من هم الساميون؟

د. حفيظ اسليماني

كثيراً ما تثار قضية السامية ومعاداة السامية والشعب السامي، ولهذا السبب وغيره تأتي هذه المقالة لبيان حقيقة وغاية التسمية، إضافة إلى مصدر إطلاق هذا المصطلح، ثم التأكيد أيضاً هل التسمية ذات ارتباط بالأجناس وتصنيفها إلى سامي وغير سامي أم أن الأمر ليس كذلك؟ كما تتطرق هذه المقالة أيضاً إلى أهم النظريات حول المهد الأصلي للسامين، وذلك بناء على مراجع علمية لها باعها في هذا الموضوع، وسيأتي لاحقاً –في مقال مستقل- حديث عن اللغات السامية والمشترك بينها.

 


شلوتزر Scholzer

التسمية

يعتبر عالم اللاهوت الألماني النمساوي شلوتزر Schlözer عام 1781 للميلاد أول من استعمل مصطلح السامية، يقول إسرائيل ولفنسون: "تطلق كلمة لغات سامية على جملة من اللغات التي كانت شائعة منذ أزمان بعيدة في بلاد آسيا وإفريقية، وأول من استعمل هذا الاصطلاح هو العالم Scholzer وقد استخلص هذه التسمية من الجدول الخاص بأنساب نوح عليه السلام الواردة في التوراة1: (وَهَذِهِ مَوَالِيدُ بَنِي نُوحٍ: سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ. وَوُلِدَ لَهُمْ بَنُونَ بَعْدَ الطُّوفَانِ... وَسَامٌ أَبُو كُلِّ بَنِي عَابِرَ أَخُو يَافَثَ الْكَبِيرُ وُلِدَ لَهُ أَيْضاً بَنُونَ. بَنُو سَامَ: عِيلاَمُ وَأَشُّورُ وَأَرْفَكْشَادُ وَلُودُ وَأَرَامُ. وَبَنُو أَرَامَ... وَلِعَابِرَ وُلِدَ ابْنَانِ: اسْمُ الْوَاحِدِ فَالَجُ لأَنَّ فِي أَيَّامِهِ قُسِمَتِ الأَرْضُ. وَاسْمُ أَخِيهِ يَقْطَانُ. وَيَقْطَانُ وَلَدَ أَلْمُودَادَ وَشَالَفَ وَحَضَرْمَوْتَ وَيَارَحَ وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقْلَةَ وَعُوبَالَ وَأَبِيمَايِلَ وَشَبَا وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ وَيُوبَابَ. جَمِيعُ هَؤُلاَءِ بَنُو يَقْطَانَ. وَكَانَ مَسْكَنُهُمْ مِنْ مِيشَا حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ سَفَارَ جَبَلِ الْمَشْرِقِ. هؤُلاَءِ بَنُو سَامَ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ كَأَلْسِنَتِهِمْ بِأَرَاضِيهِمْ حَسَبَ أُمَمِهِمْ)2.

وقد علق ولفنسون على النص التوراتي بقوله: "وهذا الجدول من أقدم ما وصل إلينا عن أنساب الأمم السامية وهو كما نرى يقسم الأسرة البشرية إلى آل سام حام يافث"3.

وتجدر الإشارة إلى نقطة بالغة الأهمية، يقول حسن ظاظا نقلاً عن العالم الفرنسي الأب هنري فليش: "إنه ينبغي ألا نفهم من استعمال كلمة السامية أي شيء أكثر من اصطلاح المقصود به تيسير الأمر على الباحثين، دون أن تعتقد أن له دلالة عنصرية"4. والأمر نفسه أكده موسكاتي بقوله: "ونأتي الآن إلى مسألة الجنس، وهنا يجب أن نبين منذ أول الأمر أن هذه مسألة لا تؤثر في تحديد الشعوب السامية من حيث هي كذلك، فأكثر الشعوب تماسكاً وتجانساً قد تشتمل على عناصر جنسية شديدة التباين، ثم إنه لا حاجة إلى مناقشة نظرية "الجنس السامي" جنساً متميزاً يشمل جميع الشعوب التي تتكلم اللغات السامية، فهي نظرية تنتمي إلى ميدان الدعاية السياسية التي عفت آثارها الآن أكثر مما تنتمي إلى العلم الجاد، وقد نبذها علماء الأجناس عن حق"5.

الموطن الأصلي للساميين

فيما يخص المهد الأصلي للساميين فهناك اختلاف كبير في تحديد ذلك، يقول حسن ظاظا: "المهد الجغرافي للغة السامية بَحْثٌ حير العلماء، فبعضهم حاول أن يلمس المسألة من أقرب السبل في ظنه وهو طريق دراسة المأثورات القصصية القديمة، وفي مقدمتها قصة الطوفان. ففي هذه القصة يفهم من السياق المذكور في التوراة وفي كثير من أساطير البابليين والشومريين أن السفينة رست في مكان ما من المرتفعات التي ينبع منها دجلة والفرات في شمال العراق، وبناء على ذلك قال هؤلاء العلماء بأن مرتفعات كردستان هي المعنية وحددوها أصلاً للساميين"6. يضيف حسن ظاظا معلقاً على أصحاب هذا الرأي: "والخلل في هذه الفكرة يأتي من أنه لو سلمنا بها جدلاً، وبدون مناقشة، فإنه يترتب على ذلك أن تكون مرتفعات كردستان مهداً للإنسانية كلها لا للساميين وحدهم، فقد نزلت السفينة في هذا المكان المفترض نوح وأبناؤه الثلاثة: سام حام يافث، ولكن أنصار هذه الفكرة يقولون عن حام: إنه لعن، ومعنى ذلك أنه طرد أيضاً، وأن يافث انطلق ليكون شعباً كثير العدد في بلاد بعيدة، بينما بقي سام بجوار أبيه نوح حيث رست السفينة، كما أنه في نفس المنطقة عاش أرفكشد، ومن بعده عابر، الأب الأسطوري للعبريين. وواضح أننا في تلك النظرية ننتقل من افتراض إلى أسطورة إلى مفاهيم ضمنية، وكل ذلك لا يمكن أن تقوم عليه نظرية علمية مقبولة؛ ومن أجل ذلك فإن هذا الافتراض قد أصبح الآن مهجوراً لا يقبل عليه أحد"7.

وهناك من يرى أن المهد الأصلي للساميين إنما هو أرض أرمينية بالقرب من حدود كردستان وبعضهم يقول إن هذه المنطقة هي المهد الأصلي للأمم السامية والأمم الآرية جميعاً ثم تفرعت منها جموع البشر في أرض الله الواسعة وللتوراة نظرية خاصة عن أقدم ناحية عمرها بنو نوح وهي أرض بابل وقد تكون هذه النظرية أقرب إلى الحقيقة، فقد أثبتت البحوث التاريخية أن أرض بابل هي المهد الأصل للحضارة السامية، وقد أيد العالم جويدي هذه النظرية في رسالة يقول فيها إن المهد الأصلي للأمم السامية كان في نواحي جنوب العراق على نهر الفرات، وقد سرد عدداً من الكلمات المألوفة في جميع اللغات السامية عن العمران والحيوان والنبات، وقال إن أول من استعملها هي أمم تلك المنطقة ثم أخذها عنهم جميع الساميين8.

لكن هناك من عارض هذه النظرية فهذا نولدكه Noeldeke يعارض جويدي معارضة شديدة وقال حسب ما نقله لنا ولفنسون: "إنه من العبث أن نعتمد في إثبات حقيقة كهذه على جملة كلمات ليس ما يثبت لنا أن جميع الساميين أخذوها عن أهل العراق، ثم يذهب في تأكيد نظريته إلى سرد بعض كلمات عن الحيوان والعمران، كانت ولا شك عند جميع الأمم السامية من أقدم الأزمنة مثل جبل وصبي وخيمة وشيخ وأسود، فهذه المعاني تختلف تسميتها فكل لغة سامية منها تسميها باسم يغاير الاسم الذي تطلقه عليه اللغة الأخرى مع أنها أجدر المعاني بأن يكون لها لفظ مشترك في كل اللغات السامية؛ لأنها كانت موجودة عند الجميع حين كانوا أمة واحدة وحين تفرقوا أمما شتى"9. وهناك نقد آخر موجه لهذه النظرية إذ يذكر حسن ظاظا: "ولكن هذه النظرية مجروحة لسبب بسيط وهو أن أحد الملوك الساميين الأول في العراق، وهو سرجون الأول الأكادي (حوالي سنة 2600 قبل الميلاد)، كتب عن أصله في نقش مشهور ما يفهم منه صراحة أنه وعشيرته نزحوا إلى العراق من شرقي جزيرة العرب"10.

وهناك من قال إنَّ مهد الساميين هو إفريقية، يقول حسن ظاظا: "ومن بين الاقتراحات التي قُدمت عن مهد الساميين، ما ذكره المستشرق تيودور نولدكه، من ميله إلى أن تكون إفريقية هي تلك البيئة الأولى، لما لاحظه من وجوه الشبه بين هذه اللغات السامية ولغات المجموعة الحامية. وقد تتبع هذه الفكرة البريطاني بارتون في كتاب ظهر له في لندن سنة 1934 بعنوان: "أصول الساميين والحاميين الاجتماعية والدينية"11. يضيف حسن ظاظا منتقداً هذه النظرية قائلاً: "والاعتراض الموجه إلى هذه النظرية هو: كيف اختفت من إفريقية إذن جميع اللغات السامية بحيث لا تعود إلى الظهور إلا في المستعمرات الفينيقية على الساحل، لاسيما المستعمرة البونية في قرطاج بتونس، ثم مع الفتح العربي السابع الميلادي؟ وهو اعتراض مفحم ليست له إجابة علمية مقنعة"12.

ومن النظريات أيضاً ما ذهب إليه المستشرق الأمريكي كلاي إذ افترض كلاي: "أن يكون الموطن الأول للساميين في الشمال من سوريا، حيث بلاد "آمورو" كما تسمى في النقوش القديمة. وهذا الافتراض لا يقوم على دراسات حضارية وأثرية تدعمها حفائر، وإنما يقوم على مقارنة فكرية في الأساطير والمأثورات الشعبية بين المناطق التي ازدهرت فيها"13.

بقي من النظريات التي تعتبر الأقوى كمهد للساميين هو اعتبار شبه الجزيرة العربية موطناً أصلياً لهم، يقول حسن ظاظا: "هناك رأي أخير ذهب إليه من أوائل المستشرقين إيرهارد شرادر، وأيده من بعد فنكلر، وتيله، والأب فنسان، والأثري الفرنسي جاك دي مورجان، والمستشرق الإيطالي كايتاني، وهو يرى أن الموطن الأصلي للساميين كان شبه الجزيرة العربية"14، ونفس النظرية تبناها إسرائيل ولفنسون إذ يقول: "والذي يمكننا أن نجزم به هو أن أكثر الحركات والهجرات عند أغلب الأمم السامية التي علمنا أخبارها وأسماءها كانت من نزوح جموع سامية من أرض الجزيرة إلى البلدان المعمورة الدانية والقاصية في عصور مختلفة، فأقدم هجرة سامية اتجهت نحو بابل كانت من ناحية الجزيرة، وقد أسست تلك الجموع مُلكاً عظيماً في بقعة الفرات كان لها من الحول والطول حظ وافر في عصور شتى"15. هكذا وبناء على ما سبق تكون الجزيرة العربية المهد الأول والأصلي للساميين.

أخيراً وليس آخراً إن الحديث عن الساميين ليس من باب العرض والترف الفكري؛ بل القضية أكبر بكثير، يتجلى ذلك بشكل أساسي في أن إطلاق التسمية كان من أجل التيسير على الباحثين في اللغات، ولا يعني البتة أن التسمية ذات ارتباط بما هو عرقي. ويبقى تعدد الألسنة سامية كانت أو حامية... آية من آيات الله جل شأنه مصداقاً لقوله سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) الروم: 22.


الهوامش
1. إسرائيل ولفنسون، تاريخ اللغات السامية، نشر لجنة التأليف والترجمة والنشر 1914، ص: 2.
2. سفر التكوين: الإصحاح، 10.
3. تاريخ اللغات السامية، مرجع سابق، ص: 2.
4. حسن ظاظا، الساميون ولغاتهم، دار القلم، ط2، 1990، ص: 9.
5. سبتينو موسكاتي، الحضارات السامية القديمة، ترجمة السيد يعقوب بكر، مراجعة محمد القصاص، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، ص: 50.
6. الساميون ولغاتهم، مرجع سابق، ص: 11.
7. نفسه، ص: 11-12.
8. تاريخ اللغا ت السامية، مرجع سابق، ص: 4-5.
9. نفسه، ص: 5.
10. الساميون ولغاتهم، مرجع سابق، ص: 12.
11. نفسه، ص: 14.
12. نفسه، ص: 14.
13. نفسه، ص: 14.
14. الساميون ولغاتهم، مرجع سابق، ص: 15.
15. تاريخ اللغات السامية، مرجع سابق، ص: 5، ينظر كذلك كتاب: الحضارات السامية القديمة، ص: 52 وما بعدها.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها