صورة البطل في السينما المصرية

من الرجل المثالي إلى رجل الشارع

د. مفيده سليمان عبدالله


كان للسينما المصرية تقاليدها وأعرافها منذ زمن أفلام الأسود الأبيض إلى عصر الأفلام الملونة، ومن أهمّها مواصفات بطل الفيلم الذي يقوم بالدور الرئيس إلى جانب البطلة، وهما من يحدد نجاح الفيلم أو فشله. ثم يأتي دور القصة والسيناريو، ثم الملحقات الأخرى من ديكور وملابس وإضاءة... إلخ.

 

لقد تصدر الشاشة أبطال عدة قاموا بأدوار البطولة في عهود سابقة، ولعلّ أهمهم تلك النماذج التي عدت نجوماً في زمنها كرشدي أباظة، وحسين فهمي، ومحمود ياسين. فكلهم تنطبق عليهم المواصفات التالية: الشاب الوسيم، الطويل القد، الرشيق القوام، الأنيق في اختيار ملابسه، المهذب اللطيف، الناجح في عمله، وهو من يجذب النساء بحضوره الطاغي، إضافة إلى قوته البدنية، ففي كل المعارك التي تعترضه ينتصر فيها ولو كان بمواجهته مجموعة من الرجال الأشداء، وأيضاً هو لا يتورع عن تعنيف المرأة وإن كانت حبيبته، ولكن عنفه منضبط تجاه النساء لا غير، فهو يكتفي بضربها بصفعة واحدة فقط، ومع ذلك تكفي لتسقط على الأرض وهي تبكي. وعلى الرغم من ذلك لا تنهي المرأة علاقتها مع ذلك الرجل العنيف إذا كانت تحبه لأنها تجد أن من حقه ضربها إن رآها مخطئة، وإن كان الأمر مجرد سوء تفاهم عارض.

ولكن صورة البطل التقليدية بدأت تتغير تغيراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، فلم تعد الأفلام تقدم الصور المثالية لأبطال الأفلام -لاسيما العاشق- بل أخذت تقدم صورة البطل بواقعية وموضوعية بعدما فقد مواصفاته الخارقة، وصار البطل هو الرجل الذي يمكن أن يلتقيه المشاهد في شارع حارته دون أن ينتبه إليه!

لقد فقد البطل وسامته، بل قد يكون قصير القامة، أو بدينا، وقد يخرج إلى الشارع بملابسه المتسخة غير المكوية، وقد يتعرض للضرب في أي معركة تقع بين الرجال، ولا يخطر له أن يضرب المرأة التي يحب مهما أغضبته، بل هو من يخشاها ويبادر إلى نيل رضاها دوماً، فليس في حياته معجبات يلاحقنه أينما ذهب!
 

من أوائل الأفلام التي كسرت صورة البطل التقليدية فيلم (صعيدي في الجامعة الأمريكية)، الذي قام ببطولته الممثل البارع (محمد هنيدي)، وكتبه (مدحت العدل)، وأخرجه (سعيد حامد) وعرض للمرة الأولى عام (1998).

رغم أن الصعيدي (خلف الدهشوري خلف) بطل الفيلم لا يجيد التحدث إلى النساء، لهذا يطلب مساعدة صديقيه الذين يقيم معهما في الشقة، وأيضاً لا يجيد السباحة التي برع فيها منافسه في حب (عبلة)، لهذا يساعده الصديقان بالحيلة ليفوز بالسباق لعله ينال إعجاب حسناء الجامعة الأمريكية، ولكنه لا ينجح في ذلك. ثم يقتنع بحب فتاة بسيطة ترتدي نظارة طبية تدعى (سيادة)، وهي التي بادرت إلى التقرب إليه.

أما الفيلم الثاني الذي اخترناه كنموذج للممثل نفسه فهو بعنوان: (عندليب الدقي)، كتبه (أيمن بهجت قمر)، وأخرجه (وائل إحسان)، وأنتج عام (2007).
 بطل الفيلم (فوزي) شاب طموح يحلم بأن يصبح مطرباً كبيراً مثل (عبد الحليم حافظ)، الذي أخذ منه لقبه (العندليب الأسمر)، وعدله إلى (عندليب الدقي)، كما كان يقلد العندليب الحقيقي في ملابسه أيضاً، ولكن صوته لم يكن يساعده في تقليده كما ينبغي.
كذلك عندليب الدقي لا يشبه العندليب الأسمر في فيلم (معبودة الجماهير)، الذي تحدى فيه (عبد الحليم حافظ) كل الظروف حتى حقق حلمه وأصبح مطرباً شهيراً. فعندليب الدقي يفشل فشلاً ذريعاً في ذلك، ولكنه يصبح ثرياً بعدما اكتشف أن له أخاً غير شقيق يقيم في الإمارات.

ومن الجدير بالاهتمام أن الممثل (هنيدي) من أوائل الممثلين المشهورين الذين حطموا الصورة التقليدية للنجم السينمائي من جهة الشكل، وبذلك لم يعد الشكل العامل الأساسي عند اختيار أبطال الأفلام السينمائية.

التجربة الثانية التي سنتحدث عنها هي للممثل (علاء ولي الدين) الذي يتميز ببدانته الواضحة، فقام ببطولة فيلم (عبود على الحدود)، قصة وسيناريو وحوار (أحمد عبد الله)، والمخرج (شريف عرفه)، وإنتاج عام (1999).
 تبدأ أحداث الفيلم مع الشاب (عبود) الذي يعبر عن سعادته بأنه سيعفى من الخدمة العسكرية لأنه وحيد، وسمين أيضاً، ولكن والده العسكري يعتقد أن ولده لن يصبح رجلاً إلا إذا أدى الخدمة العسكرية، لهذا يعمل جهده حتى يساق ابنه إلى الجيش.
ونرى عبود في مواقف محرجة في ساحات التدريب، حيث لا يستطيع القيام بأداء التدريبات على الوجه الصحيح. ثم يفرز عبود مع ثلاثة مجندين إلى منطقة حدودية وهناك يحاول استغلالهم تاجر مخدرات، ولكن الأصدقاء لا يقعون في الفخ، وينجون بمساعدة الجيش ورجال الشرطة، ويحقق النصر الأبطال الذين لم يعتمد الفيلم على شكلهم بل على أخلاقهم ووطنيتهم، وطرافتهم أيضاً.

وجسد عبود الضخم كاد يتسبب في وفاته آخر الفيلم.

أما الفيلم الآخر للممثل نفسه (علاء ولي الدين) فكان بعنوان (ابن عز)، قصة (شريف عرفه)، وسيناريو وحوار (أحمد عبد لله)، وإخراج (شريف عرفه)، وعرض عام (2001).
 وقصة الفلم لا تفترض أن يكون البطل بالضرورة بديناً، ولكن الشكل البدين ساعد على إظهار طبيعة الشخصية المدللة والكسولة والاتكالية، فـ(فريد) بطل هذا الفلم ابن ملياردير هرب خارج مصر مع ثروته، فتمت ملاحقة ولده من قبل القضاء وأحد الدائنين، وعندها يضطر هذا الابن الذي كان يعيش حياة مرفهة باذخة إلى العمل والعيش في أماكن فقيرة جداً. وبعد خوضه لتجارب مؤلمة يعتزم السفر، ولكن في الدقائق الأخيرة يقرر البقاء في وطنه مهما كانت النتيجة. وفي النهاية يصدر قرار براءته، وينال ميراثه من أمه، ولكنه يعود إلى سابق عهده الشاب الثري المدلل الأناني.

نلحظ أن هذا النوع من الأفلام يغلب عليها الطابع الكوميدي، وذلك لأنها كسرت الصورة التقليدية التي قدمتها السينما المصرية سابقاً، ففي الكوميديا تظهر التناقضات والمفارقات بشكل مقبول ومحبب أيضاً.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها