تدور أحداث فيلم "على الهامش" للمخرجة المغربية جيهان البحار حول ثلاث قصص مختلفة عن الحب، تتمحور حول شخصيات مهمشة. تتقاطع طرق هؤلاء الأبطال بشكل غير متوقع، مما يخلق مواقف درامية وكوميدية تعكس التحديات والتجارب التي يمرون بها.
الفيلم من تأليف نادية كمالي وجيهان البحار، وبطولة كل من خليل أوباعقى، فاطمة الزهراء بناصر، عبد اللطيف شوقي، عزيز داداس، ماجدولين الإدريسي، وهند بن جبارة.
تتميز متتاليات المشاهد في فيلم "على الهامش" بتوازن دقيق بين الدراما والكوميديا، ما جعل العرض جاذباً لاهتمام الجمهور منذ البداية وحتى النهاية؛ إذ تمكنت المخرجة من نسج مشاهد تجمع بين الجدية والفكاهة بطريقة متقنة، ما ساهم في خلق تفاعل حي مع المتابعين.
وكان لقوة الأداء التمثيلي دور محوري في تعزيز هذا التفاعل، خاصة مع حضور ممثلين يتمتعون بشعبية جماهيرية كبيرة مثل ماجدولين الإدريسي وعزيز داداس، حيث أبدعا في تقديم مشاهد كوميدية تمس الجمهور، بينما تألقت هند بن جبارة في تقديم أداء درامي عالي الجودة، ما أضاف أبعاداً إنسانية عميقة للقصة وساهم في خلق توازن فني دقيق، هذا الانسجام بين الممثلين والتنوع في أساليب الأداء جعل الفيلم أكثر قرباً وتأثيراً لدى المشاهدين.
أما الممثل الشاب خليل أوباعقى فقد أبدع في تجسيد دوره بشكل لافت، ليبرز كوجه سينمائي صاعد يستحق المتابعة، حيث إن أداؤه اتسم بالبساطة والواقعية وقدم دوره بأسلوب معقول ومقبول جذب انتباه الجمهور، ورغم حداثة عهده في الساحة السينمائية، إلا أنه أظهر نضجاً في التمثيل وتفاعلًا متناغماً مع بقية فريق العمل؛ إذ ينتظر هذا الفنان الشاب الكثير من العمل والتطور في المستقبل، مع توقعات بأن يصبح أحد الأسماء اللامعة في السينما المغربية بفضل موهبته وإصراره.
وتضيف اللقطات التي تحتوي على رسومات وأشعار باللغة العربية الفصحى قيمة فنية وتقنية كبيرة، إذ تعكس هذه العناصر التراث الثقافي الغني وتعزز من عمق السرد، حيث تبرز جماليات اللغة العربية وثراءها في التعبير عن المشاعر والأفكار، وتساهم الرسومات في تجسيد الروح الداخلية للشخصيات، بينما تعزز الأشعار من التواصل العاطفي مع المشاهد، ما يخلق تجربة فريدة تتجاوز حدود الكلمات، بينما تثري هذه التركيبة التجربة السينمائية، ويعكس هوية ثقافية غنية، ويعيد للجمهور التواصل مع جذوره الأدبية والفنية.
وتناقش المخرجة جيهان البحار في فيلمها "على الهامش" موضوعين شديدي الحساسية في المجتمع المغربي، هما زنا المحارم، وتجارة الأعضاء البشرية، وهذه القضايا رغم أنها موجودة، تعد من المحرمات الاجتماعية التي نادراً ما يتم التطرق إليها بشكل علني، إذ تهدف البحار من خلال التركيز على هذه الظواهر المؤلمة فتح نقاش عام حولها وحول خلفيتها الاجتماعية والأسرية والسياسية.
وتم عرض فيلم "على الهامش" في قاعات السينما المغربية، وأحدث المشهد الذي جرى بين الممثليْن خليل أوباعقى وهند بنجبارة نقاشات واسعة؛ إذ تضمن المشهد قبلة أثارت ردود فعل متباينة، بين من اعتبره غير ضروري ومن رأى فيه جزءاً من الحبكة الدرامية، وأكدت المخرجة أن الهدف من المشهد لم يكن الإثارة بل توضيح العلاقة المعقدة بين الشخصيات، كما أن تناولها لمواضيع شائكة كزنا المحارم وتجارة الأعضاء ليس لتوليد الصدمة، بل لكسر الصمت عن هذه الظواهر.
وترى جيهان البحار أن تناول هذه المواضيع المحظورة لا يمكن تجنبه إذا أرادت السينما أن تعكس الواقع بكل أبعاده، فهي تعتقد أن الإعلام والصحافة يناقشان قضايا مماثلة أحياناً، لكن السينما تمنح فرصة أعمق لاستكشاف الأبعاد النفسية والاجتماعية لتلك المشكلات، حيث ترى في فيلمها فرصة لفتح نقاش عميق حول مواضيع قد تبدو للوهلة الأولى بعيدة، لكنها في الحقيقة تمس الكثير من العائلات، ومن خلال سردها السينمائي تأمل في رفع الوعي وتشجيع المشاهدين على التفكير النقدي.
وتحدثت المخرجة عن التعاون الإبداعي الذي جمعها مع الكاتبة نادية كمالي مروازي في كتابة سيناريو الفيلم، مشيرة إلى أن هذا التعاون أضاف عمقاً خاصاً للقصة، حيث استطاعت الكاتبة أن تقدم حوارات تعكس البعد النفسي للشخصيات بشكل دقيق، كما أن التعاون بينهما أظهر كيف يمكن للكتابة المشتركة أن تضفي غنى على النصوص السينمائية، إضافةً إلى ذلك أشارت البحار إلى أهمية العمل الجماعي في تطوير السيناريوهات السينمائية وجعلها أكثر نضجاً.
وكان اختيار طاقم التمثيل تحدياً كبيراً لجيهان البحار، حيث تطلب الأمر دقة كبيرة في اختيار الشخصيات التي تناسب القصة. البحار اعتمدت على بعض الممثلين الذين عملت معهم سابقاً، مثل ماجدولين الإدريسي وعزيز داداس، لما يمتلكونه من قدرات تمثيلية عميقة، حيث إن هؤلاء الممثلون ساعدوا في تجسيد الشخصيات المعقدة بشكل فعال، ما أضاف بعداً إنسانياً قوياً للأحداث، وأيضاً أثنت البحار على الأداء الرائع للممثلة هند بنجبارة، التي أظهرت نضجاً تمثيلياً مفاجئاً في دورها الصعب.
ويتناول فيلم "على الهامش" ثلاث قصص حب تتقاطع جميعها مع واقع التهميش والفقر، فالقصة الأولى تتناول امرأة تبحث عن مستقبل أفضل من خلال شهادة مزورة، بينما القصة الثانية تعكس حباً يتحدى الطبقية والمرض، أما القصة الثالثة فتتعلق بأم تجبر على بيع كلية ابنتها لإنقاذ زوجها من السجن، ما يعكس القرارات المؤلمة التي تواجه العائلات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ومن خلال هذه القصص، تبرز المشاهد كيفية تداخل الحب مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتأثير ذلك على الأفراد.
وواجهت جيهان البحار تحديات كبيرة خلال إنتاج الفيلم، خاصة في ظل القيود الصحية التي فرضتها جائحة كورونا؛ إذ كان عليها أن تتعامل مع مشاهد حساسة دون اللجوء إلى الإثارة، بل عبر التركيز على الأبعاد النفسية للشخصيات واستخدام الإيحاء بدلًا من العرض المباشر للمشاهد الحساسة، ما أضاف عمقاً درامياً للفيلم، وتشير البحار إلى أن التحديات التقنية والإنتاجية دفعتهم إلى تقديم عمل أكثر تركيزاً واحترافية، مع الحفاظ على الرسالة الإنسانية للفيلم.
وتعتبر المخرجة جيهان البحار من أبرز الأسماء في السينما المعاصرة، حيث استطاعت أن تقدم رؤية فنية فريدة تتميز بالتنوع والعمق في أعمالها. يظهر هذا الاختلاف بوضوح في أسلوبها بين فيلم "على الهامش"، وفيلمها الآخر "في بلاد العجائب".
بينما أسلوب المخرجة في فيلم "في بلاد العجائب" الذي يروي قصة سيدة ثرية ومتعجرفة، تُجبرها الظروف على العيش مع عائلة فقيرة في جبال الأطلس، حيث يعكس الفيلم التحول الجذري في حياة هذه السيدة، وتتعرض لظروف صعبة وحياة مزرية تؤدي إلى تغيرها الداخلي، هنا تميل البحار إلى أسلوب أكثر جدية وعمقًا، حيث تركز على الجوانب النفسية والاجتماعية للتغيرات التي تمر بها الشخصية، كما تعكس الكاميرا في هذا الفيلم الأجواء القاسية والتحديات التي تواجهها، مما يضيف بُعدًا دراميًا قويًا للقصة.
ويبرز الاختلاف بين الفيلمين في كيفية تناول القضايا الاجتماعية والإنسانية. بينما يُعالج "على الهامش" الموضوعات بأسلوب خفيف وجذاب، يسلط "في بلاد العجائب" الضوء على الجوانب الأكثر ظلمة في الحياة والتغيرات الاجتماعية، ويعكس هذا التنوع في أسلوب البحار قدرتها على معالجة مختلف المواضيع بطرق مبتكرة وجذابة، مما يجعل كل عمل لها فريدًا في حد ذاته.
وتظل جيهان البحار مخرجة قادرة على التلاعب بالعواطف وتحقيق توازن بين الفكاهة والجد، مما يثري مشهد السينما المغربية، ويعكس التحديات والتغيرات الاجتماعية بطرق جديدة ومؤثرة.