مدينةُ مولاي إدريس زرهون!

آثار دينية ومعالم تاريخية

د. أحمد سوالم


بعد رحلة ماتعة في مآثر المدينة الإسماعيلية مكناس، تعرفنا خلالها على مدينتها العتيقة، المحاطة بسور ممتد على مسافة أربعين كيلومتراً، وعلى باب المنصور التاريخي بزخرفاته البديعة، وسجن قارة الغريب العجيب، إضافة إلى ساحة لهديم وما تحويه من الفنون الشعبية، كفن الحلقة إلى الألعاب المخصصة للأطفال. كما استمتعنا بالتراث الكولونيالي بمنطقة حمرية؛ إنها رحلة فيها متعة للعين وراحة للنفس، وسباحة في عمق التاريخ المغربي المتعدد الجوانب والأبعاد.
 



في طريقنا إلى موقع وليلي الأثري، وفي منظر بانورامي بديع، تبدو لك مدينة جميلة تتربع على جبل؛ إنها مدينة مولاي إدريس زرهون، الواقعة على بعد 25 كيلمتراً من مكناس، و3 كلم من موقع وليلي الأثري، في مقدمة جبال الريف بكتلة زرهون التي يصل ارتفاعها ما بين 1050م و1060م، وتعد أول مدينة إسلامية في شمال إفريقيا، وعاصمة أول دولة إسلامية في المغرب وإفريقيا مستقلة عن المشرق العربي هي دولة الأدارسة.
 

 

 دلالة الاسم والموقع 

اشتقت مدينة مولاي إدريس زرهون اسمها، من مولاي إدريس الأكبر مؤسس دولة الأدارسة، وإلى موقعها على جبل زرهون على ارتفاع 550م على سطح البحر. وهي مدينة بمميزات خاصة، فهي مرتبطة بالدولة الإدريسية، ما جعلها مدينة روحية لدى المغاربة لكونها موقع قبر إدريس الأول، ومما جعلها محظورة على غير المسلمين حتى عام 1912م، سنة فرض معاهدة الحماية على المغرب. ولم يتمكن الأجانب من الإقامة فيها حتى سنة 2005، كما أنها ممنوعة من التوسع العمراني وفق ظهير 19 نوفمبر 1920، وما زال العمل سارياً به إلى الآن.
وعرفت مولاي إدريس زرهون منذ القدم، بأنشطتها الفلاحية المنتشرة عبر أرجائها، مما جعل المدينة تشتهر بزيت زيتونها المتميز بنكهتها الخاصة، وبمعاصر الزيتون التقليدية المنتشرة بها بكثرة والتي تعمل بشكل تقليدي، إضافة إلى المطاحن العصرية.

تراث مادي زاخر

تزخر مدينة مولاي إدريس زرهون بتراث مادي زاخر، يعكس تاريخها وأهميتها في محطات من تاريخ المغرب، منها ما يعود للفترة الرومانية كعين الحامة، وهي عبارة عن حوض للسباحة مستدير الشكل ذات عمق لا يتجاوز المترين، عرفت بمعالجتها للأمراض الجلدية؛ لكونها تحتوي على نسبة مهمة من الكبريت. وارتبطت بهذه الفترة كذلك قناة هارون ذات الارتفاع الذي يصل لستة أمتار، والمكونة من أقواس طولية الشكل.

ارتبطت مدينة مولاي إدريس زرهون بقبر مؤسسها المولى إدريس الأكبر، الذي يعد ضريحه معلماً سياحياً بالمدينة، ومزاراً روحياً للمغاربة من مختلف البوادي والحواضر لإحياء الطقوس والاحتفالات الروحية، وإقامة حلقات الذكر والدروس، والمديح والسماع الصوفي في موسمه السنوي فيما يصطلح عليه "حج المسكين"، الذي يشكل فرصة لخلق انتعاشة اقتصادية في المدينة التي تعيش وتغض في سبات عميق طيلة السنة.
 

وضريح مولاي إدريس، هو عبارة عن مركب ديني فوق ضريحه قبة مزخرفة بألوان زاهية. ويضم مسجدين: مسجد شيده المولى إدريس في القرن 11م هو المسجد الأعظم، والمسجد الحسني الذي أمر الحسن الأول ببنائه سنة 1886م. وقد عرف الضريح عدة إصلاحات وتوسعات، أهمها التي تمت في عهد السلطان العلوي المولى إسماعيل الذي أمر سنة 1132 هجرية بهدمه، وشراء الأصول المجاورة من جهاته الأربع من أصحابها، وأعاد بناءه في هيئة بديعة، حيث استمر البناء إلى أن تم سنة 1134هجرية.

ومن المعالم الثقافية التاريخية بالمدينة، الخزانة الإدريسية التي تحتوي نسخاً من الكتب في العلوم المختلفة (القرآن، التفسير، الحديث، الفقه، الأصول، اللغة، التاريخ والحساب...). وأصلها، من تحبيسات العلماء والمحسنين من عامة المسلمين، لكن أغلبها من طرف سلاطين الدولة العلوية، والخواتم السلطانية تشهد على ذلك.

أما الآثار المرتبطة بالفترة الاستعمارية، فنجد القنطرتين المائيتين المشيدتان على الأودية المارة عبر المدينة، وصومعة السنتيسي التي تتواجد بجامع السنتيسي، والتي تم بناؤها من طرف الحاج إدريس السنتيسي سنة1939 م، وتتميز بشكلها الأسطواني الفريد، المزين بفسيفساء خضراء كتبت عليها آيات قرآنية بالأبيض، وهي نموذج معماري فريد تتميز به زرهون عن باقي جوامع ومساجد الحواضر المغربية.

زيارة مولاي إدريس زرهون لا تكتمل دون زيارة دروج الحافة، وهي عبارة عن أكثر من 100 درج، تمكن زائرها من الفوز بمنظر رائع للمدينة ونواحيها، وتعكس تأقلم الإنسان مع وسطه الطبيعي الجبلي، من خلال تعمير وبناء مساكن تراعي هذه الخصوصية. كما أن أبوابها التاريخية، كباب القصبة، وباب الحجر، وباب الرشاش... شاهدة على التطور المعماري للمدينة.
 

نافلة القول؛ لقد احتضنت مدينة مولاي إدريس زرهون ميلاد أول دولة إسلامية في المغرب وإفريقيا مستقلة عن المشرق العربي، حيث آوتْ قبائلها المولى إدريس الأكبر، وجعلته حاكماً عليها لنسبه الشريف، ما جعل المدينة تعيش ازدهاراً على مختلف الأوجه خلال تلك الفترة. إلا أن ذلك الماضي المشرق، يقابله حاضر بئيس، حيث تعيش هذه الحاضرة في سبات عميق، متخلفة عن مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي تعيشه الحواضر المغربية الأخرى، ما يدعو إلى مزيد من الاهتمام بهذه المنطقة إنصافاً للتاريخ والجغرافيا.


المراجع المساعدة:
- بوحدود وفاء، التراث الثقافي المادي لمدينة مولاي إدريس زرهون أول مدينة إسلامية شمال إفريقيا، مجلة كان التاريخية، السنة 11، العدد 39، مارس 2018، ص: 80-73.
- زيارة ميدانية
- ورقية عبد الرزاق، مولاي إدريس زرهون عناية ملوك الدولة العلوية الشريفة بخزانة المولى إدريس من خلال تحبيس الكتب العلمية، مجلة دعوة الحق، العدد 404 صفر 1434ه/ يناير 2013م.

 

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها