اللغة هي نسق من الإشارات والرموز التي يتواصل من خلالها البشر، والسينما لغة بلا شك ولكنها لغة ذات طبيعة خاصة، يمكننا بسهولة فهمها إذا ما عرفنا مفاتيحها لفك شفراتها. السينما هي لغة صورة بالأساس، ويمكن القول إنها لغة سمعية بصرية، فالسينما خطاب سمعي بصري تتداخل فيه الأبعاد السمعية البصرية1. وهناك قواعد معينة لهذه اللغة وأساليب لقراءتها. هذا المقال يهدف إلى التعريف بمجموعة من قواعد لغة الصورة السينمائية، وذلك من أجل فهم علاقات القوة بين الأبطال داخل الكادر السينمائي.
يقول المؤرخ والناقد السينمائي جان ميترى في كتابه "جمال وسيكولوجيا السينما": بأن السينما كوسيلة اتصال هي بمثابة لغة لقدرتها على تنظيم الأفكار، وبنائها ونقلها للآراء وتحويلها، وهذه اللغة ترتكز أساساً على الصورة، وعلى تعاقب الصور، بمعنى أن الصور حسب النوع الحكائي المختار في شكل نظام "دلائل ورموز"؛ أي في تشكل لقطات ومتتاليات، كما أن هذه اللغة تختلف عن اللسان البشري لأنها لا تستمد دلالتها من صور اعتباطية، ولكن من خلال إعادة إنتاج الشبه البصري والصوتي2. ويُعد المخرج العالمي الشهير سيرجي آيزنشتاين Sergei Eisenstein أول من نبه إلى أن اللغة السينمائية هي كل ما يتركب من عدد من العناصر المشتركة في نقل المعنى، مثل الصوت والصورة. كما يُقصد باللغة السينمائية أيضاً كيفية تعبير الشريط السينمائي عن القصة، وكيفية نقل الفكرة أو المضمون إلى المشاهد، ومن ثم فإن لغة الفيلم السينمائي تعني الوسائل التي تتولى مهمة هذا النقل، ولذلك لا يمكن الحكم على اللغة السينمائية بقيمتها الجمالية فقط، ولكن بقدرتها على تحول القصة المكتوبة إلى لغة مرئية سمعية3. ويرى الفيلسوف كريستين ميتز "Christian Metz" أن اللغة السينمائية لغة مركبة، تتألف من اقتران خمسة عناصر دالة، وهي تنقسم كالآتي إلى: عنصرين للصورة، وثلاثة عناصر للصوت:
عنصران أساسيان للصورة:
‒ الصورة الفوتوغرافية المتحركة.
‒ البيانات المكتوبة.
ثلاثة عناصر للصوت:
‒ الصوت المنطوق به.
‒ الصوت التشابهي.
‒ الصوت الموسيقي4.
من بين العناصر الدالة الخمسة التي ذكرها كريستين ميتز المكونة للغة السينمائية، تعد الصورة السينمائية "الصورة المتحركة" هي العنصر الوحيد الخاص باللغة السينمائية لوحدها.
فيما رأى منظرون آخرون أن الخطاب السينمائي يتكون من أربعة عناصر مهمة، تعتبر في نفس الوقت مميزات له وهي: المونتاج، السردية الفيلمية، سيميائية الإضاءة والإعتام، حركات الكاميرا وزوايا التصوير وسلم اللقطات5. فعناصر الخطاب السينمائي تكون إما مرئية أو مسموعة. تتلخص اللغة المرئية في حركات الجسد وتعبيرات الوجه، والتواصل بالعينين. أما المسموعة فهي تتعلق بالأصوات مثل المؤثرات الصوتية، الموسيقى، الحوار6.
وتتميز السينما بلغة الصورة وهي الأكثر التصاقاً بالواقع، وهي أكثر قدرة على التعبير عنه؛ لأنها تتميز بجانب مادي ملموس على خلاف العلامة اللغوية، فأي كلمة من كلمات المعجم لا تمت بصلة إلى الشيء الذي تشير إليه، وتختلف من لغة إلى لغة، ولكن الصورة تعبر حدود اللغات فالصورة علامة عبر لغوية Trans linguistic7.
وانطلاقاً من مبدأ تعددية عناصر الفيلم، رأى كثير من المنظرين أن الفيلم لا يمكن تحليله سوى من منظور تعددية عناصره. ولذا رأى بعض المنظرين أن لغة الفيلم تقترب من لغة الشعر لإضافتها مستوى ثانٍ للمعنى؛ أي تضيف مفهوماً جديداً للصورة المتحركة، والتي في حد ذاتها تدل على مفهوم محدد فتأثير التركيب الحركي لكل جزئية فيلمية، وإضافة اللون والإيقاع والموسيقى، كل ذلك يضيف مستوى ثانٍ للمعنى8. عند تحليل تلك العناصر لا بُدّ من فهم أنها تتداخل لإيصال معنى محدد.
ومن أجل فهم لغة الفيلم السينمائي لا بُد من الإشارة إلى مجموعة من التعريفات الأساسية لمكونات الفيلم كاللقطة، التأطير، زوايا الكاميرا، الصورة والصورة المتحركة.
اللقطة Shot:
إن اللقطة هي أصغر وحدة تحليلية في الفيلم. تركز مقاربة الباحث السينمائي فرانسيس فانوي Francis Vanoye على أن اللقطة هي الوحدة الأساسية لتحليل الفيلم؛ لأن اللقطة هي الوحدة الأساسية في تشكيل السرد السينمائي. هذا وإن ركزت مقاربة فانوي على استقراء مكونات الخطاب البصري، ولكنه أشار إلى التشابكات في الفيلم السينمائي بين الخطاب البصري، والأدوات التعبيرية الأخرى كالحوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية الخاصة9.
حاول كريستان ميتز التوفيق بين هوية اللقطة بالكلمة والمشهد بالجملة.. رأى ميتز أن اللقطات هي من إبداع من ينتجها وليست كالكلمات الموجودة معجمياً، تنتج اللقطة عدداً غير محدود من المعلومات غير المرتبة، بينما الكلمة في أغلب الحالات لها معنى واحداً أو متعددة المعاني، اللقطة هي وحدة حقيقية خلافاً للكلمات التي هي وحدة معجمية صرفة افتراضية، تتشكل حسب ما يستخدمها المحاور10.
واللقطة تمثل مقاطع من الزمان والمكان. ويختلف حجم اللقطة ما بين اللقطة القريبة، اللقطة المتوسطة، اللقطة التفصيلية أو لقطة ماكرو، اللقطة الأمريكية أو لقطة الثلاثة أرباع، اللقطة العامة أو الشاملة11.
إن بنية الفيلم، أو السياق الفيلمي أولاً وقبل كل شيء ما هو إلا تتابع للقطات فوتوغرافية سينمائية وفقاً لمخطط فكري فني يحركه الفكر؛ أي وفقاً لسياق لغوي، وهو ما يسمى بالنص المكتوب12. إن عين الكاميرا لا تعكس المعنى المباشر للشيء المادي الحقيقي بواسطة فكر الإنسان، فالشيء المادي الطبيعي أو الموجود في الطبيعة هو المستوى الأول، أي يمثل المستوى الأول لعملية الخلق الفني13.
التأطير Framing:
يعني التأطير تقييد الجزء الواقعي الذي يحيط بنا داخل مربع أو مستطيل، الإطار أو الحقل، هو إذن جزء من مساحة الإطار الموجود. وهناك ستة مؤشرات رسمية تحدد التأطير:
‒ الإطار أو الحقل.
‒ بعد الكاميرا عن الموضوع أو الشخصية.
‒ العدسات المستخدمة.
‒ عمق الحقل.
‒ زاوية الكاميرا.
‒ نوع الفيلم14.
زوايا الكاميرا Angles:
تختلف زوايا الكاميرا ما بين زاوية كاميرا مرتفعة، فتنظر إلى الشخص أو الشيء في الكادر من أعلى، وزاوية كاميرا منخفضة فتنظر إلى الشخص أو الشيء في الكادر من أسفل، وهناك أيضاً اللقطة الجانبية.
اللقطة من زاوية مرتفعة:
عندما نرفع الكاميرا فوق نظرة الشخص نحرك زاويتها عمودية لنؤطر؛ فإننا نصور هنا لقطة بيكادا، وهو ما يفيد الشعور لدى المتفرج بالفوقية واصفة إياه في وضعية متميزة عند المراقبة15.
اللقطة من زاوية منخفضة:
عندما تنخفض الكاميرا ويتم جعل زاويتها مختلفة عمودياً لتأطير الموضوع أو الشخصية المصورة؛ فإننا نصور لقطة (كونتى بيكادا) حسبما أشار الباحث جيرارد ميليرسون، فالنظرة المنخفضة تجعل الشخصيات تبدو أكثر قوة وذاتية، فهنا الشخصيات في العمل الفني تكون في لقطة عليا من نظرة المتفرج، ولذا يعطى إحساس بالتضخيم والعلو والسمو16.
اللقطة نصف الجانبية:
تفرق هذه اللقطة الاتصال بين الموضوع المصور والمتفرج. اللقطة نصف الجانبية تعتبر رؤية أكثر بعداً، تحرر المتفرج من ضغط القرب من نظرة الممثلين. يشعر المتفرج نفسه بالمراقبة؛ لأنه لا يوضع في منتصف الحدث، فلم يتدخل بشكل إجباري. عند وضع المتفرج أكثر بعداً عن الأحداث، ربما يفقد عاطفة ما تجاه هؤلاء، لكنه يمنح إمكانية التفكير باستقلالية عمن حولهم17.
المحور الأفقى النصف اسكورتو، الاسكتورتو، لقطة الظهر:
دائماً عندما يتم تصوير شخصية بزاوية ما بين (145) و(180) درجة فتعطي نوعاً من الهاجس في المتفرج، وذلك عندما يتم وضع المتفرج في نقطة مراقبة غير مريحة18. ولقطة الاسكورتو تعني تسليط الإضاءة على شخصيات محددة، وتسمى هذه الإطارات بالإنجليزية Over the shoulder أو اللقطة فوق الكتف. تتألف تقنية الاسكورتو في وضع مواضيع أو شخصيات في المواقع الأولى معطية ظهرها للكاميرا للحصول على:
1. تضخيم وجهة النظر للشخصية للموضوع وظهرها للكاميرا.
2. تقوية الشعور بالانفصال أو الخصوصية بين الشخصيات المصورة.
3. منح عمق ومنظور للصورة.
4. التعويض عن الفراغ أو اللقطات القريبة المصورة بالأشكال البانورامية.
ومن استخدامات الاسكتورتات أيضاً العلاقة بين الجسم والفراغ في الصوت، فكلما كان الجسم أصغر، كلما كان الفراغ أكبر19.
الصورة Image:
الفكرة السينمائية مهما كان مصدرها مسرحية، رواية، هي حكاية تخضع لعديد من التعديلات عندما يتم تناولها إخراجياً، فالمضمون الدلالي التداولي يمكن التعبير عنه بلغة بصرية تعتمد على اللون والتقطيع، وزاوية الرؤية والعرض مع ما تتطلبه هذه الأبعاد من تموقع معين للكاميرا في مكان خاص هو في حد ذاته جزء من الدلالة20.
الصورة المتحركة Moving Image:
الفيلم السينمائي ما هو إلا عبارة عن مجموعة من اللقطات الثابتة التي يتم عرضها في السينما كسلسلة متتابعة من الصور، وأن عملية الإيهام بالحركة المستمرة تنشأ من قبل هذا الاختلاف البسيط بين الحركة داخل الكادر من صورة لأخرى سواء أكان قبلها أم بعدها، والتي يحس المشاهد فيها بتواصل الحركة اعتماداً على نظرية بقاء أثر الصورة Persistence of Division، التي توصلت أن العين البشرية تستغرق جزءاً من الثانية في تسجيل انطباع الخيال ونقله إلى المخ، وبعد أن تتلقى العين هذا الانطباع تحتفظ به مدة تتراوح بين جزء من الثانية، وجزء من عشرين من الثانية بعد أن تكون الصورة نفسها قد اختلفت، مما ينتج عنه الإيهام بتواصل الحركة21.
ولكى تُفهم لغة الفيلم السينمائي أو التلفزيوني -الروائي خاصةً– لا بُدّ من تحليل الصورة إلى جزئين وهذا وفقاً لنظرية التشابه، إلى أولاً ما نريد تصويره، وثانياً إلى صورته الممثلة؛ أي أن هناك تشابهاً بين:
المستوى الأول: وهو الواقع المادي السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي.
المستوى الثاني: إعادة تشكيل هذا الواقع الملموس في حدث فيلمي، أو إدراج هذا الحدث ضمن سياق فيلمي، أو نظام فيلمي معين.
المستوى الأول هو الواقع المادي أي المستوى اللا "لساني" أو اللا لغوى، والمستوى الثاني هو المستوى اللساني الذي ينطوي على سياق لغوي أو بنية لغوية محددة. وتؤكد نظرية التشابه على أهمية التقدم التكنولوجي والصناعي لزيادة مفردات العملية الإبداعية؛ أي زيادة فاعلية الصورة الفيلمية في التعبير عن الأحداث بصورة تكاد تشبه الحقيقة والواقع.
المستوى الثاني هو المفهوم اللغوي؛ أي إعادة تشكيل المفهوم المادي كمفردة أو وحدة لغوية؛ أي إدراجها ضمن سياق لغوي أو نظام لغوي. وهو سياق اللغة الفيلمية من خلال الكادر الفيلمي وما يعكسه في تلك الصورة22.
الصورة ما هي إلا إعادة تشكيل للواقع واستخدام الكاميرا يكون بهدف محدد:
- تثبيت الحدث في زمن معين يهم المتلقي.
- ضغط الحدث: ذلك لأن كادر الكاميرات لا يتسع لنقل جميع المعلومات؛ إذ يجب أن يضغط الحدث ثقافياً وسياسياً ودينياً في زاوية معينة ليعكس الدلالات والرموز التي نريد التركيز عليها، وهكذا يمكن القول إن هذا الكادر يضغط الواقع في زاوية معينة. فسينما الواقعية أو سينما الواقع ليس لها وجود، فمجرد اختيار الكادر Cadre يحتم على السينمائيين اختياراً فنياً تكنيكياً وسياسياً وأخلاقياً؛ أي ضغط الواقع المادي المليء بالأحداث المختلفة (فعين الكاميرا تُظِهر ما تُظِهره ولا تُظهِره سواءً)23.
إن حركة الصورة الفيلمية وتتابع اللقطات تؤدي إلى الإحساس بالواقع بطريقة حسية، وليست بطريقة المنطق والفكر من خلال الاعتماد على العاطفة. فإدراك الحقيقة عن طريق الحس تزيد من إمكانية الإقناع والتأثير السريع على المتفرج24.
فاستحداث أداة التصوير السينمائي (الكاميرا السينمائية) المتحركة بعد أن كانت ثابتة، غيرت الكثير من منظور عملية المونتاج، وأيضاً إضافة الصوت إلى الصورة، وإضافة اللون إلى الصورة المتحركة. ومن المؤكد أنها أعطت إمكانات عديدة للتعبير بصورة أكثر مرونة عن الواقع، والحقائق الاجتماعية والسياسية والفكرية25.
ونركز في هذا المقال على مقاربة كريس وفان لويين في كتابهما الذي أسس لاقتراب تحليل الخطاب بعنوان: "قراءة الصور: قواعد التصميم البصري"26. فقد طرح كريس وفان لويين إطاراً للتحليل البصري، يعتمد على تحليل الصورة بشكل خاص من خلال دراسة تكنيكات الكاميرا Camera Techniques، الوظائف الفكرية Ideational Metafunctions والأبنية السردية Narrative Structures، الأبنية المفاهيمية Conceptual Structures، الوظائف الشخصية Interpersonal Metafunctions، الوظائف النصية Textual Metafunctions.
فقد تطرق كريس وفان لويين إلى تحليل الصور من خلال دراسة ثلاثة وظائف هي الوظيفة الفكرية Ideational، الوظيفة التفاعلية Interpersonal، الوظيفة النصية Textual.طبقاً لكريس وفان لويين تختلف أهمية العناصر داخل الكادر ما بين عناصر أساسية وعناصر مُصاحبِة Accompaniment.
يهمنا في إطار فهم علاقات القوة الوظيفة التفاعلية Interpersonal Metafunction. تتجسد الوظيفة التفاعلية داخل الإطار، وذلك من خلال تحليل العلاقة بين الأشخاص في الفيلم عن طريق تحليل زوايا التصوير، مثل زاوية التصوير العلوية High Angle Shot، والتحتية Low Angle Shot لإظهار علاقات القوة بين الشخصيات داخل الكادر. فتتعلق تلك الوظيفة بتفاعل الأفراد داخل الخطاب، فيتم التركيز على التواصل البصري Eye Contact بين الشخصيات ولغة الجسد والمسافة بين الشخصيات أو التواصل الاجتماعي Social Distance والتي تتجلى من خلال زوايا التصوير.
في السينما العالمية تظهر علاقات القوة بشكل واضح بين أبطال الفيلم على الشاشة، ففي فيلم "ماتيلدا" تُظهر اللقطة الأولى [1] "الزاوية العلوية" على ماتيلدا لإظهار ضعف وخوف الفتاة.

وفي اللقطة التالية [2] تنظر ماتيلدا للسيدة، فهنا يتم استخدام زاوية منخفة لتوضيح منظور ماتيلدا الصغيرة لكل من حولها.
وبالنظر إلى السينما المصرية يتضح من عدد من مشاهد تم اختيارها من أفلام اللص والكلاب، الحرام، القاهرة 30، شكاوى الفلاح الفصيح، على من نطلق الرصاص، لا شيء يهم، أهل القمة.
اللص والكلاب
في أحد مشاهد الفيلم في غرفة رؤوف علوان، يقابل علوان سعيد مهران بعدما يكتشف محاولة سعيد سرقته. فيبدو سعيد في موقف ضعيف لأنه فقير ولأنه سارق. ينظر سعيد إلى أسفل عندما يتحدث له رؤوف علوان، وهو ما يشير إلى أن رؤوف علوان في موقف قوة وسعيد في موقف ضعف. ونظرات رؤوف علوان مفعمة إصراراً وحدة، ويستخدم لغة مقنعة، وبالتالي يقنع سعيد مهران بآرائه. يهتم المخرج كمال الشيخ بإبراز اختلاف ملابس رؤوف علوان عن سعيد مهران. فسعيد تميل ملابسه للون الأبيض أما ملابس رؤوف فتميل للون الأسود، وذلك للدلالة على براءة سعيد وخداع رؤوف علوان، كما تم استخدام دخان السجائر للدلالة على الشرارة التي سيشعلها رؤوف علوان، والتي ستنتهي بحرق سعيد مهران. كما يتم استخدام الظلال في خلفية الكادر كأنها قضبان حديدية. واستخدام الظل والنور كان تكنيكاً رئيساً في أفلام الأبيض والأسود لعدم وجود ألوان. كما كانت هناك دلالة رمزية للأسماء، فسعيد هو شقيٌّ، ورؤوف هو في الواقع قاسٍ.

الحرام
يبدأ الفيلم من زاوية علوية للقرية من خلال طائرة كنقطة سواء، ثم يتم تسليط الضوء على بيوت القرية وملابس أهلها مما يدل على مظاهر الفقر المدقع الذي يعيشون فيه. كما يتم التركيز على مجموعة من المناظر مثل الحواري الضيقة والفقراء يفترشون الأرض. وهنا يتم استخدام الحواري الضيقة كنايةً عن شظف العيش. وفي إحدى اللقطات يتم استخدام الساقية بأن تحاصر رجلاً وامرأة داخل الكادر كدليل على ضيق عيشهم. يتم استخدام التباينات الضوئية أيضاً للدلالة على أن السواد يكتسح القرية، فملابس السيدات أيضاً يغلب عليها اللون الأسود وكأنه رمز للحداد. وفيما يتعلق بالصوت لم يكن هناك صوت سوى صوت الراوي، وذلك لأهمية المضمون الذي جاء على لسانه.
القاهرة 30
بعد مشاهدة مسرحية غادة الكاميليا يسير علي طه مع إحسان ويتطرقان إلى رأيهما في المسرحية. يفتتح المشهد بأفيش مسرحية غادة الكاميليا مع إشارة أن هناك حفلات خاصة للطلبة بأسعار منخفضة، وذلك ليناسب ظروف إحسان وعلي. لكل من إحسان وعلي موقف فكري مختلف، فإحسان تهتم بأسرتها وتحديداً إخوتها الصغار، أما علي فيهتم بتحسين ظروف المجتمع ككل. اهتم المخرج بأن تكون ملابس سعاد رثة أما علي فيرتدي بدلة أنيقة، وذلك كدليل على اهتمامه بنفسه، وعدم اهتمامه بإصلاح ظروفها. وكان اهتمام المخرج كبيراً باللافتات في الشارع، فعندما تقول إحسان: أنا مسؤولة عن أربعة أطفال نجد لافتة "بالمال تتحقق جميع الآمال"، فهذا هو الدافع الأساسي لإحسان، وهو الحصول على المال مهما كانت الوسيلة. فكان استخدام الخلفية من اللافتات للتأكيد على المعاني التي أراد المخرج إيصالها.
وفي أحد المشاهد الأخرى بالفيلم حينما تذهب إحسان إلى قاسم بك في شقته، نجد مجموعة من المفردات داخل الكادر من حجرة النوم الفخمة، والصالة التي تضم البار والمائدة المستديرة حولها المدفأة، والمقاعد الفخمة للتعبير عن الثراء والفخامة. عندما تدخل إحسان الحجرة يستعين المخرج بلقطة علوية لها، وهي تبدو في جانب الغرفة وحجمها صغير للدلالة على ضآلتها وحصارها ووقوعها فريسة.
شكاوى الفلاح الفصيح
يستمع الوالي للفلاح الفصيح في إنصات وتركيز، ولكنه يبدي عدم اقتناعه بما يقوله الفلاح ليستمتع بفصاحته وذلك داخل المعبد. ثم تظهر مجموعة من اللقطات السلويت Silhoute التي يختتم بها الفيلم، والفلاح يسير وخلفه ابنه، وذلك للدلالة أن الابن سيخلفه. ثم تظهر الشمس عند المغيب في الخلفية Background للدلالة على أن العدالة سوف تتحقق. وفي ذات المشهد يتم استخدام صوت المكان والمؤثرات الصوتية من خلال صوت الرياح للدلالة على تغير الظروف وتحسن الأجواء والانتقال من الظلم إلى العدل. ويتم استخدام الملابس والاكسسوار للإيحاء بالفجوة بين الوالي وبين الفلاح، فيرتدي الفلاح طوقاً من الحديد أما الحاكم فيرتدي الذهب. في أحد المشاهد يظهر الفلاح وهو منحنٍ على الأرض أمام الحاكم، وهنا يتضح بشكل جلي كيف يمكن تجسيد علاقات القوة في الكادر السينمائي.
على من نطلق الرصاص
في أحد مشاهد الفيلم يبدأ المشهد من زاوية علوية على الأصدقاء الثلاثة، وهم يسيرون في شوارع وسط البلد. ثم تتحرك الكاميرا بزاوية من داخل محل في مقدمة الكادر نجد مفروشات فاخرة على مستوى عالٍ، ويتضح أن الشخصيات الرئيسة في المشهد؛ أي الأصدقاء الثلاثة وهم محجوزون في الخارج، بحلمهم كأنهم مسجونون خارج الحلم، فيخرجون من الحلم ويصطدمون بحلم آخر، يتمثل في السيارة والسكن في العمارات السكينة الفخمة على نيل القاهرة. وقد تم اختيار المكان بدقة للتعبير عن الرفاهية الشديدة التي يعيش بها البعض، والحيرة وحالة الضياع والتوهان التي يمر بها الأصدقاء الثلاثة وهم يسيرون في شوارع القاهرة، وينتهي المشهد بأن يسير مصطفى وحده ويضيع وسط زحام القاهرة. ويتضح من الحوار اختلاف الشخصيات ما بين الشخصية الحالمة الرومانسية الممثلة في تهاني، والشخصية الواقعية سامي والشخصية الثورية مصطفى. وقد اعتنى المخرج بأزياء الأبطال، فترتدي تهاني فستاناً زاهياً يدل على الفرحة والأمل، أما سامي فيرتدي ملابس بسيطة، ومصطفى يرتدي بدلة للدلالة على حكمته. ودوماً ما يكون سامي وتهاني في مواجهة مصطفى في عدد من الكادرات كدليل على أنهم ضد وجهة نظره. وإذا تم تفكيك العناصر البصرية فنجد أن العناصر الأساسية في الكادرات كانت عمارات شاهقة، وكورنيشاً واسعاً وأثاثاً فاخراً، وسيارات فاخرة وبرج القاهرة.
لا شيء يهم
في أحد مشاهد الفيلم يظهر الصديقان حلمي وكمال. في الكادر يبدو حلمي دوماً في مواجهة كمال أو بجانبه داخل الكادر، ولكن لا ينظران إلى بعضهما البعض، وتُظهِر التكوينات أن كمال يحاول الهروب من مواجهة حلمي عندما يرفض أن يزوجه من أخته بسبب الفروق الطبقية بينهما رغم ادعائه اعتناق الاشتراكية. ومن العناصر البصرية الأساسية في الكادرات البيانو الفخم، والأثاث الفاخر، واللوحات للدلالة على فخامة القصر والمظاهر البرجوازية بصفة عامة. ويرتدي حلمي بدلة للدلالة على شخصيته المثالية المتزنة. وفي اللقطات الأخيرة من المشهد يتحرك حلمي وتتسع الكاميرا لتُظهر كمال وحلمي أسفل السلم، وأخت كمال أعلى السلم للدلالة على أنها حلم لحلمي صعب المنال.

أهل القمة
فيلم أهل القمة يتناول قصة صعود زعتر النوري الذي يحترف السرقة قبل الانفتاح، ثم مع اتباع سياسات الانفتاح الاقتصادي في فترة السادات يتجه إلى التهريب. في أحد مشاهد الفيلم يدخل الضابط محمد فوزي إلى محل النوري في سوق ليبيا، ومن خلال نظرة فوزي للمحل وللنوري وجلجلة، يتضح ذهوله من حجم ثروة النوري التي تتجلى في البضائع. يتم محاصرة النوري ومحمد فوزي وجلجلة داخل المحل، وحولهم البضائع للدلالة على سيطرة رأس المال على كل شيء. من المفردات البصرية الموجودة في الكادرات الأدوات الكهربائية، والعطور والملابس المستوردة، للتأكيد على الثراء السريع للنوري من جراء التهريب.
فيلم البداية
في فيلم البداية في المشهد الذي يجمع أحمد زكي وجميل راتب. تتضح علاقة القوة بين جميل راتب وأحمد زكي في أحد اللقطات وأثناء الصراع بينهما. رجل أعمال يسعى لبسط نفوذه وسيطرته في واحة نابيهاليا، ومثقف يتبنى أفكاراً تتعلق بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات. في كثير من المشاهد كانت توحي نظرة عين أحمد زكي بالتحدي لجميل راتب، فكان يمثل الفكر المضاد له. فحينما كان يتحدث جميل راتب مع أحمد زكي، وفي مشهد أراد فيه المخرج صلاح أبو سيف أن يبين خضوع أحمد زكي لجميل راتب، كانت نظرة عين أحمد زكي لجميل راتب في نفس المستوى، فطلب المخرج إعادة المشهد؛ لأنه إذا كان المشهد يوحي بخضوع أحمد زكي لجميل راتب، فلا بُّد أن تكون نظرة عينيه من أسفل إلى أعلى27.
زوجة رجل مهم
بطل الفيلم ضابط فاسد ذو سلطة ونفوذ واسع، ويستخدم سلطته لقهر أقرب الناس إليه. تُظهِر المشاهد الأولى من الفيلم رغبة الضابط هشام في الارتباط بمنى الطالبة الجامعية البسيطة. في أحد المشاهد التي تدور داخل محطة القطار يتم استخدام المرآة. في إحدى اللقطات داخل هذا المشهد ينظر هشام إلى منى في شباك القطار الزجاجي الذي يتم توظيفه من قبل المخرج محمد خان كمرآة، ولكن يظهر انعكاس صورة هشام على مرآة القطار وفي الخلفية منى، وهو ما يوحي أنه عندما ينظر إليها هو ينظر إلى نفسه.
ويتم استخدام المرآة في عدة لقطات في الفيلم، حين ينظر هشام إلى نفسه في المرآة للإيحاء بتمركز هشام حول ذاته فهو شخصية أنانية نرجسية. فبالرغم من أن المرآة تبدو كشيء هامشي مصاحب لهشام في عدد من المشاهد، ولكنها تبُرِز جوانب مهمة في شخصيته.
الباب المفتوح
كتبت لطيفة الزيات قصة فيلم الباب المفتوح وأخرج الفيلم هنري بركات. يعد هذا الفيلم فيلماً نسوياً يناقش قضية المرأة والمشكلات التي تواجهها. بطلة الفيلم شابة جامعية تتعرض للقهر من أبيها وأمها، وفيما بعد أستاذها في الجامعة. تكون أسيرة لهم ولمعتقداتهم التي تتمرد عليها لاحقاً بحثاً عن ذاتها وحريتها. من المشاهد الرئيسة في العمل والتي تُظِهر علاقة القوة عندما تحتج على والدها وتراجع نفسها، فتظهر صورتين للبطلة وكأنها هي وصورتها في المرآة. توضح هذه اللقطة الازدواجية وعدم اليقين الذي تعاني منه البطلة.
في هذه اللقطة تبدو البطلة في منتصف الكادر بين أبيها وخطيبها الأستاذ الجامعي، وذلك لتأكيد نقطة صراعها مع أبيها وخطيبها اللذان يؤمنان بنفس المبادئ ويقهرانها معاً.
وقد تم استخدام الأسلاك الشائكة ونور الشموع في مشهد الغارة، والذي جمع بين البطلة والبطل. الأسلاك الشائكة تعطي انطباعاً بالقيود التي تحيط بالبطلة، وعدم قدرتها على الخروج من الأسر الذي تقع فيه البطلة. توحي اللقطة بأن البطل بسبب حبه للبطلة يعاني من نفس الأسر.
خاتمة
رأينا في هذا المقال كيف يتم توظيف العديد من العناصر البصرية داخل الكادر السينمائي، لتوضيح علاقة قوة ما بين أبطال العمل. ففي أغلب الأفلام تم استخدام زوايا التصوير؛ أي زاوية علوية أو منخفضة لتوضيح علاقات القوة بين أبطال الفيلم، كما تم استخدام التقاء العيون أو التواصل البصري من خلال تكنيك Close-up للاقتراب من أعين الأبطال لتوضيح مشاعرهم تجاه الآخرين وعلاقتهم بمن حولهم. كما تجلت أيضاً علاقات القوة بين الأبطال على الشاشة من خلال أحجامهم وحجمهم، بالمقارنة بالكتل والمساحات الأخرى داخل الكادر، وكذلك توظيف الضوء والظل والنور.. تُسهِم عناصر التشكيل المختلفة المكونة للصورة ودرجة نصوعها وخفوتها، وكذلك طبيعة العدسات والمرشحات أو الفلاتر في إضفاء التأثير الذي يقوم به صانع الفيلم، ليعبر عن معنى أو فكرة أو مفهوم من مفاهيم القوة، لتصل رسالته إلى المتلقي عن طريق الصورة التي تكون في حال نجاحها أبلغ من الحوار والكلمات.
الإحالات: 1. مريم وحيد (2018)، الخطاب السياسي في السينما المصرية: دراسة في مفهوم العدالة الاجتماعية (1961-1981)، دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. ┊2. وليد قادرى ( 2011-2012)، صورة الإسلاميين في السينما المصرية تحليل سيميولوجى لفيلمى : "عمارة يعقوبيان" و"مرجان أحمد مرجان"، ماجستير، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسية والإعلام، ص: 96. ┊3. المرجع السابق، ص: 97. ┊4. المرجع السابق، ص: 98. ┊5. المرجع السابق، ص: 99. ┊6. محمد البطل (2010)، تحليل الخطاب والترجمة، (بيروت: مكتبة لبنان)، ص: 12-13. ┊7. سيزا قاسم ( 2013)، القارئ والنص: العلامة والدلالة، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص: 209. ┊ 8. نسمة البطريق لغة السينما والتلفزيون: مدخل في المنهج، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 1994)، ص: 57. ┊ 9. فايزة يخلف (2012)، سيميائيات الخطاب والصورة، (بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع)، ص: 144. ┊ 10. فران فينتورا، الخطاب السينمائي: لغة الصورة، علاء شنانة (مترجم)، (دمشق: منشورات وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينما)، ص: 8. ┊ 11. المرجع السابق، ص: 22. ┊ 12. نسمة البطريق، مرجع سبق ذكره، ص: 49. ┊ 13. المرجع السابق، ص: 55-56. ┊ 14. فران فينتورا، مرجع سبق ذكره، ص: 69. ┊ 15. المرجع السابق، ص: 128. ┊ 16. المرجع السابق، ص: 118. ┊ 17. المرجع السابق، ص: 141. ┊ 18. المرجع السابق، ص: 151. ┊ 19. المرجع السابق، ص: 151- 155. ┊ 20. عشم الشيمي (2015)، النص من المكتوب إلى المرئي: السينما المصرية نموذجاً، (القاهرة: الهيئة المصرية لقصور الثقافة)، ص: 89. ┊ 21. هشام جمال الدين، التصوير في مختلف الوسائط (الفوتوغرافي – السينمائي – التلفزيوني)، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2017)، ص: 232. ┊ 22. نسمة البطريق، مرجع سبق ذكره، ص: 67. ┊ 23. المرجع السابق، ص: 70. ┊ 24. المرجع السابق، ص: 92. ┊ 25. المرجع السابق، ص: 93.
.26Gunther Kress and Theo Van Leeuwen (2006), Reading Images : The Grammar of Visual Design, Second Edition (London and New York : Routledge)
27. مقابلة مع المخرج ومدير التصوير السينمائي الدكتور محسن أحمد، 14-12-2017.