الألعاب الرياضية بالميادين في العصر المملوكي

محمود عبد الرحيم



المَيْدَانْ والمَيْدانُ في اللغة: فسحة من الأرض متسعة معدة للسباق أو الرياضة ونحوها. يقال: ميدان السباق، وميدان الكرة، وميدان الحرب. والجمع ميادين1 وموادين2. والميدان عبارة عن فراغ مفتوح يتواجد في مناطق من المدينة، ويمكن أن يكون مرتبطًا بمبنى هام، ويكون متاحًا للعامة لممارسة أنشطتهم فيه والمرور من خلاله3، وإقامة الأسواق4. وقد تميز هذا النوع باحترامه للمقياس الإنساني الناتج عن الحركة الطبيعية للناس وللأنشطة التي تُمارس في هذه الفراغات5.


واشتملت الميادين في العصر المملوكي (648- 923هـ/ 1250- 1517م) كالميدان الظاهري، وميدان الرميلة، وميدان تحت القلعة، والميدان الناصري الكبير على النيل، وميدان المهارة، وميدان سرياقوس... على الجناين والبساتين والساحات الكبيرة. واستخدمت استخدامات عديدة، فكانت كأماكن لتدريب الجيوش وتجميعها واستعراضها، وهي كذلك متنزهات عامة يلتقي فيها أهل المدينة للاجتماع في المواسم والأعياد، وكذلك الفرجة على الألعاب الرياضية والفروسية من سباق الخيل والمران على الطعن بالرماح والقتال بالسيوف، والألعاب الشيقة مثل لعبة الكرة ولعبة القبق وغيرهما.

وكانت أرض الميادين تمهد وترش بالماء بانتظام، وتوجد في بعضها مصاطب لجلوس المشاهدين، حيث كانت هذه الأمكنة لا تسع الناس من كثرة الحاضرين، كذلك كانت تقام في بعضها وقت المباريات خيمة كبيرة للسلطان (دهليز) وخيام أخرى للاستراحة وفي بعضها قصور وأماكن خاصة6، وكانت الميادين تستخدم في النشاط الدبلوماسي، فبها كان يتم استقبال السفراء والرسل والضيوف، ولا شك في أن هؤلاء السفراء كثيرًا ما تكون سفارتهم ذات أثر كبير في علاقات الدول بغيرها، وذات أثر كبير في توجيه سياستها إلى ناحية ما7. واستخدمت الميادين أيضاً في إقامة صلاة العيدين، وجلوس الملوك والولاة للنظر في المظالم، وإقامة حفلات زواج السلاطين والأمراء، وعمل المواكب السلطانية، وكذلك عمل الاستعراضات البهلوانية8.

وقد عرضت الكثير من المخطوطات المملوكية للفروسية والألعاب الرياضية بالميادين سواء ميادين الحرب أو ميادين عرض الجند والخيل واللعب، ومن هذه المخطوطات: مخطوط "تحفة المجاهدين في العمل بالميادين" الذي كتب بخط النسخ بمداد أسود، وزُخرفت صفحة العنوان بالمداد المذهب، وهذه النسخة عملت برسم الخزانة العالية المولوية الأميرية الكبيرية المجاهدية العضدية الذخرية السيفية بهادر الشهابي، مقدم المماليك السلطانية الملكية الظاهرية9؛ أي في عهد السطان الظاهر برقوق (784- 801هـ/ 1382- 1398م). وعرض المخطوط الميادين من حيث أنواعها، فيشير إلى الميدان الإفرنجي، وميدان التسيير، وميدان البُقجة، وميدان الطير المصلب، وميدان الأهلّة، والميدان المنُفِذ بأربع باشوات. وعالج المخطوط طرق انتظام الأجناد في صفوف سواء عند القتال أو عند اشتراكهم في الاحتفالات العسكرية، وكل ذلك من أجل تزويد الفرسان بأسرار الميادين، فيتمكن الفارس من عدوه ويحصره ولا يبقى له خلاص من يده10.
 

ومخطوط "المخزون جامع الفنون"11 الذي يشتمل على (91) ورقة أي (182) صفحة، بكل منها (15) سطرًا، دوّنت بخط النسخ المملوكي بالمداد الأسود، على حين استخدم المداد الأحمر في كتابة بعض العناوين الرئيسية والإضافات، كما استخدم التذهيب في الصفحة الافتتاحية وعدد من الصفحات الأخرى، واستخدمت الألوان المختلفة في تلوين التصاوير المنفذة داخل المخطوط التي يبلغ عددها (48) تصويرة تمثل كافة فنون الفروسية في العصر المملوكي، كما يضم أيضاً (33) شكلًا توضيحيًا للعديد من أشكال الفروسية، مثل أشكال الميادين وترتيب الجيوش في المعركة، وأشكال بعض الأدوات الحربية، وبعض الخطط والتكتيكات الحربية12 وعرض المخطوط الألعاب الرياضية كلعبة القبق وغيرها، والفنون والتدريبات القتالية والعسكرية التي تكون في الموادين، سواء الموادين العربية أو الفارسية أو الأفرنجية.

ومن الألعاب التي عرضها المخطوط: لعبة الكرة، وهي من الألعاب القديمة جداً، وكانت منتشرة في العديد من دول العالم القديم، ويرجح أن أصلها كان ببلاد فارس وعنها نقل العرب، وقد بلغت مكانتها درجة مرموقة في ظل الدولة الإسلامية، وقد تمتعت بمكانة كبيرة في العصر الأيوبي (567- 648هـ/ 1171- 1250م) وظلت متمتعة بتلك المكانة بل زادت عليها في العصر المملوكي، وقد عُرفت اللعبة باسم لعب الكرة أو ضرب الكرة أو الأكرة، والاسم الشائع لها لعبة الكرة والصولجان، ومضمون هذه اللعبة أنها كانت عبارة عن كرة كبيرة من مادة خفيفة كالفلين ونحوه، تُلقى على الأرض ويتسابق الفرسان راكبين على ظهور الخيل في التقاطها بالصولجان أو الجوكان، فمن سبق منهم إصابتها وإرسالها في الهواء كانت له الغلبة، وهذه اللعبة تُعرف حاليًا باسم البولو polo ولا تزال تحتفظ بطابعها الارستقراطي حتى الآن، وكان الجوكان أو المحجن عبارة عن عصاة مدهونة طولها نحو أربعة أذرع، وبرأسها خشبة مخروطة محدودية (معقوفة) تزيد عن نصف ذراع. وقد شغف بهذه اللعبة معظم السلاطين وأمرائهم في العصر المملوكي؛ فأنشأوا لها الميادين ووضعوا لها نظامًا خاصًا، وحددوا أوقات وحفلات تُلعب فيها، كما أعدوا لها ما يلزمها من خيول وأدوات وخصصوا موظفين من المماليك يُشرفون عليها يسمى الواحد منهم جوكندار، وشاع رنك الجوكندار على التحف التطبيقية13. ولانتشار اللعبة وشهرتها فقد تعرض لها فقهاء العصر المملوكي فيذكر تاج الدين السبكي14: "وما يعتاده الأمراء في هذا الزمان من لعب الكرة في الميدان حلال. وينبغي أن يقصدوا به تعليم الإقبال والإدبار، والكر والفر". ويضيف البعلي15: "ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال بحيث يستعان بها على الكر والفر والدخول والخروج ونحوه في الجهاد، وغرضه الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم. فهو حسن، وإن كان في ذلك مضرة بالخيل والرجال فإنه ينهى عنه".

ومن الألعاب أيضا لعبة القبق، والقبق: هو الهدف، وهي لعبة انتشرت في الأقطار الإسلامية، ومنها مصر وخاصة في دولتي المماليك اهتم بها هواة الرماية، وكانت طريقتها، إقامة صار طويل من خشب في قمته كرة من ذهب، أو فضة بمثابة ذهب، بداخلها طير حمام، ثم يتبارى اللاعبون في إصابته بالنشاب أو السهام، وهم على ظهور الخيل، فمن أصاب الهدف وأطار الحمام حاز السبق وأخذ الكرة المعدنية مكافأة له. ومنها فرع آخر يكون فوق الصاري دائرة من خشب، يرمي عليها الرماة كي يمر الهدف منها16.

ومن الألعاب التي كانت تُلعب في الميادين لعبة البرجاس، وهي لعبة قيل إنها عربية الأصل، أو مولدة، أو تركية الأصل في رواية أخرى. والبرجاس: هدف خشبي مكون من سبع قطع تُركب بعضها فوق بعض من أسفل بارتفاع يوازي رأس الفرس. أو في نحو سبعة أذرع. وينتهي بحلقة معدنية مفرغة الوسط. فيسوق المملوك في البرجاس سوقًا خفيفًا، ثم سريعًا بعد أن يجمع أفخاذه على أجناب الفرس ويقصر عنانه، ويرفع الرمح قليلًا ثم يرمي به نحو الحلقة المعدنية، فإذا أصاب سقطت من قاعدتها الخشبية، وإذا أخطأ طاش الرمح إلى أرض الميدان17.

ومن الألعاب أيضا لعبة الكزلك وترس الملح، وهي لعبة هندية الأصل تعتمد على الثقافة والروغان والحرص، وتتطلب الجرأة في اللعب، لذلك ذُكر أن اللاعب محتاج (إلى أن يكون أروغ من ثعلب، وأثقف من هر، وأحذر من سلحفاة، وأخطف من حدأة)18.

وعرض المخطوط للكثير من الألعاب التي تمارس في الميادين كاللعب بالنار من على ظهر الخيل، واللعب بالرمح والرمحين، واللعب بالدبوس، والرمي بكافة أنواعه.

وقد حفلت المخطوطات المملوكية المحفوظة بمتاحف ومكتبات العالم شروحات لهذه الرياضات التي كانت تمارس بالميادين مزوقة بالكثير من الصور، إلى جانب أشكال الأسلحة وأنواعها، وملابس وأزياء الفرسان.

 


الحواشي: 1. الفيروزآبادي (مجد الدين محمد بن يعقوب ت 817هـ/ 1414هـ)، القاموس المحيط، ط (8) مؤسسة الرسالة، بيروت 1426هـ/ 2005م، ص: 365.┃2. رينهارت بيتر آن دوزي، تكملة المعاجم العربية، ترجمة وتعليق، جمال الخياط، ط (1) دار الشؤون الثقافية، بغداد 2000، ج10، ص: 138.┃3. عمر إبراهيم محمد حسين، تقييم تطوير الفراغات الحضرية بالمدن الأثرية (دراسة حالة مدينة الأقصر)، دكتوراه، قسم العمارة، كلية الهندسة، جامعة الأزهر 2017، ص: 13.┃4. دوزي، تكملة المعاجم العربية، ج10، ص: 138.┃5. منى عصام حلمي إبراهيم، أسس التنسيق الحضري لأعمال الفن الجماهيري في الميادين والساحات، ماجستير، قسم التخطيط والتصميم العمراني، كلية الهندسة، جامعة عين شمس 2005، ص: 11.┃6. عبد المنعم ماجد، نظم دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر دراسة شاملة لنظم البلاط ورسومه، ط (2) مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1982، ج3، ص: 138.┃7. محمود رزق سليم، عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي، ط (2) مكتبة الآداب ومطبعتها بالجماميز، القاهرة 1384هـ/1965م، القسم الثاني، ج1، ص: 209.┃8. محمد الششتاوي، ميادين القاهرة في العصر المملوكي، ط (1) دار الآفاق العربية، القاهرة 1419ه/ 1999م، ص: 19.┃9. الطرابلسي (لاجين الحسامي)، تحفة المجاهدين في العمل بالميادين، مخطوط في مكتبة الفاتح، قسم المخطوطات، رقم 3512؛ مقدمة المخطوط.┃10. محمد عيسى صالحية، تحفة المجاهدين في العمل بالميادين تأليف لاجين بن عبد الله الذهبي، المعروف بحسام الدين الطرابلسي ت 738هـ/ 1338م، مجلة معهد المخطوطات العربية، الكويت، شوال 1404هـ- ربيع الأول 1405هـ/ يوليو- ديسمبر 1984م، مج 28، ج 2، ص: 390- 391.┃11. ابن خزام، المخزون جامع الفنون، مخطوط في مكتبة فرنسا الوطنية، قسم المخطوطات، رقم 2824. وفي هذه النسخة تم محو اسم السلطان أو الأمير الذي أمر بكتابة هذا الكتاب، وفي خاتمة المخطوط ذكر الناسخ أن الفراغ من تعليق الكتاب كان في يوم الأحد تاسع شهر الله المحرم الحرام سنة 875هـ/1470م. ابن خزام، المخزون جامع الفنون، ورقة 90. وفي نسخة أخرى جاء في خاتمة المخطوط اسم الناسخ وتاريخ النسخ، والناسخ هو شاهين الزيني المعروف بالمذهب الشهير بالفقير، سنة 984هـ/1576م.┃12. محمد إبراهيم عبد العال، مخطوطات الفروسية المملوكية المزينة بالتصاوير "كتاب المخزون جامع الفنون أنموذجًا" (875هـ/ 1470م)، مجلة ذاكرة العرب، مكتبة الإسكندرية، العدد 5، مصر 2021م، ص: 11- 12.┃13. للاستزادة أنظر: بيرو طافور، رحلة طافور في عالم القرن الخامس عشر الميلادي، ترجمة وتقديم، حسن حبشي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 1423هـ/2002م، ص: 74؛ سعيد عبد الفتاح عاشور، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك، دار النهضة العربية، القاهرة 1992، ص: 81- 82؛ لطفي أحمد نصار، وسائل الترفيه في عصر سلاطين المماليك في مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1999، ص: 243- 259.┃14. السبكي (تاج الدين عبد الوهاب السبكي ت 771هـ/ 1370م)، معيد النعم ومبيد النقم، حققه وضبطه وعلق عليه، محمد علي النجار وآخرون، ط (1) دار الكتاب العربي، القاهرة 1367هـ/1948م، ص: 47.┃15. البعلي (بدر الدين أبي عبد الله محمد بن علي الحنبلي ت 778هـ/ 1376م)، مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، أشرف على تصحيحه، عبد المجيد سليم، دار الكتب العلمية، بيروت 1405هـ/1985م، ص 521.┃16. حسن عبد الوهاب، خانقاه فرج بن برقوق وما حولها، ضمن كتاب، المؤتمر الثالث للآثار في البلاد العربية، فاس 8-18 نوفمبر 1959م، القاهرة 1961م، ص: 285.┃17. محمد عيسى، تحفة المجاهدين، مج 28، ج 2، ص: 415، حاشية 2؛ نبيل محمد عبد العزيز، الملاعيب في عصر سلاطين المماليك، القسم الثاني، هزل فرسان الخليل وبعض ما ينزه نفوسهم وأبدانهم قبل يوم الحقائق، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 2006 القسم الثاني، ص: 145.┃18. نبيل محمد عبد العزيز، الملاعيب في عصر سلاطين المماليك، القسم الأول، الرياضات البدنية مع ملحق بداغات ووسوم الخيل، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 2002، ص: 95- 96.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها