في الطريق إلى النّحت

أحمد الخطيب


{1}

✧ منحوتة بجمالها 

منحوتةٌ بجمالها
هذي الرواياتُ التي طرأ الندى في زهرها
فأثار نحلتها
ولم يلبسْ رداء الخوف من غيمٍ
رقيقٍ ينتمي للأرضِ
كانت لي أساطيرٌ معبّأةٌ بماء تراكم الأحداث
ما أثثتها
إلا لكي أمشي وحيدا
منحوتةٌ بجمالها
والشعرُ عززها بمائدة الكتابة، فانتظرنا
خلوة الأبناءِ، هل أبدو
غريبًا حين يذكرني حفيدي
أو أُطِلُّ على كلام الإرثِ، من وجعٍ، سعيدا

{2}

✧ حقول المفردات 

كجناحِ قبرةٍ، كحلم تائهِ
مرَّ الغريبُ بحزنهِ وبدائهِ
مرَّتْ حقولُ المفرداتِ عزيزةً
لمّا تكاثرَ واستحمّ بمائهِ
أعطتهُ قلبَ الأرضِ عند هبوبها
وأتتهُ تسعى من غيومِ سمائهِ
هو شاعرٌ، إنْ جاز مثلكَ حاجزًا
وأتمَّ نصف صلاتهِ ببكائهِ
لكنّهُ، أبدًا، توارثَ نصّهُ
مِنْ عهد من أغنى حدوس بلائهِ
فالمحْ يديهِ تقيسُ نبضَ كلامهِ
وتلفُّ جرحَ الريح في إملائهِ

{3}

✧ أحلام مكسّرة 

تخيّلتُ بأنَّ الحبَّ مكتوبٌ على كتفي
وأنّ القسمةَ الأولى حصارٌ في رؤى العزفِ
وأنّ القسمة الأخرى
جلالُ الوصفِ إذ يغدو إلى وصفي
وأنّ القسمةَ الملقاةَ في بحر مِنَ الفوضى
ترود الماءَ في فخارةِ الوقْفِ
ولكني تخيّلتُ بأنّ الحبَّ أحلامٌ مكسَّرةٌ
وأنّ القسمة الكبرى
-إذا لم تنبس الشفتانِ بالمعنى- مغبّرةٌ
وأنّ شواطئَ النسيانِ
قلبٌ غادَرَ الأحلام بالنزفِ
لهذا لم يعدْ يكفي
بأنَّ الحرفَ في كفّي
تقلّبَ في منازلهِ
وقال لشاعرِ المعنى، على مهلٍ، هنا: يكفي!

{4}

✧ طواف الوداع 

طفْ بالمرايا
وقلْ هذي مبرّأةٌ مِنْ كلِّ عيبٍ
ولكن شابها خَلَلُ
طف بالمرايا، كفافًا، وارقَ فتنتها
لا يظهرُ الشكلُ
إلا حين يكتمِلُ
وطُفْ كما الماء، لا مجرى تلوذُ بهِ
إنْ لم يكنْ في المرايا
شاعرٌ ثَمِلُ
وطُفْ كفافًا، إذا ما النحلُ أرّقهُ شمّ الورودِ
ولم يأنسْ بهِ الجبلُ
وطفْ طوافَ وداعٍ لا رجوع لهُ
إلا إذا دمعتْ في بابهِ المُقَلُ

{5}

✧ شاعر مقروء 
 إلى عزت الطيري

يلتفِتُ الآنَ وحيدًا نحو سماءِ الشعر
إلى أخيلة الماءِ
إلى تفجيرِ المعنى
نحو علوِّ جناحٍ
لا يبسط مِنْ ريش الأسرارِ سوى
ما يتنزّلُ بالوحي، وما قد يحسِمُ
أمرَ الشعرِ بهذا العصر الموبوءْ!
فتنبسُ أغنيةٌ بين شفاه العشّاقٍ، سكارى
 يا عالَمُ، إكرامًا، بهدوءْ
 للشاعر حين يُداري قصتهُ
عن أعينِ مَنْ ناموا في باب الجملةِ
مِنْ غير وضوءْ!
لا يمْسَسْ أخيلة الشاعرِ إلا الشاعر
والناسُ إذا احتجبوا عن سيرتهِ، ماتوا
وإذا ما افترشوا أسئلةَ المعنى، لن يجدوا المعنى
إلا في جبَّة شاعرهِ المقروءْ!

{6}

✧ الممشى 

أهندسُ الشعرَ
أم أختالُ بالممشى
أم أتّقي الحزنَ في ميزانهِ الأعشى
أمْ أعتلي سرج خيل الماء أغنيةً
ما قلتُ شيئًا، ولكنْ صار لي ممشى
وصار مُحْتَشِمًا إذ قلتُ مُحْتَشِمًا:
 إني نسيتُ من الأحزانِ ما يغشى
فمالَ مِنْ سُرُرِ المبنى إلى يدهِ
وانساقَ يتبعُ في أيامهمْ نعشا
لكنني وترٌ في عُودِ ثورتهِ
وثورةُ الشعرِ لا تأتي لمن يعشى
تمشي القصائدُ في ثوب المدى
ومتى تجِدُّ بالسعي
يزهو خلفها الممشى

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها