جِبالُ "إساكن" مُتعة الرّيف وجمال الطبيعة

محمد العزوزي


إساكن بلدة مغربية تقع وسط مرتفعات جبال الريف المغربية، التي تطل بأجراف عالية على البحر الأبيض المتوسط، لا يفصل البلدة إلا كيلومترات قليلة عن جبل تدغين الذي يقف في شموخ مرتفعاً على سطح البحر، وناظراً بشموخ نحو سهول تاونات وجبال من عنان السماء، بسلسلة الأطلس المتوسط من علو 2456. تقع البلدة التي اشتهرت عالمياً بكتامة على تقاطع كل من الطريق الوطنية رقم 2 والطريق الجهوية 532، المعروفة بطريق الوحدة على ارتفاع أكثر من 1500 متر على سطح البحر، وتبعد عن مدينة تطوان بحوالي 167 كيلومتراً، وفاس بحوالي 156 كيلومتراً، والحسيمة بحوالي 115 كيلومتراً، وتتبع إدارياً إلى إقليم الحسيمة.

 

ظروف النشأة

تعود بداية نشأة البلدة كمركز قروي بعد أن كان هضبة فقط، تنتشر فيها المروج والمستنقعات؛ إلى فترة الاحتلال الإسباني للمغرب، الذي كانت تحظى لديه بأهمية وقيمة استراتيجية ورمزية، حيث قام بالتأسيس لها على السفح الشرقي لجبل دهدوه، وهو الجبل شهد سفحه الغربي إحدى أقوى المعارك التي هزمت فيها المقاومة المحلية الجيش الإسباني، بعد أن خاضت القبائل القريبة من البلدة مقاومة شرسة ضده، استمرت لأكثر من سنة بعد استسلام قائد المقاومة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي، وكانت آخر جيوب مقاومة المستعمر بشمال المغرب.

ومن الفترات التاريخية التي حظيت فيها البلدة بحظوة خاصة؛ فترة وصول الجنرال فرانكو للحكم بإسبانيا، بعد حرب أهلية طاحنة خلفت الكثير من الضحايا الإسبان والمغاربة، تم جرهم إلى الحرب بمختلف الحيل والوسائل والمغريات.

تخليد واحتفاء خاص

ومن الأحداث الهامة التي عرفتها بلدة إساكن، التي عرفت تحولات كثيرة في تسميتها تبعاً لكل فترة وتحولاتها، اجتماع قادة الانقلاب العسكري في إسبانيا على النظام الجمهوري فيها، حيث اجتمع الجنرال فرانكو بضباطه بتاريخ 12 يوليوز 1936، وأدائهم للقسم الذي عرف بقسم ‏EL Llano amarillo أو قسم السهل الأصفر، تيمناً باسم السهل الأصفر، الاسم الذي أطلقه الإسبان على البلدة بشكل رسمي، إلى جانب اسم كتامة الاسم الذي عرفت.

بعد أن استتب أمر السلطة في إسبانيا ومستعمراتها للجنرال وضباطه بعد حرب أهلية طاحنة، عرفت البلدة تخليداً لذكرى هذا الاجتماع، بوضع إكليل الزهور أمام النصب التذكاري ‏Llano amarillo EL بحضور الخليفة السلطاني الأمير مولاي الحسن بن المهدي، والمفوض السامي الإسباني كارلوص أسينسيو، وسط حشد من العسكريين والمدنيين سنة 1940.

ولم يتوقف تخليد اسم البلدة عند هذه الاحتفالات فقط؛ بل امتد إلى المجال الفني عندما قام الفنان التشكيلي الإسباني ماريانو برتوتشي بتخليدها في أكثر من لوحة تشكيلية وطابع بريدي، مبرزاً لجمال الطبيعة فيها، وقساوة المناخ في فصل الشتاء.

جمال طبيعي ملهم

جمال الطبيعة في البلدة والجبال المحيطة بها، كان ملهماً‎ ‎للشاعر الإسباني خانيتو لوبيث غورخي (1925/2008) ليختار اسم كتامة الذي تشتهر به اسماً لمجلة أدبية، حملت اسم كتامة، ارتبطت بالحداثة في الأدب والكتابة، أو ما عرف بالتيار الرومانسي في الأدب المغربي، وساهم فيها بالكتابة في المجلة كتاباً بارزين إسباناً من أمثال خوان رامون خمينيث ولويس ثيرنودا وآخرين، ومغاربة من أمثال محمد الصباغ، وعبد اللطيف الخطيب وعبد الكريم الطبال والتهامي الوزاني ومحمد نسيم السرغيني وآخرون، وعرباً كفدوى طوقان، وميخائيل نعيمة، وإلياس أبو شبكة وآخرون.
 

مواعيد متجددة مع التاريخ

لكن كتامة التي خلدها الكثير من الأدباء في كتاباتهم ولو أحيانا بشكل عابر كبول بولز ومحمد شكري وآخرون، ظلت وفية لمواعيدها مع المقاومة، وكل الأحداث الوطنية، فبعد أن تم نفي الملك محمد الخامس من طرف الاستعمار الفرنسي، تحولت إلى قاعدة أساسية لإسناد وإمداد أعضاء المقاومة جيش التحرير بالسلاح والدعم، في مواجهة قوات الاحتلال الفرنسية.

وكانت على موعد مع الاستقلال الذي عرفت فيه زيارة خاصة للمغفور لهما جلالة الملك محمد الخامس وولي عهده الملك الحسن الثاني، بعد أن أعطيت الانطلاقة من مراكش لبناء طريق الوحدة بين تاونات وكتامة بتاريخ 15 يونيو 1957، وتطوع استجابة للنداء 11 ألف شاب مغربي من 5 يوليوز إلى 30 شتنبر سنة 1957، حيث خلدت ذكرى انطلاقة هذه الطريق بنصب تذكاري يوجد على تقاطع طريق الوحدة، والطريق الوطنية رقم: 2.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها