الفن التشكيلي يُوحّد البشر

مكاشفة حول الفن والجذور الإبداعية مع التشكيلية نجاة مكي

حاوره: الأمير كمال فرج


الدكتورة نجاة مكي رائدة الفن التشكيلي في الإمارات، وأول إماراتية تحصل على الدكتوراة من الخارج، جسدت في لوحاتها بيئة الإمارات بما تتميز به من ثراء وتنوّع، وعبرت عن روح المرأة العربية المتوثبة التي اجتهدت وعملت حتى وصلت إلى أعلى المراتب، وبرهنت على أن البيئة الشعبية بملامحها الأصيلة الصادقة أقصر طريق إلى العالمية. في لوحاتها مزيج من كبرياء الصحراء وعبق القرى، وأصالة البادية، وخطوطها تتميز بالقدرة الفائقة على البوح التأويل. قدّمت على مدار رحلتها الفنية العديد من الأعمال، وشاركت في العديد من المعارض، ومثلت الإمارات في محافل فنية عربية وعالمية، وحصلت على العديد من الجوائز المحلية والعالمية، منها جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والآداب والفنون، وكان أحدثها وسام الآداب والفنون الفرنسي بدرجة فارس.

 قالت نجاة مكي -في مكاشفة مع "الرافد" الرقمي-: إن الفن وسيلة لربط الإنسان بقيم مجتمعه الأصلية، ويحفظ الحضارات المختلفة، ويرتقي بالمدركات البصرية، وهو أيضاً أداة لترقية المشاعر، لذلك له تأثير واضح في إزالة الفوارق السياسية، وتوحيد البشر.

ودعت مكي إلى أن تكون "الثقافة البصرية" مادة أساسية في المدارس، وإعطاء الاهتمام لها في كل نواحي الحياة، فالعالم يواجه تحديات كبري، وللفن عامل مهم لنشر الوعي بصورة بها نوع من التوجيه الجمالي، وآراء أخرى في هذا الحوار.


 

 الفن لغة عالمية.. ما الدور الذي يمكن أن يقدمه الفن في التفاهم بين الشعوب وخدمة القضايا الإنسانية؟

الفن هو الضوء الذي ينير بصيرتنا إلى خفايا عوالم الطبيعة؛ لنستقي منها ونتعلم كيف ننظم حياتنا ونطور سلوكياتنا من خلال معطياته، فتتسع رؤيتنا إلى تذوق الجمال، باعتباره العمود الفقري في تعزيز الروابط بين أفراد المجتمع، من خلاله نستطيع التحاور مع الآخر لنصل إلى حلول وطرق تسهل علينا الصعوبات التي قد تعترض حياتنا.

والفن وسيلة لربط الإنسان بقيم مجتمعه الأصلية، كما أنه يحفظ ويصون أنظمة الحضارات المختلفة، وأجمل ما فيه إنه يرتقي بالمدركات البصرية، وما يرتبط بها من عمليات جمالية، وهو أيضاً أداة لترقية المشاعر، لذلك له تأثير واضح في إزالة الفوارق السياسية، وتمهيد الطريق أمام وحدة البشر وخدمة القضايا الإنسانية، كما أن له دوراً مهماً لإعادة تشكيل الحياة، وكما يقال إن الفنون هي المفتاح الحيوي لانفتاحنا على العالم، فهي تؤدي وظائف شتى في الثقافة المعاصرة.

 للبيئة دور مهم في تشكيل الفنان وتوجهه الفني، فكيف كان هذا الدور في حياتكم الفنية؟

تعتبر البيئة هي الرافد الحقيقي الذي يصنع ويوجه الفنان، وما يطرحه من أفكار، بالنسبة لي أعتقد أنني لم أخرج من حيز البيئة أو المجتمع الذي ولدت ونشأت فيه، ولذلك جاء إدراكي الحسي بالبيئة المحيطة في أول معرض لي احتضنه نادي الوصل بدبي عام 1987، حيث طرحت فيه عدة تجارب ومحاولات، وأهمها استخدام المواد الشعبية التراثية في الأعمال الفنية مثل الحنّة والزعفران والورس؛ لما لهذه المواد من ارتباط بالبيئة من ناحية، وبالمرأة من ناحية أخرى، حيث تعتبر من مواد الزينة والتجميل وقد حملت مضموناً تراثياً، كما استخدمت قطع الخشب في تركيبات هندسية.

وفي بعض الأعمال قمت باستخدام بقايا الأقمشة والورق بطريقة الكولاج، لتضيف بعداً أعمق للعمل، يقرؤه المتلقي بسهولة ويدرك معناه.. كذلك استخدمت خامة البراقع في عمل فني آخر، أما البحر فقد كنت أراه برؤية أخرى، أرى معاناة الغواص التي جسدتها من خلال اللون والانتقال به من الفاتح إلى الغامق، بتدرجات متناغمة تعطي في نفس الوقت الإحساس بتموجات المياه، واللون الأبيض رمزت به إلى نوارس البحر.

واستخدمت الألوان الذهبية والفضية بطريقة تزيينية مقصودة لترمز عن قطع النقود الذهبية والفضية التي تنثر في المناسبات.. هكذا جاءت أعمالي الفنية مرتبطة بالواقع والبيئة، وأعتقد أن اتصال الإنسان بالبيئة وبالعالم الخارجي، وما به من عناصر هي التي تؤثر على ما يملكه الفنان، كما أن لكل فنان رؤية خاصة في ترجمة الطبيعة حسب رؤيته، وما يراه مناسباً لأسلوبه الفني.

 متى يصل التشكيل العربي إلى العالمية؟ وما المعادلة التي تحقق ذلك؟

التشكيل العربي وصل إلى العالمية خلال العصور الوسطى، فالعرب هم من قدّم وساهم في الكثير من الابتكارات والاختراعات، سواء في العمارة أو التصوير أو الموسيقى، أو الطب أو غيرها من الفنون، كما كان للحملات الصليبية أثر بالغ في نقل الكثير من العلوم والفنون الإسلامية كالزخرفة والمنسوجات، والتي لها دورها في التبادل الثقافي.

وفي عصر النهضة نجد تأثير أعمال المصورين الأوروبين بالفنون الإسلامية بما تحمله من أبعاد فلسفية وعلمية وجمالية وروحية، وفي القرن العشرين كان التشكيل العربي متأثراً بالفنون الأوروبية التي سبقته بقرون، لذلك من الصعب عليه أن يحقق هويته الكاملة، حيث إن التطورات الفنية أو اكتساب المجتمعات لسمات خاصة بالفن تأحذ وقتاً طويلاً، لذلك فإن التشكيل العربي بدأ أكثر وعياً بعد هذه الفترة، فأصبح له هوية وملامح تميزه، وذلك من خلال المساهمة في تنمية الحس القومي للأرض والوطن، والتفاعل مع الأحداث بتسجيل مشاهد البطولات والانتصارات وغيرها، كما حدث في العراق ومصر وسوريا والجزائر، فالفن والإبداع لا بد أن يكونا نتيجة بحث طويل واستمرارية، وبذل جهود كبيرة حتى تظهر له سمة تميزه.

والآن.. التشكيل العربي بدأ يظهر بوضوح من خلال وجود الإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي، حيث اجتهد الفنانون على نشر إنتاجهم ومساهماتهم الفنية ليعرفها العالم، ويعرف من خلالها وجهة نظرهم فيما يتعلق بالعالم الذي يعيشونه، لكن للأسف الغرب ما زال لا يعترف بوجود تشكيل عربي.

 أنت رائدة من رواد الفن الإماراتي المعاصر، ما تقيمك للحركة التشكيلية الإماراتية وما تقدمه الآن؟

الحركة التشكيلية الإماراتية تسير بخطى واثقة، فقد أدرك المسؤولون في دولة الإمارات أهمية الفن، فما نراه من نهضة ثقافية في كل مناحي الحياة والاهتمام بالإبداع والمبدعين دليل على ذلك، وقد جاء بينالي الشارقة بما يقدمه من فنون ليفسح المجال للفنانين للاطلاع على الأساليب الفنية، والتعايش بين الفن التقدمي وبين التجهيزات الفنية للفن المفاهيمي التي كان التجريد يشكل فيها جزءاً لا يتجزأ. ونتيجة لتتابع المعارض في مختلف أنحاء الدولة، ظهرت روح جديدة في البحث عن موضوعات وتقنيات غير مألوفة لفنانين عالميين تأثر بها بعض الفنانين المحليين، كما كان لوجود الجامعات والكليات المتخصصة في الفن أثر كبير في نشر الفن وفي عملية التذوق الفني، كذلك كان للمتاحف الفنية دور مهم في إطلاع الجمهور على الإرث والثقافة الإنسانية.. وأصبحت هذه المتاحف مراكز إشعاع ثقافي بما بها من مراكز تعليمية تخدم الأجيال، وأصبح لها دورها في خدمة المجتمع، ولم تعد أماكن لعرض الأعمال فقط؛ إنما أصبحت تحتل جزءاً كبيراً من النشاط السياحي للزوار ومحبي وعشاق الفن والجمال.

 نجح التشكيل في إظهار بوح المرأة العربية، فما رأيك في تجارب الفنانات الإماراتيات؟

فعلا؛ نجح التشكيل في إظهار بوح المرأة العربية بصور متعددة حسب موقعها وبيئتها ومجتمعها، بالنسبة لتجارب الفنانات الإماراتيات، هناك فنانات تجاوزن مرحلة التجريب وأصبح لهن فكر خاص وأسلوب فني متميز، فالبعض تميز بالأسلوب الانطباعى التأثيري، والبعض الآخر بالأسلوب التجريدي، كما اتجه بعض الفنانات إلى أساليب الحداثة بما فيها من تعدد.

ومن الطبيعي أن يتأثر الفكر الإماراتي بما يحدث على الساحة الفنية من تطور، وهذا أمر صحي، وأعتقد أنه ما دام اتصال الإنسان بالبيئة وبالعالم الخارجي بما به من عناصر، تبقى عملية الإدراك متواصلة، ولكل فنان رؤية خاصة في ترجمة ما يراه مناسباً لذوقة وأسلوبه.

 ما المدرسة الفنية التي تنتمين إليها؟ وما دوافع ميلك لهذا اللون الفني؟

عندما كنت طالبة كان عليّ أن أتبع ما يتم توجيهه لي من قبل المعلمين، وبعد أن أكملت الدراسة، أعتقد أنني لا أتبع مدرسة معينة؛ إنما أطّلع على جميع الأساليب الفنية طالما تحمل مضموناً ابتكارياً، وأستفيد منها، وأتذوق كل ما هو جديد في الفن وتجريب الخامات.

 في عصر الإنترنت، كيف يمكن للتشكيل العربي أن يستفيد من الثورة الرقمية العالمية؟

الثورة الرقمية سهلت على الفنان أموراً كثيرة، فالتشكيل العربي أصبح أكثر انتشاراً من السابق بفضل برامج وتقنيات الإنترنت، والفنان أصبح في فضاء متسع، استطاع أن يتواصل مع العالم عبر قنوات كثيرة، ويعبر عن فكره ومبادئه بكل حرية، ويمتلك رصيداً كبيراً من العلاقات من مختلف دول العالم. كذلك سهل الإنترنت على الكثيرين نقل المعلومة، فكثرت المعارض والملتقيات والندوات والحوارات، حتى في وقت الأزمات لم تتوقف وسيلة التواصل بين البشر لوجود الإنترنت، وبعد أن كانت أساليب العرض على الجماهير هي المتاحف وقاعات العرض، أصبح فن الفيديو والاتصال يعرض في أي مكان للمتفرجين، ويمكنهم التدخل وعرض ما يرونه أفضل مع الحركة المستمرة للصورة، وأصبحت الوسائط الإلكترونية تتغير مع كل برنامج.

وأثرت شبكة الإنترنت على أسلوب تناول الفنان لمفهوم العمل الفني، حيث تعددت طرق الأداء، كما أن تغير أساليب التفكير أحدث تغيراً هائلاً في حركة الفن التشكيلي، حيث كان الشكل مرتبطاً بسطح الصورة والارتفاع أو العمق الإيهامي، فأصبح بعد ذلك الخروج عن السطح Installation والتراكيب في الفراغ، كما كانت الألوان من الطبيعة أو كيماوية، فأصبح التلوين بالضوء الصناعي والليزر وترجمة الموجات الكهربائية إلى ألوان.

التطور التكنولوجي عمل على توسيع نطاق وسائل الإعلام والاتصال، وأصبح التحدي أمام كل فنان أن يكون على دراية بوسائل الاتصال والتكنولوجيا في أحدث صورها.

 رغم انتشار الفن التشكيلي وازدهاره، ما زال فن الخاصة والمثقفين والمعارض والقاعات المكيفة، كيف تصل اللوحة الفنية للناس وتدخل كل بيت؟

لكل عصر أثر، بمعنى أن تكون هناك علاقة بين قيمة العمل الفني الذي ينجزه الفنان والمتذوق، والعصر الذي يعيش فيه، حيث يتوفر نوع من الاتزان بين اتجاهات الفرد العقلية والانفعالية، ليصل إلى التكامل المنشود. ويجب أن يكون هناك تكامل بين الأخذ والعطاء، بين التأمل والسلوك، وبين التركيز والاسترخاء، بين الاتجاه الفردي والجماعي، فكل فرد له مقدرة في التذوق، وله مقدرة على الابتكار.

إن وظيفة المتذوق للأعمال الفنية تتركز على استرجاع خبرة الفنان خلال عملية التذوق وفق حالة عقلية ومزاجية معينة، ومحتوى ثقافي يتحدد وفق خبراته السابقة، فالتأثر بالأعمال الفنية يخضع لعوامل انتقائية، حيث إننا نختار ما نتعرض له من محتوى هذه الوسائل، وهذه العملية تسمى بالدعم الانتقائي، لذلك فإن إدراكنا للرسائل، أيضاً يكون بشكل انتقائي، ويرتبط بأداء الفنان باعتباره مدخلا أساسياً للوعي بطبيعة الرسالة الجمالية التي يقدمها، ومدى فاعليتها في التأثير على المشاهد.

 تذوق الفن سلوك وإحساس نابع من إدراك الفرد لمواطن الجمال في العمل الفني، سواء كان لوحة أو تمثالاً أو قطعة فنية أو خزفيةً، وهناك تفاوت حسي بين الأفراد تجاه الأعمال الفنية، تعتمد في المقام الأول على الخبرة الحسية والقيم الجمالية التي يتضمنها العمل الفني، كما يتحدد السلوك الجمالي للإنسان وفقاً لما يتم اكتسابه من مدركات جمالية لما يحيط به.

كما أن الممارسة المتكررة لعملية التذوق لها أثرها الكبير في تربية الذوق الجمالي، فتكرار مشاهدة الأعمال الفنية التي تكشف عن مدى ما يملكه من صفات الجمال تحدث أثرها في إحساس الفرد وخياله، لذلك لا بد من تربية الأجيال على ارتياد المتاحف وزيارة المعارض منذ الصغر، حتى نستطيع أن نقول الآن وصلت اللوحة إلى كل بيت.

 في ظل المدارس الفنية، هل هناك مدرسة فنية عربية في الفن التشكيلي؟

أعتقد إلى الآن لا توجد مدرسة فنية عربية للفن التشكيلي، بالرغم من أن العرب هم من شيد الحضارة في فجر الإسلام؛ لأن ظهور مدرسة في الفن التشكيلي يعني انتشارها والاعتراف بها كبقية المدارس التي ظهرت.
 

 كيف تتعاملين مع الفرشاة والألوان والخامات عموماً؟ وما فلسفة اللون لديك؟

اللون عندي موسيقى بصرية تخاطب الوجدان، وهو الرمز الذي يجسد الفكرة من خلال الخامة، قد يكون اللون قريباً من الطبيعة، وقد يكون بعيداً عنها، وقد توحي المادة لي أحياناً بفكرة غير التي بدأت بها أو بإلهام جديد، وهذا أمر وارد، فالمادة وتشكيلاتها المتنوعة تعطي الفنان أفكاراً وأبعاداً مختلفة أثناء العمل، وهكذا في كل عمل فني يكتشف الفنان سراً أو عدة أسرار لم تكن في تفكيره، مما يؤدي به إلى تنفيذ عمل أروع وأدق.

أحياناً أستخدم عدة ألوان بكثافة عالية بطريقة مسطحة لإظهار العمق نتيجة تجاور الألوان، أو من خلال ضربات الفرشاة أجد أنني أبطئ في الحركة أو أسرع وفقاً لما أرغب به في إيصال المعنى للتعبير عن الإيحاء بالحركة، فلسفة اللون عندي مدى كلما تعمقت فيه شعرت بالروحانية.

 البعض يرى أن الفن لغة ثالثة، وأن الفهم ليس ضرورياً في اللوحة، فما رأيك، وما مفاتيح قراءة اللوحة التشكيلية؟

الفن موسوعة لغات وليس لغة ثالثة؛ لأن فضاءه متسع ولا ينتهي، ومفاتيح قراءة اللوحة التشكيلية تتطلب ما يلي: الإدراك الحسي وهو عماد العمل الفني، وكذلك تأتي أهمية البعد العقلي والثقافي والاجتماعي للوصول إلى المقومات الجمالية لبنية العمل الفني، وتعد عناصر تكوين العمل الفني هي مفردات لغة العمل التي يستخدمها الفنان.

وحتى تؤدي محاولات التعبير السابقة دورها كرسالة موجهة للناس، يجب أن يراعى في صياغتها أن تكون قادرة على جذب اهتمام المشاهدين، واستمالتهم إلى تذوق مضمون ما تحمله بنية العمل الفني من قيم.

 نجاة مكي أول امرأة إماراتية تحصل على رسالة الدكتوراة في الفنون الجميلة بالخارج، كيف ترين الدعم الرسمي للفن التشكيلي؟

الدعم الرسمي للفن كان ولا زال من أولويات اهتمام المسؤولين في دولة الإمارات، إن المحاولات المبذولة من قبل وسائل الإعلام صحافة كانت أم قنوات، أو منصات التواصل الاجتماعي، في تشجيع ثقافة الفن بكل صوره وأشكاله لها دور كبير في نشره.

ولأهمية ما يحمله الفن من مردود جمالي، فقد تم استثماره استثماراً جوهرياً في جمالية تخطيط بعض المنتجعات والمراكز والمؤسسات الثقافية والمتاحف لخدمة المتطلبات الإنسانية، ولإظهار القيمة الجمالية في المباني، تم استقدام أشهر المصممين في العالم لتخطيط وتصميم واستلهام التراث والبيئة بالشكل المناسب الذي يخدم البيئة والمجتمع.

 ما رؤيتك لمستقبل التشكيل في الإمارات؟

مستقبل التشكيل في تقدم متسارع لشتى أنواع الفنون، يكفي ما نراه في جميع أنحاء الدولة من كليات تخصصية وجامعات ومعاهد تعنى بالفنون، كما لا يغيب عنا الدور الكبير للمتاحف والمؤسسات الثقافية في الترويج للفنون، وفتح المجال لتلقي العلم والمعرفة في مجالات الإبداع. الفرصة الآن متوفرة لفناني الإمارات للاستفادة من التراث العالمي، حيث المعارض التي تقام في الدولة، والتي تأخذ صفة العالمية باشتراك فنانين لهم أسماء مرموقة في عالم الفن والإبداع من مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى فناني الإمارات، كما أن وجود بينالي الشارقة، وفن أبوظبي وفن دبي، واستقطابها للفنون العالمية جعل الإمارات وجهة عالمية في استقبال مقتني الأعمال الفنية، والباحثين عن الجمال ومحبي الفنون، بالإضافة إلى المعارض الفنية التي يستقبلها المجمع الثقافي في أبو ظبى.

كل ذلك يشكل مردوداً ثقافياً للفنان الإماراتى للتزود بالمعرفة الفنية والثقافة، والاطلاع على التراث العالمي، إضافة إلى المعارض التي تقام على مدار العالم في كل أنحاء الدولة، والتي يرتادها الزائرون لما لها من أهمية تثري النظر وتمتع الحواس.

 ما الدور الذي يقدمه الفن في مسيرة التطور المتسارع؟

للفن دور مثالي في تطوير سمة المجتمعات وأحوالها، وقد أصبح اليوم مهيمناً على ملامح الصناعة الحديثة، كما سيطر بقيمه ووجوده على متطلبات البشر، وتسابقت الدول الصناعية المتحضرة في جعل الفن ركيزتها الأولى في تقييم صناعتها المتعددة، ورفع درجة التطبيق والتصنيع، فحقق بذلك نمواً اقتصادياً، هذا ما تسعى إليه الدول تجاه الفن في الوقت الحالي، ودولة الإمارات بدأت في هذا الاتجاه من خلال المنصات الثقافية التي تسهم في رفع الوعي المجتمعي بما يملكة الفن من قوة، ودوره الحضاري في حياة المجتمعات، من خلال توفير برامج التنمية الاجتماعية، والدورات التدريبية، وإقامة شراكات مع مصممين ومؤسسات إبداعية من مختلف دول العالم، وذلك من خلال احتضانها لتطوير وترويج بعض الصناعات والفنون المتعلقة بالتراث، وإعادة إحيائها لتفي باحتياجات السوق المحلية، وفي نفس الوقت نشر الوعي والحس الجمالي، لما تحمله هذة المنتجات من إرث ثقافي، وقد قامت بعض المشاريع في هذا الصدد كمشروع "إرثي للحرف المعاصرة" في مدينة الشارقة، وكذلك مشروع "زولية"، ضمن مبادرات الشيخة فاطمة بنت محمد بن زايد. 
 

 رسالتك الخاصة بالدكتوراة كانت في فلسفة الفن، فما الدور الحقيقي للفن في هذا العصر؟

الوقت الحالي يحتاج تكاتف الجهود لإنقاد البشر من الحروب والتبدلات المناخية التي تحدث في البيئة، يجب أن يلجأ الفن إلى نشر الأفكار والموضوعات الهادفة من خلال منصات الفن، ومسايرة التطور التكنولوجي لطرح أفكار ومبادرات للحفاظ على البيئة.

كما يجب أن يقوم الفنان بالتعاون مع المؤسسات الخاصة، وفي نفس الوقت يجب أن تعمل المؤسسات الحكومية المعنية بالإبداع على احتضان المواهب الشابة، وتحفيزها للابتكار، حيث إن العالم يحتاج إلى مبادرات وخطط يستطيع من خلالها وضع حلول لما يحدث حولنا من تغيرات بيئية، وأن يتدخل الفن بكل ثقله في تحريك عنصر الجمال، فالفن أصبح اليوم له دور بارز في كل مقومات الحياة الاجتماعية الحديثة، فالتطور الصناعي الحديث يعتبر إلهاماً من إلهامات الفن، وعليه فإن العديد من الصناعات المتقدمة تدين للفن بكل الفضل، كما تدين للفكر والعقل البشري بكل الولاء.

لقد أصبح الفن التشكيلي اليوم ليس رسم لوحة فقط، أو صناعة آنية، أونحت تمثال، بقدر ما هو نقطة انطلاق بناءه لإحداث تغير في سلوك الأفراد وتغير للثقافة، لارتباطه بقدر كبير على عامل الرؤية البصرية.

أتمنى أن تكون "الثقافة البصرية" مادة أساسية في المدارس، وإعطاء الاهتمام لها في كل نواحي الحياة، اليوم العالم يواجه تحديات كبرى، ولذلك يتجه الجميع إلى زيادة الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة، وحماية البيئة، ومواجهة التغير المناخي، وفي هذا الصدد يكون دور الفن عاملاً مهماً لنشر الوعي بصورة بها نوع من التوجيه الجمالي، وبهذا تتضافر الجهود لحماية كوكب الأرض، لننعم بالحياة الصحية والجمال الطبيعي للبيئة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها