قبس من حروف النور

عبدالناصر عبدالمولى أحمد


أبِكُلِّ شِعرٍ رائِقٍ تتبَاهى؟
أنا ما عَرفتُك فاخراً تيَّاهَا

إنِّي بـ(ضاديَ) قد فخرتُ وحُقَّ لِي
فهي القصِيدةُ شمسُهَا وضُحاها

فاخلعْ نِعالَكَ إنْ مَرَرتَ بِقُدسِهَا
عطَّر مِدادَكَ واستَمِعْ نجواها

خُلِقت مُحَالاً ليسَ يعرفُ مثله
ولُغاتهم قد خُلِّقَتْ أشبَاهَا

لو كان يصلحُ غيرها لكتابهِ
ما اختارها للذِّكرِ من سوَّاهَا

كم منْ لُغاتٍ قد تبدَّد ضَوؤُهَا
شدَّتْ عليه يَدُ السنِينِ رَحَاهَا

والبِنتُ واقفةٌ تُجدِّلُ شَعْرَهَا
ويَتِيهُ في حِقَبِ الزَّمانِ صِبَاهَا

فامنحْ قريضكَ مَدحَها مُتضوِّعًا
من مِسْكِهَا منْ شَهْدِهَا ولمَاهَا

إنِّي أنَا الصُوفي جَرَّب هَجْرهَ
فأتَى إليهَا تائِبًا أوَّاهَا

هَتَفَتْ بِشِعريَ والحُروف بِكفِّهَا
كلآلِئٍ في حُسْنِها وبَهَاهَا

هَتَفَتْ فَجَنَّحَنِي الغَرامُ لوصلِها
صَعَدَ الفُؤادُ مَعَارِجاً لِعُلاهَا

قالتْ: فَتَنْتُك قلتُ: أحلَى فِتنَةٍ
إنِّي فديتُكِ فازدَهى خَدَّاهَا

ماتَ المِدادُ على مصارعِ أمَّةٍ
لو جمَّلَتْهُ بحرفِها أحْياهَا

لبسوا المُرقَّعَ من تغِّرب حَرفِهم
ولبستُ أضواءَ السَّما وصَفَاهَا

قالوا: تُقصِّرُ عنْ تقدُّمِ عَصرِنا
إنَّ التَّخلفَّ سَمتُها ومَدَاهَا

فبكى النشيدُ بكفها مُتهجدًا
وتأوَّهتْ واغرورقت عيناها

والشعرُ طفلٌ هائمٌ بحروفهِ
قد هدَّأت من روعهِ كفَّاها

ماذا يقول الشعرُ؟ إنَّك جنَّةٌّ!
أنت الجنانُ وروضها وجنَاها

لمَّا عشِقتُك يا حُروفيَ مُخلصًا
أيقنتُ أنِّي قد عَرفتُ اللهَ

قد قال (حَافظُ) والمقولةُ صيحةٌ
قد أبلغتْ سمْع الدُّنَا بِصَداها

"كم عزَّ أقوامٌ بعزِّ لغاتهم"
لمَ أمَّتي لم ترتفعْ لذُراها!

يا طامحين لمجدِكم لا تهجرو
 لُغةَ السَّماء تعلَّقوا بِردِاهَا

لغةُ الجِنانِ فكم  أرددُ لحنَها
مُتَوشِّحاً بجلالها وسَنَاهَا

آنستُ نَارَ  الشوقِ في قسَمَاتِها
والحُزنُ هيَّجَ قلبها أضْناها

فَعَرَجْتُ أقْبِسُ من تَورُّدِ جَذوةٍ
بجبينِهَا مُتولِّهاً لأرَاهَا

فإذا حُروفُ الحُبِّ تُشعلُ جَمْرةً
بقصِيدتِي حتَّى احتَمَتْ بحِمَاهَا

فرأيتها والحُبُّ أولُ موقفٍ
والحُسنُ ذابَ بـ(ضادِها) وتنَاهى

قبَّلتُ في ظَمأِ التلفُتِ كفَّها
وتلوتُ ذكرَ اللهِ في لُقياهَا

لمَّا عشِقتُك يا حُروفي مُخلصًا
أيقنتُ أنِّي قد عَرفتُ اللهَ


 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها