عن رواية "أرض ملوخا" وحكايات أخرى!

حوار مع الكاتبة الإماراتية مريم راشد الكتبي

حاورته؛ دة: جيهان الياس


في قلب الصحراء الشاسعة التي تحيط بالمنطقة الوسطى في الشارقة وتحديداً مليحة، تتفتق الحكايات وتتوالد الأساطير من بين تلك الرمال الذهبية، تخرج كاتبتنا المبدعة لتنثر كلماتها مثل نسيم عليل يحمل معه عبق التاريخ وعطر البادية، وُلدتْ ونشأت في تلك الأرض التي تمزج بين جمال الطبيعة ودفْء القلوب، عاشت تفاصيلها واستنشقت نسيمها، فتشكلت لديها رؤية فريدة تجسد البساطة والعراقة في آنٍ واحد بحساسية خاصة وذوق رفيع، تغزل الكاتبة حكاياتها من خيوط الواقع وألوان الخيال، لتأخذنا في رحلة بين الكثبان الرملية والجبال وبساتين النخيل، حيث تلتقي الأرواح والمشاعر، وحيث تنبض الحياة بأصوات من الماضي وحكاياته، من هذه المنطقة الزاخرة بالأصالة والجمال، تستمد الكاتبة إلهامها لتكتب بروحٍ شرقيةٍ تفيض بالحنين والشوق، لتفتح لنا أبواب عوالمها الروائية، وتجعلنا نعيش تفاصيلها ونتنفس هواءها، وكأننا نرافقها في رحلة إبداعية لا تنتهي. 

 



 

 كيف تُلهمك الأماكن التي عشت فيها في تشكيل عوالم رواياتك وشخصياتها؟

بدايةً؛ لا بد للإلهام أن يكون حاضراً قبل كل شي، وكوني من هذه البقعة من الأرض ألا وهي مليحة كان الإلهام الأول في كل شيء عند كتابة هذه الرواية، فقد نشأت على حب واستكشاف هذه الأرض، ففيها تعمق فضولي كطفلة، ودفعني للبحث والسؤال عن كل جزء منها حتى لو لم تكن هناك أجوبة واضحة أو دقيقة لهذه الأسئلة.

 هل هناك كتابات أو أعمال فنية معينة أثرت في نهجك الروائي؟

كانت قراءاتي منوعة في عدة مجالات، ولكن الأدبية كانت تشكل الجزء الكبير، وقد بدأت بالإصدارات العربية وتوجهت لاحقا للإصدارات المترجمة، ولا بد أن هذا التنوع كان له أثر في النهج الروائي الذي اعتمدته ووجدته مناسباً لي بشكل عام.

 ما الدور الذي تلعبه الذكريات الشخصية في رواياتك؟ هل هناك حكاية مستوحاة من تجربة حقيقية؟

لا بد أن يكون للذكريات دور في الرسم الروائي ومخيلة الكاتب حتى لو كان خيالا لا يمت للواقع بصلة، وكوني نشأت وكلي فضول على استكشاف وربط ما كان يحكى من جلسات مسائية عائلية تضم أغلب أطفال العائلة والذين تستهويهم الحكايات، فقد كان لذلك أثر في شعوري بالانتماء لتلك الروايات والأحداث والتي قد تكون خيالًا بحتاً في معظمها، ولكنها ترسخت وأعطت لجانب الخيال عندي مجالًا أكبر في الاستخدام، ونعم هناك تجربة حقيقية قد تعايشت مع أحداثها ولو كانت بجزء وتجربة بسيطة شاركت بها ودعمتها من الجانب الخيالي بـ"أحداث وشخوص منوعة".

 كيف تتعاملين مع اللحظات التي تشعرين فيها بجفاف إبداعي؟ هل هناك طقوس معينة تساعدك على استعادة التدفق الإبداعي؟

لا بُد لكل كاتب أن يمر بهذا الشعور بين الفينة والأخرى وقد تطول أحياناً ولكن تختلف تجربة كل كاتب كما أتوقع في التعامل مع ذلك وإني في هذه الحالة أترك قلمي لمدة من الزمن وأتوجه لمجالات أخرى وممارسة أنشطة مختلفة حتى أعود للكتابة حين يخبرني شعور ما أن هناك تدفق لأحداث وأفكار يحتاج أن يدون وقد يكون عبارة عن صفحة أو حتى عدة صفحات إلى أن يتوقف القلم من تلقاء نفسه وهكذا.

 هل تفضلين كتابة نهايات سعيدة أم تتركين للقارئ حرية التأويل؟ ولماذا؟

من وجهة نظري لا تكتب أي رواية دون أن يكون الكاتب قد رسم النهاية مسبقاً وأن الروايات السعيدة أو التي تترك للتأويل تعتمد على توجه الكاتب في كتابة الرواية، وفي كل الأحوال قد تتغير النهاية بحسب ما يطرأ على الأحداث والشخصيات ليجد الكاتب نفسه في نهاية تحددت مع الأحداث سواء كانت سعيدة أو حزينة أو حتى تركت للتأويل. وأما عن أرض ملوخا فبالرغم من أن النهاية كانت واردة في ذهني ومدونة كذلك، إلا أن الأحداث تحكمت في رسم هذه النهاية والتي أرى أنها تشكلت بشكل متناسب مع الأحداث.

 كيف تتعاملين مع الشخصيات التي تُصبح أكبر من النص ذاته؟ هل شعرتِ يومًا أن شخصية معينة كانت تقودك بدلًا من العكس؟

هنا لا بُد للكاتب أن يتدخل وأن يكون الانقياد بسيطاً؛ إذ إنه بالفعل هناك بعض الشخصيات تجر الكاتب أن يرضخ لها في بعض المواقف أو حتى في سير الأحداث، ولكن أرى أنه لا بُد للكاتب أن يحاول الموازنة حتى لو فرضت الضحية نفسها مثلًا أو حتى إحدى الشخوص التي يميل لها الكاتب، فلا بد أن يكون هناك قاعدة أساسية يعود لها الكاتب لعمل هذا التوازن.

 ما هي برأيك القاعدة التي يمكن أن يستند إليها الكاتب لحفظ هذا التوازان؟

من وجهة نظري؛ يمكن في الرؤية الواقعية للأمور إذ لا تُعطى أي شخصية مساحة أكبر من المخصص لها، أو من واقعية وجودها ودورها في الرواية حتى لو كانت الشخصية المفضلة لدى الكاتب.

 كيف تنظرين إلى دور الرواية في تسليط الضوء على قضايا المجتمع؟ وهل هناك رسالة معينة تحرصين على إيصالها من خلال أعمالك؟

يمكن أن يستخدم الكاتب الرواية لإيصال رسالة أو رسائل ذات شأن اجتماعي وتسليط الضوء عليها أو حتى إيجاد حلول لها وهي إحدى السبل الفعالة ذات التأثير الفعال على المدى البعيد من وجهة نظري، أما عن الرسالة التي أحرص عليها، فإلى الآن لم تكن رسائل أكثر عن كونها تسليط الضوء على مدينة وحضارة، أو جزء بسيط من ملامحها كانت هنا يوما ما، وشعور الامتنان أنني من عابري هذا المكان، وقد كانت هذه الرواية عربون راسخ على محبتي وانتمائي لهذه الأرض، وإظهار ذلك من خلال قلمي في رواية أرض ملوخا.

 ما العلاقة بين الواقع والخيال في رواياتك؟ وكيف تحافظين على التوازن بينها؟

كالعلاقة بين المد والجزر كل له دوره ومكانه قد يطغى هذا حيناً وذاك حيناً آخر، وقد يكون التوازن مدروساً أو عفوياً. وبالرغم من ذلك لا بد لمراجعة النص بين وقت وآخر لتقييم التوازن المطلوب في توزيع الأدوار في الرواية.

 هل هناك موضوعات معينة تعودين إليها مرارًا في كتاباتك؟ وما الذي يجذبك إليها؟

ربما قضية الأسئلة والبحث الدائم والتأمل، ومدى ترابط العلاقات المجتمعية بشكل عام. 

 إذا كان بإمكانك العيش داخل أحد عوالم رواياتك، أيها ستختارين ولماذا؟

عن رواية أرض ملوخا قد لا أختار شخصية بعينها؛ لأن جميع الشخصيات تملك في شخصها طابعاً معيناً ومختلفاً، ولكني قد أفضل شخصية ليست موجود في هذه الرواية وهي شخصية المشاهد لكل العابرين لهذه الأرض وعلى حكاياتهم أي شخصية ما وراء الكتاب.
 

 في رواية (أرض ملوخا) كيف تظهر قصة التعقيد في العلاقات الإنسانية، خصوصاً في ظل الصراعات والحروب؟   

التعقيد في هذه الرواية يكمن في عدة نقاط بسبب ترابط شخصيات الرواية، من حيث ترابط وتشابك حياة الشخوص ببعضها، منها على سبيل المثال الفراق واللقاء بعد سنوات من البحث، والدور الذي يلعبة كل منها من مكانة حين تتفق أو تتعارض المصالح مع توجه وإيمان كل شخص ومعتقده وتجربته في الحياة، وأما عن الحروب فهي مسألة مستمرة ومتكررة لم يكن عرضها وارداً بشكل فعلي في هذه الرواية.

 ما الذي قاد القافلة إلى أرض ملوخا؟ وهل كانت الفتاة مجرد راكبة عابرة أم كان لها دور خفي في وصول القافلة إلى هناك؟ 

قافلة جمجوم ذات سمعة قوية يلجأ لها من يود المسير والاحتماء من العصابات وسرقاتها خصوصاً التجار، كما وأنها تمتد لأشهر من المسير بسبب مرورها على الكثير من المدن، أما عن الفتاة ايزيس فنعم تواجدها في القافلة، وكذلك وصولها إلى أرض ملوخا له دور خفي قد لا يظهر بشكل كامل في هذا الجزء، ولكنه حتماً سيتضح في جزء جديد.

 ما الذي يمكن أن يرمز إليه قصر الملكة بنت بجلان في القصة؟ هل هو الحماية، الأسر، أم السلطة؟

قصر الملكة بنت بجلان يرمز للسلطة، وبأن المكان يشمل كل أساسيات وشروط السلطة، والحكم بالإضافة للمعبد والسوق وغيرها من الرمزيات المهمة لأي سلطة.

 هل كان المصير النهائي للشخصيات نتيجة اختياراتهم أم القوى الخارجية التي لم يتمكنوا من السيطرة عليها؟ 

كان مصير الشخصيات أمر حتمي بعد كل ما مرت به كل شخصية منها، ورد فعل لم يكن متوقعاً بسبب تجمعهم في صدفة جمعتهم بعد سنوات، وعلى اختلاف المواقف والأسباب والشخوص.. كان كل ذلك له دور في هذا المصير.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها