الكون الزجاجي

كيف أخذت سيدات مرصد هارفارد قياسات النجوم

حسن حمو


بشغفها الذي عرفت به في ترجماتها، وبعد ثلاثين كتاباً في مجالات مختلفة تطلع علينا الأديبة القاصة والشاعرة سمر حمود شيشكلي بترجمة إبداعية، تضع النص في مقامه اللائق لكتاب (الكون الزجاجي - كيف أخذت سيدات مرصد هارفارد قياسات النجوم ) للكاتبة دافا سوبل، الذي يعد من أهم الكتب في موضوع علم الفلك، والذي تم اختياره كأحد أفضل الكتب عام 2017، والحائز على جائزة ويلسون للكتابة العلمية الأدبية، هذا الكتاب الذي نال حظاً وافراً في الصحافة الغربية لأهميته وأهمية موضوعه، ولأسلوبه الأدبي في تناول موضوع علمي شائك وشائق، ليقدم قصة عظيمة ملهمة لإنسان هذا الكون، فقد وصفته صحيفة نيويورك تايمز، هذا كتاب هو جوهر الكتب، يجعلنا نقع في حب السماوات مرة أخرى.
 


ويعد هذا الكتاب من أجمل الكتب التي تناولت موضوعاً علمياً بأسلوب أدبي، أقرب إلى رواية السيرة الذاتية، ليجمع بين المعلومة العلمية والأسلوب الأدبي الشائق، فضلاً عن تقديم سيرة مجموعة من النسوة كانت لهن جهود فائقة في علم الفلك، حيث أسهمت هذه الجهود في تغيير نظرتنا ومعرفتنا ورؤيتنا للكون، حيث كان الكتاب رحلة شائقة في تلك الرؤى التي انطلقت من جامعة هارفارد.


وحسب المترجمة فالكتاب يرصد بداية المسعى العلمي الشاق الذي أدى إلى إعادة تشكيل فهمنا للكون – من اكتشاف النجوم التي تدور حول بعضها، إلى فهم الاتساع المذهل للكون.

ففي الوقت الذي سيطر فيه الرجال ليس فقط على علم الفلك ولكن على كل فرع من فروع العلم، كان فريق من النساء في جامعة هارفارد يعملن بمثابرة وجد، لاستكشاف الفضاء، خلال عملهن كحاسبات بشرية لتفسير الملاحظات التي يقوم بها نظراؤهن عبر التلسكوب كل ليلة.

كانت البداية بعمل زوجات وأخوات وبنات علماء الفلك المقيمين، إلا أن الأمر ما لبث أن امتد إلى نساء أخريات من خريجات كليات البنات الجديدة (فاسار، ويليسلي، سميث). خاصة بعد ما غير التصوير الفوتوغرافي الممارسة الإجرائية لعلم الفلك، ليغير بذلك عمل تلك النسوة من آلات حاسبة إلى دارسات للنجوم، التي تم التقاطها ليلاً على لوحات فوتوغرافية زجاجية.

وما رسخ دور المرأة في هذا المجال ما قدمته لآنا بالمر دريبر – أرملة رائدة في التصوير الفوتوغرافي النجمي – بدعمها السخي الذي مكن تلك النسوة في جامعة هارفارد، من تحقيق اكتشافات غير عادية، سرعان ما حققت شهرة عالمية. لقد ساعدن في تمييز ما تتكون منه النجوم، وقسّمن النجوم إلى فئات، وفق اعتبارات معينة، بهدف إجراء مزيد من البحث، ووجدن طريقة لقياس المسافات عبر الفضاء بواسطة ضوء النجوم. ومن تلك النساء الرائدات: ويليامينا فليمنج، وهي امرأة أسكتلندية كانت تعمل في الأصل كخادمة، حيث واصلت تحديد عشر مستعرات وأكثر من ثلاثمائة نجمة متغيرة. وكذلك آني جمب كانون، التي صممت نظام تصنيف نجمي اعتمده علماء الفلك في جميع أنحاء العالم، ولا يزال قيد الاستخدام؛ والدكتورة سيسيليا هيلينا باين، التي أصبحت في عام 1956 أول أستاذة (على الإطلاق) لعلم الفلك في جامعة هارفارد، وأول رئيسة قسم من الإناث في جامعة هارفارد.
 

يستكشف هذا الكتاب حياة وعمل هؤلاء النسوة، ويكشف عن عزمهن ومثابرتهن وتألقهن في تصنيف النجوم. وحتى قبل أن تفوز المرأة الأمريكية بحق التصويت الذي حصلت عليه لاحقًا في عام 1920، فضلاً عن ذلك فقد كانت الوظائف والأعمال المتاحة للمرأة الأمريكية في ذلك الحين في القرن التاسع عشر محصورة في الخدمات المنزلية، أو المَزارع، أو المصانع، أو المدارس، أو المكاتب. لتفتتح ماريا ميتشل الدرب لكثيرين، للولوج في عوالم أخرى كونها المرأة الأولى تكتشف مُذَنَّبًا. وفي عام 1865، أصبحت أول أستاذة جامعية متخصصة في علم الفلك بكلية فاسار في بوكيبسي في نيويورك، تلك الكلية التي كانت وقتها مؤسسة جديدة للتعليم العالي مخصَّصة للسيدات.

من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي سلط الضوء على ما قدمته المرأة من مساهمات ذات أهمية كبيرة، لدرجة أن أسماءهن اكتسبت أماكن مرموقة في تاريخ علم الفلك. ويعد الكتاب من جانب آخر توثيقاً تاريخياً لتطور علم الفلك في القرن العشرين في مرصد هارفارد، ورواية إبداعية لسيرة ذاتية عالية الخصوصية، ومعقدة ورائعة في نفس الوقت.

أما حين نتوقف عند الترجمة فقد استطاعت المترجمة سمر حمود شيشكلي أن تقدم نصاً موازياً للنص الأصلي بلغة سليمة علمياً وأدبياً، واصطلاحياً، ما يشي بخبرة واسعة في ترجمة مثل هذه الكتب ذات الموضوعات العلمية الدقيقة، والتي خبرتها المترجمة من ترجماتها لكتب علمية سابقة، كما في كتابها الذي كان باكورة ترجماتها، وهو كتاب (من الحداثة إلى العولمة)، الصادر بجزئين عن سلسلة عالم المعرفة بالكويت.

 

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها