تنحنح الرجل الغريب الذي يشاركني المقعد في الحديقة. الرجل الذي لم أنتبه لوجوده حتى هذه اللحظة. لا بُدّ أنه كان يراقبني منذ البداية، منذ جلست على المقعد، وأخرجت صورتها من جيبي ومزقتها، يا لخجلي بالتأكيد رآني وأنا أحاول إعادة تجميعها، وسمعني وأنا ألعن نفسي على تسرعي. رجلٌ فضولي، متلصلص، يحشر نفسه في أشياء لا علاقة له بها، لماذا أعطيه كل هذه الأهمية؟ وحتى لو رأى الدموع التي كانت تنهمر كالشلال من عيني، لا شيء يستدعي الخجل، وإن كان على أحد هنا أن يخجل فهو الأولى بهذا الخجل. آه، لكنني فعلاً خجل، لا أحب أن يرى أحد دموعي. سأخترع حجة، سأتحجج بالطقس بصوت عالٍ وأغادر، وأترك له المقعد والحديقة. ولكن ماذا لو كان هنا أثناء حديثي الهاتفي معها، ماذا لو سمع توسلاتي، يا له من رجل خبيث، كان عليه المغادرة بعد أن سمعني، لكنه بدلاً من ذلك ما زال ينظر إلي بطرف عينه، كأنه يحاول أن يقول: "سمعت كل شيء، أيها النذل الوضيع لماذا تفعل بنفسك ما تفعل، اتركها وشأنها".
كنت على وشك أن أبرحه ضرباً، فمن يملك مثل هذه النظرة بالتأكيد لا يعرف شيئاً عن الحب ولا عن ألم الفراق، ولا عن القلوب المصفرة الخائفة من السقوط، سأنظر في عينيه مباشرة وأغادر. سأبدو غير مكترث إن غادرت وتركته.
ماذا الآن؟ إنه يبتسم، يبتسم لي أنا، يا إلهي، يحاول هذا الرجل استفزازي بأي طريقة، يريد أن يؤكد لي أنه سمع كل شيء. ما هذا اليوم يا الله، في الصباح، أستيقظ والعالم مقلوب فوق رأسي، وها أنا هنا الآن قد صرت أضحوكة لرجل لا أعرفه، وفقط لأنني لم أنتبه لوجوده، لأنني كنت غارقاً في خيبتي. كيف سأغادر الآن؟ بعد تلك الابتسامة الغبية التي صوبها باتجاه كرامتي. كيف سأحل الأمر مع نفسي لو غادرت وتركته يفرح بانتصاره ويحولني لقصة مضحكة يرويها لأصدقائه الليلة؟ بالتأكيد، لن أتمكن من النوم للأبد، سأتخيلهم وهم يقهقهون، ويضربون على بطونهم من الضحك وهو يعيد عليهم ما قلته: "سأكون خادمك مدى الحياة فقط لا تغادري وتتركيني للوحدة تأكلني". كم أني رجل غبي، كيف لم أنتبه لوجوده جانبي، وكيف لي أن أقول مثل هذه العبارة، دون أن أتلفت يميناً وشمالاً وأتأكد أني لوحدي. والآن ما نفع كل هذا الهراء، كيف سأحل هذه المصيبة التي وقعت فوق رأسي؟
كم هو بارع في استفزازي، ما زال يبتسم، ويصر على الصمت، فقط لو يقول شيئاً، أي شيء، ربما، يوحي لي كلامه بمخرج يحفظ كرامتي، آه كرامتي كم تؤلمني، أشعر أني على وشك الموت غيظاً منه، وقهراً منها، لو لم تكن بكل هذا العناد، هل كنت مضطراً لقول أمورنا الحميمة هنا، على هذا المقعد، في هذه الحديقة، وهذا الرجل بجانبي.
يا إلهي، حصل ما لا يحمد عقباه، وكأن الرجل يجهز نفسه للمغادرة، هذا ما لم أحسب حسابه، أن يغادر، قبل أن أستجمع قواي، وأواجهه بحقيقته، أو على الأقل ألقنه درساً بالأخلاق، أو ربما قد أتوسل إليه ألا يخبر أحداً، لا أريد أن أصير علكة في أفواه الناس.
استجمعت قواي أخيراً، كان قد خطا خطوة واحدة فقط، عندما ناديته، أيها الرجل قف، هناك أمر عالق بيننا، لم يرد، ولم يلتفت حتى. رفعت صوتي أكثر، لكنه تابع السير، متجاهلاً صوتي، ومصراً على استفزازي حتى اللحظة الأخيرة. ركضت وراءه، وأنا أصرخ، لم يرد، أخيراً صرت أمامه، وجهاً لوجه، وبكل ما أوتيت من شجاعة، قلت متوسلاً: "هل يمكنك أن تتجاهل ما سمعته، الأمر شخصي جداً، وأنا اعتقدت أني وحدي".
كنت أتابع كلامي بتأتأة محاولاً تخويفه مرة واستعطافه مرات، عندما أخرج من جيبه سماعة وضعها في أذنه، وأشار لي بيده أن أعيد كلامي بصوت عالٍ وعلى مهل..