قصّتانْ

خالد ماضي


[1]
حتى النهاية!

 

في قاعة أنيقة للتدريب، تحوطها أشجار باسقة، كان المدرب حريصاً على إحضار جو المرح إلينا، يجتهد في إظهار مهاراته.. ويرسم ابتسامة على وجهه، يشير بقلمه إلى السبورة الإلكترونية ويقول:
- التدريب متعة وتعلم في نفس الوقت.

أطرق يفكر قليلاً.. وداعب وجوهنا نسيم خريفي، هب من خلال نوافذ القاعة المشرعة، طلب من الحاضرين أن يقص كل واحد موقفاً شاهده أثّر فيه، ولن ينساه بقية العمر.
ثم أردف قائلاً:
- لنريح العقول قليلاً.. وننشط.

 تتابع سرد المواقف، كلها كانت جيدة ومؤثرة.. إلى أن جاء الدور على ذلك الذي يجلس في هدوء قاتل، وينطوي داخله على مسحة من حزن، ظهرت في عينيه الغامضتين. قص عن موقف -عندما كان في الجيش- لجندي أثناء التدريب بالذخيرة، عندما صدرت الأوامر أخذ يجري بإخلاص للتنفيذ، فأصابته دانة فصلت الرأس؛ لكنّ يديه ظلتا تمسكان بسلاحه، وقدماه تحملان جسده، وظل يجري إلى النهاية.. ثمّ اصطدم.

امتلأت عيون السيدات في قاعة التدريب بالدموع. اختفت الابتسامة على وجه المدرب. انشغل تفكيري بالجندي.. بدون وعي مني رسمه خيالي حياً يرزق. رأيته رافعاً الرأس يذود بسلاحه عن الوطن .. وانطلق المدرب يكمل تدريبه، لكن غادرنا جو المرح.

 

[2]
وقتٌ للمتعة

يلقي بنفسه في الماء، يغيب.. ننتظر جميعاً بلهفة أن يطفو على السطح، يغيب.. فجأة يظهر على مسافة بعيدة جداً منّا. يعترينا الذهول ونصيح مهللين:
- أحسنت يا حوت، أنت سبّاح ماهر.
نعود للقفز في ماء الترعة. يمتلئ الفضاء بمرحنا وضحكاتنا الصغيرة المترعة بحب الحياة. يمضي بسرعة وقت القيلولة ونحن لا نصدق؛ لكن أذان العصر يحسم الأمر. يجبرنا على العودة عبر الحقول، وقلوبنا ترتجف من آبائنا فيقول الحوت:
- لا تخافوا! من أين لهم أن يعرفوا ما نفعل؟

نطمئن بقوله قليلاً. ننظر عبر الأفق، الأرض تخرج الصهد، وأقدامنا تلسعها سخونة الطريق الترابي الممتد.. نقترب من بيوتنا الطينية، يزداد القلق؛ لكن نتعاهد فيما بيننا -إن مرّ اليوم بسلام- أن نعيد الكرة غداً.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها