كتابة جديدة لطفل المستقبل كتابة جديدة لطفل المستقب

عبدالجليل عمر الشيخ

ياسين محمود باطوق، مفكر و أديب، و من أبرز زعماء الحركة الوطنية و أحد مؤسسي الرابطة الإسلامية. الذين لعبوا دوراً تنويرياً، كان له أثره الكبير على الأجيال الجديدة [2]. 

ولد باطوق في 14 مايو 1914م في مدبنة مصوّع في عائلة تجارية أستقر بها المقام منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. و تعلم القراءة و الكتابة و حفظ القرأن الكريم في الكتاتيب - مسجد الشافعي -. درس المراحل الأولية بمدرسة فرديناند مارتيني الإيطالية في جزيرة طوالوت بمصوّع. نال شهادة المحاماة للترافع أمام جميع المحاكم الأريترية في عام 1955م [3]. 

كان شغوفاً بالعلم فلا يبارح شيخاً الا و تتلمذ على يد شيخ أخر حتى ينهل من معين العلم ابتداءً من شيوخ مصوّع وصولاً الى العلامة محمد عمر المختار مفتي أريتريا، حيث درس عليه كتاب صدر الشريعة في أصول الفقه، وصحيح البخاري، ومصطلح الحديث. و كان حينها عضواً في البرلمان الأريتري [4]. و " كان فقيها إسلاميا، و من رجال الأدب والتاريخ، والصحافة والبحث. وله باع كبير فى الثقافة الإسلامية العربية، والغربية. و كان شديد التمسك بالتقاليد الدينية والاخلاق الحميدة …كان يمتلك مكتبة قيمة، وقد ترجم إلى العربية كتاب “تاريخ محافظة مصوع الإقليمية” لدانتى أدرسو الإيطالي، وكان في صدد تأليف كتاب سماه “فصول عن ماضي شعوب أريتريا وحاضرها” [5] .

انخرط في العمل الوطني في النصف الأول من أربعينيات القرن الماضي، حيث عمل رئيساً للجنة المدارس. بالإضافة إلى كونه عضواً في المجلس الاستشاري و مجلس الأوقاف في مصوّع. و هو من مؤسسي الرابطة الإسلامية، و عضو في مجلسها التنفيذي. و رئيس تحرير جريدة صوت الرابطة الصادرة باللغة العربية "صوت الرابطة الإسلامية الإريترية". 
زار باكستان ممثلاً للرابطة، و سافر ضمن وفد الرابطة برئاسة الزعيم الوطني ابراهيم سلطان في عام 1949م، إلى  مقر المنظمة العالمية في نيويورك للدفاع عن تقرير مصير أريتريا.

كان أخاً و صديقاً لرائد الأمة الأريترية - الشهيد بإذن الله - عبدالقادر كبيري، حيث رثاه بقصيدته النونية [6]:
يا خادم الإسلام أجر مجاهــد في الله من خلد ورضوان
الله يشهد أن موتك بالحجـــى والجد والإقدام والعـرفـان
إن كان للوطنية ركن قائـــم في هذه البلاد فأنت الباني


لا يكاد قارئا و متابعا لمسيرة الأدب الأريتري، أن يشيح بنظرة عن تجربته الرائدة       و مكانته بين مثقفي وأدباء و شعراء أريتريا. حيث ساهم في تفعيل الحركة الفكرية والمشهد الثقافي،الذي وضع بصماته الواضحة على خارطة الثقافة ضمن النسق العام للتيارات الثقافية التي برزت أنذاك من أمثال محمد إقبال و باكثير و أضرابهم. حيث كانت الحرية و السيادة القومية تسير يداً بيد مع التعليم و رفع مستوى الوعي الثقافي و الاجتماعي. 
كانت له مساجلات مع العديد من معاصريه من الأدباء والمفكرين وغيرهم. و ربما أشهرها مع الأستاذ محمد أحمد سرور، التي وصلت مرحلة أن يشارك فيها الأخرون. خصوصاً بعد مقالة باطوق: أيقال أدب عربي أم أدب إسلامي ؟،  مجلة المنار – ص(9-15) العدد الثالث 7 جمادى الأولى 1374هـ الموافق 1/1/1955م . حيث كتب فضيلة الشيخ غوث الدين الحاج مؤمن الأفغاني مقالة بعنوان: الأدب الإسلامي، في مجلة المنار الأريترية – ص(15-17) العدد السادس 8 شعبان 1374هـ الموافق 1/4/1955م. حيث أوضح أن الهدف هو:( لإزالة الشبهة و الخفاء عما وقع فيه الإختلاف بين الصديقين الفاضلين الشيخ ياسين باطوق و الأستاذ محمد سرور في مسمى الأدب و مصدره العلمي). 

تمنح مقالات باطوق القارئ فرصة للأطلاع على الأدب أنذاك . كما تكشف عن ثقافة باطوق العربية ومصادرها:(اذ بينما تجدني مع شيخ الأدب العربي الدكتور طه حسين في كتبه - "فصول في الأدب و النقد "،"وفي الأدب الجاهلي"، و "حديث الأربعاء"، و "من حديث النثر  و الشعر"، متنزه . فانك تجدني مرة أخرى مع غيره من كبار الأدباء المعاصرين كأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد في " تأملات في الفلسفة و الأدب و السياسة و الاجتماع". 
و الأستاذ العقاد في "مراجعات في الأدب و الفنون". و الزيات في "أصول الأدب". أقول بينما تراني مع اساطين الأدب و فطاحلة من العلماء المعاصرين، اذ بك تراني، و قد طويت حجب العصور الماضية كطي السجل للكتب، فتجدني و قد التقيت الجاحظ في "البيان و التبين"،         و بالمبرد في "الكامل"، و ابن قتيبة في "أدب الكاتب "، و بابن عبده ربه " العقد الفريد".  و لم تمض غير ساعات حتى تراني، و قد عدت من هذه الرحلة بعد أن متعت النفس برؤية هذه الجنان الفيحاء و المروج الخضراء، فالقى عصى التسيار الى ساحة وارفة الظلال ، و قد فجر الله فيها ينابيع الأدب و الحكمة، ذلكم هو كتاب"تاريخ الأدب العربي" لنابغة العصر المرحوم مصطفى صادق الرافعي [7].

و من خلال البنية المعرفية التي يستند عليها، تجده منافحاً عن الأدب في مقالة بعنوان : أدب المعدة و أدب الروح - مجلة المنار – ص(9-13) العدد السادس 8 شعبان 1374هـ الموافق 1/1/1955م.  

و يمكن من خلال المقتطفات التالية إدراك ذلك، حيث أوضح  [8]:"أدب للمعدة، هو ذلك الأدب الذي ينظر صاحبه إلى الوجود نظرة من يحاول الحصول على الخبز، و علاقته بالمتمع و بكل ما يدور حوله من أشياء هي كهذه النظرة بالذات. و من أجل هذه الأسباب نجده يتغنى بالمديح للإرتزاق و يكسب و يثور بالهجاء في سبيل استرضاء من يطمع كرمُه. و من هنا انحطت قيمة مثل هذا الأدب، و نزلت مكانته الى الحضيض. و أصبح يطلق عليه أدب المعدة لأنه لا يثير في صاحبه استطلاع أسرار الكون، و الأفتتان بجمال الطبيعة و التغني بأفانين الوجود". 


و يبدأ بتحديد الأدب كقيمة روحية مقابل أدب المعدة:(أما أدب الروح ، فهو ذلك الأدب الذي يدعو صاحبه الى النظرة العميقة الشاملة على العالم كله. و يجعله يحس بالطبيعة           و يستشعر جمال الكون. و يسعى الى استكشاف نواميس الطبيعة و استكناه دفائن الكون           و تصوير ذلك تصويراً إبداعياً قدي يكون له أكبر تأثير في رقي الأمة و حضارتها).
و بتناول الآداب في الحضارات القديمة و المقارنة فيما بينها حتى يصل لمرحلة الحديث عن الأدب العربي الإسلامي فيقول:(و ها قد جاء دور الحديث عن الأدب العربي الإسلامي، فلا غرو أنه أدب روح و أرف الظلال. يمتاز بالحيوية و الخيال الخصب و قوة الإبداع و الإنشاء بدرجة لا تدانيه فيها الآداب القديمة . و مع ذلك كله فقد أراد بعض الباحثين أن يلصق عليه التهمة بأنه أدب معدة . أتدري لماذا ؟ كان هذا الحكم الجائر؟ ان الحجة في ذلك هو كثرة المديح و الهجاء في شعر العصر العباسي. كثرة تدل على طغيان أدب المعدة في ذلك العصر. و لكن سرعان ما تتبدد مثل هذه التهمة من نفسك و لا يبقى لها أثر عالق بذهنك اذا علمت أن أساس الأدب العربي هي دعوة الإيمان و لغة القرأن . و قد كونتها تعاليم الدين الحنيف التي يرجع الفضل في تحويل العقلية الأولى التي كان يتجلى فيها ضعف التعليل في فهم و إدراك الإرتباط بين العلة و المعلول و السبب و المسبب، حولتها من هذه الحالة الساذجة إلى حالة النظرة العميقة الشاملة. و حتماً الى سبر غور مجاهيل آيات الكون و اكتشاف نواميس الطبيعة، و إطلاق الحرية للعقل و تحريره من الأغلال التي ظل يرسف تحتها قرون طوال. فهذه هي اذا الدافع و الأسباب التي رفعت مكانة الأدب العربي، و جعلته في عِداد بل و في طليعة الآداب العالمية القديمة الكبرى. لأنه يستوحي الهامة من روحانية السماء التي لا تقييم وزناً للون و الجنس و العنصر.

و ما هذه إلا مقتطفات من سيرة أديب، نرك ينبوعاً للأجيال يرّفد الثقافة الأريترية المعاصرة. رحم الله ياسن محمود ياطوق ، الذي حمل رسالة العلم و الآدب و الدفاع عن الهوية الأريترية حتى رحيله من دنيانا الفانية بمسكنه في حى طوالوت بمدينة مصوّع ، ليلة الجمعة أول سبتمبر 1967م.

------------
1)    د.محمد عثمان أبوبكر - جذور الثقافة العربية و التعليم في أريتريا – الناشر المكتب المصري لتوزيع المطبوعات – القاهرة  1997م ص:122
2)    د.محمد عثمان أبوبكر - تاريخ اريتريا المعاصر– القاهرة 1994م ص:328
3)    منقول بتصرف - ترجمة باطوق في موقع مفتي أريتريا الأول  mukhtar.com 
4)    المصدر السابق.
5)    المصدر السابق.
6)    المصدر السابق.
7)    باطوق – الأدب و الأديب – مجلة المنار – العدد الثاني – ص: 9
8)    باطوق - أدب المعدة و أدب الروح - مجلة المنار - العدد السادس – ص(9-13)
 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها