تصبح على خير

أيمن رجب طاهر


قبل أن أقولها.. أقبّل جبينك، تطوف نظراتي على القصاصات الملصوقة بالحائط، فالليلة حين بدأتُ الكتابة وجدتها آخر ورقة في الدفتر، حسناً غدًا أشتري أوراقًا أخرى، وأحاول أن أصغّر خطي، لا تقلق لن أقلب الورقة لأكمل فأحب دائمًا التدوين على وجه واحد ولن أختصر...

تبقى ضمتك قوية هادئة وأنفاسك تدغدغ خدي، أنزل السلم تودعني نظراتك، أول خطواتي ألتفتُ فتشير وأنت واقف في البلكونة، ومع انحناءة الشارع أراك ترفع الجردل وتسقي أصائص الورد، وتروي عطش أصدقائك فروع الصبّار.

وقفتك كما هي جوار فرجة الشيش الموارب اتقاء الشمس، وحين أدخل باب العمارة وتدب خطواتي صاعدة، أستأنس بـأزيز الباب؛ فإنك لا تنتظر حتى أدير المفتاح، تتناول من يدي الأكياس، تقشّر الموز وتناولني، تقضم حبة التين ومعها تلعق طرف إصبعي، حتى لا يرتفع السكر أمنعك من إكمال تناول الفاكهة.

بعد الغداء نتمدّد، وأحكي لك حكايتي مع مديرنا بدمه الثقيل، فطول الوقت يتنمر علينا، ألا تتذكر يومًا حين كنت تسعل وصدرك ينهج، حاولت أن أستأذن منه لكنه رفع أمامي علبة السجائر الفارغة، ساعتها ألقيت بالإذن في وجهه ومشيت.

لا تتخطى الساعة الرابعة فننهض سويًا بعد القيلولة، قبل فوران الشاي أغسل الصحون وتهوى تنشيفها ورصها على المطبقية، تسبقني إلى البلكونة وتداعب فرعَيِ الصبّار، كنت أسمعك تتمتم لهما بكلمات، وفور جلوسي تصمت، وتشير إليهما وإلينا وتردّد كلمات الحمد والشكر، حين ترى جارنا يزعق في ولده العاطل صاحب المزاج السيئ، بتمهل نشرب الشاي وتأخذنا الذكريات فتنسى كعادتك إكمال كوبك فتترك نصفه البارد.

أعترف لك: طلبني زميلي الأرمل، وآخر محاولاته كان صوته ضارعًا، آه، اقبلْ اعتذاري، فقد حكيت لك عنه في ورقة منذ أيام وعن رفضي لرغبته المِلْحاحة بأنه يحتاجني...

حسبت جاراتي أني مخبولة حين رأتني إحداهنّ لا زلت أنشر بين هدومي بيجامتك والروب، فعلقتهم بمنشر المنور، وأخرى تتعجب من صينية شاي العصاري، وأقلب بالملعقة فنجانين وأتناساهما على زيار البلكونة العريض جوار أصيص الصبّار، رغم استمراري في سقيه إلا أن فرعه يبس ومال على جنبه، حاولت فصله لكن جذره تشبث برفيقيه.

أحفظُ الغسيل وأجمع ملابسك، أرصها وأُبقي درفة الدولاب مفتوحة، وأشير إلى الروب المعلق على الشماعة، الكوب مركون على الزيار به بقية من شاي بارد، على السفرة نصف إصبع الموز، وبالطبق القليل من فصوص الرمان مع حبتي التين.

سأطفئ أنوار الغرفة ما عدا لمبة سهارة أعلاك تمتص ما حولك من عتمة، الحائط لم يعد به عقلة إصبع إلا وبه قصاصة أو ورقة تتضام مع الجدار، لكنني أكرّر وعدي بأن أستمر، وفي الصباح أدبّر مكانًا لهذه الورقة جوار صورتك، هامش الصفحة يتحمل كلمتي الأخيرة: تصبح على خير.

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها