشة آراء من تعرضوا إليها على "أسس علمية منهجية ونقدية سليمة"، هذه الأعمال هي: رواية "تثاؤب الأنامل" للكاتبة رحاب الكيلاني، رواية "عيناك يا حمدة" لآمنة المنصوري، رواية "شاهندة" لراشد محمد، والتي صدرت عام 1973، رواية "طوي بخيتة" للروائية مريم الغفلي، رواية "مزون" للكاتب محمد عبيد غباش، رواية "رائحة الزنجبيل" للكاتبة صالحة غابش، وأخيراً رواية "عندما تطمح المرأة ويغضب الرجل" لسلطان الزعابي.

في مقدمة الكتاب ذكرت هند المشموم أن فنّ الرواية يعد من الأجناس الأدبية المحدثة التي تسعى جاهدةً لتصوير واقع المجتمع، وتترك بصماتها بوضوح، لما تملكه من آليّات فنّيّةٍ يمكن إلى حدّ ما الاحتكام إليها؛ لذا اعتمدت هذه الدراسة على تصوير قضيّة المرأة الإماراتيّة من خلال الفكر الروائي المعزّز بالأدلّة المنطقيّة، والفكر الناهض. وعليه، فقد طرحت حزمةً من التساؤلات تدور حول ماهيّة القضايا التي تخص المرأة الإماراتيّة، منها: هل المرأة قضيّة، أم صانعة للقضايا؟ هل كانت قضيّة البحث في الذات الأنثويّة في صراعها الخارجيّ أبرز قضيّة؟ أكانت الأسرة تشكّل قضيّة بذاتها؟ إلى أي مدى نجح الكتّاب في طرح قضاياها؟

في الباب الأول ناقشت الكاتبة موضوع "المرأة وقضية الذات"، أما الباب الثاني فقد تناولت فيه هند المشموم موضوع "المرأة والقضية الأسرية في الرواية الإماراتية" مبرزة من خلاله مكانة المرأة داخل الأسرة وعلاقتها بالرجل وسعيها الدائم إلى التحرر، بالإضافة إلى تتبع تفاصيل الحياة اليومية للمرأة الإماراتية، أما الباب الثالث فقد تناولت فيه الكاتبة موضوع "المرأة وقضية العمل في الرواية الإماراتية"، وهو الباب الذي قارنت من خلاله بين مكانة المرأة في الماضي ومكانتها في الوقت الحاضر، مبرزة التحديات التي كان على المرأة العربية بصفة عامة، والإماراتية بصفة خاصة تخطيها لترتقي بموقعها في المجتمع.

لقد أثبتت هند المشموم عبر صفحات هذا الكتاب أنّ من أهم القضايا التي واجهتها المرأة في مسيرتها منذ عقود -والتي تناولها كل كتاب الأعمال السابقة- تُحقق مبدأ المساواة بينها وبين الرجل، هذا المبدأ الذي لن يكتمل إلا بتمتيعها بحقوقها كاملة، وفي مقدمتها السّماح لها بالعمل في جميع الوظائف والمهن، التي ظلّت حتّى الآن حكراً على الرّجال، ولا شكّ أن منع المرأة من العمل يعود بالدرجة الأولى حسب الكاتبة إلى رغبة الرّجل في الإبقاء عليها داخل الحياة المنزلية؛ لأنّه لم يعتد بعد فكرة العيش مع شخص آخر كفء أو ندّ أو نظير له، والحجج التي يسوقها الرّجل في هذا المجال كلّها واهية، من قبيل أنّ نجاحها يكون في منزلها، أو أنّها تجد السّعادة الحقيقية والرّاحة التّامة في البيت، أو القول بأنّ النّساء بصفة عامّة أقلّ موهبة من الرّجال من حيث القدرات والملكات العقلية، وأنّ أذكى النّساء أقلّ في قدراتها العقلية من أحد الرّجال الذين يتولّون حالياً القيام بالوظائف والأعمال، لكنّ الواقع يقول إنّ كثيراً من الوظائف الموجودة في المجتمع يشغلها رجال أقلّ كفاءة وصلاحية من العديد من النّساء.

وباستعراض الكاتبة للروايات الآنفة الذكر في خطوة منها إلى معالجة قضية المرأة روائياً في الإمارات، أكدت على أن المرأة اليوم أصبحت قادرة وواعية بدورها وإمكاناتها في الدفاع عن قضاياها، فهي بدون شكّ تُدرك دور أشكال التّمثيل الأدبي (شعر، قصّة، رواية وغيرها) في تغيير السّائد، والانتصار على رواسب "ثقافة الموؤودة"؛ من أجل تكريس "ثقافة المولودة" على حدّ تعبير الأديبة زهرة الجلاصي، فبأشكال الأدب والفن المختلفة تستطيع المرأة أن تعبّر عن ذاتها والبوح بسرِّها، معلنة عن ميلادها، مؤكِّدة لحضورها، محرِّكة للمنسي من أخبارها بوعي وإدراك وتبصّر وإحقاق، وعلى الرّغم من طموح الخطاب النّسائي إلى امتلاك منصَّة تترجم حقيقة الوجود الفعلي للمرأة ككيان إنساني يتفاعَلُ ويَنفعِل مع نفسه ومع محيطه؛ فإنّه لا يزال يصارع من أجل ذلك في السرِّ والعلن.

لقد عالجت الرواية الإماراتية -من منظور الكاتبة- قضايا المرأة منذ منتصف القرن الماضي إلى اليوم، وقد نحت مختلف هذه الروايات نحو اعتبار المتغيِّرات الثّقافيّة والمادّيّة في المجتمع الإماراتيّ، أنتجت رؤيا جديدة للمرأة واجهت الرّؤيا الموروثة لها، ولكنّ هذه المواجهة بينهما لم تكن حادّة، بحيث تُنتج تمرُّداً نسويّاً، وانقلاباً على المفاهيم السّائدة، بل كانت مواجهة لطيفة، اكتفت بالاحتجاج على الظّلم والتّهميش والدّونيّة، ودعت بلطف إلى الحقوق الإنسانيّة للمرأة، لذلك تراها تتبنى فكرة المساواة بين الرجل والمرأة، وتؤمن بتبادل الأدوار بينهما في مجابهة أطوار الحياة، دون الالتفات العميق لمسألة الهيمنة وتعقيداتها.

وقد خلصت الدراسة في الختام إلى نتائج منها: أن الروايات التي تمت دراستها أبرزت شخصية كل من المرأة والرجل، وقد جعلت من المرأة/‏‏‏ الأنثى شخصية إيجابية، بينما حولت شخصية الرجل/‏‏‏ الذكر إلى شخصية سلبية بدرجات متفاوتة. كما خلصت أيضاً إلى أن "قضية المرأة الإماراتية جاءت بأطر كفاحية وتمردية وتصور قرينها الرجل بصوره القمعية، وتكون نهايات البطلات تقترب من المأساوية والتمرد بشتّى أشكاله، فقضية المرأة لا تزال تحت المجهر، والفكر الإبداعي على اختلاف ألوان طيفه وتباينه ما زال يرصد أعمالها الناضجة، ويؤطر رؤيته الفنية بمنهجية علمية ورؤى متكاملة". يضاف إلى ما سبق كون الروايات المتناولة في البحث أكدت على أن المرأة دائماً ما تعتقد أن الرجل هو سبب سعادتها في حين هو سجانها الدائم، فسيطرته لم تقف عند رسمه لقوانين تحكمت في حياتها في الواقع، بل هو من يرسم متخيلها أيضاً، ويحضر بقوة ويلقي بظلاله على مصيرها وقراراتها، فهو غالباً ما يعتقد أن لا وجود للمرأة إلا من خلاله.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها