ما الذي نُريده من الشعراء؟

حوار مع الشاعر العراقي قاسم سعودي

حاوره: إبراهيم فوزي

قاسم سعودي، شاعر وصحفي وناشر من العراق، مواليد بغداد 1969، وهو عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ومؤسس دار نشر "منشورات مصابيح لأدب الطفل". أنشأ مشروع "تعال نكتب في بغداد" لتعليم طلاب المدارس الابتدائية كتابة القصة القصيرة. فازت مجموعته الشعرية "كرسي العازف" بالمركز الثالث في جائزة أثير الشعرية في سلطنة عمان عام 2014 والصادرة عن دار عدنان في بغداد.
 


حصل قاسم سعودي على المركز الثالث أيضًا بجائزة الشارقة للإبداع العربي الدورة 12 عام 2009 في أدب الطفل عن مجموعته القصصية "حكايات الدرهم الذي كان يغني". من إصداراته: "رئة ثالثةو"مصباح مغلقو"ما لم يره الراكض" (دار فضاءات). "حين رأيتكِ أخطأت في النحو" (دار العين). "الصعود على ظهر أبي" (دار مسعى الكندية /دار العنوان الإماراتية). "مثل قارب خشبي مقلوب في الصحراء"، و"ليس للوردة فم، ليس للمسدس ذاكرة" عن (دار مسعى الكندية /دار معنى / دار الكتب العلمية). "الفراشة التي تعشق الطيرانو"الأوزة التي تصطاد النجوم" (دار العالم العربي في الإمارات). "صياد الشمس" (دار شجرة في القاهرة). "الكتاب المريضو"فراشة الشمع" (دار الفراشات في بغداد).


 يقول الشاعر الفرنسي لويس أراغون: "لولا الشعر لأصبنا جميعاً بالسكتة القلبية" هل تؤمن أن الشعر قادر على تغيير العالم إلى ما هو أنقى وأصفى في ظل السلم والسلام بعيدًا عن الحروب والدمار والقتل؟ كيف واجه الشاعر قاسم سعودي الحروب التي عاشتها العراق؟

الشعر بوظيفته الجمالية هو دعوة إلى الاستيقاظ، لذلك أظن بأن الشعر لا يمكنه تغيير العالم ولا حركة الكون المسكونة بالعنف، الشعر مسكين جداً ووحيد لذلك لا يمكن أن نحمله أكثر من طاقته الجمالية والإنسانية، أما مواجهة الحرب فكانت لحظات أشبه بالمعجزات وأنت تنجو في كل مرة، لكن الضحايا يطاردونك في رأسك وفي ذاكرة الموت، الحرب لا يمكن مواجهتها، السماء كفيلة بذلك.
 

 هل الشاعر يكتب نفسه؟ كيف أثرت الحرب في تكوينك الشعري؟

أظن الشاعر يكتب الجميع من خلال نفسه، نفسه المتمردة والواثقة والفاشلة والصائبة والمجنونة والحالمة في آن واحد، التكوين الشعري هو خلاصة ذاكرة الأسلاف وهم يواجهون عنف العالم، الضحايا هم قادة البوصلة في الكتابة وهذا لا يعد تكويناً شعرياً، فأنا كاتب نصوص لا أكثر ولست شاعراً، الشعر في مكان عال جداً من الصعب الوصول إليه.
 

 الحياة صراع دائم بين الحب والحرب، ودائماً ما يستخدم الأدباء صور الحرب للتعبير عن اشتعال جذوة الحب. كيف استطعت أن تستخدم كلًا منهما للتعبير عن الآخر (الحــ(ر)ـــب)؟

الحب والحرب كلاهما ينظر إلينا بحسرة طويلة، في الحرب لا ينجو الحب وربما ينجو، وفي الحب تنجو الحرب بسرعة وقد لا تنجو، هذا التضاد الشعوري قد يفتح لنا باباً شهياً للنصوص وقد يجعلها تطير، خلطة سرية موجعة وعجيبة تتطلب روحاً لا تريد الكثير سوى العيش بهدوء على هذا الكوكب، وقد تفشل في ذلك، لكنها من الخسارات الجميلة؛ لأنها تنتج نصوصاً توثق تلك الكائنات الشعرية التي تعيش معنا دون أن نشعر بها أو نراها.
 

 في ديوان "الصعود على ظهر أبي" وكذلك "مثل قارب خشبي مقلوب في الصحراء" تكتب الشعر كمن يحمل كاميرا، ويلتقط مشاهدَ وصورًا للعراق والحروب التي عاشتها والغزو الأمريكي عام 2003. كما تتكرر بعض الكلمات والصور في القصائد فيبدو الديوان في مجمله مثل قصيدة واحدة ممتدة يحضر فيها الشهداء والجيران والأخوة والأمهات والآباء والجدات. من أين تستمد تلك الصور؟ وما السبب وراء ذلك التكرار؟ هل لأن تلك الصور قابعة في الذاكرة؟

الصور موجودة في عيون الضحايا، العيون التي لا تجد من يدافع عنها، لذلك تخرج مثل أغنية حزينة أو عويل طويل، لذلك تكرر مع كل شروق للشمس، وهذا تكرار حميد من أجل المزيد من الاستيقاظ والوخز والتسجيل اللغوي والصوري في الذاكرة.
 

 أي باب تفتحه لك القصيدة سريعاً عند لقائك بها أثناء التحليق في عوالم اللغة: باب اللغة، الطفولة، الحنين، الحب، المرأة، النسيان، المكان، الذكرى، الأمل، المعاناة؟

إنها تفتح باب الملكوت المفتوح على الأمل، لحظات من استنشاق كيس كبير جداً من الهواء، وسط عاصفة من الطين والتراب الأحمر، وقد لا يفتح لك أحداً الباب، فتكون أنت العاصفة لبعض اللحظات وتكون أنت الباب، وهذا هو فعل التنوير الشعري الذي يصعب الوصول إليه.
 

 حدثنا عن العلاقة بين الشاعر وقصيدته. هل يعاني مع كتابتها؟ وهل هي خلاص من معاناة تعتمل داخل نفس الشاعر؟

ربما تكون القصيدة خلاصاً مؤقتاً، وربما يدخلك هذا الشعور في دائرة الوهم والمتغيرات الشعورية والنفسية التي تجعل منك ملاكاً وبطلاً أسطورياً، لذلك فالعلاقة بين الشاعر والقصيدة أشبه بالسماء والطائر الأعمى، وربما أبعد من ذلك، شعور الدهشة والترقب والممارسة الجمالية لخلق كتابة شعرية تجعلك مرفوع الرأس في ملامسة حنجرة المجتمع الساخنة.
 

 في إحدى جلسات مهرجان طيران الإمارات 2023 بعنوان "ما الذي نريده من الشعراء" أعجبني تعريفك للشعر بأنه "الجمال في مواجهة القبح، التغيير في مواجهة الجمود". أريدك أن تحدثنا عن مسؤولية الشاعر تجاه اللغة.

اللغة هي عائلة الشاعر، لذلك فأن المسؤولية تلك تلامس مفاتن الدهشة والرغبة والحزم واليقين والمغامرة، اللغة ببساطة هي مظلة الشاعر عندما يهبط من الأعالي.
 

 أخيرًا: ترجمة الشعر، هل هي خيانة أنيقة للنص الأصلي أم ترويض للغة؟

ليست خيانة ولا ترويضاً، هي ببساطة عين ثالثة في الرأس تمنحك الرؤية الكاملة، رؤية ما يكتب هناك في أبعد قرية في الكوكب، هي زيت ونور المصباح والأصابع التي تحفر في أعماق الأرض لرؤية تلك الشجرة التي تخاف أن تنمو في هذا الكوكب الحزين.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها