شمس بحجم الكف!

عبير عزيم.. أصغر روائية عربية

حميد الأبيض


لا يختار الإنسان بيئته واللائق منها للتميز. لكنه يتأقلم ويتعايش معها ليصنع اسمه مهما قست عليه ظروف معينة. بحماس يتلمس بين حفر المثبطات، عن مسلك للانعتاق، فيبدع ولو غابت محفزات الإبداع في بيئة صعبة. وذلك ما ينطبق على مبدعين ولدوا من رحم المعاناة في بيئة عصية.

عبير عزيم طفلة من هؤلاء.. عاشت في بيئة قروية غير محفزة، لكن موهبتها تفتقت مبكراً. أحسنت نسج خيوط الحكي، وأبدعت ورسمت خارطة طريق نجاحها، لتصبح أصغر روائية عربية. في سن الثالثة عشر ربيعاً كتبت رواية "شمس في حجم الكف"، فكانت منطلقها نحو النجاح تواصله بثبات.

"في نفس كل إنسان مواهب كامنة، فإن كان الفصل ربيعاً تتفتق وتزهر، وإن حل الخريف مبكراً ذبلت أزورها وتساقطت أوراقها، وأحياناً تبقى البذور وتعطي فرصة أخرى للنمو"، في قولها هذا حكمة تختصر مسار مبدعة نبتت في رحم الريف، وولدت من معاناته لتنير العقول بشمس إبداعها.

 

 ميلاد موهبة 

وُلدت عبير وتعيش ببلدة تاهلة بمحافظة تازة المغربية. فتحت عينيها ببيئة جميلة بطبيعتها، شحيحة ببنياتها. لم تتأثر بالواقع، وانطلقت باحثة عن نفسها، حيث المتاريس أكبر من حجمها. آمنت بقاعدة أن "الموهبة تولد من رحم الهواية والمعاناة"، فتسلحت في سعيها بعزيمة فولاذية وطموح متجدد.

منذ أتقنت فك شفرات الحروف والكلمات والجمل، سهرت الليالي ليس فقط لحفظ ومراجعة دروس ومقررات تعليمية، بل أقبلت بنهم على قصص الصغار وكتب متنوعة المواضيع أكبر من سنها. قرأت بالعربية والفرنسية، بمعدل ساعتين في اليوم، واكتسبت مهارة الكتابة والإبداع مبكراً.

لم تكن هذه الطفلة تنام إلا بعدما تشفي غليلها في قراءة قصة أو رواية أو ديوان. شغفت بالحكي والشعر، واهتمت بفطاحلة الشعراء، خاصة أبي القاسم الشابي. وأضحت مع مرور الوقت أشهر الأطفال البارعين في فن إلقاء القصائد والأبيات الشعرية. ولم يمنعها ذلك من التفوق في دراستها.

لم يكن طريق التميز مفروشاً بالورود ولا سهلا، لكنها آمنت بقدراتها، بعدما اختارت طريق الإبداع ووجدته سالكاً للنجاح بعد أن آمنت بقدراتها ومهاراتها في الكتابة، وحسن ترويض الحروف وتنميقها في قوالب إبداعية جميلة، لتجد نفسها ضمن خانة كبار المبدعين وفي سن مبكرة جداً.

بداية النجاح:

لم تتقوقع عبير على نفسها ولم تكتفِ بتدوين ما تبدعه في دفاتر خاصة كما يفعل أقرانها. وخرجت للعلن لتعلن ميلاد "مشروع مبدعة". وأول الغيث كان مجموعة قصصية اختارت لها عنوان "درع الوطن". نشرها لها مجلس الكتاب والأداء والمثقفين العرب، وكانت بداية انطلاقتها.

في هذه المجموعة قاست درجة حبها للوطن والطفولة، وتوجت بها مساراً قصيراً، لكنه زاخر بجوائز حصدتها وطنياً وعربياً، وعن جدارة واستحقاق، وبين متنافسين أقوياء وأكبر سناً منها. وأولها جائزة المغرب للقراءة تنظمها الشبكة المغربية للقراءة، فازت بها في سادس دوراتها قبل 4 سنوات.

قرأت في هذه المسابقة السنوية 56 كتاباً واستحقت جائزتها عن استحقاق وجدارة، متفوقة على ألفي قارئ وقارئة من مختلف أسلاك التعليم من الابتدائي إلى الجامعي، بقدرتها الفائقة على إعادة إنتاج مضامين ما قرأته من كتب شفوياً، وبطريقة تفتقت فيها ملكتها في التعبير والمرافعة.

مرافعتها على مسمع ومرأى أعضاء لجنة التحكيم وبلغة سليمة وسلسة، انبهرت لها الكل. ولم يكن ذلك غريباً عليها وهي التي شقت طريقها في الكتابة والنشر عبر مقالات نشرتها قبل ذلك في مجلات عربية ومغربية، موازاة مع هوسها بالقراءة التي تعتبرها "لقاحاً ضد فيروس الأمية والجهل".

تميز وجوائز:

عبير عزيم تتابع دراستها حالياً بسلك الإعدادي، وطموحها لم يتوقف بعد ولا فرملت عجلته بإصدار المجموعة القصصية، ونيل الجوائز المغربية والعربية في القراءة والقصة والشعر، وحضور ملتقيات دولة كبرى. وواظبت على الإبداع فأدهشت كبار الأدباء، وفاقت شهرتها حدود المغرب.

وبزيادة منسوب الحركية والفعالية، زاد تألقها فقدمت فقرة على قناة مصرية، وكرمتها مؤسسات اعترافاً بجهودها في الدفاع عن الطفولة وحب الأوطان، ما تجلى في كتاباتها. كما فازت بجائزة الديوان العربي بمصر لمنتدى بصمة للإبداع، وجائزة أحمد بوكماخ، وجائزة "أميرة مجلة نحو القمة".

ولعل من أهم الجوائز التي فازت بها، الجائزة الدولية لمجلة "ماما هيام وجدو حاتم"، وجائزة الإبداع الشبابي المغربي، وجائزة القصة القصيرة لجهة فاس وتلك لـ"المبدع الصغير لملتقى تواصل"، كما فازت مرتين بجائزة إبداع الثقافية، إضافة لفوزها بلقب التلميذة المثقفة، فئة الثانوي الإعدادي.

واستضيفت في حفل خاص لدعم البراعم الواعدة نظمته مؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء بشراكة مع مجلة الرؤى العربية للإبداع والنقد، موازاة مع تنشيطها ورشات قرائية لفائدة تلاميذ، واستضافتها في حفلات ولقاءات خاصة لتوقيع إبداعاتها وآخرها روايتها "شمس بحجم الكف".

✧ "شمس بحجم الكف" 

توجت عبير مسارها الإبداعي قبل سنة بإصدار روايتها "شمس بحجم الكف" عن منشورات النورس، وعمرها 13 سنة، لتزف كأصغر كاتبة بالعالم العربي. وهي رواية تقول إنها: "كتبتها من القلب وتمنيت من الله أن تصل للقلوب"، وتوجت بتكريم مولوي من جلالة الملك محمد السادس.

وتحدثت هذه الرواية التي يتصدر طفل على كرسي متحرك غلافها، عن الإعاقة بطريقة راقية وواعية، بإظهار الصعوبات والأمل والتحدي، كموضوع التقطته عبير بكل عفوية وبوعي لتسلط الضوء عليه، وعلى مواطنين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وسمتهم "أصحاب القدرات الخاصة".

"الرواية ليست كباقي الروايات؛ لأن كاتبتها طفلة صغيرة السن، كبيرة في النضج وطرح قضايا كبيرة مثل التسامح وقبول الآخر، وقيم كونية نحتاج إليها كثيراً في عصرنا". تقول عنها الأستاذ مريم عبوري، مؤكدة أن عبير أول روائية عربية صغيرة تدخل: "غمار بحر الكتابة ذي الأمواج العاتية".

ويقول الإعلامي عبد العزيز كوكاس إنه: "لا يمكن اختزال الرواية في الحديث عن موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة، بل هي رواية عميقة بأبعاد تأملية، تهم قضايا وجودية كبرى مثل الألم والأمل، التحدي واليأس"، مؤكداً أن كاتبتها: "ذات خيال جميل"، و"لها قدرة إبداعية تعد بالكثير".

انفتاح عالمي:

انتشرت رواية "شمس بحجم الكف" وفاقت شهرتها وكاتبتها الوطن، ونالت اهتماماً كبيراً. وترجمها للغة الإنجليزية المترجم الشاب علاء عسلي، ووقعتها على هامش معرض الكتاب الأخير بالرباط، فـ"لم أكن أعتقد أن قصتي المتواضعة ستكون ملهمة إلى هذا الحد" تقول عبير عزيم في تفاعلها.

هذه الشهرة التي حققتها عزيم، جعلت الأضواء تسلط عليها بما في ذلك جامعة المبدعين المغاربة، التي أصدرت عددها الثاني من سلسلة "حكاية بطل"، ويتناول قصة نجاح أصغر روائية عربية، وهو الكتاب الذي ألفه الكاتب والمستشار النفسي والتربوي كمال هلوان، وسيخرج للوجود قريباً.

"كتبت فأبدعت، في سماء الأدب سطعت لم توقفها رياح سلبيات التكنولوجيا"، و"أعادت للكتاب مقامه وانتصرت، بكل ثقة وطموح تسلقت سلم النجاح خطوة بخطوة إلى أن بلغت مرادها، وحققت همم الأطفال والشباب أشعلت صغاراً وكباراً، ومن كل الأقطار ألهت" هكذا قدمها الكاتب.

وهو ما استقبلته بانشراح متعهدة بمواصلة الطريق، معتبرة أن "القراءة واجب أساسي وحق مشروط، وهي سلم متماسك وصرح محكم البناء"، و"إذا أظلمت شمس المعرفة من حولكم فالقراءة مصباح ينير العقول"، داعية الجميع "تعالوا نتذوق جميعاً لذة القراءة لنحصد ثمار النجاح والتفوق".

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها